وفاة وإصابة خمسة أشخاص في حجة وصعدة جراء الصواعق الرعدية    عصابة حوثية تعتدي على مواطن في إب بوحشية مفرطة    ما هو شرط زيدان لتدريب فريق بايرن ميونيخ؟    الارياني: الأسلحة الإيرانية المُهربة للحوثيين تهدد الأمن والسلم الدوليين ومصالح العالم    ثمن باخرة نفط من شبوة كفيلة بانشاء محطة كهربا استراتيجية    أكاديمي: العداء للانتقالي هو العداء للمشروع الوطني الجنوبي    إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟    الكشف عن تصعيد وشيك للحوثيين سيتسبب في مضاعفة معاناة السكان في مناطق سيطرة الميلشيا    صمت "الرئاسي" و"الحكومة" يفاقم أزمة الكهرباء في عدن    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    السيول الغزيرة تقطع الخط الدولي وتجرف سيارة في حضرموت    مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    بالصور .. العثور على جثة شاب مقتول وعليه علامات تعذيب في محافظة إب    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما يؤيده وجود سام بن نوح ومدينة صنعاء .. اليمن مهد الساميين الأول
هذا هو تاريخ اليمن (الإرهاص)
نشر في الجمهورية يوم 05 - 12 - 2006


- د. عبد الله علي الكميم ..
تناولت موضوع اللغة، والكتابة من حيث النشأة في المجلد الأول من مؤلفي هذا، ولكني مررت عليها مرور الكرام، وأجَّلت الخوض فيها بإسهاب لهذا الذي خصصته للغة اليمنيين وكتاباتهم التي أعتبرها كما يعتبرها الكثير من العلماء والكتاب وفي مقدمتهم العقاد أصل لغات الساميين وكتاباتهم، وهي لغة القرآن، وخط المسند هو خطه أيضاً كما ستثبت هذه الدراسة، إن شاء الله.. وسأتناول هنا معنى اللغة والكلمة مستعيناً بأهم المراجع المتيسرة مرتبة زمنياً ما أمكن.
وقليل منهم من قرر هذا الخطأ وأنكره وارتأى تسمية الأقوام العربية لكل من سكن الجزيرة أو خرج منها كما فعل جواد علي في كتابه تاريخ العرب قبل الإسلام حيث قال في جزئه الثاني : إذا أردنا أن يكون كلامنا علمياً أو قريباً من العلم وجب علينا إهمال كلمة (الشعوب السامية والساميين وتبديلها بكلمة الشعوب العربية) و(العرب) لأن هذه التسمية ملموسة المفهوم بينما تلك اصطلاح مبهم. وكما فعل مؤلفو معالم الحضارات في الشرق والغرب الرفاعي ورفقاه حيث قالوا: طغى اسم (الشعوب السامية) على الأقلام بالمعنى الجنسي لسكان جزيرة العرب، والنازحين منها، وهي تسمية لا مبرر لها سوى رواية التوراة، والاصطلاح الشائع، والأصح الذي يتمشى مع المنطق التاريخي أن تسمى باسم الشعوب العربية؛ لأننا نجد اسم العرب منذ القديم في الآثار البابلية والآشورية والعبرية، ولأن الفرس واليونان والرومان أطلقوا على سكان جزيرة العرب اسم العرب منذ الألف الأول ق. م). (هذا الكلام يأتي في الإطار العام لما كان سائداً آنذاك، أما الصحيح والذي كاد العلماء أن يجمعوا عليه فهو أن العاديين هم أول العرب، وهم أول من تكلم العربية، وكتبوا بالمسند أصل الخطوط العربية). ومع هذا فإن مؤلفي هذين الكتابين لم يصروا على التسمية التي صوبوها بحق، ولم يجروا على مقتضى ذلك من سلك تاريخ سكان جزيرة العرب الأقدمين وتاريخ الموجات الآرامية والكنعانية والعمورية، والكلدانية، والآشورية والمصرية، والأثيوبية التي خرجت منها في سلك واحد، بل عادوا فاندمجوا في ذلك الخطأ واستمروا عليه ، حيث ظلوا يذكرون من انساح من جزيرة العرب قبل العروبة الصريحة باسم الساميين، والشعوب السامية، ويفصلون بين تاريخهم وتاريخ سكان الجزيرة العربية والعرب في دور العروبة الصريحة. وعلى نفس المنوال ينسج مؤلفو كتاب ( الأساس في اللغات السامية) آراءهم التي تحمل بعض الغموض والتناقض، وهو ما أضفى على تاريخ اليمن القديم وبالذات على الهجرات السامية القديمة والعربية التي جاءت بعدها بآلاف السنين حينما تكونت أول نواة عربية متحضرة في الكرة الأرضية كاملة - الكثير من الغموض والتشكيك والغمز في مصداقيته رغم إجماع العلماء تقريباً على أمرين هامين:
1- أن الهجرات السامية انطلقت من اليمن كون اليمن مهد الساميين الأول. وهذا ما يؤيده وجود سام بن نوح ومدينته صنعاء كأول مدينة نشأت على وجه الأرض حسب رأي كثير من المؤرخين وأيضاً لترجيح وقوع طوفان نوح على أرض اليمن ولعوامل طبيعية وجغرافية وغيرها.
