الكشف عن غموض 71 جريمة مجهولة    شرطة صنعاء تحيل 721 قضية للنيابة    نيمار.. موهبة صقلها الفقر ودمرها المال    موقع أمريكي: صواريخ اليمن استهدفت الدمام و أبوظبي وتل إبيب    فقدان 60 مهاجرا قبالة سواحل ليبيا    بين صنعاء وعدن .. على طريق "بين الجبلين" والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية    ندوة في الحديدة إحياءً لذكرى رحيل العالم الرباني بدر الدين الحوثي    شاهد الان / رد البخيتي على مذيع الجزيرة بشأن وضعه على قائمة الاغتيالات    ترامب يؤكد ان مكان خامنئي معروف ويستبعد استهدافه وإسرائيل تحذّر من انه قد يواجه مصير صدام حسين    الحديدة.. فعاليتان في المنيرة والزهرة بذكرى يوم الولاية    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    السامعي: حرب الكيان الصهيوني ليست على ايران وحدها وعلينا تجاوز الخلافات    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    بنسبة 20%.. تخفيض أجور النقل من ميناء عدن إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثي    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    العبسي: تعرضنا للاعتداء من رجال مرور وكالوا لنا الشتائم    التربية تعمم باسعار الكتب الدراسية ! (قائمة بالاسعار الجديدة)    لأول مرة في تاريخه.. الريال اليمني ينهار مجددًا ويكسر حاجز 700 أمام الريال السعودي    إيران تطلق موجة جديدة من الهجمات وصافرات الإنذار تدوي في الأراضي المحتلة    افتتاح مشاريع خدمية بمديرية القبيطة في لحج    وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين خلال اليوم المفتوح    إخماد حريق في معمل إسفنج بالعاصمة صنعاء    برشلونة يتوصل لاتفاق مع نيكو ويليامز    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    أبو شوصاء يتفقَّد قصر الشباب ويطِّلع على مستوى الانضباط في الوزارة والجهات التابعة لها    الوزير الزعوري يناقش مع مؤسسات وهيئات الوزارة مصفوفة الأولويات الحكومية العاجلة    أخر مستجدات إعادة فتح طريق رابط بين جنوب ووسط اليمن    تلوث نفطي في سواحل عدن    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال رئيس أركان الجيش الإيراني الجديد    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2025    الإفراج عن 7 صيادين يمنيين كانوا محتجزين في الصومال    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    صوت الجالية الجنوبية بامريكا يطالب بالسيادة والسلام    الشرق الأوسط تحت المقصلة: حربٌ تُدار من فوق العرب!    أمن العاصمة عدن يلقي القبض على خلية حوثية    قرار مفاجئ للمرتزقة ينذر بأزمة مشتقات نفطية جديدة    راموس: اريد انهاء مسيرتي بلقب مونديال الاندية    كأس العالم للأندية: تشيلسي يتصدر مؤقتاً بفوز صعب ومستحق على لوس انجلوس    وجبات التحليل الفوري!!    القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي يتفقد مستوى الانضباط الوظيفي في هيئات المجلس بعد إجازة عيد الأضحى    البكري يبحث مع مدير عام مكافحة المخدرات إقامة فعاليات رياضية وتوعوية    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    بايرن ميونخ يحقق أكبر فوز في تاريخ كأس العالم للأندية    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    مناسبة الولاية .. رسالة إيمانية واستراتيجية في مواجهة التحديات    حصاد الولاء    مرض الفشل الكلوي (8)    من يومياتي في أمريكا .. صديقي الحرازي    هيئة الآثار :التمثالين البرونزيين باقيان في المتحف الوطني    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    - عضو مجلس الشورى جحاف يشكو من مناداته بالزبادي بدلا عن اسمه في قاعة الاعراس بصنعاء    سرقة مرحاض الحمام المصنوع من الذهب كلفته 6ملايين دولار    اغتيال الشخصية!    فشل المطاوعة في وزارة الأوقاف.. حجاج يتعهدون باللجوء للمحكمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد انتهاء الفترة الانتقالية في اليمن؟
