باقون في حضرموت: الانتقالي يتحدى دعوات الانسحاب    الجنوب العربي بين اداره الازمه وسبل حلها    المغرب يفتتح كأس إفريقيا 2025 بهدفين رائعين في شباك جزر القمر    لماذا من حق الجنوبيين إعلان دولتهم؟    برونزيتان لليمن في بطولة رفع الأثقال بقطر    افتتاح 19 مشروع مياه تعمل بالطاقة الشمسية في الحديدة    أكدوا على إذكاء روح الجهاد وإعلان التعبئة لمواجهة قوى الطاغوت..علماء اليمن يهدرون دم كل من يسيء للقرآن الكريم    وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن "26"    إدانة محلية وأممية لنزعة «بن غفير» الإجرامية    غزة هاشم وظلم ذوي القربى    عندما تنزف الأوطان..!!    وقفة خاصة    المؤتمر العلمي الثامن للمركز العسكري للقلب.. نجاح كبير وتميز منقطع النظير    خلال مراسم تشييع جثمان الصحفي الأميري.. المشيعون: الإعلام اليمني فقد أحد الأقلام الحرة التي حملت هموم الوطن    بهويته الإيمانية.. شعب الحكمة والإيمان ينتصر للقرآن    مرض الفشل الكلوي (33)    دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة تنعي الصحفي عبدالقوي الأميري    نقابة الصحفيين اليمنيين تنعى الصحفي عبدالقوي الأميري    شكاوى من مماطلة حوثية بتنفيذ حكم الإعدام بحق مدان قتل ثلاثة أطفال    فرنسا تجدد عمها لوحدة اليمن وسلامة أراضيه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي ملاك وممثلي معامل الدباغة ومصانع الجلديات    برشلونة يبتعد بقمة الليجا ب 46 نقطة بعد إسقاط فياريال بثنائية    اتحاد حضرموت يتصدر تجمع سيئون بعد تغلبه على 22 مايو في دوري الدرجة الثانية    وزارة المالية تعلن إطلاق تعزيزات مرتبات موظفي القطاعين المدني والعسكري    تدشين البطولة المفتوحة للرماية للسيدات والناشئات بصنعاء    السقطري يترأس اجتماعًا موسعًا لقيادات وزارة الزراعة والثروة السمكية ويشيد بدور القوات الجنوبية في تأمين المنافذ ومكافحة التهريب والإرهاب    محافظ الحديدة يفتتح 19 مشروع مياه في مركز المحافظة ب 81.2 مليون ريال    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يُعزي في وفاة التربوي القدير الأستاذ غازي عباس عبود    محافظ عدن يوقّع اتفاقية بناء الدور الرابع بكلية طب الأسنان – جامعة عدن    البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة ويعيد التعامل مع أخرى    الأرصاد: انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة وتوقعات بتشكل الصقيع    تقرير أممي: ثلث الأسر اليمنية تعيش حرمانًا غذائيًا حادًا    المهرة.. مقتل امرأة وطفلين في انفجار قنبلة يدوية داخل منزل    مع ضغط النزوح من حضرموت.. دعوات رسمية إلى سرعة الاستجابة لاحتياجات النازحين بمأرب    اللجنة الوطنية للمرأة بصنعاء تكرّم باحثات "سيرة الزهراء" وتُدين الإساءة الأمريكية للقرآن الكريم    الصحفي والقيادي الاعلامي الكبير الدكتور عبدالحفيظ النهاري    الصحفي والقيادي الاعلامي الكبير الدكتور عبدالحفيظ النهاري    بمقطع فيديو مسرب له ولشقيقاته.. عبدالكريم الشيباني ووزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار في ورطة..!    