2- أن عاداً جاءت بعد هؤلاء الساميين الذين تركوا اليمن في زمن موغل في القدم، وغطوا كثيراً من الأجزاء الآسيوية والأفريقية وربما الأوروبية. وأن هؤلاء العاديين قد أنشأوا حضارة عظيمة في الفترة الواقعة بين الألف السابع والثالث عشر ق. م. وأنهم تكلموا العربية وكتبوا بالخط المسند وأن الهجرات منذئذ ذات طابع عربي مبكر. أما ما قاله مؤلفو الكتاب المشار إليه في هذا الصدد فهو: وخلاصة القول أن الجماعة الأولى السامية هي الجماعة العربية، وأن مهد الساميين الأول هو مهد هذه الجماعة الأصلي وهو نجد والحجاز والعروض واليمن، وجاءوا إلى هذه البقاع، ومنها جميعاً ابتدأت الهجرة السامية الأولى إلى شمال الجزيرة ومشارف الشام والعراق حتى تخوم بلاد إيران، ثم إلى بلاد إيران، ثم إلى بلاد الحبشة ووادي النيل، وأن الأمة العربية قديماً وحديثاً هي (الجنس السامي) بأكمله، وأن منزلة جميع الوحدات (السامية) من العرب منزلة الشعوب المتفرعة عن أمة واحدة من دوام الاتصال بين الفرع والأصل، واستمرار المدد من الأصل إلى الفرع. وأن منزلة اللهجات (السامية) من اللغة العربية منزلة الفروع البدائية من الأصل الواحد ص 37 ويعلق دروزة على هذه الآراء قائلاً: ومما وقع فيه الذين كتبوا تاريخ الشرق العربي القديم من التناقض أنهم بينما فصلوا تاريخ الموجات العربية في بلاد الشام، والعراق ووادي النيل عن تاريخ، الجنس العربي جعلوا تاريخ المعينيين والسبئيين، ودول اليمن الأخرى، وشعوب شمال الجزيرة وإماراتها في القرون القديمة في سلسلة هذا التاريخ، مع أن هؤلاء لم يوصفوا في أي أثر قديم بصفة العروبة بالتخصيص،ولم يكونوا أكثر قرباً في لغاتهم وصبغتهم الجنسية بوجه عام إلى العرب في دور العروبة الصريحة من الموجات التي انساحت من الجزيرة إلى وادي النيل، والهلال الخصيب في تلك القرون، بل كانوا أكثر قرباً إلى هذه الموجات على اعتبار تقارب الزمن التاريخي الذي عاشوا فيه جميعاً. بل هناك ما هو أدعى إلى العجب فقد سلك جرجي زيدان الدولة البابلية التي من ملوكها حمورابي ودولة الرعاة في مصر في سلك تاريخ العرب قبل الإسلام في كتابه المعنون بهذا العنوان. ولم يسلك بقية الدول التي قامت في بابل، ونينوى، وسواحل بلاد الشام وداخلها وجنوبها والتي يقرر هو بالذات أنها من الأرومات التي تمت إلى جزيرة العرب وتتشارك في اللغة والعادات والأفكار كالآشوريين والكلدانيين والآراميين والكنعانيين.
بعد هذا يحاول الكاتب تعليل أسباب تسمية كتابه باسم (تاريخ الجنس العربي) قائلاً: ونحن إذ نسمي كتابنا باسم تاريخ الجنس العربي وإذا نسلك تاريخ الأقوام الذين يمتون إلى جزيرة العرب سواء منهم الذين خرجوا منها أم الذين بقوا فيها قبل العروبة الصريحة وبعدها في سلك واحد ونقدمه حلقات متصلاً بعضها ببعض نتوخى فيما نتوخاه تصحيح هذا الخطأ الشائع وتسمية الأمور بأسمائها الصحيحة أو ما هو الأوجه والأقرب إلى الصحة. وهذا بالإضافة إلى ما في ذلك من إبراز سعة نطاق نشاط الجنس العربي وحيويته في مختلف المجالات الفكرية والأدبية والحضارية، والسياسية والعسكرية وفي مختلف المواطن التي انساح إليها منذ أقدم الأزمنة. وكانت مصدراً رئيسياً من مصادر الحضارة البشرية التي شعت على العالم من جهة، والوصل بين حيوية العروبة في دورها الصريح وبين حيويتها قبل هذا الدور. ويضيف: ومهما يكن من أمر مهد الجرثومة الأولى الأول، وحتى على احتمال أن لا يكون هذا المهد جزيرة العرب، وحتى على احتمال أن يكون سكان الجزيرة الأولين من عناصر مختلفة آسيوية وأفريقية