لقد وقع العقل البشري في خطأ جسيم لمفهوم الحياة، وهو أن الأصل فيها هو الاستقرار، والعكس هو الصحيح.. المتغير حسب الزمان والمكان هو الأصل في الوجود وفي حياة الكائنات، وليس لإنسان عاقل أن يقول غير ذلك.. تختلف وسائلنا وطريقة عيشنا من منطقة إلى أخرى، ومن بلد لآخر، حتى أجسامنا تتكيف مع كل تغيير يطرأ عليها في كل فصل سنوي، لتستطيع الاستمرار.. هكذا الحياة بشكل عام وفي مختلف مستوياتها، وهو معنى( الحنيفية) أي التغيير.. هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، الإسلام هو دين الحنيفية المتغيرة حسب الزمان والمكان، وحسب الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وهو الدين القيم، المنسجم، مع طبائع الناس وقوانين الطبيعة، وعليه فقد بيّن الله حدوده التي يستطيع جميع الناس التحرك ضمن إطارها العام، إلا أن معرفتنا القاصرة، بمفهوم الحدود، أوقعت الأمة بأسرها في قيود كانت السبب الرئيسي في تخلفنا. في كتاب د. محمد شحرور (الكتاب والقرآن) نظرة عميقة حسب فهمي وهي أن لكل شيء حداً أعلى وحداً أدنى ، مثل درجة الحرارة، الحواس، تضاريس الأرض، حتى درجة التحمل بالنسبة للكائنات، وهذه حقيقة اكتشفها وسلم بها التاريخ الإنساني، فكان أول من عرفها هو سيدنا إبراهيم ، فمن ذا يُسلّم أن التشريعات التي اُستنبطت للناس ثابتة لا تتغير حسب هذه الحدود الدنيا والعليا، وما نحن عليه الآن ما هو إلا عجز في فهم مبدأ الحدود، التي راعت الظروف التي يمر بها الإنسان، في مكان وزمن معين، وما تحيط به من بيئة، فكان من أولئك مستنبطو الشريعة الإسلامية أن وقفوا على الحد، وكان الأولى أن يتحركوا ضمن الحدود. والأزمة تنطلق من خطأ في المنهج، لا ضعف في اللغة، جهل بمبادئ العلوم الحديثة، التي تعد من أساسيات وضع القوانين والتشريعات التي يجتهد العقل البشري فيها، ضمن الحنيفية. فالقاضي مثلا يجب عليه أن يستعين بعلوم أخرى تجعله مهيئاً وقادراً على استنباط الأحكام، كذلك في جوانب وضع القوانين والأحكام، فعلى الدولة أن تستعين بأخصائيين في عدة علوم لعمل احصائية ومسح عام للمجتمع وما تحيط به من ظروف، لا أن تعلو أصواتنا دون معرفة في تطبيق حدود وضعها القرآن لم يُفهم الغرض منها، فتصبح هاجساً لمن يظنون أن عدم تطبيقها بالشكل الذي يرونه، هو سبب هزيمتنا، وتخلي الله عنا. إن للحدود مفهوماً واسعاً أثبتته العلوم التجريبية، مساحة كبيرة تتيح للإنسان التحرك ضمنها بما يضمن حريته التي أثبتها الدين الخاتم بكونه رسالة عالمية ، تضمن لكل من كان على هذه الأرض حقوقه، بعكس من يعتقد أنها أوامر جامدة لا يصح النظر فيها حسب مصلحة الفرد في البيئة التي يحيا فيها، وما تزال الأمة بنظرتها القاصرة لهذا المفهوم، تتحول فيها التشريعات إلى قوالب متجمدة يصعب تطبيقها، وهذا الحاصل مع أمتنا التي تقف عاجزة أمام التغيُرات الكونية، وتقف في صفوف الأمم المتخلفة، وهي لا تعلم أن الدين الحنيف قد أتاح لها مجالاً واسعا لتحقق الرقي المطلوب، لا أن تصبح تلك الحدود لعنة استخدمها من يريدون قمع واستعباد الشعوب. رابط المقال على الفيس بوك