احتجاجات واسعة في مقديشو تنديدًا باعتراف العدو الصهيوني بإقليم أرض الصومال    المنتخبات المتأهلة إلى ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية 2025    لسنا بنادق للإيجار.. كاتب جنوبي يؤكد الشراكة مع التحالف ويحذر من استهداف قضية الجنوب    عاجل: مصرع القيادي الإرهابي رويس الرويمي وخمسة من عناصر القاعدة في عملية أمنية بحضرموت    الشرعية حين تتحول من مبدأ قانوني إلى أداة تعطيل    أكد موقف اليمن الثابت مع الصومال ضد العدو الاسرائيلي .. قائد الثورة: أي تواجد إسرائيلي في إقليم أرض الصومال سيكون هدفاً عسكرياً لقواتنا المسلحة    نائب وزير العدل يتفقد تجهيز مقرات المحاكم الابتدائية المنشأة حديثًا بأمانة العاصمة    وزارة الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    حمداً لله على السلامة    الإفراج عن 108 سجناء من الحديدة بمناسبة جمعة رجب    خلال تدشينه مشروع التحول الإلكتروني لصندوق التقاعد الأمني .. اللواء المرتضى: المتقاعدون يستحقون الاهتمام فقد أفنوا سنوات طويلة في خدمة الوطن    صحيفة بريطانية: توترات حضرموت تنذر بانفجار صراع جديد يهدد مسار التهدئة في اليمن    المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام ينفذ عمليات واسعة لإتلاف مخلفات العدوان بمحافظة الجوف    هل يهزم ابن زايد بن سلمان ويتسبب بقسمة تركة الرجل المريض؟    إيمان الهوية وهوية الإيمان    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    الدكتور هادي دلول أستاذ العلاقات الدولية والمستشار في الفيزياء النووية في طهران:نبارك اتفاق إطلاق الأسرى في اليمن وتنفيذه متوقف على مصداقية الطرف الآخر والتزامه    الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    فلسطين الوطن البشارة    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة غدا لبحث الاعتراف الإسرائيلي ب"أرض الصومال"    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    بيان مليونية سيئون يجدد التفويض للرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب العربي    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    هروب    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد انتهاء الفترة الانتقالية في اليمن؟
نشر في الوسط يوم 04 - 09 - 2013

عند أواخر شهر فبراير القادم، أي بعد حوالى ستة أشهر من الآن، تنتهي مدة الفترة الانتقالية بمرحلتيها في اليمن، وفقًا لما حددته الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، والتي حددت تفعيل مهام وخطوات مرحلتي الفترة الانتقالية وجداولها الزمنية، حيث افترضت تلك الآلية إنجاز وتحقيق تلك المهام والخطوات ليتم بعدها الانتقال إلى الحالة الدستورية الطبيعية والاعتيادية لإعادة بناء وهيكلة الدولة الجديدة ومؤسساتها كافة بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفقاً لأحكام الدستور والقانون الانتخابي الجديدين، وبذلك تكون الفترة الانتقالية قد انتهت، غير أن الشواهد والوقائع الميدانية للواقع اليمني الراهن تشير، بجلاء ووضوح، إلى أن مسار الأحداث والتطورات لم يسر على النحو الذي رسمته الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، الملزمة لطرفي العملية السياسية لا من حيث المهام والخطوات ولا من حيث الجدولة الزمنية لإنجازها، إذ أن مجرد إلقاء نظرة استعراضية خاطفة لمجمل المهام المطلوب تنفيذها سواء خلال المرحلة الأولى أم المرحلة الثانية للفترة الانتقالية والمناطة بالرئيس، عندما كان منصبه نائب رئيس الجمهورية، وبعد أن أصبح رئيساً توافقياً منتخباً، وحكومة الوفاق الوطني، وكذا مؤتمر الحوار الوطني، إضافة إلى لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار، وأيضاً اللجنة الدستورية المنصوص على إنشائها لصياغة الدستور الجديد وإنزاله للاستفتاء الشعبي...إلخ، يضعنا جميعاً أمام الحقيقة المرة التي تؤكد أن أكثر تلك المهام المحددة لم يتم تنفيذها أو إنجازها بعد، بل إن بعضاً منها مثل اللجنة الدستورية وإصدار مجلس النواب لقانون انتخابات جديدة وإعادة بناء السجل الانتخابي الجديد بعد إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء يجب تشكيلها فور انتهاء مؤتمر الحوار الوطني في مدة أقصاها ستة أشهر، بحيث تنجز مهمتها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها، كل ذلك يحتاج إلى فترة لا تقل عن تسعة أشهر من انتهاء مؤتمر الحوار الوطني، وكل الشواهد والوقائع تبين أن مؤتمر الحوار لا يزال بعيداً عن إكمال مهامه وانتهاء أعماله، في حين لم يعد يفصلنا عن موعد انتهاء الفترة الانتقالية حوالى ستة أشهر فقط !! كما أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية لا تزال عرضة لعواصف الاختلالات والاضطرابات والتدهور العام.
والواقع أننا في حدثينا هذا لا نريد أن نوجه انتقادات أو نلقي بالمسئولية السهلة على هذا الطرف أو ذاك، فقد مارسنا ذلك في الماضي مراراً دون جدوى، ولكننا سنحاول في هذه المرة أن ننظر إلى الأمر بشكل أكثر موضوعية وواقعية خدمة للصالح الوطني العام لعل الجميع يصلون إلى صيغة توافقية، دون تعطيل، لحل وطني تتوافر له أقصى درجة ممكنة من الشعور بالمسئولية وتغليب المصالح الوطنية العليا على كل مصالحنا الجزئية والآنية، والنوايا الحسنة والإرادة السياسية الجادة والإيجابية، يخرج بلدنا وشعبنا من دوامة الأزمات التي تعصف بهما من كل جانب مهددة، حتماً، صميم كيانهما الوطني برمته.
ولقد اتضح، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وتحديداً خلال الفترة الانتقالية الحالية، أن مشاكل وأزمات اليمن في مختلف المجالات أكثر تعقيداً وتشابكاً وأعمق وأخطر مما كنا، جميعاً، نعتقد ونتصور، وأن صيغة الحل التي تضمنته المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة لم تتوفر لهما المقدرة الكافية لتشخيص أشمل وأدق للواقع اليمني وحقيقة وجذور مشكلاته وأزماته من جهة، ولم تتسلح بالجرأة اللازمة لاجتراح حلول ومعالجات جذرية وعميقة لتغيير حقيقي يساعد على إقامة الدولة الحديثة والديمقراطية والحكم الرشيد، وإشراك كافة المكونات الشعبية في العمل الوطني الجديد، واختارت الميل نحو التسويات والحلول الوسط والصفقات الترقيعية، وهو ما نعتقد أنه لعب دورًا كبيرًا في عرقلة تنفيذ وإنجاز حتى المهام والخطوات التي تضمنتهما.
ومع ذلك فلابد لنا أن نسجل للمبادرة الخليجية والآلية التنفيذية أنهما انطلقتا من حسن نوايا وحرص للحفاظ على اليمن من الانزلاق في هاوية البديل الأسوأ، وكان لهما دورهما وإسهاماتهما في تهدئة الأوضاع وتبريد بؤر التوتر والانفجار.
غير أن اليمن بات يقف اليوم على عتبات أزمة ليست هينة، حيث تشارف الفترة الانتقالية على انتهاء مدتها بعد ما يقارب الستة الأشهر، وكثير من مهامها المحددة لم تنجز حتى الآن، ومؤتمر الحوار الوطني الذي أنيطت به مهام جسيمة وجوهرية وبالغة التعقيد تتمحور حول بناء يمن جديد وتقرير طبيعة شكل ومضامين النظام السياسي والدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة بتصورات محددة وواضحة لإصلاحات جوهرية لنظام الخدمة المدنية والقضاء، وإعادة بناء الاقتصاد الوطني بجميع مجالاته، وعلى أسس ومعايير حديثة ومختلفة، وإعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس علمية ومهنية ووطنية جديدة، ووضع حلول ومعالجات للمشكلات الوطنية العاصفة كالقضية الجنوبية وصعدة ووضع الفئات المهمشة وحقوق المرأة والطفل، والأهم من كل ذلك عملية صياغة الدستور الجديد الذي يجب أن يعكس ويترجم كل التغييرات والإصلاحات المشار إليها آنفاً وغير ذلك من المهام، نقول إن مؤتمر الحوار الوطني هذا ما زال أمامه طريقًا ليس بالقصير لإنجاز واستكمال مهامه المحددة إذا أزيحت عن مساره العقبات والعراقيل والتعقيدات الهادفة إلى إحباط مسيرته، أو على الأقل تمييع مخرجاته وإخراجها عن مقاصدها ومضامينها الحقيقية والجادة.