تقاربت وتمازجت وتشاركت مع الزمن؛ فإن هذا مما يعود كما قلنا قبل إلى عهود ما قبل التاريخ، وإن عهود التاريخ حينما أطلت كانت الجماعة العربية المتشاركة في اللغة والعادات، والعقائد قد قامت في جزيرة العرب، وأخذ ينساح منها من ينساح إلى الأطراف، ويبقى فيها من يبقى، مما تؤيده الوقائع التي جرت وظلت تجري منذ أقدم الأزمنة التاريخية المعروفة إلى اليوم. ولم يبق موضوعاً تاريخياً قديماً مضى وانقضى، وغدا محل نفي وإثبات، وظن، وإبداء وإعادة حيث كانت القبائل وظلت تنساح من مختلف أنحاء جزيرة العرب متلاحقة بدون انقطاع من الجنوب عن طريق باب المندب إلى شواطئ إفريقية الشرقية فأثيوبية فمصر أحياناً، ومن الجنوب إلى شواطئ بحر الهند والخليج العربي .. فالعراق وبلاد الشام أحياناً، ومن الشمال إلى بلاد العراق والشام، ومن هناك إلى مصر عن طريق برزخ السويس أحياناً، وكان ذلك قبل دور العروبة الصريحة، ثم استمر بعد بروز العروبة الصريحة قبل الإسلام، ثم استمر منذ الإسلام إلى اليوم. ومما سجلت أحداثه القديمة نقوش المصريين، والآشوريين والكلدانيين وأسفار العهد القديم، وكتب اليونان والرومان القدماء، ومما تواصلت أحداثه الجديدة فيما عرف يقيناً من انسياح القبائل العربية من جزيرة العرب في دور العروبة الصريحة قبل الإسلام إلى العراق وبلاد الشام، ثم بالقبائل التي جاءت تحت راية الإسلام، وأخذت تنتشر كذلك في بلاد الشام والعراق ووادي النيل وشمال إفريقيا، ثم بالقبائل التي ظلت تأتي من الجزيرة بعد الموجة الإسلامية الأولى، وتنتشر في مختلف أنحاء هذه ،البلاد، ثم بالصورة الحية الماثلة اليوم بالقبائل الغادية الرائحة أو المستقرة التي تملأ جنبات هذه البلاد كذلك. والتي يعرف يقيناً أنها انساحت من جزيرة العرب، ومنها من يمت إلى القبائل القديمة، ومنها من جاء قبل قرن أو قرون قليلة على ما سوف يأتي الكلام عنه.وعن مهد الجنس العربي وقدمه في شبه الجزيرة العربية قال أصحاب الأساس في الأمم السامية ولغاتها: إن الجزيرة العربية منذ أقدم الأزمنة التاريخية المعروفة كانت مأهولة بجماعات متشابهة في الملامح والطبائع تتكلم لغة مشتركة وإن تعددت لهجاتها، وأن الأقوام التي سميت خطأ بالأقوام السامية وسجلت نشاطها السياسي والاجتماعي والمدني والعمراني والعقلي والديني في الجزيرة ثم في وادي النيل وبلاد العراق والشام هم من هذه الجماعات، ففي أكناف جزيرة العرب تكونت الجماعة العربية الأولى ومنها ابتدأت الهجرة العربية إلى أطراف تلك الجزيرة وإلى ما وراء هذه الأطراف في مصر وتخوم بلاد إيران. أما صاحب تاريخ الجنس العربي فقال: وليس هناك من ينكر إمكان كون سكان هذه الجزيرة قد عاشوا عيشة مدنية وسياسية واجتماعية منذ أقدم الأزمنة التي سجل الجنس البشري حياة مماثلة في بعض الأقطار الأخرى وبتعبير أدق منذ زمن أقدم من الزمن الذي تشير إليه الآثار المكتشفة في أرض الجزيرة، وخارجها أو الأخبار والروايات الواردة في كتب اليونان والرومان،وأسفار العهد القديم، أو نقوش مصر وبابل وآشور، والتي يرجع بعضها إلى أربعة آلاف عام، وأكثر قبل الميلاد المسيحي، ولاسيما أن هذه الآثار تدل على تقدم غير يسير في مضمار الحياة السياسية والمدنية والاجتماعية والعقلية لا يمكن أن يكون ثم إلا نتيجة تطور وتدرج يرجعان إلى قرون كثيرة قبل الزمن الذي نقشت أو كتبت فيه. وكل ما في الأمر أنه لم يكشف عن آثار أقدم كما كشف عن آثار أقدم في وادي النيل والعراق، وليس من المستبعد أن يكشف عن آثار أقدم بالنسبة لسكان الجزيرة حينما