نشر في الوسط يوم 04 - 09 - 2013

عند أواخر شهر فبراير القادم، أي بعد حوالى ستة أشهر من الآن، تنتهي مدة الفترة الانتقالية بمرحلتيها في اليمن، وفقًا لما حددته الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، والتي حددت تفعيل مهام وخطوات مرحلتي الفترة الانتقالية وجداولها الزمنية، حيث افترضت تلك الآلية إنجاز وتحقيق تلك المهام والخطوات ليتم بعدها الانتقال إلى الحالة الدستورية الطبيعية والاعتيادية لإعادة بناء وهيكلة الدولة الجديدة ومؤسساتها كافة بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفقاً لأحكام الدستور والقانون الانتخابي الجديدين، وبذلك تكون الفترة الانتقالية قد انتهت، غير أن الشواهد والوقائع الميدانية للواقع اليمني الراهن تشير، بجلاء ووضوح، إلى أن مسار الأحداث والتطورات لم يسر على النحو الذي رسمته الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، الملزمة لطرفي العملية السياسية لا من حيث المهام والخطوات ولا من حيث الجدولة الزمنية لإنجازها، إذ أن مجرد إلقاء نظرة استعراضية خاطفة لمجمل المهام المطلوب تنفيذها سواء خلال المرحلة الأولى أم المرحلة الثانية للفترة الانتقالية والمناطة بالرئيس، عندما كان منصبه نائب رئيس الجمهورية، وبعد أن أصبح رئيساً توافقياً منتخباً، وحكومة الوفاق الوطني، وكذا مؤتمر الحوار الوطني، إضافة إلى لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار، وأيضاً اللجنة الدستورية المنصوص على إنشائها لصياغة الدستور الجديد وإنزاله للاستفتاء الشعبي...إلخ، يضعنا جميعاً أمام الحقيقة المرة التي تؤكد أن أكثر تلك المهام المحددة لم يتم تنفيذها أو إنجازها بعد، بل إن بعضاً منها مثل اللجنة الدستورية وإصدار مجلس النواب لقانون انتخابات جديدة وإعادة بناء السجل الانتخابي الجديد بعد إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء يجب تشكيلها فور انتهاء مؤتمر الحوار الوطني في مدة أقصاها ستة أشهر، بحيث تنجز مهمتها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها، كل ذلك يحتاج إلى فترة لا تقل عن تسعة أشهر من انتهاء مؤتمر الحوار الوطني، وكل الشواهد والوقائع تبين أن مؤتمر الحوار لا يزال بعيداً عن إكمال مهامه وانتهاء أعماله، في حين لم يعد يفصلنا عن موعد انتهاء الفترة الانتقالية حوالى ستة أشهر فقط !! كما أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية لا تزال عرضة لعواصف الاختلالات والاضطرابات والتدهور العام.
والواقع أننا في حدثينا هذا لا نريد أن نوجه انتقادات أو نلقي بالمسئولية السهلة على هذا الطرف أو ذاك، فقد مارسنا ذلك في الماضي مراراً دون جدوى، ولكننا سنحاول في هذه المرة أن ننظر إلى الأمر بشكل أكثر موضوعية وواقعية خدمة للصالح الوطني العام لعل الجميع يصلون إلى صيغة توافقية، دون تعطيل، لحل وطني تتوافر له أقصى درجة ممكنة من الشعور بالمسئولية وتغليب المصالح الوطنية العليا على كل مصالحنا الجزئية والآنية، والنوايا الحسنة والإرادة السياسية الجادة والإيجابية، يخرج بلدنا وشعبنا من دوامة الأزمات التي تعصف بهما من كل جانب مهددة، حتماً، صميم كيانهما الوطني برمته.