وفاة الصحفي الاميري بعد معاناة طويلة مع المرض    تحذيرات جوية من انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    الحديدة: انطلاق مشروع المساعدات النقدية لأكثر من 60 ألف أسرة محتاجة    الجرح الذي يضيء    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    معلومات حول الجلطات في الشتاء وطرق الوقاية    عاجل: إعلان أمريكي مرتقب يضع الإخوان المسلمين على حافة التصنيف الإرهابي    ميرسك تعبر البحر الأحمر لأول مرة منذ عامين وتدرس عودة تدريجية    مهرجان ثقافي في الجزائر يبرز غنى الموسيقى الجنوبية    الموسيقى الحية تخفف توتر حديثي الولادة داخل العناية المركزة    "المحرّمي" يُعزِّي في وفاة السفير محمد عبدالرحمن العبادي    بالتزامن مع زيادة الضحايا.. مليشيا الحوثي تخفي لقاحات "داء الكلب" من مخازن الصحة بإب    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    انعقاد الاجتماع الفني لبطولة مديريات محافظة تعز - 2026 برعاية بنك الكريمي    المغرب يتوج بطلاً لكأس العرب بانتصاره المثير على منتخب الاردن    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    اتحاد كرة القدم يعلن استكمال تحضيراته لانطلاق دوري الدرجة الثانية    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    بدعم سعودي.. مشروع الاستجابة العاجلة لمكافحة الكوليرا يقدم خدماته ل 7,815 شخصا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نشأة اللغة عن طريق الوحي والإلهام الإلهي
هذا هو تاريخ اليمن (الإرهاص)
نشر في الجمهورية يوم 25 - 11 - 2006

- د. عبد الله علي الكميم ويستمر في التعرض لمرادفات الكلمة (اللغة) وما قاربها حتى يصل إلى قوله: لا يمكننا القطع بأن دلالة الألفاظ توقيفية، ومنهم من قطع به واحتج فيه بالعقل والنقل: أما العقل فهو أن وضع الألفاظ المخصوصة للمعاني المخصوصة لا يمكن إلا بالقول، فلو كان ذلك القول بوضع آخر من جانبهم لزم أن يكون كل وضع مسبوقاً بوضع آخر لا إلى نهاية. وهو محال فوجب الانتهاء إلى ما حصل بتوقيف الله تعالى، وأما النقل: فقوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها» البقرة:31 وأجيب عن الأول بأنه لا يجوز أن يكون وضع الألفاظ للمعاني يحصل بالإشارة؟ وعن الثاني لم لا يجوز المراد من التعليم الإلهام؟ وأيضاً لعل هذه اللغات وضعها أقوام كانوا قبل آدم عليه السلام ثم إنه تعالى علمها لآدم عليه السلام.نكتفي بهذا الحشد من آراء بعض كبار علماء اللغة والتاريخ المتقدمين منهم والمتأخرين. عن معنى لفظي اللغة والكلام وبعض مرادفاتهما، ورغم الاختلاف بينهم إلا أنهم لم يذهبوا بعيداً عن المعاني التي حددها (ابن جني) وقد أوردت رأيي في ذلك بما يتفق والمعاني المتداولة الآن، وما يتفق مع وظائف اللفظين المؤداة الآن، وأهميتهما في حياة المجتمع الإنساني كله.
الفصل الثاني
نشأة اللغة
كان ولا يزال موضوع نشأة اللغة الإنسانية. كيف؟ ومتى؟ وأين؟ من أهم وأخطر الموضوعات التي تطرح نفسها لتتحدى علماء، اللغات، والتاريخ الإنساني، وتحثهم على تحديد الإجابات الصحيحة والشاملة والمقنعة المستمدة من الدراسات العلمية الميدانية لما أبدعته وتركته تلك الأجيال الإنسانية في أماكن تواجدها الأولى، وفي نبرات ومفردات بعض تلك الأقوام التي لا تزال تعيش في أيامنا هذه، منحدرة من أولئك الأقدمين الذين نطقت ألسنتهم أول حروف لغاتهم واتفقوا على معاني تلكم الأصوات التي نطقوها. (وفي البدء كانت الكلمة). لقد تناولت موضوع نشأة اللغة في المجلد الأول من هذا الكتاب. الذي اعتبرته المقدمة ضمن كتاب (الإرهاص) ونظراً لأهمية ما نحن بصدده فإنا نورد فقرات منه لتكون تمهيداً لبحثنا هذا المخصص للغة.