يمكن القيام بتنقيبات واسعة كما أمكن في مصر والعراق، ولاسيما أن في مختلف أنحاء الجزيرة خرائب ومقابر وأطلالاً كثيرة لم ينقب فيها تنقيباً علمياً واسعاً. ويردف قائلاً: ومما يمكن أن يقال تأييداً لهذا أن الجماعات التي جاءت من جزيرة العرب إلى وادي النيل وحوض دجلة والفرات، واستقرت فيها قبل أكثر من خمسين وأربعين قرناً قبل الميلاد كانت على شيء غير يسير على مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية ووسائلها من المعقول أن تكون مزودة بها من منشئها الأول. وجاء في كتاب (تاريخ مصر قبل الفتح وبعده) أن المعلوم يقيناً أن الذين نشأ منهم (منا) وهو أول ما عرف من ملوك المملكة المصرية المتحدة قبل خمسة وثلاثين قرناً قبل المسيح من الساميين. وأنهم دخلوا مصر ومعهم حضارة أرقى مما كان في مصر وهم الذين جاءوا بفن التحنيط والكتابة الهيرو غليفية، وأن هناك من يقول أنهم دخلوا إلى مصر من برزخ السويس، ومن يقول أنهم جاءوها من طريق الجنوب. أما فيلبي فيقول: أرسلت العربية الجنوبية موجات متعاقبة من البشر سلكت الطرق البرية، والبحرية حتى وصلت إلى المناطق التي استقرت فيها، وقد حملت معها كل ما تملكه من أشياء ثمينة، آلهتها وثقافاتها وخطها الذي اشتقت منه سائر الأقلام، وطبعت تلك الأرضين الواسعة التي حلت فيها بهذا الطابع السامي الذي ما زال باقياً حتى اليوم).وقال جواد علي: ولقد قال فريق من الباحثين منهم كايتاني الطلياني أن مناخ جزيرة العرب كان عرضة لتغيرات عديدة، وأنه كان فيها أنهار ومياه، وأن هذا الجفاف الذي يسود معظم الجزيرة طارئ حديث، وأنه هو الذي حفز جماعات من أهلها إلى النزوح عنها إلى الأماكن المجاورة لها شمالاً وجنوباً، ويدلي القائلون لتأييد رأيهم بأدلة متنوعة من جملتها أدلة جيولوجية وطبيعية، حيث وجد في وديان عديدة، مثل وادي الحصن، ووادي السرحان، ووادي الرقة، ووادي الدواسر ترسبات تدل على أنها كانت أنهاراً جارية، ويصلون إلى نتيجة كون جزيرة العرب في حقبة من التاريخ كانت ذات جو معتدل، وأمطار غزيرة وأشجار وزروع وأن ما طرأ عليها من تبدل قد طرأ تدريجياً منذ نحو أربعة عشر ألف عام) (1) . وينطوي على هذه الاحتمالات أن العمران والحضارة كانتا أقدم مما قد عرف حتى الآن يقيناً نتيجة الأبحاث والتنقيبات العلمية والعشوائية التي يتم عن طريق المواطنين في اليمن وبعض الأنحاء في جزيرة العرب. وأنها كانت شاملة لمناطق أوسع من المناطق التي عرفت بهما كما برز ذلك في الجماعات (النازحة إلى وادي النيل والهلال الخصيب منذ الأزمنة القديمة من مظاهر الحضارة والحياة الاجتماعية والسياسية باعتباره متصلاً بذلك الأصل القديم في المهد الأول (اليمن). والراجح أن سكان الجزيرة حينما جاءوا من مهدهم الأول (اليمن) لأنها هي أصلح مناطق الجزيرة للمعيشة بسبب مناخها وتربتها ومياهها، وأنهم لما تناسلوا وكثروا أخذوا يتوزعون في أنحاء الجزيرة، وينساح بعضهم منها إلى الأقطار الشمالية، وأن هذا كان منذ الزمن القديم جداً لا يعرف معرفة تاريخية صحيحة، وأنه حينما أخذ الزمن يسجل تاريخ جزيرة العرب المدني والاجتماعي، والسياسي، كانت كما قلنا مأهولة بالسكان. وكان منهم المستقرون في الجنوب، والمستقرون في الشمال والمستقرون في الشواطئ الجنوبية والغربية والشرقية. ولعل من الأدلة التي تصح أن تساق على أصلية المنزل الجنوبي وأقدميته أن الآثار، والوقائع أثبتت أن مآثر الجنوب السياسية والاجتماعية، والعمرانية هي الأسبق، والأقدام، وأن الانسياح إلى الخارج كان منه قبل غيره) (1).