ولقد اتضح، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وتحديداً خلال الفترة الانتقالية الحالية، أن مشاكل وأزمات اليمن في مختلف المجالات أكثر تعقيداً وتشابكاً وأعمق وأخطر مما كنا، جميعاً، نعتقد ونتصور، وأن صيغة الحل التي تضمنته المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة لم تتوفر لهما المقدرة الكافية لتشخيص أشمل وأدق للواقع اليمني وحقيقة وجذور مشكلاته وأزماته من جهة، ولم تتسلح بالجرأة اللازمة لاجتراح حلول ومعالجات جذرية وعميقة لتغيير حقيقي يساعد على إقامة الدولة الحديثة والديمقراطية والحكم الرشيد، وإشراك كافة المكونات الشعبية في العمل الوطني الجديد، واختارت الميل نحو التسويات والحلول الوسط والصفقات الترقيعية، وهو ما نعتقد أنه لعب دورًا كبيرًا في عرقلة تنفيذ وإنجاز حتى المهام والخطوات التي تضمنتهما.
ومع ذلك فلابد لنا أن نسجل للمبادرة الخليجية والآلية التنفيذية أنهما انطلقتا من حسن نوايا وحرص للحفاظ على اليمن من الانزلاق في هاوية البديل الأسوأ، وكان لهما دورهما وإسهاماتهما في تهدئة الأوضاع وتبريد بؤر التوتر والانفجار.
غير أن اليمن بات يقف اليوم على عتبات أزمة ليست هينة، حيث تشارف الفترة الانتقالية على انتهاء مدتها بعد ما يقارب الستة الأشهر، وكثير من مهامها المحددة لم تنجز حتى الآن، ومؤتمر الحوار الوطني الذي أنيطت به مهام جسيمة وجوهرية وبالغة التعقيد تتمحور حول بناء يمن جديد وتقرير طبيعة شكل ومضامين النظام السياسي والدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة بتصورات محددة وواضحة لإصلاحات جوهرية لنظام الخدمة المدنية والقضاء، وإعادة بناء الاقتصاد الوطني بجميع مجالاته، وعلى أسس ومعايير حديثة ومختلفة، وإعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس علمية ومهنية ووطنية جديدة، ووضع حلول ومعالجات للمشكلات الوطنية العاصفة كالقضية الجنوبية وصعدة ووضع الفئات المهمشة وحقوق المرأة والطفل، والأهم من كل ذلك عملية صياغة الدستور الجديد الذي يجب أن يعكس ويترجم كل التغييرات والإصلاحات المشار إليها آنفاً وغير ذلك من المهام، نقول إن مؤتمر الحوار الوطني هذا ما زال أمامه طريقًا ليس بالقصير لإنجاز واستكمال مهامه المحددة إذا أزيحت عن مساره العقبات والعراقيل والتعقيدات الهادفة إلى إحباط مسيرته، أو على الأقل تمييع مخرجاته وإخراجها عن مقاصدها ومضامينها الحقيقية والجادة.
إن تلك الأزمة التي نراها تدلف بخطى حثيثة لتضع اليمن واليمنيين أمام سؤال محوري: ما المخرج، وكيف يمكن مواجهة تلك الأزمة بأمان وسلام؟؟
وقبل مناقشة أو محاولة الإجابة على هذا السؤال، هناك عدة حقائق رئيسة من المهم والحيوي أن يضعها الجميع في اعتبارهم وحساباتهم، وخاصة طرفا العملية السياسية المشاركان في إدارة دفة الفترة الانتقالية الحالية، وهي:
1- أن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فور انتهاء مدة الفترة الانتقالية، أي بعد حوالى ستة أشهر، بات أمراً غير قابل للتنفيذ، وأن التسرع في إجرائه، وفق أحكام المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، قد يفجر سلسلة من الأزمات والاضطرابات والصراعات على امتداد اليمن كله، وذلك كما سبق أن أشرنا، بأن كثيرًا من مهام الفترة الانتقالية لم تنفذ ولم تنجز بعد، إضافة إلى أن مؤتمر الحوار الوطني المناط به تصور إعادة بناء اليمن الجديد ونظامه السياسي ودولته الوطنية الحديثة وصياغة مشروع دستور جديد يوضح ويترجم ذلك الهدف الاستراتيجي الأبرز، لم يتمكن من استكمال وإنجاز مهامه بعد، ومن شأن الدخول في عملية انتخابية في ظل وضع كهذا وقبل أوانها الموضوعي أن يمضي بنا للقفز إلى المجهول.