جاء تحت عنوان (نشأة اللغة): يعود الفضل في نشأة اللغة الإنسانية إلى الله ثم المجتمع نفسه، واجتماع الأفراد بعضهم إلى بعض، وحاجتهم إلى التفاهم والتعاون وتبادل الأفكار والتعبير عن الأحاسيس والخواطر، وغير ذلك من متطلبات المجتمع الإنساني. وقد تمكن الإنسان من النطق بكلمات ذات دلالات، وعبارات ذات معنى عندما بلغ مرحلة متقدمة من التطور العضوي وبالذات عندما اكتمل جهازه الصوتي، وحينما كثرت حاجاته وتنوعت أغراضه وتعددت مطالبه.
كذلك عندما انتصب على قدميه وتحررت يداه، بعد فترة طويلة من محاكاة مظاهر الطبيعة ومجاراة حيواناتها وطيورها.
واللغة في معناها القاموسي مشتقة من اللغو ومن فعل لغا أي تكلم ومعناها الاصطلاحي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، أو هي الكلام المصطلح عليه من كل قبيل. واللغو هو الكلام غير المعقود عليه.
كيف نشأت اللغة؟
هنالك مجموعة من الأفكار والآراء حول نشأة اللغة، يمكن أن نجملها في ست مجموعات يرقى بعضها إلى مستوى النظريات.
المجموعة الأولى أو (النظرية الأولى) (1): تؤكد أن نشأة اللغة كانت عن طريق الوحي والإلهام الإلهي: «وعلم آدم الأسماء كلها» سورة البقرة:32، وقد أخذ بهذا الرأي الفيلسوف اليوناني (هيرا كليت) وبعده ابن فارس وابن جني الذي قال: (واعلم فيما بعد أنني على تقادم الوقت دائم التنقير والبحث عن الموضوع فأجد الدواعي والخوالج قوية تتجاذبني مختلف جهات التقول على فكري .. وانضاف إلى ذلك وارد الأخبار (المأثورة بأنها من عند الله جل وعز فقوى في نفسي اعتقاد كونها توقيفاً من الله سبحانه وأنها وحي(2).
وقد أيد إخوان الصفاء هذا الاتجاه فقالوا: ((علم الله آدم الأسماء كلها فصار يعرفها ويلقي على كل جنس وشكل ونوع وشخص من النبات والمعادن، والحيوان وجميع المرئيات الأسماء والصفات. ويضيفون: فلما كثرت أولادهما (يقصدون آدم وحواء) تولى آدم تعليمهم وتأديبهم وتهذيبهم وعلمهم كيفية الحرث والزرع، وازدواج الذكور والإناث، وعمروا العالم وعايشوا الحيوانات وما تصنعه بعضها ببعض.
ويستمر إلا أنها لم تكن الحروف مجتمعة بعضها إلى بعضٍ، ولا مؤلفة بالكتابة وإنما كان آدم عليه السلام يعلمهم تلك الأسماء تلقينا وتعريفاً كما يعلم الأشياء ويعرف من لا علم له بالكتابة والهجاء) (1).
المجموعة أو النظرية الثانية
تقرر أن اللغة ابتكرت واستحدثت بالاتفاق والتواضع بين مجموعة من الحكماء في مكان ما وفي مجتمع من المجتمعات العريقة.
