بداية وقبل الشروع في الموضوع من الضرورة بمكان توضيح الفرق بين مصطلحي الفدرالية والكونفدرالية كما وردت في الأدب السياسي والممارسة العملية ، فقد لجأت أوروبا بعامة، والقارة الأمريكية، وحتى العمق الأسيوي وأمريكا اللاتينية للصيغة الفدرالية كمخرج من التناحرات القومية والدينية المحكومة بقدر كبير من الاستيهامات العرقية والتعصبات الدينية ، وكانت الصيغة الفدرالية أكثرها انتشاراً ونجاحاً لكونها صيغة تضمن مشاركة الجميع ، وتحافظ على وحدة الأمة المقرونة بعبقرية التنوع، وقد كانت الولاياتالمتحدة سباقة في هذا الميدان ، حيث اعتمد الدستور الأمريكي على عهد المؤسس الأول جورج واشنطن النظام الإتحادي بين الولاياتالأمريكية، وكان التالي له أبراهام لينكولن الذي خاض حرباً مديدة ضد الولايات الجنوبية التي أرادت الخروج من الفدرالية إلى الكونفدرالية ، ما عنى ويعني شروع الولايات الجنوبية في ترتيبات الانفصال وفق حق تقرير المصير ، وهو ما بدا مفارقاً للعقد السياسي والإجتماعي الذي تأسست بموجبه الولاياتالمتحدة ، وبهذا المعنى اعتبر الرئيس ابراهام لنكولن الولايات الجنوبية خارجة ومتمردة على الشرعية ، وخاض ضدها حرباً مشرعنة وفق مرئيات دستور التأسيس للولايات المتحدة . كانت الولاياتالمتحدة أمام صيغتين مختلفتين، من حيث إن الكونفدرالية تعني بداية الطريق نحو تمزق الدولة .، وقد رأينا بالأمس القريب كيف جاءت اتفاقية (نيفاشا) السودانية لتمثل نقطة انطلاق نحو انفصال الجنوب ، وليت الأمر سيستمر كذلك، فالمشهد السوداني الراهن ينذر بالمزيد من تدوير نيفاشا وعلى ذات القاعدة التي لجأ إليها الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة الراحل قرنق . يقول فرقاء دارفور وجبال النوبة والأنجسنا وشرق السودان.. يقولون إن ما جاز للجنوبيين يجوز لهم ، وهكذا يضغطون على الخرطوم لتقبل بنيفاشا جديدة ستؤدي إلى سودان يتصارع، ويواصل درب المتاهة العدمية بقدر تكاثر أمراء الحرب النابحين باسم القومية والعدالة والحرية. كان الرئيس الأمريكي لينكولن مدركاً لأبعاد المطالب الجنوبية الأمريكية. ذلك أنها لم تكن تريد أقل من استمرار نظام العبودية المقرون بالإقطاع البشع ، وكان سدنة الجنوب من كبار ملاك الأراضي والعبيد ومن يتحالف معهم من الأقحاح الأنجلوسكسون، لا يقبلون بأي شكل من أشكال مغادرة نظام الظلم والإبادة والاستعباد ، ولأنهم أرادوا تغليف مآربهم بأوراق سلوفان واهية، أعلنوا تكوين ولاياتهم الكونفدرالية ، فجاءت الحرب الأهلية لتعبر عن المسافة بين الفدرالية والكونفدرالية الأمريكية . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك