ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    وفاة أحد مشايخ قبيلة حاشد وثلاثة من رفاقه بحادث غامض بالحديدة (صور)    بعد خطاب الرئيس الزبيدي: على قيادة الانتقالي الطلب من السعودية توضيح بنود الفصل السابع    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    الحوثي والحرب القادمة    كيف تفكر العقلية اليمنية التآمرية في عهد الأئمة والثوار الأدوات    الأكاديمي والسياسي "بن عيدان" يعزّي بوفاة الشيخ محسن بن فريد    بمنعهم طلاب الشريعة بجامعة صنعاء .. الحوثيون يتخذون خطوة تمهيدية لإستقبال طلاب الجامعات الأمريكية    تفاصيل قرار الرئيس الزبيدي بالترقيات العسكرية    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    رسالة حوثية نارية لدولة عربية: صاروخ حوثي يسقط في دولة عربية و يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    17 مليون شخص يواجهون حالة انعدام الأمن الغذائي باليمن.. النقد الدولي يحذر من آثار الهجمات البحرية    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    آرسنال يفوز على بورنموث.. ويتمسك بصدارة البريميرليج    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    أول مسؤول جنوبي يضحي بمنصبه مقابل مصلحة مواطنيه    الرئيس الزُبيدي : نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    الرئيس العليمي يوجه بالتدخل العاجل للتخفيف من آثار المتغير المناخي في المهرة    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يتكلمون الالفاظ من مخارجها الصحيحة : اللهجات اليمانيةأفضل اللهجات .. وأقربها إلى الفصحى
هذا هو تاريخ اليمن (الإرهاص)
نشر في الجمهورية يوم 26 - 11 - 2006


- د. عبد الله علي الكميم
تناولت موضوع اللغة، والكتابة من حيث النشأة في المجلد الأول من مؤلفي هذا، ولكني مررت عليها مرور الكرام، وأجَّلت الخوض فيها بإسهاب لهذا الذي خصصته للغة اليمنيين وكتاباتهم التي أعتبرها كما يعتبرها الكثير من العلماء والكتاب وفي مقدمتهم العقاد أصل لغات الساميين وكتاباتهم، وهي لغة القرآن، وخط المسند هو خطه أيضاً كما ستثبت هذه الدراسة، إن شاء الله.وسأتناول هنا معنى اللغة والكلمة مستعيناً بأهم المراجع المتيسرة مرتبة زمنياً ما أمكن:
يقول الدكتور شحرور: إن الإنسان العربي يعكس كل مراحل تطور نشأة الكلام الإنساني في منطقة الشرق الأوسط، وعليه نستطيع القول: إن جميع الألسن التي كانت في هذه المنطقة، واندثرت.. ما هي إلا مراحل لتطور هذا اللسان، الذي وصل إلى مرحلة اللسان العربي المبين عند نزول الوحي، وأن سكان هذه المنطقة هم عرب بالمفهوم التاريخي لا بالمفهوم القومي. إذ لا يوجد شيء اسمه القومية السامية؛ لأن القومية يحددها اللسان فما هو اللسان السامي؟ والقول بالسامية وهم من وجهة نظر القرآن، والذي يدعي أن اليهود ينتسبون إليها (سام بن نوح) واهم أيضاً لقوله تعالى عن بني إسرائيل أنهم «ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ» الاسراء: 3لقد خضع اللسان العربي لقوانين التطور (الجدل الداخلي والخارجي) أما الجدل الداخلي فهو التناقضات التي كانت تعززها الحياة الاقتصادية والسياسية انعكست كتناقضات في اللغة الواحدة، ويضيف قائلاً: لقد وصلنا اللسان العربي المبين من حيث المبنى في التنزيل الموحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، أما المعنى فهو نسبي إنساني يشارك السامع المتكلم في صنعه. هذا اللفظ الفصيح وصلنا من النبي صلى الله عليه وسلم في قوله إن صح (أنا أفصح العرب بيد أني من قريش) والفصاحة في اللسان (اللفظ) فهو يبين هنا أن قريشاً ليست فصيحة. وأن النموذج الفصيح للتنزيل الموحى هو نطقه صلى الله عليه وسلم، وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً بالخط وجاءه التنزيل منطوقاً لا مخطوطاً فنطقه صلى الله عليه وسلم هو اللسان العربي الفصيح. علماً بأن نطقه للتنزيل كما نطقه هو صلى الله عليه وسلم ليس له علاقة بنطق قريش للسان العربي. وهذا النطق وصلنا إلى اليوم عن طريق تواتر الحفظة لنطق التنزيل كما سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم. شحرور ينتقد أولئك الذين يرون أن تطبيق قانون التطور على اللغة العربية يفصل بين اللغة وأهلها من جهة، وبين التنزيل الموحى بلسان عربي مبين من جهة ثانية، ويقول: من هذه النقطة بالذات حصل الفصل بين النحو والدلالة ليصبح النحو عبئاً على العرب غدا معه العرب أنفسهم يدرسونه كمن يدرس الطب أو الفيزياء النووية، كما أنه ليس له علاقة بنمط تفكيرهم. (وجهة نظر لا تخلو من المبالغة).