- الفصل الثالث
المسند أصل خط القرآن الكريم
أورد علاّمة اليمن المخضرم المطلع على معظم إن لم يكن كل كتب الله تعالى التي أرسلها إلى رسله وأنبيائه منذ آدم عليه السلام مروراً بإدريس ونوح فهود ومن بعدهم عليهم جميعاً صلوات الله ورضوانه وكلها تقريباً نزلت في اليمن، واحتفظ اليمانيون بها وتناقلوها جيلاً بعد جيل حتى وصلت إلى هذا العلامة الكبير أعني به (وهب بن منبه) الذي كان إضافة إلى اطلاعه على مائة وستين كتاباً من كتب الله تعالى في إحدى الروايات، كان مطلعاً على تاريخ الأمم الماضية وحضاراتها وخطوطها، وبالذات المسند، أصل الخطوط السامية، وأصل خط القرآن العظيم (الجزم)، الذي جزم أي (اقتطع منه) قال وهب: (وإن حمير قفل من أرض المغرب راجعاً، وكان يكتب بالمسند الكريم على الله في جميع سلاحه من الحديد وفي الأجبال إذا مر عليها فأكثر من ذلك فرأى في منامه كأن آتياً أتاه فقال له: اتق الله يا حمير قال له: ومالي؟! قال: تكتب هذا الخط (المسند) الكريم على الله على احديد، والحجر، والعود يدرس وتعلوه النجاسات والله أكرمه، واصطفاه، وادخره للفرقان يأتي به محمد صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان فصنه واحفظه فإن الله تعالى وتبارك اصطفاه وادخره للقرآن أكرم الكتب إلى الله، واللسان العربي سيد الألسن، وللجنة خير خلق الله. ولمحمد خير البشر، ولكن استخدم هذا الخط أنت وولدك، فإن لكم به على الخلق فضيلة إلى مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ،ومر بنيك من بعدك بحفظ هذا الخط. ثم ارتفع فلما أصبح دعا بنيه، فقال: يا بني إنه كان من أمري كذا، وكذا. قالوا له: هل رأيت شيئاً؟ قال: لا. قال له وائل ابنه: سترى يا أبت أن الله كريم لا يمنعك شيئاً إلا جعل لك منه عوضاً. فلما نام الليلة الثانية أتاه آت فقال له: اقرأ يا حمير: قال له: وما أقرأ؟ فنظر إلى جبينه فإذا عليه خط مكتوب: يا حمير: اقرن هذا بخط أبيك (المسند) من الأول إلى آخره، فاستخدم هذا الخط. فقرأ حمير، وردده حتى فهمه، فلما أصبح دعا بنيه وكتبه وهو هذا. وأورد هنا الأبجدية الجديدة، وهي التي أشار إليها ناسخ كتاب التيجان بقوله: انظر الورقة الملحقة بهذا المحل إلا أنَّ المشرف على طباعة الكتاب عقب قائلاً: الورقة غير ملحقة في طبعة حيدر أباد ص63 وهكذا مع كل الأسف تضيع علينا أبجدية بكاملها دون أن تثير أي نوع من القلق، أو الاستياء لدى المسئولين في الدوائر العلمية، أو لدى جماعة المؤرخين، والمثقفين وكأنها قطعة من وثيقة عادية أو قصيدة لشاعر مغمور!! ومثل هذه اللامبالاة كثير في حياتنا الثقافية وفي مواقفنا من التراث!! ويضيف: ثم قال له: يا حمير، استخدم هذا ولا تستخدم المسند فإنه وديعة عندكم إلى وقته.وإنما قيل له المسند لأنه أسند إلى هود عن جبريل قال وهب: وإن حمير ملك الأرض ومن عليها حتى لم يبق منها مكان كما ملكها أبوه سبأ، وكان عمر حمير أربعمائة عام وخمسة وأربعين عاماً أقام في الملك أربعمائة عام. لعل النخوة والشمم وعدم القدرة على تحمل هذا السكوت المخيف والصمت المطبق من قبل مثقفي جيلنا وعلمائنا وكتابنا وكل القادرين على المساهمة في قراءة تاريخ الحضارات اليمنية القديمة والإدلاء بآرائهم حيال القضايا والمسائل الكبيرة المتعلقة بماهية هذه الحضارات ومواطنها وأزمانها والنظر في أسسها ومقوماتها، وحقيقة صلتها بالعلوم المختلفة. وعن الأدوار الحضارية التي قام بها اليمانيون منذ أكثر من عشرة آلاف عام. كما هو ثابت الآن علمياً وقرآنياً ومادياً! وترك هذا للآخرين من غير اليمنيين الذين يقومون بقراءة تاريخ بعض هذه الحضارات والمساهمة في نبش وقراءة ما يعثرون عليه في مواقع البحث والتنقيب عن الآثار، ويحللون أو يفسرون ما يقرأون أو ما يعثرون عليه من منشآت ولقى ونقوش ولوحات في الكهوف والمغارات حسب ثقافاتهم ومدى وعيهم وإدراكهم وفهمهم للغات اليمنية العربية القديمة وخطوطها وبالذات الخط المسند (الخالد)، بل وحسب نوازعهم وأهوائهم وأغراضهم وأمزجتهم!!. أقول: لعل النخوة والغيرة والشعور بالواجب الوطني الملقى على كل القادرين قد دفعت القاضي الهمام (محمد علي الحجري) أحد المجتهدين المعاصرين الملمين بأصول اللغة العربية (المتينة) أو التي نسميها بالفصحى وجذورها اليمنية وخطها المسمى ب(الجزم) وأصله الذي اشتق منه (المسند) أصل خط القرآن الكريم. لقد دفعته العوامل المذكورة وغيرها إلى المبادرة للمساهمة مساهمة فاعلة ومهمة فألف كتاباً قيماً هو الأول من نوعه والوحيد في موضوعه أسماه (لغة الضاد وكتابها المسند). وقد اقترح بعض أساتذة الجامعة تعديل الاسم هكذا: (لغة الضاد من خلال الخط المسند، وخط الجزم وأنا أرى أن تكون تسمية الكتاب هكذا: (لغة القرآن وكتابها المسند أما الجزم فقد اشتق من المسند بإجماع فقهاء اللغات. والكتاب الذي امتلك منه نسخة في جزأين طبع بالكمبيوتر، وهو في مضمونه وفحواه يتفق مع ما ذهبت إليه حيال هذه القضية الخطيرة والشائكة التي هي مسألة الخط المسند وتفرعه وانبثاق خط الجزم منه ليكون قلم القرآن الكريم بعد مراحل من التطور اللغوي وما رافق ذلك من تطور في الخطوط على أرض اليمن. وقد حشد المؤلف (حفظه الله) (249) نقشاً من مجموعة النقوش التي كشفت حتى الآن وهي تمثل جزءاً لا بأس به مما قد كشف، ومما أورد الهمداني رحمه الله في مؤلفه الشهير (الإكليل) وغيره مما جاء في كتب الأقدمين، إلا أنها لا تمثل 1% مما لا يزال في رحم هذه الأرض الطيبة. دعك عن تلك النقوش التي تعرضت للتلف إما بفعل الإنسان الجاهل أو الحاقد !! أو لأنها كتبت على مواد سريعة العطب والتلف بفعل عوامل المناخ أو تطاول الزمن مثل تلك التي كتبت على الورق والرقوق والكتان والمواد المشابهة!! وقد قام بعملية دراستها دراسة فاحصة، كما قام بتحليلها ومقارنتها بخط الجزم خط القرآن الكريم في ضوء القرآن والمخزون اللغوي الذي يمتلكه الشعب اليمني ولا يزال متداولاً على ألسنة الناس إلى يومهم هذا في طول وعرض البلاد. وهي ألفاظ عربية فصيحة 100% ولكنها لم تعرف طريقها إلى تلك المعاجم التي وضعوها وفقاً لقواعد وضوابط فرضت عليهم فرضاً. وبذلك خسر العرب حوالي 50% من مفردات لغتهم!! وقد اعترف الكثير من العلماء العرب منذ عهد صدر الإسلام بهذا النقص فعبروا عنه بمقولة مفادها: أنه لم يصلكم من علم العرب وآدابهم إلا أقله ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير!!. كما خاض علوم اللغة بإسهاب وإطناب وبالذات في علمي النحو والصرف، وخاض بحر المقارنات بين معاني المفردات القاموسية (للغة المتينة) أو لغة القرآن ولغة المسند اللغة اليمنية (العربية الأصيلة) وأثبت أنها لا تختلف كثيراً إلا في الرسم أما اللفظ والمعنى فالفروق ضئيلة كما أشار وأكد هذا بالأدلة القاطعة. وفي مجال النحو لقد استعرض استعراض الخبير كثيراً من القواعد، والأدوات المختلفة من الحروف والأسماء والأفعال في أوضاعها المختلفة، مبيناً مدى التطابق أو الاختلاف بين اللغة الأم (اليمنية وخطها المسند) وما نشأ عنها من لغة سميت بالمتينة أو الفصحى وخطها (الجزم). ولعله قد أبان وجهة نظره التي نأمل أن تكون نظرية يقتفي أثرها القادمون من العلماء (الذين سيتناولون هذا الكلم الخطير) في تمهيده للكتاب إذ قال: ستعنى هذه الدراسة بالتعريف حقيقة لغة النقوش المسندية القديمة قبل الإسلام عن المدلول اللغوي لمفرداتها وعن أوضاعها الصرفية والإعرابية وأحوال القواعد والمصطلحات الكتابية لخط المسند حيث إن له نظاماً كتابياً متميزاً جعل من عدم المعرفة له من قبل الباحثين أن تعددت الآراء وتضاربت الأقوال، وكثر الجدل في تفسير لغة النقوش سواء عرب أو أجانب، والتعرف أيضاً عن العلاقة للغة المسند مع بقية اللغات السامية مثل الخط للغة العبرية القديمة حيث يوجد بخط المسند مصطلحات كتابية لها مثيل بالخط العبري مثل إلحاق حرف الميم، وإبدال همزة أفعل بحرف (هاء) ويجيء مضارع أفعل بدون إعلال وغير ذلك. ويواصل: أما العلاقة للغة المسند باللغة الفصحى فهي إن اختلفت كتابة فهي لا تختلف لغوياً في الأصول، فهما لغة الضاد وبكل ما تعنيه هذه اللغة من معنى ومبنى. لقد عنيت هذه الدراسة بالوقوف من اللغتين والكتابتين هما لغة واحدة وكتابة واحدة كما أشرت فالأخرى امتداد للأولى والأولى أم للأخرى بحثاً وتحقيقاً عن طريق القياس والاستقراء والمقارنة بينهما لغة وصرفاً وإعراباً.