مرت الذكرى الثانية للثورة الشعبية وسط مشاعر اجتماعية وسياسية متناقضة، وصمت رسمي مخيف.. الأمر الذي عزز شعور الغالبية بأن الثورة قد سرقت من يد الثوار فعلاً ومن قبل القوى التقليدية التي نزلت إلى ساحات الثورة متذرعة بالمشاركة في اسقاط النظام السابق، وقد مثل هذا فرصة تاريخية للانحراف بالثورة لصالح مشروعها في السيطرة، ويعتقد البعض بأن المبادرة الخليجية كانت هي المخرج الحقيقي من الانزلاق نحو حرب أهلية شاملة تأتي على الأخضر واليابس، ونظراً لحجم التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب وأعتقد الجميع وفي مقدمتهم الثوار.. بأن هناك سيكون احتفال رسمي بهذه المناسبة الوطنية العظيمة، ستعلن الحكومة عن إجازة رسمية كيوم وطني تاريخي، إلا أن العملية مضت وكأنها لم تكن، دون أن يشعر هؤلاء الذين وصلوا إلى دفة الحكم بفضل هؤلاء يأتي الفضل للثورة.. وليس لغيرها، وأقل ما يقدموه للشعب والإعلان عن اليوم الوطني. ربما أنا اختلف كثيراً مع من يعتقد أن المبادرة الخليجية خدمت الثورة كما خدمت القضية الوطنية، وانتهت خطر الانزلاق نحو الحرب، هذا مجرد أوهام.. فالخطر قائم، ومازالت الثورة تواجه مقاومة عنيفة من قبل الفلول والقوى المرتبطة بها. فالمبادرة إذا ما تم التعامل معها بجدية وحيوية لوجدناها قد أطاحت بالمشروع الثوري للثورة، وبأحلامهم في دولة مدنية ديمقراطية حديثة تزول في إطارها التمايزات، ويتلاشى فيها الاستبداد، وهي في تقديري خطيئة تاريخية كبيرة لم تبق من أحلام الثورة.. وإنما أجهزت عليها بوحشية، ونعتقد أن الدولة المدنية الديمقراطية، الحديث غير ممكنة التحقق في ظل هذه المعطيات لأن القوى المتوافقة وكذا بعض القوى الثورية التي لم تلحق بها في التوافق ليست مؤهلة لأحداث التغيير الفعلي الذي نريد، وما يجري في الواقع شيء مختلف جداً، فالفساد بكل أشكاله وأنواعه يعاد انتاجه من داخل الساحات، وباسمها، والإجراءات التي يتم اتخاذها من وقت إلى آخر وعلى مختلف المستويات والأصعدة، لا تلبي متطلبات الواقع، ولا تؤدي إلى تغيير حقيقي، والحوار الوطني الذي يجري الآن التحضير له وفي ظل هذه الأجواء الغير صحية والغير سلمية مضيعة للوقت والجهد والمال، فالحوار ينبغي أن ينحصر حول قضايا واتجاهات عامة.. والبحث عن القواسم المشتركة، وإلا سيكون نوع من المناورة والهروب وتعقيد الأمور ووضع الحواجز والمنحنيات في طريقها. ولكي يحدث الحوار لابد أولاً من إزالة أسباب التوتر، وخصوصاً بقايا النظام السابق والتي لا تزال متمسكة بمفاصل القوة الجيش والثروة، والانتقال السلمي للسلطة الذي حدث لايزال محدوداً إلا يلبي الحد الأدنى من متطلبات الثورة، وممارسة الرئيس السابق لصلاحيات سياسية واجتماعية، وتدخله في الشأن العام لايزال يعيق الانتقال السياسي للسلطة، وهذا لا يتعارض مع مبادئ أي تسوية سياسية تفضي إلى أحداث تحول حقيقي في الواقع. ويفترض في هذا أن يتم الحوار حول طبيعة الدولة التي نريدها، والنظام السياسي الذي يحقق لنا مهمة الانبعاث الحضاري والخروج من المأزق الذي نحن فيه. فالحوار تاريخياً فشل وفشلت معه كل المحاولات الرامية للتقدم فيه، ولكنا الآن أصبحنا أمام استحقاق جديد يتناسب وطبيعة الثورة التي أطاحت بأحلام جرذان السلطة. فالنظام البرلماني هو الأكثر حيوية وديناميكية وقدرة على التعاطي مع ما يطرح حول الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، والفيدرالية “الموروث التقليدي» للمجتمع اليمني والتي أدى الأخذ بها قديماً إلى بناء أعرق حضارة إنسانية، بالإضافة إلى الانتخابات وفقاً للقائمة النسبية التي تكون فرص التزوير فيها ضئيلة جداً، وتوفير عدالة التمثيل لمختلف المكونات السياسي والاجتماعية. وهنا يأتي الحوار باعتباره ضرورة تاريخية إنسانية، وهذه القضايا ضرورية للوصول إلى دستور جديد يأخذ بكل ما يصبو إليه اليمنيون فنزع فتيل القوة والانفجار مرهون بنجاح الحوار الوطني الشامل باعتباره الوسيلة الوحيدة للخروج من الأزمة، والاتفاق على محددات وطنية للخروج من الأزمة نظراً لوجود قوى متعددة في اليمن تحاول جر البلد إلى مشاريعها الخاصة. كما ينبغي النظر للحوار باعتباره واجباً دينياً وأخلاقياً، ولكي يكون قادراً على تحقيق أهدافه بالكامل لابد وأن يكون صادقاً وموضوعياً وشفافاً يقوم على أساس الاعتراف بالآخر وبأحقيته في الحياة، ونبذ كل أشكال التطرف والغلو أو الاستفزاز والاستقواء بالقبيلة أو السلاح أو التفكير أو إرغام الناس على فرض سياسة الأمر الواقع، والنظر إلى الوحدة على أنها مقدس وليس مشروعاً وطنياً يتطلب التوافق عليه، ويعمد بالحوار والتفاهم المشترك وليس بالدم، والحوار هو الطريقة الأمثل للوصول إلى الهدف الاستراتيجي الأمثل والمنطلق العملي للتفاهم والاتفاق، وإذا لم يتوفر الحد الأدنى من التوافق والانسجام لأصبح الحوار حالة من الفوضوية والغوغائية، وسيكون بالتأكيد عقيماً وغير فاعل، وسيؤدي إلى المزيد من الانقسام والتفكك والصدام. رابط المقال على الفيس بوك