2- أن مؤتمر الحوار الوطني بالمهام المناطة به والتي أشرنا إليها آنفاً، والتي تتمحور حول إعادة صياغة ورسم معالم يمن جديد مختلف تماماً بدولته الوطنية الحديثة والمعاصرة والديمقراطية، والتي يبدو أن الاتجاه الغالب في المؤتمر يميل إلى بنائها كدولة مركبة اتحادية لا مركزية، وإعادة تقسيم البلاد إدارياً إلى أقاليم اتحادية، وإعادة تكييف النصوص الدستورية والمنظومة القانونية وفقاً لذلك وتعبيراً عنه، كل ذلك ستحدده مخرجاته المختلفة عند انتهاء أعماله واستكمال مهامه، وهو ما يجعل الجميع في اليمن أمام حقيقة ساطعة مؤداها أن نتائج ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وإن أذنت بانتهاء مدة المرحلة أو الفترة الانتقالية، إلا أنها ستضع اليمن، منطقياً وعملياً، تحت متطلبات مرحلة استثنائية جديدة، وهي المرحلة التأسيسية ومهامها ومسئولياتها تتحدد في وضع مخرجات الحوار الوطني موضع التطبيق والتنفيذ العملي من حيث إعادة صياغة وبناء الدولة الوطنية الجديدة بمؤسساتها وهياكلها وأجهزتها، وتغيير كامل منظوماتها القانونية والتشريعية، ورسم وتحديد أقاليمها الاتحادية المحددة، أي بعبارة أخرى الشروع التنفيذي التأسيسي لليمن الجديد المختلف تماماً، وإعداد البلاد وتهيئتها من جميع النواحي لإجراء انتخابات شاملة برلمانية ورئاسية ومحلية وفقاً وعلى أساس أحكام الدستور الجديد ومقتضياته القانونية والإجرائية.
3- وأخيراً فإن إجراء الانتخابات، دون وضع ما ورد في النقطتين الآنفتين، يعني ضمن ما يعني، أن المرحلة أو الفترة الانتقالية تعتبر منتهية وساقطة حكماً، بما في ذلك مؤتمر الحوار الوطني ذاته باعتباره أبرز وأهم ما تضمنته المبادرة وآليتها المنظمتان لمهام الفترة الانتقالية، وتقوم مشروعيته عليهما، وإجراء الانتخابات يجعل كل ما أشرنا إليه آنفاً في حكم العدم وكأنه لم يكن، في حين لا مهام الفترة الانتقالية أُنجزت ولا مؤتمر الحوار استكمل أعماله، وأوضاع البلد لا تزال تعاني من الاختلالات والاضطرابات الأمنية والاجتماعية والسياسية، كما أن قوات الجيش لم يُستكمل إعادة بنائها وطنياً ولا تم سحبها من العاصمة والمدن الرئيسة، ولم يتوفر الحد الأدنى من استقرار البنى التحتية اللازمة للانتقال بالبلد من الفترة الانتقالية إلى الوضع الطبيعي المستقر والاعتيادي، ولم تمر البلد بالمرحلة التأسيسية الضرورية لإعادة صياغة وبناء الدولة الوطنية الجديدة التي أشرنا إليها وإعداد البلد والمجتمع من جميع المجالات للانتقال إلى الوضع الطبيعي والاعتيادي في ظل ووفقاً للمحددات الدستورية والقانونية والاجتماعية للدولة الوطنية الحديثة الجديدة تلك، ودعونا من أجل المزيد من توضيح الصورة أن نضرب مثلاً، فإذا افترضنا أن الانتخابات جرت بعد انتهاء مدة الفترة الانتقالية المحددة، وفي ظل الأوضاع التي ذكرناها آنفاً، فإن إجراء تلك الانتخابات ستتم وفقاً للدستور والقوانين القديمة، وبعد إجرائها نفترض أن مؤتمر الحوار الوطني أنجز واستكمل كل مهامه، وفي مقدمتها الدستور الجديد، فإن ذلك يعني اعتبار كل سلطات الدولة بحكم المستقيلة، كيف سيتم تنفيذ وتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار؟، ومن سيقوم بذلك؟، وبناء على أية مشروعية؟، وكم من الوقت سنحتاج لاستكمال مهام مرحلة تأسيس النظام والدولة الجديدة؟، وما هي ضمانات أن لا تقع البلاد ضمن دائرة الفراغ وربما الضياع ...إلخ هذه التساؤلات.