وينتقد اتجاهاً آخر مضاداً تقريباً. فيقول: وقد قاد هذا الوهم إلى وهم آخر عند البعض حين سعوا لتطوير اللغة العربية باتجاه اللغة العامية المحكية. ففي هذه الحالة سيأتي يوم على العرب لا يستطيعون فيه بمعظمهم على الأقل قراءة آي الذكر الحكيم. فكيف تحل هذه المشكلة؟ بمعنى آخر. كيف تطور اللغة العربية دون أن تخرج عن اللسان العربي المبين، ودون أن يأتي يوم يسحبنا فيه مد التطور إلى حيث لا نعود نفهم معه التنزيل الحكيم؟ ويجيب على السؤالين قائلاً: هذا لا يمكن إلا إذا فهمنا أولاً أن التنزيل الحكيم نفسه قد طور اللغة العربية بمعنى أنه نزل بلغة ليست هي لغة الجاهلية وما قبل الإسلام وضمن دلالتها ومدلولاتها حصراً. فلغة التنزيل ليست نفس لغة الأدب الجاهلي. أي أن فهمنا للأدب الجاهلي كله شعراً وخطابة لا يعني أننا فهمنا التنزيل الحكيم. إلا أننا نلاحظ أن التنزيل نفسه أعطانا الاتجاهات التي يمكن للسان العربي أن يتطور في هديها ومنها الاتجاه إلى الأسهل. ويضيف: من هذه الزاوية فنحن نرى أن سيبويه لم يضع قواعد اللغة العربية كما يتوهم البعض، بل قام بمجرد توصيف العربية كما كانت في زمانه وقبل زمانه. أي أنه قام بعملية جرد إحصائي لمخزون اللغة العربية المتراكم حتى عصره، ثم قام بتبويب وضم وتجميع المواضيع المتشابهة بعضها مع بعض، فخلص بعد ذلك كله إلى قواعد يندرج تحتها معظم الكلام العربي.وكنا قد أوردنا في المجلد الأول من هذا الكتاب أقوال بعض المؤرخين العرب كابن فارس وغيره فقد قال ابن فارس: فإن قال قائل: فقد تواترت الروايات بأن أبا الأسود الدؤلي أول من وضع العربية (النحو) وأن الخليل بن أحمد أول من تكلم في العروض قيل له: نحن لا ننكر ذلك بل نقول: إن هذين العِلْمَين قد كانا قديماً وأتت عليهما، الأيام، وقلا في أيدي الناس ثم جددهما هذان الإمامان. وقد زعم أناس أن علوماً كانت في القرون الأوائل والزمن المتقادم وأنها درست وجددت منذ زمن قريب. وأصلحت منقولة من لغة إلى لغة. وليس ما قالوا ببعيد، وإن كانت تلك العلوم بحمد الله وحسن توفيقه مرفوضة عندنا . ويعلق: الكاتب البارز الدكتور نجيب محمد البهبيتي. على نص ابن فارس قائلاً: فنجد أنفسنا من هذا النص بإزاء تحديد آخر لنوعين من العلوم التي قيل لنا: أنها نشأت في الإسلام، هما علم النحو وعلم العروض. ونجد ابن فارس يقطع القطع اليقيني بأن هذين العِلْمين كانا في القديم ولكن الأيام أتت عليهما (وقلا في أيدي الناس حتى جددهما هذان الإمامان) فقد بقيت من القديم إذن صور بأيدي الناس رأينا من قبل أن منها ما كان في التاريخ القديم مكتوباً بأيدي أصحابه، وكان منه أمام المسعودي ما كان إلا أنه كان يرفضه ولا يأخذ منه إلا ما يقدمه (الإخباريون) الذين يحظون بموافقة المحدثين والعلماء المُتقِين!!. وبقيت من القديم في (النحو والعروض بأيدي الناس طائفة قليلة يحتفظ بها أصحابها لأنفسهم، ولا يبذلونها لغيرهم. ولو بذلوها لاستنسخها الناس لحاجتهم إليها في عهد فشا فيه اللحن أو تزاحموا على نظم الشعر، ولذلك تجرد من العلماء من تصدى لوضع النحو والعروض ليملئوا هذا الفراغ. ويضيف (البهبيتي): وقد زعم أناس أن علوماً كانت في القرون الأوائل والزمن المتقادم وأنها درست وجددت منذ زمان قريب، وأصلحت منقولة من لغة إلى لغة وليس ما قالوا ببعيد).وقال المسعودي: (وإنما نحكي هذه الأخبار على حسب ما وجدناه في كتب الإخباريين، وعلى حسب ما توجبه الشريعة والتسليم لها. وليس قصدنا من ذلك وصف أقاويل أصحاب القدم لأنهم (أي أصحاب الشريعة) ينكرون هذا ويمنعونه. ويعلق البهبيتي على هذا قائلاً: وهي شهادة تاريخية خطيرة من رجل يكتب في التاريخ ويمارس العمل في أصوله يقول فيها: أن أخبار القدماء عن أنفسهم كانت موجودة بين يديه يفرقها ويعرف ما فيها، ولكنه يرفض الأخذ بما قالوه هم عن أنفسهم. ويمضي في تقديم التاريخ متلائماً مع ما فرضه أصحاب الشريعة، من مذهب للقول في تاريخ القديم، بل إن المسعودي لينص في غير التباس أو غموض على أن أصحاب الشريعة ينكرون ما تركه القدماء من أخبارهم عن أنفسهم. وهذه هي الطامة في أخذ التاريخ. إذن فقد كانت طبقة من هؤلاء المشرعين والمحدثين على ما سيأتي في تمام هذا النص تفرض على كتابة التاريخ أن تمضي على طريق رسمتها وأن تنكر الماضي ما لم يحقق هذا المذهب.ونعود إلى شحرور إذ يقول: ولما كان التنزيل الحكيم على رأس كلام العرب الذي وضعت القواعد في هديه. فقد ظهر معظمه تحت هذا التقعيد، وظل بعضه خارجه، وبقيت هناك حالات شاذة، كتب فيها أهل التقعيد الكثير من المجلدات لتبريرها، لكنها بقيت عندهم في المحصلة شاذة أي عن قواعد سيبويه!!