إن تلك الأزمة التي نراها تدلف بخطى حثيثة لتضع اليمن واليمنيين أمام سؤال محوري: ما المخرج، وكيف يمكن مواجهة تلك الأزمة بأمان وسلام؟؟
وقبل مناقشة أو محاولة الإجابة على هذا السؤال، هناك عدة حقائق رئيسة من المهم والحيوي أن يضعها الجميع في اعتبارهم وحساباتهم، وخاصة طرفا العملية السياسية المشاركان في إدارة دفة الفترة الانتقالية الحالية، وهي:
1- أن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فور انتهاء مدة الفترة الانتقالية، أي بعد حوالى ستة أشهر، بات أمراً غير قابل للتنفيذ، وأن التسرع في إجرائه، وفق أحكام المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، قد يفجر سلسلة من الأزمات والاضطرابات والصراعات على امتداد اليمن كله، وذلك كما سبق أن أشرنا، بأن كثيرًا من مهام الفترة الانتقالية لم تنفذ ولم تنجز بعد، إضافة إلى أن مؤتمر الحوار الوطني المناط به تصور إعادة بناء اليمن الجديد ونظامه السياسي ودولته الوطنية الحديثة وصياغة مشروع دستور جديد يوضح ويترجم ذلك الهدف الاستراتيجي الأبرز، لم يتمكن من استكمال وإنجاز مهامه بعد، ومن شأن الدخول في عملية انتخابية في ظل وضع كهذا وقبل أوانها الموضوعي أن يمضي بنا للقفز إلى المجهول.
2- أن مؤتمر الحوار الوطني بالمهام المناطة به والتي أشرنا إليها آنفاً، والتي تتمحور حول إعادة صياغة ورسم معالم يمن جديد مختلف تماماً بدولته الوطنية الحديثة والمعاصرة والديمقراطية، والتي يبدو أن الاتجاه الغالب في المؤتمر يميل إلى بنائها كدولة مركبة اتحادية لا مركزية، وإعادة تقسيم البلاد إدارياً إلى أقاليم اتحادية، وإعادة تكييف النصوص الدستورية والمنظومة القانونية وفقاً لذلك وتعبيراً عنه، كل ذلك ستحدده مخرجاته المختلفة عند انتهاء أعماله واستكمال مهامه، وهو ما يجعل الجميع في اليمن أمام حقيقة ساطعة مؤداها أن نتائج ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وإن أذنت بانتهاء مدة المرحلة أو الفترة الانتقالية، إلا أنها ستضع اليمن، منطقياً وعملياً، تحت متطلبات مرحلة استثنائية جديدة، وهي المرحلة التأسيسية ومهامها ومسئولياتها تتحدد في وضع مخرجات الحوار الوطني موضع التطبيق والتنفيذ العملي من حيث إعادة صياغة وبناء الدولة الوطنية الجديدة بمؤسساتها وهياكلها وأجهزتها، وتغيير كامل منظوماتها القانونية والتشريعية، ورسم وتحديد أقاليمها الاتحادية المحددة، أي بعبارة أخرى الشروع التنفيذي التأسيسي لليمن الجديد المختلف تماماً، وإعداد البلاد وتهيئتها من جميع النواحي لإجراء انتخابات شاملة برلمانية ورئاسية ومحلية وفقاً وعلى أساس أحكام الدستور الجديد ومقتضياته القانونية والإجرائية.
3- وأخيراً فإن إجراء الانتخابات، دون وضع ما ورد في النقطتين الآنفتين، يعني ضمن ما يعني، أن المرحلة أو الفترة الانتقالية تعتبر منتهية وساقطة حكماً، بما في ذلك مؤتمر الحوار الوطني ذاته باعتباره أبرز وأهم ما تضمنته المبادرة وآليتها المنظمتان لمهام الفترة الانتقالية، وتقوم مشروعيته عليهما، وإجراء الانتخابات يجعل كل ما أشرنا إليه آنفاً في حكم العدم وكأنه لم يكن، في حين لا مهام الفترة الانتقالية أُنجزت ولا مؤتمر الحوار استكمل أعماله، وأوضاع البلد لا تزال تعاني من الاختلالات والاضطرابات الأمنية والاجتماعية والسياسية، كما أن قوات الجيش لم يُستكمل إعادة بنائها وطنياً ولا تم سحبها من العاصمة والمدن الرئيسة، ولم يتوفر الحد الأدنى من استقرار البنى التحتية اللازمة للانتقال بالبلد من الفترة الانتقالية إلى الوضع الطبيعي المستقر والاعتيادي، ولم تمر البلد بالمرحلة التأسيسية الضرورية لإعادة صياغة وبناء الدولة الوطنية الجديدة التي أشرنا إليها وإعداد البلد والمجتمع من جميع المجالات للانتقال إلى الوضع الطبيعي والاعتيادي في ظل ووفقاً للمحددات الدستورية والقانونية والاجتماعية للدولة الوطنية الحديثة الجديدة تلك، ودعونا من أجل المزيد من توضيح الصورة أن نضرب مثلاً، فإذا افترضنا أن الانتخابات جرت بعد انتهاء مدة الفترة الانتقالية المحددة، وفي ظل الأوضاع التي ذكرناها آنفاً، فإن إجراء تلك الانتخابات ستتم وفقاً للدستور والقوانين القديمة، وبعد إجرائها نفترض أن مؤتمر الحوار الوطني أنجز واستكمل كل مهامه، وفي مقدمتها الدستور الجديد، فإن ذلك يعني اعتبار كل سلطات الدولة بحكم المستقيلة، كيف سيتم تنفيذ وتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار؟، ومن سيقوم بذلك؟، وبناء على أية مشروعية؟، وكم من الوقت سنحتاج لاستكمال مهام مرحلة تأسيس النظام والدولة الجديدة؟، وما هي ضمانات أن لا تقع البلاد ضمن دائرة الفراغ وربما الضياع ...إلخ هذه التساؤلات.
واستناداً إلى الحقائق الرئيسة الثلاث، المشار إليها آنفاً، والتي ينبغي أن نضعها في اعتبارنا وحسباننا ونحن نتجه لمناقشة السؤال الجوهري الملح: ما المخرج وما العمل لمواجهة أزمة انتهاء مدة المرحلة الانتقالية بأمان وسلام؟، فنقول: إن مبدأ التوافق الوطني الذي أسس مشروعية الفترة الانتقالية تقع على عاتقه اليوم مسئولية أكبر في إضفاء مشروعيته لفترة أو مرحلة تأسيسية جديدة لبناء الدولة الوطنية الجديدة التي سيحدد مؤتمر الحوار الوطني طبيعتها وملامحها ووضع مخرجاته موضع التنفيذ المؤسساتي والتشريعي في كافة المجالات بما يفضي، خلال فترة زمنية محددة، إلى إعداد البلاد والمجتمع والدولة للانتقال الطبيعي الاعتيادي الآمن من مرحلة التأسيس الوطني الجديد إلى مرحلة استقرار الدولة الدستورية الديمقراطية الحديثة بعد استكمال بناء أسسها ومقوماتها ومؤسساتها وأجهزتها ومنظوماتها التشريعية والقانونية ...إلخ، وذلك بإجراء أول انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية لما يمكن أن نطلق عليها "الجمهورية الثانية" المعاصرة.
إن ذلك يقتضي تفادي قادة أطراف ومكونات مؤتمر الحوار الوطني كافة، وأقصد بهم طرفي العملية السياسية للفترة الانتقالية (اللقاء المشترك وشركاؤه والمؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه) وقادة الحراك الجنوبي السلمي وأنصار الله وحزب الرشاد السلفي والقوى الشبابية الثورية ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم من مكونات مؤتمر الحوار إلى طاولة تفاهم وطني عاجل لإنجاز المهام الرئيسة التالية:
التوافق على صياغة وثيقة وطنية هذه المرة، وليست خارجية، تعلن قيام فترة تأسيسية تحل محل الفترة الانتقالية، مهامها تحدد، إجمالاً، في إنجاز ما لم يُنجز من مهام الفترة الانتقالية والشروع في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية وفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني وأحكام الدستور الجديد الذي سينجزه، على أن تحدد مدة الفترة التأسيسية على نحو كاف ومعقول لإنجاز مهامها على أن لا تتعدى الثلاث سنوات، بحيث تمدد فترة الرئيس الانتقالي المنتخب لمدة الفترة التأسيسية، ويتحول مؤتمر الحوار الوطني ليصبح "جمعية تأسيسية وطنية" تتولى بعد إنجاز مهامها إلى سلطة تشريعية مؤقتة إلى حين انتهاء الفترة التأسيسية، وعلى أن يتوافق الجميع على تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط أصحاب الكفاءات والتخصصات العالية من شخصيات، غير حزبية، مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والخبرة والمقدرة، وذلك على ضوء واستفادة من دروس حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت وفق قاعدة المحاصصة الحزبية التي عرقلت عمل الحكومة وشلت فعاليتها وقدرتها للأسف الشديد، مع عدم التجديد لمجلس النواب الحالي الذي ضرب رقماً قياسياً عالمياً في التمديدات المتتالية له باعتبار أن مؤتمر الحوار الوطني سيحل محله كجمعية تأسيسية وطنية، ان وثيقة وطنية تاريخية كهذه تخرج بالبلاد من أزماتها ومعاناتها واضطراباتها، تتطلب من قادة الأحزاب السياسية الارتفاع إلى مستوى المسئولية وتغليب مصلحة البلاد والشعب على مصالحها الخاصة طوال الفترة التأسيسية، ولا تشكل هذه الصيغة المقترحة للحل الوطني أي إقصاء أو استبعاد للأحزاب من المشاركة السياسية العامة، بل سيبقى دورها بارزًا من خلالا الجمعية السياسية الوطنية، فقط مطلوب منها أن تتنازل عن مصالحها، مؤقتاً، وتوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية طول الفترة التأسيسية.. ودعونا، هذه المرة، أن نتولى وضع الحلول لمشكلاتنا بأنفسنا دون استدعاء الخارج ليضع لنا الحلول وكأننا قاصرون لم نبلغ الرشد السياسي بعد، دعونا نثبت للعالم قدرتنا وجدارتنا على إدارة شئوننا وحل مشاكلنا بأنفسنا وداخل البيت اليمني، ولا مانع بعد التوافق على صيغة الحل المقترحة إيداع نسخ منها في الأمم المتحدة والجامعة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي وأمريكا والاتحاد الأوروبي واليابان للعلم والإحاطة، خاصة وأنهم كانوا رعاة في الأول، إضافة إلى كونهم مانحين وداعمين مع إسداء جزيل الشكر والامتنان لهم على ما قاموا به وما سيقومون به مستقبلاً.
والواقع أن نجاحنا، كقوى وطنية، في التوافق الوطني على صيغة حل سياسي كهذا الذي نقترحه، للسير بالبلاد بسلام إلى شاطئ الأمان، يكتسب أهمية خاصة وكبرى في ظل المرحلة التي تعيشها بلادنا ومحيطها الإقليمي من تطورات وتداعيات بالغة الأثر والخطورة، من حيث أنه يحقق، أولاً، هدف النأي ببلادنا وتجنيبها الانزلاق إلى البديل الأسوأ والأخطر الذي لا نريده ولا نتمناه وسد كل الثغرات والذرائع التي قد تستغل في النفاذ إلى إثارة الفوضى والاضطرابات والتمزق، ويقطع الطريق، ثانياً: على القوى الفاسدة والمتخلفة التي أقصاها الشعب وأسقطها من مواقع النفوذ والهيمنة والتسلط، والتي تعبئ وتحشد كل قواها وإمكاناتها وأساليبها لخلق الفوضى العارمة والاضطرابات المستمرة وإحباط كل الجهود والخطوات المخلصة لتثبيت الأمن والاستقرار والتنمية، سعياً وطمعاً في استعادة مواقع نفوذها وسيطرتها المنهارة وتلهفها لاستعادة سلطتها المطلقة على الدولة والمجتمع التي افتقدتها، ولاشك أن الجميع يعلم، تمام العلم، أن هذه القوى ما زالت تحتفظ بمواقع قوة ونفوذ وتمتلك إمكانات مادية هائلة ستوظفها لتحقيق أهدافها تلك، وإذا أخفقت القوى السياسية والأحزاب والتكتلات الشبابية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة والتغيير والدولة المدنية الحديثة دولة المواطنة المتساوية وسيادة القانون وقيم الحق والعدالة في الالتقاء والتوافق على أرضية المشترك والمتفق عليه من قبلها جميعاً، فإن ذلك من شأنه أن يضيف قوى جديدة وحافزًا قويًّا لتلك القوى المتخلفة للانقضاض على المكتسبات والمنجزات التي تم تحقيقها بقوة الشعب وتضحياته الجسيمة.
والأمر كله بأيدينا وبمقدورنا إن تنازلنا جميعنا لجميعنا وغلبنا المصالح الوطنية العليا على مصالحنا الحزبية والفردية ولو إلى حين، وارتفعنا إلى مستوى المسئولية والتحديات، وعملنا وفق فقه الأوليات، فإما أن نكون أو لا نكون.. والشعب متيقظ، والتاريخ لا يرحم.
عبدالله سلاّم الحكيمي
بريطانيا - شيفلد الأول من سبتمبر 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.