واستناداً إلى الحقائق الرئيسة الثلاث، المشار إليها آنفاً، والتي ينبغي أن نضعها في اعتبارنا وحسباننا ونحن نتجه لمناقشة السؤال الجوهري الملح: ما المخرج وما العمل لمواجهة أزمة انتهاء مدة المرحلة الانتقالية بأمان وسلام؟، فنقول: إن مبدأ التوافق الوطني الذي أسس مشروعية الفترة الانتقالية تقع على عاتقه اليوم مسئولية أكبر في إضفاء مشروعيته لفترة أو مرحلة تأسيسية جديدة لبناء الدولة الوطنية الجديدة التي سيحدد مؤتمر الحوار الوطني طبيعتها وملامحها ووضع مخرجاته موضع التنفيذ المؤسساتي والتشريعي في كافة المجالات بما يفضي، خلال فترة زمنية محددة، إلى إعداد البلاد والمجتمع والدولة للانتقال الطبيعي الاعتيادي الآمن من مرحلة التأسيس الوطني الجديد إلى مرحلة استقرار الدولة الدستورية الديمقراطية الحديثة بعد استكمال بناء أسسها ومقوماتها ومؤسساتها وأجهزتها ومنظوماتها التشريعية والقانونية ...إلخ، وذلك بإجراء أول انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية لما يمكن أن نطلق عليها "الجمهورية الثانية" المعاصرة.
إن ذلك يقتضي تفادي قادة أطراف ومكونات مؤتمر الحوار الوطني كافة، وأقصد بهم طرفي العملية السياسية للفترة الانتقالية (اللقاء المشترك وشركاؤه والمؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه) وقادة الحراك الجنوبي السلمي وأنصار الله وحزب الرشاد السلفي والقوى الشبابية الثورية ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم من مكونات مؤتمر الحوار إلى طاولة تفاهم وطني عاجل لإنجاز المهام الرئيسة التالية:
التوافق على صياغة وثيقة وطنية هذه المرة، وليست خارجية، تعلن قيام فترة تأسيسية تحل محل الفترة الانتقالية، مهامها تحدد، إجمالاً، في إنجاز ما لم يُنجز من مهام الفترة الانتقالية والشروع في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية وفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني وأحكام الدستور الجديد الذي سينجزه، على أن تحدد مدة الفترة التأسيسية على نحو كاف ومعقول لإنجاز مهامها على أن لا تتعدى الثلاث سنوات، بحيث تمدد فترة الرئيس الانتقالي المنتخب لمدة الفترة التأسيسية، ويتحول مؤتمر الحوار الوطني ليصبح "جمعية تأسيسية وطنية" تتولى بعد إنجاز مهامها إلى سلطة تشريعية مؤقتة إلى حين انتهاء الفترة التأسيسية، وعلى أن يتوافق الجميع على تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط أصحاب الكفاءات والتخصصات العالية من شخصيات، غير حزبية، مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والخبرة والمقدرة، وذلك على ضوء واستفادة من دروس حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت وفق قاعدة المحاصصة الحزبية التي عرقلت عمل الحكومة وشلت فعاليتها وقدرتها للأسف الشديد، مع عدم التجديد لمجلس النواب الحالي الذي ضرب رقماً قياسياً عالمياً في التمديدات المتتالية له باعتبار أن مؤتمر الحوار الوطني سيحل محله كجمعية تأسيسية وطنية، ان وثيقة وطنية تاريخية كهذه تخرج بالبلاد من أزماتها ومعاناتها واضطراباتها، تتطلب من قادة الأحزاب السياسية الارتفاع إلى مستوى المسئولية وتغليب