ويضيف: وانظر في قوله تعالى:
«هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ» الحج:19
«وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ، إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ» ص:21-23
«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ) النمل:45
ويعلق قائلاً: نجد أن الضمائر بصيغة المثنى (خصمان-خصمان-فريقان) والأفعال والضمائر بصيغة الجمع (اختصموا-ربهم-الذين كفروا- لهم- رؤوسهم).
(تسوروا- دخلوا- منهم- قالوا- بيننا- واهدنا) وفي هذا كله خلاف لتقعيد سيبويه).
ويضيف: لكن آيات التنزيل كما هو واضح أمامنا تدلنا على أننا نستطيع:
1- حذف صيغة المثنى في الأفعال، وتبقى صيغة المفرد والجمع.
2- الإبقاء على صيغة المثنى في الأسماء وأسماء الإشارة، وجواز الإبقاء عليها في الأسماء الموصولة.
3- إلغاء صيغة المثنى من الضمائر، كما في قوله (ربهم) عوضاً عن ربهما واسمع معي قوله تعالى: «لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا» النساء:162
4- «يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا»
ويعلق قائلاً: ونحن في آية النساء أمام واو عطف تعطف المنصوب (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ)على المرفوع الرَّاسِخُونَ)ونحن في آية الممتحنة أمام فعل ماض «جَاءَكَ» عائده مفرد مذكر غائب. وأما فاعل الفعل «المؤمنات» جمع مؤنث سالم. وهذا كله مرة أخرى مخالف لتقعيد سيبويه ولو جاء به أحد طلاب الثانوية في امتحان اللغة العربية لنال عليه صفرا ثلاثياً من الدرجة الأولى!!وقبل أن يأتي إلى باقي تعقيبه نضيف شاهدين آخرين من القرآن الكريم لدعم توجه شحرور الهادف إلى خروج بعض الآيات على قواعد وضوابط سيبويه. قال تعالى: «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون» البقرة: 177ويقول تعالى: «ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون» البقرة:272.ففي الأولى نجد كلمة (الصابرين) معطوفة على كلمة (الموفون) والقواعد توجب أن يتبع النعت المنعوت في حالاته. أما في الآية الثانية فقد تكررت كلمة (تنفقوا) و(تنفقون) و(تنفقوا) ثلاث مرات بوصفها المشار إليه دونما مسوغ من القواعد، ولعل شحرور يريد من هذا أن يضع أسساً لتطوير وتسهيل اللغة العربية على العرب أنفسهم. ونحن يهمنا من هذا أن نقول: أن اللغة العربية قد تعرضت لمراحل كثيرة من مراحل التطوير في النطق والكتابة معاً.على أن الإنسان ليعجب كثيراً حينما يجد آيات قرآنية متساوية في نصها ومختلفة في إعرابها في مثل قوله تعالى:«إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا يحزنون» البقرة: 62، وقوله تعالى: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا يحزنون» المائدة: 69، وقوله: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا» الحج:17 إنها محيرة وعلمها عند الله.ولنعد لشحرور يقول: ونلاحظ أخيراً أن صيغة المثنى في اللغة العربية موجودة في المخاطب، والغائب (أنتما، هما) لكنها غير موجودة في المتكلم فإلى أي مدى نستطيع أن نجعل من هذه الملاحظات أساساً لتطوير يسهل العربية على العرب، وتقعيد العربية عليهم ضمن إطار التنزيل الحكيم، وأن نعتبرها إشارات خضراء أقامها لنا الله سبحانه في تنزيله دليلاً وهداية ورشداً نحو تطوير النحو العربي. إننا إذ نأمل من أهل الذكر، وهم هنا علماء اللغة واللسانيات أن يتدبروا قولنا هذا بعيداً عن قدسية المأثور من الأطر القواعدية، وبعيداً عن العبادة الآبائية. وعن التعصب الذميم لما وجدنا عليه آباءنا نرجو ألا يكون ردهم في المحصلة إقفال الطريق على من يود أن يتجاوز سيبويه دون أن يتجاوز التنزيل الحكيم، وألا يقولوا أن الأصل هو قواعد سيبويه، وما نراه في التنزيل مجرد حالات شاذة علماً بأن عدد هذه الحالات الشاذة في التنزيل الحكيم غير قليل!!وبهذا نكون قد وضعنا أيدينا على أحد معاني «ما فرطنا في الكتاب من شيء» وعلى أن الله أعطانا خطاً يطور اللغة العربية مع مصداقية قوله تعالى:«إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون».وعلى مصداقية أن قانون التطور يسري على كل شيء بما فيه اللسان العربي المبين الذي صيغ به التنزيل الحكيم. وأن التنزيل الحكيم حوى مراحل تطور اللسان العربي السابقة، وأعطى خطوطاً لمراحل تطوره اللاحقة والله الموفق.ورب معترض يقول: إن العربية العصرية أو العربية التي استحكمت أصولها قبيل الإسلام، غير العربية القديمة التي كانت في تلك العصور الضاربة في القدم، فعربية هذا العهد حديثة بالنظر إلى اللغتين المؤتمتين، ولاسيما مدوناتهما فإنها- ولا شك في ذلك- أقدم عهداً من مدونات عدنانيتنا بعدة قرون، فكيف يسوغ القول بما ذهبت إليه؟ قلنا: أننا لا ننكر من هذه الحقائق إلا بعضاً منها، نعم إن الصيغ والتراكيب والمباني في لساننا قد تختلف عما كانت عليه في الأزمان البعيدة العهد، إلا أن (مادتها) الأصلية واحدة، وهذا هو المهم والمعوّل) عليه في معارضة اللغي بعضها ببعض للحكم على أسبقيتها) .والعربية لغة واسعة، قال بعض الفقهاء: كلام العرب لا يحيط به إلا نبي و(أن الذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقل، ولو جاءنا جميع ما قالوه لجاءنا شعر كثير وكلام كثير). وفي كلام علماء اللغة هذا حق، فالألفاظ وهي مادة اللغة، وسداها ولحمتها لا يمكن أن يساير عمرها عمر اللغة فمنها ما يموت لذهاب الحاجة إليه، ومنها ما يقل استعماله فيهمل، ومنها ما يولد لظهور الحاجة إليه. وقد تتبدل معاني الألفاظ وتتغير إلى غير ذلك من أمور تطرأ على الألفاظ بحث عنها علماء اللغة، وهي لا تدخل في موضوعنا هذا في هذا المكان. وظلت اللغة العربية تتطور إلى يومنا هذا إلا أنها لم تتخل عن جذورها التاريخية الأصيلة وإنما هي امتداد لها توضح بعض جوانب نشوئها وأسرارها. وفي العربية الجنوبية قبائل تتكلم اليوم لهجات يرجع نسبها إلى اللهجات العربية الجنوبية القديمة، لأن في ألفاظها وفي تراكيبها ودراستها في هذا اليوم ضرورة لازمة لمن يريد الوقوف على تاريخ اللغة العربية قبل الإسلام، ومن الضروري كذلك وجوب دراسة اللهجات (الشحرية) و(المهرية) و(السواحلية) و(السقطرية). ولهجات السواحل الأفريقية المقابلة لجزيرة العرب للوقوف على تطور اللغات العربية الجنوبية، وعلى حل رموزها التي لا تزال مغلقة غير معروفة عند علماء اليوم. لما لهذه اللهجات من صلات بالعربيات المذكورة).
لقد سبق أن أوضحت أن هنالك مناطق متعددة في اليمن تعتبر شبه معزولة في أكثر من محافظة منها (تعز) وصعدة، لا يزال أهلوها يتكلمون لغة لا يعرفها الآخرون حتى من أهالي القرى المجاورة. كما هو الحال في بعض مناطق (ماوية) مثلاً. ولا تزال بعض اللهجات باقية تتكلم بها القبائل على سليقتها الأولى وآسف لأن أقول أن علماء العربية وعلماء التاريخ والأحناس في الوقت الحاضر، لم يوجهوا عنايتهم نحوها لدراستها قبل انقراضها وزوالها، مع أن دراستها من الأمور الضرورية بالنسبة لهم لأنها تساعد في تعيين أصول العربيات وفي تثبيت المجموعات اللغوية العربية، وقد نستنبط منها أموراً علمية كثيرة فات على علماء العربية القدامى يومئذ تسجيلها لأنها لا تزال باقية: فبواسطة الطرق الحديثة في البحث يمكن العثور على ما فات على أولئك العلماء من أمور .ويقول صاحب قلب جزيرة العرب ص99: (ولكن أفصح اللهجات وأقربها إلى الفصحى هي اللهجات اليمانية الواقعة ما بين جنوبي الحجاز واليمن، وقد ذكر أنهم يتكلمون الألفاظ من مخارجها الصحيحة، ويتكلمون بما هو أقرب إلى الفصيح من سواه. ويتكلم بعض البداة منهم بكلم معرب فصيح.وتطور اللغات في نظر البعض يسير في طرق منتظمة تحكمها قوانين ثابتة تكاد تكون إلهية. (وهذا الاختلاف بين الناس واللغات آية من آيات الله تدعو إلى التدبر قال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ » الروم:22ويدعو صاحب هذا الرأي الباحثين إلى أن يكتشفوا هذه القوانين التي تحكم تغير اللغات والتي يتبين من خلالها كيفية تغير اللغة وتفسير هذا التغيير.وهو يرى أن التغيرات التي طرأت على اللغة هي التغيرات التي ظهرت على الحروف (أصواتها) إذ أن التغيير يؤدي إلى انقسام اللغة إلى لهجات ثم تتطور هذه اللهجات حتى تصبح لغات، وأهم تغيير يحصل لحروف اللغة هو (الإبدال) إذ أنني رأيت أن معظم اللهجات، والتغيرات التي تصيب اللغة ترجع إلى الإبدال الحاصل في حروفها (أصواتها) إذ أن ما يصيب الحروف من تغيير في صفاتها أو مخارجها يؤدي إلى الاختلاف بين الناطقين بها ثم يتطور هذا الاختلاف مع مرور الزمن حتى تتشعب اللغة الواحدة إلى لهجات). وقال السحيمي معبراً عن معاناته في البحث عن أهم التغيرات التي طرأت على اللغة العربية، واكتشافه العنصر الأهم: (إنني بعد التأمل الطويل وجدت أن معظم اللهجات العربية بل أكبر تغيير حصل للغة العربية في تاريخها الطويل يرجع إلى الإبدال الذي حصل لحروفها (أصواتها) ووجدت الباحثين في الإبدال، واللهجات قد انقسموا قسمين. منهم من بحث في الإبدال على حدة، ومنهم من بحث في اللهجات على حدة. وكأن اللهجة والإبدال لا يرتبطان؛ فأردت أن أربط بين الإبدال واللهجات التي تمثل مراحل تغيير الحروف (الأصوات) في اللغة العربية؛ ولكي أصل إلى قانون لمعرفة الإبدال أو التغيير الذي حصل للغة العربية من خلال لهجاتها؛ إذ أن هذه اللهجات تمثل صوراً مختلفة لتغير الحروف، وهذه الصور بعضها أقدم من بعض، وبعضها متفرع عن بعض. أي أن اللغة العربية بلهجاتها تشتمل على ما يشير إلى تغيرها في أثناء رحلتها التاريخية الطويلة ويستطيع الباحث أن يرى ذلك من خلال اللهجات التي كانت نتيجة للتبادل بين الحروف (الأصوات).
وإذا كان الكثير من العلماء يرون الآن: أن ما تسمى باللغات السامية وهي الكلدانية أو الأكادية أن اسم كَلَد نقل من منطقة (يافع) ولعل الجد الأعلى لنبي الله إبراهيم كان من ضمن المنتقلين من اليمن بل النبي إبراهيم نفسه انطلق من اليمن ومن يافع بالذات) أو السريانية (البابلية والآشورية) والكنعانية والعبرية والحبشية إضافة إلى أهمها جميعاً (العربية) ما هي إلا لغات عربية، وأنها اشتقت من اللغة الأم (اليمنية) فإنه يعتبر أن كلاً من هذه اللغات لغة مستقلة تنتمي إلى الأصل السامي. إلا أنه يقول: (ومن المسلم به الآن لدى معظم المحدثين من علماء الاستشراق أن اللغة العربية قد احتفظت بكثير من الأصول القديمة مفرداتها وقواعدها. وأنه لا تكاد تعدلها في ذلك أي لغة سامية أخرى).
اللغة السامية (اللغة العربية القديمة) وما تفرع منها
اللغة العادية وما تفرع منها
اللغة العربية الحديثة
اللغة الكنعانية
اللغة العبرية
اللغة الفينيقية
اللغة المسمارية، الآشورية، البابلية
اللغة الهيرو غليفية
اللغة الفارسية
اللغة العبرانية
اللغة الأمهرية والحبشية
اللغة التبتية
اللغة الباكستانية (الأوردية) والأفغانية
ويرجع السبب إلى نشأتها في أقدم موطن للساميين وبقائها في منطقة مستقلة منعزلة فقلت بذلك فرص احتكاكها باللغات الأخرى).وهو يعتقد أن كل لغة من اللغات السامية على حد تعبيره قد احتفظت ببعض العناصر القديمة في اللغة السامية الأولى. وتختلف هذه العناصر التي احتفظت بها اللغات السامية من لغة إلى أخرى. فكل منها قد احتفظ بقدر معين. وقد تتفق هذه اللغات في الاحتفاظ ببعض العناصر من السامية الأولى.ويضيف قائلاً تحت عنوان اللغة الأكادية (البابلية الآشورية): هي لغة الأقوام الساميين الذين خرجوا من الجزيرة العربية - على أرجح الآراء- إلى العراق في القرن السادس والثلاثين ق.م).
ويضيف: وقد دلت التنقيبات على أن الساميين كانوا يتدفقون إلى العراق منذ عصور ما قبل التاريخ، فقد تبين من التنقيبات الحديثة التي أجريت في سوريا أن أقدم مستوطن على ضفة الفرات الغربية شرق حلب في الموقع المسمى المربط يرجع إلى بداية الألف التاسع ق. م، والتنقيبات التي أجريت في العراق دلت على أن أقدم استيطان في السهل الرسوبي من جنوب العراق يرجع إلى الألف الخامس ق.م. في الموقع المعروف بالعبيد وأربد وقرب بابل وهو يمثل بداية التاريخ في وادي الرافدين. وقد دلت التنقيبات أن حضارة العبيد وجدت آثارها في كل أنحاء العراق شماله ووسطه وجنوبه. كما وجدت آثار العبيد في المدينة السومرية والسامية، ويسترسل: ودراسة الهياكل العظمية لأصحاب حضارة العبيد الذين عاشوا في العراق قبل ستة آلاف سنة قد دلت على أنهم من الأقوام الذين يطلق عليهم جنس البحر الأبيض المتوسط، وهم لا يختلفون عن سكان العراق الحديث بشيء. وعليه يكون هؤلاء أول قوم نزحوا من جزيرة العرب واستوطنوا وادي الرافدين
ومع أن الكاتب قد ناقش موضوع اللغات السامية وعلاقة بعضها ببعض وامتياز بعضها عن بعض، وأن اللغة العربية هي اللغة التي احتفظت بكل مزايا اللغة السامية. كما تعرض إلى أن أولئك الذين بنوا الحضارات العريقة في كل من وادي الرافدين والشام هم الذين هاجروا من اليمن قبل فترة تتراوح بين 5-9 آلاف عام ق. م.
وأخيراً نجده يتساءل عن كيفية وصول اللغة العربية إلينا ويجيب قائلاً: لقد تبين مما سبق أن اللغة الجنوبية (اليمنية) تختلف عن العربية الشمالية بعض الاختلاف، وقد ظهر ذلك في النقوش اليمنية وفي بعض اللهجات التي تعتبر امتداداً للغة اليمنية القديمة كلهجات المهرة والشحر وسقطرة. ويردف: واختلاف النقوش اليمنية أقل من اختلاف اللهجات الحديثة التي تعتبر امتداداً لليمنية القديمة، ولكننا لا نعرف حال العربية الشمالية في الفترة التي كتبت فيها تلك النقوش حتى نعرف مقدار الاختلاف. فربما كان الاختلاف يسيراً ثم تطور مع مرور الزمن حتى أصبح على ما هو عليه الآن).