وهي أيضاً نظرية قديمة قال بها (ديموكريت) أحد فلاسفة اليونان في القرن الخامس ق.م. وكذلك أرسطو الذي رأى أن اللغة لا يمكن أن تكون إلهاماً وموهبة إنسانية، وهو القائل (بأن المجموعة الإنسانية في مكان ما قد تواضعت وتم الاتفاق بينها على ألفاظ ينظمها نظام خاص) كما أوردها بعض فقهاء اللغة العربية في العصور الوسطى كابن جني الذي يقول: أن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة؛ وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعداً يحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء.. والمعلومات فيضعوا لكل واحد منها سمة ولفظاً إذا ذكر عرف به ما مسماه ليمتاز عن غيره، وليغني بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين. فيكون ذلك أقرب وأخف وأسهل من تكلفة إحضاره لبلوغ الغرض في إبانة حاله. بل قد يحتاج في كثير من الأحوال إلى ذكر مالا يمكن إحضاره ولا إدناؤه كالمعاني وحال اجتماع الضدين على المحل الواحد كيف يكون ذلك لو جاز وغير هذا مما هو جار في الاستحالة، والبعد مجراه. فكأنهم جاءوا إلى واحد من بني آدم فأومئوا إليه وقالوا إنسان إنسان فتصبح هذه الكلمة اسماً له. وإن أرادوا سمة عينه أو يده أو رأسه أو قدمه أشاروا إلى العضو، وقالوا: يد، عين، رأس، قدم.
ويسيرون على هذه الوتيرة في أسماء بقية الأشياء، وفي الأفعال، والحروف، وفي المعاني الكلية والأمور المكتوبة نفسها.
وبذلك تنشأ اللغة العربية مثلاً ثم خطر بعد ذلك لجماعة منهم كلمة (مرد) بدل إنسان، وكلمة (سر) بدل رأس. وهكذا فتنشأ اللغة الفارسية.
ويختم ابن جني رأيه بالقول: (وهذا قول من الظهور على ما نراه) (وجهة نظر أخرى لابن جني)(1).
المجموعة أو النظرية الثالثة:
تؤكد أن الفضل في نشأة اللغة لدى الإنسان يرجع إلى غريزة زُوّد بها النوع الإنساني.
وعليه فإن كل فرد قادر على التعبير عن نفسه وعن كل متطلباته وشؤونه دونما تعلم أو إيحاء. (وأن هذه الغريزة كانت تحمل كل فرد على التعبير عن كل مدرك حسي أو معنوي بكلمة خاصة به ..) وأنها كانت متحدة عند جميع الأفراد في طبيعتها ووظائفها وما يصدر عنها. وأنه بفضل ذلك اتحدت المفردات وتشابهت طرق التعبير عند الجماعات الإنسانية الأولى فاستطاع الأفراد التفاهم فيما بينهم، وأنه بعد نشأة اللغة الإنسانية الأولى لم يستخدم الإنسان هذه الغريزة فأخذت تنقرض شيئاً فشيئاً حتى تلاشت كما انقرض لهذا السبب كثير من الغرائز الإنسانية القديمة) (1).
وكان من أشد أنصار هذا المذهب (النظرية) العالم الألماني (ماكس مولر) الذي يقول: (إن الفضل في نشأة اللغة يرجع إلى غريزة زود بها الإنسان في الأصل للتعبير عن مدركاته بأصوات مركبة ذات مقاطع، كما زود باستعداد فطري للتعبير عن انفعالاته بحركات جسمية وأصوات بسيطة) (1).
المجموعة أو النظرية الرابعة:
تقول: إن اللغة نشأت عندما بلغ الإنسان مرحلة متقدمة من التطور العضوي والنضج. وهذه النظرية جاء بها الدكتور (محمد شحرور) مؤخراً، وجاراه بعض الباحثين في مجلة الثقافة العالمية، ومضمونها أن اللغة حصيلة تطورات فسيولوجية لبعض أعضاء جسم الإنسان، وكذا تطورات نوعية طرأت على الجسم نفسه كانتصاب القامة، وتحرر اليدين ونضج الجهاز الصوتي إضافة إلى تطور معين طرأ على الدماغ يقول الدكتور (شحرور): عندما بلغ البشر مرحلة متقدمة من التطور العضوي والنضج أصبح مؤهلاً لنفخة الروح. وهذا التأهيل كان في ظاهرتين رئيسيتين هما:
1- انتصاب الإنسان على قدميه وتحرير اليدين. وذلك في قوله تعالى:«يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ» الإنفطار: 6- 8 . فهناك نرى لفظ (عدلك) جاء بعد التسوية، وعدل في اللسان العربي لها أصلان صحيحان لكنهما متقابلان كالمتضادين أحدهما يدل على الاستواء، والآخر على الإعوجاج.