مصلحة البلاد والشعب على مصالحها الخاصة طوال الفترة التأسيسية، ولا تشكل هذه الصيغة المقترحة للحل الوطني أي إقصاء أو استبعاد للأحزاب من المشاركة السياسية العامة، بل سيبقى دورها بارزًا من خلالا الجمعية السياسية الوطنية، فقط مطلوب منها أن تتنازل عن مصالحها، مؤقتاً، وتوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية طول الفترة التأسيسية.. ودعونا، هذه المرة، أن نتولى وضع الحلول لمشكلاتنا بأنفسنا دون استدعاء الخارج ليضع لنا الحلول وكأننا قاصرون لم نبلغ الرشد السياسي بعد، دعونا نثبت للعالم قدرتنا وجدارتنا على إدارة شئوننا وحل مشاكلنا بأنفسنا وداخل البيت اليمني، ولا مانع بعد التوافق على صيغة الحل المقترحة إيداع نسخ منها في الأمم المتحدة والجامعة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي وأمريكا والاتحاد الأوروبي واليابان للعلم والإحاطة، خاصة وأنهم كانوا رعاة في الأول، إضافة إلى كونهم مانحين وداعمين مع إسداء جزيل الشكر والامتنان لهم على ما قاموا به وما سيقومون به مستقبلاً.
والواقع أن نجاحنا، كقوى وطنية، في التوافق الوطني على صيغة حل سياسي كهذا الذي نقترحه، للسير بالبلاد بسلام إلى شاطئ الأمان، يكتسب أهمية خاصة وكبرى في ظل المرحلة التي تعيشها بلادنا ومحيطها الإقليمي من تطورات وتداعيات بالغة الأثر والخطورة، من حيث أنه يحقق، أولاً، هدف النأي ببلادنا وتجنيبها الانزلاق إلى البديل الأسوأ والأخطر الذي لا نريده ولا نتمناه وسد كل الثغرات والذرائع التي قد تستغل في النفاذ إلى إثارة الفوضى والاضطرابات والتمزق، ويقطع الطريق، ثانياً: على القوى الفاسدة والمتخلفة التي أقصاها الشعب وأسقطها من مواقع النفوذ والهيمنة والتسلط، والتي تعبئ وتحشد كل قواها وإمكاناتها وأساليبها لخلق الفوضى العارمة والاضطرابات المستمرة وإحباط كل الجهود والخطوات المخلصة لتثبيت الأمن والاستقرار والتنمية، سعياً وطمعاً في استعادة مواقع نفوذها وسيطرتها المنهارة وتلهفها لاستعادة سلطتها المطلقة على الدولة والمجتمع التي افتقدتها، ولاشك أن الجميع يعلم، تمام العلم، أن هذه القوى ما زالت تحتفظ بمواقع قوة ونفوذ وتمتلك إمكانات مادية هائلة ستوظفها لتحقيق أهدافها تلك، وإذا أخفقت القوى السياسية والأحزاب والتكتلات الشبابية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة والتغيير والدولة المدنية الحديثة دولة المواطنة المتساوية وسيادة القانون وقيم الحق والعدالة في الالتقاء والتوافق على أرضية المشترك والمتفق عليه من قبلها جميعاً، فإن ذلك من شأنه أن يضيف قوى جديدة وحافزًا قويًّا لتلك القوى المتخلفة للانقضاض على المكتسبات والمنجزات التي تم تحقيقها بقوة الشعب وتضحياته الجسيمة.
والأمر كله بأيدينا وبمقدورنا إن تنازلنا جميعنا لجميعنا وغلبنا المصالح الوطنية العليا على مصالحنا الحزبية والفردية ولو إلى حين، وارتفعنا إلى مستوى المسئولية والتحديات، وعملنا وفق فقه الأوليات، فإما أن نكون أو لا نكون.. والشعب متيقظ، والتاريخ لا يرحم.
عبدالله سلاّم الحكيمي
بريطانيا - شيفلد الأول من سبتمبر 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.