وقد قيل أن آدم عليه السلام أول من تكلم بالعربية. كما نسبت إلى نوح وابنه سام (فقد روى كعب الأحبار أن أول من تكلم العربية جبريل عليه السلام وهو الذي ألقاها على لسان نوح عليه السلام، وألقاها نوح على لسان ابنه سام.ويستنجد في هذا الصدد بنص مهم للعقاد فقال: ويبدو أن اللغات السامية في عصر إبراهيم عليه السلام كانت عبارة عن لهجات للغة واحدة ولم تكن قد تفرقت إلى لغات. يقول العقاد بهذا الصدد: (ربما كان من المفاجآت عند بعض الناس أن يقال لهم: إن إبراهيم عليه السلام كان عربياً، وأنه يتكلم اللغة العربية، ولكنها الحقيقة التاريخية التي لا تحتاج إلى فرض غريب.. وإنما الفرض الغريب أن يحيد المؤرخ عن هذه الحقيقة لينسب إبراهيم إلى قوم غير قومه الذين هو منهم في الصميم.. وليس معنى هذا بالبداهة أنه كان يتكلم العربية التي نكتبها اليوم أو نقرأها في كلام الشعراء الجاهليين ومن عاصرهم من العرب الأقدمين، فلم يكن في العالم أحد يتكلم هذه اللغة في عصر إبراهيم، ولا في العصور اللاحقة به إلى القرن الرابع أو الثالث ق.م. وإنما اللغة العربية المقصودة هي لغة الأقوام التي كانت تعيش في شبه الجزيرة العربية، وتهاجر منها وإليها في تلك الحقبة. وقد كانت لغة واحدة من اليمن إلى مشارف العراق والشام وتخوم فلسطين وسيناء .وقدم الزيات نصاً فيه بعض التناقض والنقص!! قال: ولغات العرب على تفردها واختلافها إنما ترجع إلى لغتين أصليتين: لغة الشمال، ولغة الجنوب، وبين اللغتين بون بعيد في الإعراب، والضمائر، وأحوال الاشتقاق، والتصريف حتى قال أبو عمرو بن العلاء مقولته (اللعنة)!!: (ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا) (هذا نص طه حسين المشوه!!): على أن اللغتين وإن اختلفتا لم تكن إحداهما بمعزل عن الأخرى، فإن القحطانيين رحلوا عن ديارهم بعد سيل العرم (صح النوم) الهجرات اليمنية تمت قبل آلاف السنين من هذا التاريخ فمتى هاجر العمالقة إلى مكة؟ أو متى هاجر الجرهميون؟ ومتى هاجر الخزاعيون؟ ... إلخ. وقد حدث عام 447م. كما حققه غلازر خراب السد كان قبل الميلاد وليس بعده وهجرات الأزد كذلك تمت حينها وكانت إحدى الحلقات. وتفرقوا في شمال الجزيرة، واستطاعوا بما لهم من قوة وبما كانوا عليه من رقي أن يخضعوا العدنانيين لسلطاتهم في العراق والشام. كما أخضعوهم من قبل لسلطانهم في اليمن. فكان إذن بين الشعبين اتصال سياسي وتجاري يقرب بين اللغتين في الألفاظ، ويجانس بين اللهجتين في المنطق دون أن تتغلب إحداهما على الأخرى لقوة القحطانيين من جهة ولا عتصام العدنانيين بالصحراء من جهة أخرى.وتطاول الأمد على هذه الحالة حتى القرن السادس للميلاد هذا يتناقض مع كل وقائع التاريخ فقصي كان قد بدأ في تجميع شتات قريش من أواخر القرن الرابع بعد الميلاد تقريباً. وبدأت همينة قريش على الكعبة من وقتها لأول مرة في التاريخ. فكيف يمكن إيراد وقبول مثل هذه الأقوال التي تزيد الغموض غموضاً والإرباك إرباكاً!!ولعل أقوى رد على مثل هذه الأفكار المتضاربة!! ما جاء على لسان الدكتور سعد زغلول عبد الحميد؛ إذ قال: وعن الهجرات القديمة من اليمن نحو الشمال فلقد أتت الاكتشافات الأثرية الحديثة لتؤكد قيام ممالك وحضارات عربية يمنية الأصل في شمال الحجاز وبوادي الشام والعراق. فمن أطلق عليهم اسم المعينيين، واللحيانيين، والثموديين والصفويين، وبدراسة خطوطهم ونقوشهم وما تتعلق بما عالجته من الموضوعات الشخصية والسياسية ثم الدينية- بصفة خاصة- تأكدت للباحثين المحدثين فكرة وجود دائرة لغوية وثقافية ودينية متصلة الأطراف، وعلى العموم وحدة حضارية واحدة في طول بلاد العرب وعرضها. ويردف القول: فكتابة المسند اليمنية أو لغة سبأ وحمير التي حملها المهاجرون من اليمن إلى بوادي الشام والعراق تحولت في الشمال إلى ما سماه المتخصصون في اللغات السامية بالكتابات المعينية، واللحيانية والثمودية والصفوية، وذلك بعد أن وقعت تحت تأثير الفينيقيين والعبرانيين والسريانيين والأنباط والآراميين، وكذلك الحال بالنسبة لديانات اليمن القديمة من (إلهات) الشمس والقمر والزهرة التي تحولت في الشمال إلى اللات والعزى، وبعل، والتي تأثرت بعد ذلك بروم الشام، فحملت أسماء يونانية مثل: زيوس، وأفروديت).