2- نضوج جهاز صوتي خاص به، وهذا الجهاز قادر على إصدار نغمات مختلفة بعكس بقية المخلوقات التي تصدر نغمة صوتية واحدة. هذا الجهاز الصوتي عُبر عنه في سورة الرحمن «الرَّحْمنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الإِنسَانَ،عَلَّمَهُ الْبَيَانَ» الرحمن:1-4 فقوله تعالى: «عَلَّمَهُ الْبَيَانَ »فهذا يعني أنه تعلم اللغة بواسطة قوانين مادية موضوعية، وليس وحياً أو إلهاماً. وأول هذه القوانين هو وجود الجهاز الصوتي. لاحظ أنه قال: (الرحمن) ولم يقل: (الله)(1) وليس بعيداً عن هذا ما ورد في مجلة الثقافة العالمية عدد رقم (780) سنة 1996م حيث جاء ما يلي:
لقد عرض نموذجان نظريان لتفسير (انبثاق اللغة عند الإنسان). (المنحنيات الحمر) يقول أحدهما: إن ظهور اللغة قد حدث تدريجياً خلال تطور البشريات (Hominids) ويرى النموذج الثاني أن هذه الملكة لم تتطور بالفعل إلا مع ظهور الإنسان الحديث) (2). انظر اللوحتين المرفقتين حول هذا.
المجموعة أو النظرية الخامسة:
تقرر أن اللغة الإنسانية جاءت من أصوات الطبيعة، وهذا يعني أن الإنسان من خلال معايشته الطويلة للطبيعة بما فيها من رياح وأعاصير ورعد وبرق وأمطار، وخرير مياه، وحفيف أشجار، وأصوات الحيوانات، والطيور، وانفجارات البراكين والزلازل وغيرها، كان قد قلدها وصار يردد بعضها أو ينسج على منوالها.. وقد ذهب إلى هذا الرأي معظم علماء اللغة في القديم والحديث. فهذا ابن جني يقول: ذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعة كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء ونهيق الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونزيب الظبي ونحو ذلك. ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح ومذهب متصل (1) (وهذا مذهب ثالث لابن جني!!).
ويقول الرافعي: وأقرب ما يصح في الظن مما لا يبعد أن يكون الوجه المتقبل وإن كان الظن لا يغني من الحق شيئا. إن الأصوات الحيوانية هي المثال المحتذى في لغة الإنسان لأنها محيطة به يتغلب على سمعه كل ما سمع خصوصاً والإنسان في أول اجتماعه مضطر لمغالبة الحيوان. فهو لهذا الاضطرار يتدبر اختلاف هيئات الصوت الواحد ومعاني ما فيه من النبر، ودليله في ذلك أفعال الحيوان التي تؤدي معاني هذا الاختلاف من نحو الغضب والألم، والذعر وغيرها) (2).
إذن فالإنسان قد حاكى أصوات الحيوانات ومظاهر الطبيعة بما تعنيه من انفعالات وآلام وأفراح وأحزان .. إلخ. وهذه النظرية هي أدنى نظريات هذا البحث إلى الصحة وأقربها إلى المعقول. وأكثرها اتفاقاً مع طبيعة الأمور وسنن النشوء والارتقاء الخاضعة لها الكائنات وظواهر الطبيعة والنظم الاجتماعية، وهي إلى هذا وذاك تفسر المشكلة التي نحن بصددها، وهي الأسلوب الذي سار عليه الإنسان عند بدء الأمر في وضع أصوات معينة لمسميات خاصة، والعوامل التي وجهته إلى هذا الأسلوب دون غيره. ولم يقم أي دليل يقيني على خطئها ولكن لم يقم أي دليل على صحتها، ومن أهم أدلتها أن المراحل التي تقررها بصدد اللغة الإنسانية تتفق في كثير من وجوهها مع مراحل الارتقاء اللغوي عند الطفل.
ومن أدلتها كذلك أن ما تقرره بصدد خصائص اللغة الإنسانية في مراحلها الأولى يتفق مع ما نعرفه عن خصائص اللغات في الأمم البدائية.