وهنا نراه يؤكد حقيقة جد خطيرة تطيح بأسس وقواعد بناء السالفين، وتهدم كل ما بنوا من أوهام عن الحواجز والفروق بين مفردات المسند ومفردات الجزم بقوله: ففي المجال اللغوي بما أن المفردات اللغوية للنقوش هي المفردات القاموسية للفصحى في اللفظ والبناء، والمعنى كما سنرى أن هذه حقيقة ثابتة فقد اعتمدت هذه الدراسة بالتفسير للغة النقوش على ضوء تلك القواميس، فهي مجموع الإرث اللغوي للأمة العربية (ولكنها لم تستوعبها كلها للأسف الشديد بين السلف والخلف أرضاً وإنساناً إلا من مفردات معدودة تنحصر في الأسماء المبنية والحروف المبنية كما سيأتي.وبعد هذا انتقل إلى المجالين الصرفي والإعرابي مبيناً أسباب صمت لغة المسند، وموضحاً تقسيم كتابه إلى جزأين محدداً العناوين الرئيسية لكل جزء قال في ص14: وفي المجال الصرفي والإعرابي سنقتفي هذه الدراسة بالحديث عنها على ضوء نسقها باللغة الفصحى (كأنه يريد صلتها كما ستبحث هذه الدراسة أسباب مجيء لغة المسند صامتة، وأن السبب في ذلك عائد إلى الخط لا إلى اللغة ومجيء لغة المسند بدون إعلال مقابل الإعلال بالفصحى، وعن أحوال لغة المسند بدون إعلال مقابل الإعلال بالفصحى، وعن أحوال التشديد والإدغام والإمالة، والإبدال، والقلب، ومواضع اختلاف اللهجة، والصائت الصوتي، وإسقاط عوامل الحركة وبعض الحروف ساكنة أو متحركة، وقيام بعض الحروف بوظيفة عوامل الحركة والمادة المركبة، وكيفية حركة الأسماء المشتقة حيث إن لها نظاماً خاصاً قائماً على القواعد الصرفية لمثلها باللغة الفصحى، ومثلها الإعرابية كما هي كذلك بالفصحى، وأن الأبنية للأوزان الثلاثي والرباعي والمزيد وأحوال الإسناد والمسند إليه لا تشذ عما هي بالفصحى إن لم تكن هي المعلم بحكم أقدميتها وأشياء وأخرى. ولا ينسى أن يشير إلى جانب مهم في دراسته بل هو من أهم خطوطها العريضة، فهو لا يعتبر أن المهم هو كثرة ما يجمع من النقوش وإنما الأهم من ذلك هو معرفة القواعد والمصطلحات الكتابية لخط المسند، لهذا قال: كما أن المهم ليس الكثرة من النقوش بقدر ما المهم معرفة القواعد، والمصطلحات الكتابية لخط المسند لأنها إذا ما عرفت في البعض دلت على الكل فهي ذات نظام كتابي واحد قواعدها ومصطلحاتها الصرفية، والإعرابية واحدة مهما اختلفت مناطقها وكتابها كما سنرى، وإذا ما وجد اختلاف فهو عائد إلى اللهجة والصائت الصوتي).وعن حقيقة اللغة القديمة وخطها المسند ومميزها الأساس وهو (الضاد) يقول: يتفق العلماء أن النطق بحرف الضاد هو خاص باللغة العربية وهو العلامة الفاصلة بين ما هو فصيح وغير فصيح. وعليه بما أن لغة المسند هي لغة الضاد فهي اللغة الفصحى الأولى بحكم أقدميتها حتى لا تقارن ببقية اللغات السامية، (إن اللغة العربية (اليمنية) هي أصل اللغات) كما يراه المستشرقون الخالية بتاتاً من هذه الخصوصية، وشيء آخر وهو أن لغة المسند تتميز عنها بالظاهرة الصرفية لمثلها بالفصحى، وأنها ليست صامتة حسب ظاهرها، بل هي ذات حركة بنظام كتابي آخر قد أسهبت هذه الدراسة بالتعريف بشأنها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى عن المدلول الأثري لمكان النقوش لم تكن تمثل لغة وخط الجنوب كما قالوا بل والشمال بدليل ما قاله شاهد منهم وهو المستشرق ديلف نيلسون في كتابه تاريخ اليمن القديم ص37 إلى ص45 يقول فيه: إن النقوش المسندية منتشرة في الشمال إلى دمشق وإلى سيناء وبنفس خط ولغة نقوش الجنوب. وفي أرض الفصحى (مكة المشرفة) كما حكاه ياقوت في معجمه، والحلبي في سيرته أنه عثر في أساس الكعبة المشرفة عندما أعيد بناؤها في الجاهلية على أحجار وغزلان من الذهب مكتوب عليها بالخط المسند. وهذا يعني أن خط المسند كان هو الخط الأول للأمة العربية ولغتها شمالاً وجنوباً) (5). (هكذا جاء الرد على الزعم بأن (مكة) هي أرض الفصحى الآن مكة جزء من كل وأنها كانت في أيدي اليمانيين منذ آلاف السنين والفصحى نشأت في اليمن. ولا يمكن أن تنشأ في مدينة يسكنها ويحكمها اليمانيون ويحيط بها من جميع
الجهات يمانيون - لغة أو لهجة تختلف عن لغتهم أو لهجتهم!!