ورغم أننا نستهجن القول: بأن العربية تنقسم قسمين جنوبي وشمالي، أو قحطاني وعدناني، أو يماني وقرشي؛ لأن الحقائق العلمية والوقائع التاريخية، وما توصل إليه علماء اللغات اليوم، تنفي القول بوجود لغتين متنافستين. وإنما هنالك لغة عربية واحدة هي اللغة العربية التي تكلمها اليمنيون، وتكلمها سائر سكان الجزيرة وما جاورها؛ ذلك لأن اليمانيين كانوا مهيمنين على كل شبه الجزيرة وبالذات مكة المكرمة منذ ما يقرب من عشرة آلاف عام: وكان خطهم المشهور بالمسند هو خط العرب أجمعين، ومنه تفرعت بعض الخطوط التي خالفت الأصل في بعض صوره أو دلالاته. أقول ومع ذلك فسنورد قول الدكتور محمد غندور كرد على د/ الزيات أيضاً رغم اتفاقه معه في بعض الرؤى. ومنها أن لغة العرب كانت تنقسم قسمين، ولكن هنالك فوارق كبيرة بين القولين. قال غندور: ونقسم العربية إلى قسمين: العربية الجنوبية، والعربية الشمالية، فالعربية الجنوبية موطنها اليمن بلاد العرب الجنوبية، التي تعد من أقدم مراكز الحضارة عند الأمم السامية. فقد كان لأهل اليمن نفوذ واسع تجلى في إقامة محطات تجارية خارج الممالك اليمنية، مثل ديدان الواقعة شمالي غرب الجزيرة العربية، والتي تعرف اليوم بمدينة العلا. وقد عثر العلماء على نقوش كتبها عرب الجنوب بلغتهم وبخطهم في العلا وغيرها، كما عثروا على نقوش في صعيد مصر وشرق إفريقية والعراق (في مدينة أور العريقة) وبلاد كنعان، ويدل هذا على وجود حضارة سامية في جنوب بلاد العرب منذ زمن بعيد في التاريخ القديم. وتشير بعض الآثار الدينية إلى أن الممالك اليمنية كانت مزدهرة وعامرة بكل المظاهر الحضارية كالمعابد الضخمة، والقصور الأنيقة، والأسواق العظيمة، والحدائق الغناء (نقلاً عن ولغنسون) كما تشير إلى بعض الصلات القائمة بين اليمنيين ومعاصريهم من الكنعانيين، منها تلك القصة التي تروي أخبار سليمان وملكة سبأ. ويرى بعض الباحثين أن التغييرات الخطيرة والانقلابات العظيمة، التي حدثت في تاريخ الأمم السامية، إنما كان سببها هجرة جموع سامية كثيرة من داخل الجزيرة إلى سورية والعراق وفلسطين، وأن كل الهجرات أو جلها كان مرتبطاً بحوادث سياسية أو اجتماعية كان منشؤها جنوب الجزيرة (الهجرات السامية كانت أقدم من هذا التاريخ!).ويضيف: وقد وصلت اللغات اليمنية إلينا عن طريق نقوش كثيرة مدونة على الصخور والأعمدة والقبور والتماثيل وجدران الهياكل وغيرها. وقد كتبت بالخط المسند الذي يدون الصوامت فقط).وقد سبق أن قال: أما السامية العربية الجنوبية فتضم الحبشية والعربية، فالحبشية هي لغة القبائل العربية التي هاجرت من جنوبي الجزيرة العربية عابرة باب المندب إلى إفريقية. وأهم هذه القبائل هي قبيلة (حبشت) وقبيلة (الأجعازي) وقد سميت المنطقة التي استوطنها المهاجرون بالحبشة نسبة إلى القبيلة الأولى. على حين سميت اللغة باسم القبيلة الثانية أي (الجعز) فكان الحبشة يسمون لغتهم القديمة بالجعزبة).وعن نشأة اللغة قال الدكتور (وافي): للغة نشأتان: نشأة حينما أخذ الإنسان يلفظ أصواتاً مركبة، ذات مقاطع وكلمات متميزة، للتعبير عما يجول بخاطره من معان، وما يحسه من مدركات، ونشأة حينما يشرع الطفل يقلد أبويه والمحيطين به فيما يلفظونه من مفردات وعبارات فتنتقل إليه لغتهم عن هذا الطريق: فعلى أية صورة حدثت النشأة الأولى؟ وكيف تتم النشأة الأخرى؟ يجيب قائلاً: هذان السؤالان اللذان سنجيب عليهما في هذا الباب وسنعقد لكل منهما فصلاً على حدة .وقبل أن نأتي على موضوع نشأة الكلام نتناول بالتفصيل (أنواع) التعبير الإنساني قبل لغة (الكلام) فهو يعتقد أن التعبيرات من حيث الحواس تنقسم قسمين هما:
1- تعبيرات بصرية تأتي عن طريق العين فتدرك بها الألوان والحركات، والانفعالات التي تظهر على بعض أعضاء الإنسان كانقباض الأسارير والانبساط واتساع حدقة العين وإغماضها، ووقوف شعر الرأس، والعدو والارتجاف والتثاؤب ، وتساقط الدموع، وأنواع الأمراض التي تظهر على سطح الجلد ...إلخ.
2- تعبيرات سمعية وهي التي تصل عن طريق الأذنين. كالضحك والبكاء، والصراخ، والطرق والقرع على الآلات المعدنية وغيرها، ويعرج بعد ذلك إلى نشأة الكلام لدى الإنسان فيقول: (لاشك أن الفضل في نشأة اللغة الإنسانية يرجع إلى المجتمع نفسه، وإلى الحياة الاجتماعية، فلولا اجتماع الأفراد بعضهم مع بعض، وحاجتهم إلى التعاون والتفاهم وتبادل الأفكار والتعبير عما يجول بالخواطر من معان ومدركات ما وجدت لغة ولا تعبير إرادي. ولا شك كذلك أن اللغة ظاهرة اجتماعية تنشأ كما ينشأ غيرها من الظواهر الاجتماعية، فتخلقها طبيعة الاجتماع، وتنبعث عن الحياة الاجتماعية وما تقتضيه هذه الحياة من شئون).وهو لا يعتبر أن المشكلة تتمثل في البحث عن أسباب نشأة اللغة، ولا البحث عمن أنشاها. ولكنها تكمن في البحث عن العوامل التي أدت (إلى ظهورها في صورة أصوات مركبة، ذات مقاطع متميزة الكلام، والكشف عن الصورة الأولى التي ظهرت بها هذه الأصوات، أي الأسلوب الذي سار عليه الإنسان في مبدأ الأمر في وضع أصوات معينة لمسميات خاصة. وتوضيح الأسباب التي دفعته إلى هذا الأسلوب دون غيرهويناقش بعد هذا النظريات الأربع التي قيلت في هذا الصدد.
النظرية الأولى
ترى أن الفضل في نشأة اللغة يعود إلى الإلهام الإلهي، وقد أخذ بهذا القول الفيلسوف اليوناني (هير اكليت) من الأقدمين، وابن فارس،الباحث العربي صاحب كتاب الصاحبي في العصر الوسيط، والأب (لامي) في كتابه فن الكلام، والفيلسوف دبونالند في كتابه التشريع القديم في العصر الحديث.
وهو يعتقد (ونحن معه) أن أصحاب هذه النظرية لا يمتلكون دليلاً عقلياً، أما أدلتهم التقليدية، فالمسلمون منهم يستندون إلى قوله تعالى: «وعلم آدم الأسماء كلها»البقرة:31ودليل الفرنجة ما جاء في سفر التكوين: (والله خلق من الطين جميع حيوانات الحقول وجميع طيور السماء، ثم عرضها على آدم ليرى كيف يسميها، وليحمل كل منها الاسم الذي يضعه له الإنسان. فوضع آدم أسماء لجميع الحيوانات المستأنسة، ولطيور السماء، ودواب الحقول). وهي نصوص تكاد تكون ضد أصحابها لا لمصلحتهم!
النظرية الثانية
أما النظرية الثانية: فيقرر أصحابها أن اللغة ابتدعت واستحدثت بالتواضع والاتفاق، وارتجال ألفاظها ارتجالاً. وقد ذهب إلى هذا قديماً الفيلسوف اليوناني (ديموكريت- القرن الخامس ق. م. وكثير من الباحثين في العصور الوسطى وكان آدم سميث في مقدمة المحدثين. وهو يؤكد أنه ليس لهذه النظرية العامة التي تسير عليها النظم الاجتماعية؛ لأنه يعتبر أن هذه النظم لا ترتجل ارتجالاً، ولا تخلق خلقاً، بل تتكون تلقائياً وبالتدريج وفقاً لقوانين تطور الإنسان نفسه. فالتواضع نفسه يقتضي وجود لغة قبله يتفاهم بها المتواضعون.
النظرية الثالثة
أما النظرية الثالثة فيقرر أصحابها أن اللغة جاءت نتيجة غريزة أودعها الله في الإنسان (وأن هذه الغريزة كانت تحمل كل فرد على التعبير عن كل مدرك حسي أو معنوي بكلمة خاصة به) وهم يرون أن هذه الحركات والانفعالات التي تصدر عن كل شخص تتشابه مع ما يصدر عن غيره (وأنه بفضل ذلك اتحدت المفردات، وتشابهت طرق التعبير عند الجماعات الإنسانية الأولى فاستطاع الأفراد التفاهم فيما بينهم. وقد ذهب هذا المذهب الألماني (ماكس مولر، والفرنسي رينان من المحدثين، وهذه النظرية في رأي المؤلف لا تقدم ولا تؤخر وإنما تزيد المسألة غموضاً وتفسر الماء بالماء، وتزيد الموضوع إرباكاً حينما تعتمد على حاسة الغريزة التي لا تتفق مع أي منطق علمي، ولا تستقيم مع التجارب الإنسانية في هذا الأمر.!
النظرية الرابعة
والنظرية الرابعة في رأيه هي تلك التي يقرر أصحابها أن اللغة الإنسانية نشأت من الأصوات الطبيعية، التعبير الطبيعي عن الانفعالات أصوات الحيوان أصوات مظاهر الطبيعة، الأصوات التي تحدثها الأفعال عند وقوعها كصوت الضرب والقطع والكسر ...إلخ.ويضيف وسارت في سبيل الرقي شيئاً فشيئاً تبعاً لارتقاء العقلية الإنسانية وتقدم الحضارة. واتساع نطاق الحياة الاجتماعية، وتعدد حاجات الإنسان ...إلخ.وقد ذهب إلى هذا الكثير من العلماء والفلاسفة العرب والأجانب الأقدمين والذين عاشوا في القرون الوسطى وكثير من المحدثين. هذه النظرية هي أدنى نظريات هذا البحث إلى الصحة، وأقربها إلى المعقول، وأكثرها اتفاقاً مع طبيعة الأمور، وسنن النشوء والارتقاء، الخاضعة لها الكائنات وظواهر الطبيعة والنظم الاجتماعية. وهي إلى هذا أو ذاك تفسر المشكلة التي نحن بصددها، وهي الأسلوب الذي سار عليه الإنسان في مبدأ الأمر في وضع أصوات معينة لمسميات خاصة.وهو يستدل على صحتها بمراحل الارتقاء اللغوي عند الطفل (فقد ثبت أن الطفل في المرحلة السابقة لمرحلة الكلام، يلجأ في تعبيره الإرادي إلى محاكاة الأصوات الطبيعية (أصوات التعبير الطبيعي عن الانفعالات، أصوات الحيوان، أصوات مظاهر الطبيعة والأشياء، ومن أدلتها كذلك أن ما تقرره بصدد خصائص اللغة الإنسانية في مراحلها الأولى. يتفق مع ما نعرفه عن خصائص اللغات في الأمم البدائية، ففي هذه اللغات تكثر المفردات التي تشبه أصواتها أصوات ما تدل عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.