ففي هذه اللغات تكثر المفردات التي تشبه أصواتها ما تدل عليه(1).
ولعل من أفضل ما قيل بهذا الصدد ما أورده الدكتور (دك الباب) الذي قال: (وحين نصف لساناً ما بالأصالة نقصد أنه يتوفر فيه عنصران هما: الإيغال في القدم من ناحية. والاستمرار في الحياة من ناحية أخرى. وعليه فإن بنية الأصيل بهذا المعنى. يجب أن تتمتع بجملة خصائص من حيث المفردات والأصوات، والصرف والنحو تشير إلى إيغاله في القدم. وأول قرينة على إيغال لسان ما في القدم هي وجود شبه بين ألفاظه وأصوات الحيوان، والطبيعة؛ لأن هذا الشبه يدل على محاكاة الإنسان القديم لأصوات الطبيعة. ويؤكد بالتالي بداية نشأة ذلك الإنسان) (1).وخلاصة القول: إن محاكاة الإنسان للطبيعة بكل مظاهرها وحيواناتها وطيورها في اختراع أو تكوين لغته هو الأرجح، بل هو القول الفصل وهو ما تؤيده بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأمثال وأشعار الأمم وبالذات العرب منهم، بل لقد حدد نوع الطير الذي ربما يكون الإنسان قد قلده كثيراً فأشير إلى طائري اللقلق والحجل. قال تعالى على لسان سليمان بن داود عليه السلام «وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ» النمل:16
وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم اللسان باللقلق فقال: ((من كفى مؤنة لقلقه وقبقبه وذبذبه دخل الجنة)). واللقلق: اللسان، والقبقب: البطن، والذبذب: الفرج. وقد رواه الكثير من المحدثين بصور مختلفة.
انظر شكل الشجرة اللغوية رقم (2) ص98-99- الثقافة العالمية عدد 78 سنة 96م.
المجموعة أو النظرية السادسة:
وتسمى (إذا جاز هذا التعبير) لغة البحث عن لغة حواء ويتبناها
كل من:
- تيري بيلورج.
- الكسندر دوروزنسكي.
يبدآن بحثهما بهذا السؤال الكبير: هل سبق أن حدث انفجار أعظم لغوي؟ ويردفانه بسؤال آخر: هل لبضعة الآلاف من اللهجات (Idiomes) الحالية أصل واحد هو نفسه (لغة أم) ولدت في مكان ما من أفريقيا منذ ما يزيد على خمسين ألف سنة؟ الفكرة تلقى نجاحاً اليوم. ويتحدثان عن ولادة ما أسمياه (اللغة الهند أوروبية) Indo Europeen الإيطالية، والأسبانية، والفرنسية لغات متشابهة. وكذلك الهولندية والإنجليزية، والألمانية يبدو ذلك بديهياً. إلا أن للأمر دلالة عميقة. إذا كانت هذه اللغات متشابهة، فذلك لأن لها أصلاً مشتركاً. في الحالة الأولى نحن إزاء لغات رومانية مشتقة من اللاتينية أو متأثرة بها إلى حد كبير، وفي الحالة الثانية اللغات المذكورة هي جرمانية. ويسترسلان: لقد أدهشت هذه القرابات بعض المثقفين في القرن الثامن عشر بل لقد ذهب القاضي الإنجليزي (وليم جونز) المقيم في (كلكتا) أبعد من ذلك بعد تحققه من وجود رابطة قربى بين السنسكريتية اللغة المقدسة والأدبية للحضارة البراهمية في الهند واليونانية واللاتينية ولغات جرامانية. أطلق فرضيته التي تفيد أنه قد يكون لجميع هذه اللغات جد مشترك أسماه هندي أوروبي. ومن المعروف الآن أن الأسرة الهند أوروبية تشتمل على معظم اللغات المحكية في أوروبا. (باستثناء الباسكية والفنلندية والهنغارية والإستونية بشكل خاص) (1). ويضيفان: وهي تضم أيضاً عدداً من اللغات المحكية في آسيا كما في إيران وأفغانستان والهند. منذ أن أظهرت دراسات اللغويين أن بضعة الآلاف من اللغات الحالية المنتشرة في أرجاء العالم يمكن جمعها فيما بين 15 إلى 20 أسرة كبيرة.
وعلى غرار الهند أوروبية يجب أن تكون قد وجدت في أصل كل أسرة من هذه الأسر اللغوية لغة أم قد تكون تمخضت عن كل لغات الأسرة المعنية. لماذا إذن لا تتبع هذه المقاربة في البحث عن قرابات محتملة تقوم بين هذه الأسر، ثم بين أسر الأسر هذه، وهكذا حتى الوصول إلى حد شامل (لغة حوائية) بشكل ما.
إذن فما هي اللغة التي كان يتكلمها الإنسان الحديث.
الإنسان العاقل (Homo Sapiwns)؟
يرى عالم اللغة ميريت روهلن (Ruhlen) وهو أحد المقتنعين جداً بوجود لغة سلفية شاملة يمكن التحقق منها بالطريقة المسماة المقارنة متعددة الجوانب.
Comparison multilatarals ويرى (روهلن أنه بإمكان أي باحث أن يدرس بنفسه مدى القرابة بين اللغات المختلفة المتداولة الآن على مستوى الكرة الأرضية، وبين تلك اللغة المفترضة والتي تسمى (اللغة الأم).
أما هو فإنه لا يخفي قناعته بأن (لغة حواء) هذه التي يسميها الباحثون لغة البدء البشرية Protohumain)(Protosapiens) وأنها هي لغة ما سمي ب(الإنسان العاقل) أو (الإنسان الحديث) Sapjens Homo بعد تطور البشر ونفخ الروح وفق القرآن) وكان ذلك في رأيه بين 100-200 ألف سنة. أما مكان هذا الإنسان فإنه قد يكون في أفريقيا ومنها انتقل وفق رأيه إلى آسيا واستراليا (وهنا نؤكد بأن اليمن كانت أهم تلك المحطات وأقدمها) و(Ruhlen) يعتبر أن اللغة الأم هذه انفجرت عن عدة مجموعات من اللغات الفرعية التي انتشرت بعد ذلك عبر كل أرجاء أوراسيا.
وهو يرى: أن انفصالاً آخر قد أفرز المجموعة اللغوية المسماة (دينية) القوقازية (القفقاس) التي لم يبق منها سوى الباسكية والأسرة اللغوية الصينية- التبتية Tibetaine Sino . وأسرة اللغات ال(ناردينية) NaDene المحكية لدى سكان هنود أمريكا التي هيمنت أيضاً على أوروبا والشرق الأوسط وآسيا) (1).
وقد تمايزت اللغات غير الدينية- القوقازية- فساد بعضها في جزء من أفريقيا.
وأفرزت المجموعة الأفريقية - الأسيوية Afro - Asiatigue.
وهما يعتقدان أن مجموعة بشرية قد اجتازت مضيق (بهر ينغ) قديماً وهو المضيق الواقع في الجزء الشمالي من المحيط الهادي بين آسيا وأمريكا، وانتشرت بالتدريج في أمريكا (وهذا دليل على مرور اليمانيين خلال الخمسة عشر ألف سنة ق. م من هذا الممر إلى أمريكا وتركوا هنالك آثارهم ومنها الخط المسند) في كل من المكسيك وكندا، وأوجدت بالمناسبة نفسها المجموعة اللغوية الأميرندية. وحاول علماء اللغات الروس إعادة بناء اللغة الأم. وبعد عقود من البحث توصلوا إلى نتائج مشابهة لما توصل إليه العلماء الغربيون، إلا أن أعمالهم كانت أقرب إلى ما توصل إليه اللغوي الدانمركي هولجر بدرسون (Pedersen) الذي أكد منذ بداية القرن العشرين أن الهندية الأوروبية هي على قرابة مع أسر لغوية كبرى مثل الأورالية، والسامية (جدة اللغة العربية) و(العبرية) (1).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.