ونرى الحجري مرة ثانية يومض إيماضة أخرى ذات علاقة بمسألة من المسائل العويصة الأخرى المتعلقة بالاختلاف الذي طرأ على اللهجات العربية والخطوط المتفرعة من المسند. فنراه يقول: (ثم إن لغة النقوش عموماً وإن تغير خطها كانت قد تطورت بحكم العامل الزمني، وأصبحت هي اللغة الفصحى المعروفة هنا أو هناك على السواء إن لم تكن في الجنوب الحضاري أكثر. ويستدل قوله هذا بألفاظ أخذها من نقشين مختلفين ومن بيئتين مختلفتين أيضاً، ونكتفي هنا بإيراد كلمة (السماء)، التي جاءت معرفة في النقش المشهور بنقش (الفاو) شمال شرق نجران وكانت إحدى عواصم دولة كندة في وقت من الأوقات قبل بزوغ فجر الإسلام، وكان النقش الذي حواها أحد النقوش المهمة لأنه حمل الألف واللام أو (لام التعريف) التي كانت إحدى معايب لغة المسند من قبل أولئك الذين تحاملوا على اللغة اليمنية المسندية لأنها تخلو من الألف واللام. والشاهد هنا هو الإمالة بالكسر إذ جاء النص هكذا (اسمي) بينما جاءت في نقش مدينة (يثيل) ممالة بالضم (سموي) فكلا اللفظين يعنيان السماء إلا أنهما جاءا بنبرة مختلفة وعلى هذا يقاس. وهو لا يتوانى أن يتناول القضايا التي قد يعتبرها البعض ثانوية وهي في نظري ليست كذلك مثل قضية انتشار المسند في عموم الجزيرة العربية وفي المناطق المتاخمة لها فنراه يقول: أما قول المستشرقين وغيرهم أن وجود النقوش المسندية في الشمال كان بسبب وجود محطات عسكرية جنوبية لحماية الطرق التجارية لا صواب له لتعارضه مع عدة حقائق أهمها أن النقوش المعثور عليها في الشمال كان أكثرها في غير الطرق التجارية بما فيها النقوش الثمودية المنتشرة حتى صحراء سيناء).ونحن نؤيد هذا الاتجاه في الدراسات اللغوية بشدة كونها علمية وموضوعية، لأنها نتيجة الكثير من الأبحاث العلمية، وحصيلة العديد من الدراسات والاكتشافات الآثارية في كثير من أنحاء شبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين والشام ومصر وغيرها، وكلها تثبت أن الموجات الإنسانية اليمنية المتتالية منذ آلاف السنين كانت تتدفق على هذه المناطق فتغطيها وتطبعها بطابعها الثقافي، وتنقل إليها خبراتها ومعارفها وأساليب حياتها وقيمها وأسماء آلهتها وجبالها وأوديتها وقيعانها وسهولها وقصورها وبقية معالمها، وأسماء أعلامها، وهي إلى يومنا هذا باقية هناك في الشام، ومصر والعراق، وغيرها. وقد أورد بعض الشواهد من هذا القبيل في المجلد الأول. وكان منها قصة عبد الله بن جدعان ومغارته في جبال مكة والكنوز التي عثر عليها مما ترك الجرهميون، ومنها اللوحات المسندية التي حملها إلى مصر، وعرفت هناك. ومنها ما عثر عليه من أحجار مكتوبة بالمسند في أساسات الكعبة المشرفة، ومنها ما عثر عليه (الإسكندر المقدوني) في أساسات القصر الذي حاول بناءه، حيث وجد أعمدة رخامية عليها كتابات مسندية كما أفاد صاحب مروج الذهب، ومنها ما يعثر عليه الآن في مصر والعراق والشام، وما نطقت به بعض الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل وأخيراً القرآن الكريم. ولا نزيد شيئاً إذا ما أكدنا وجود فروع لعاد، وثمود، ومعين وغيرها ممن أهلوها الأقوام والدول التي نشأت في المهد وتركت تلكم الحضارات السامقة التي أشار بها القرآن الكريم. كما أنه ليس بعجيب أن نشير إلى أن دولة كندة كانت تهيمن على الأجزاء الشرقية كلها بدءاً من حضرموت وانتهاء بمنطقة اليمامة (نجد) وأن الأزد كانوا يهيمنون على الحجاز وأن الأوس والخزرج كانوا بالمدينة، وأن الغساسنة والمناذرة كانوا على أطراف الشام والعراق، وأن العمالقة والجرهميين والخزاعيين وكلهم من اليمن
كانوا بمكة.
أما فيما له صلة بالنشاطات والدراسات والإصدارات العلمية الحديثة فأشير فقط إلى بعض ما صدر عن المؤسسات العلمية في الرياض منها:
أولاً: المجلات والدوريات والحوليات المتخصصة في مجالات الأبحاث التاريخية، والأنثروبلوجية، عن وزارة التربية والتعليم ومكتبة الملك فهد وبعض الجامعات والمؤسسات الأخرى.
ثانياً: ما صدر من الكتب المتخصصة منها:
1- التشريعات في جنوب غرب الجزيرة حتى نهاية دولة حمير د/ نوره عبد الله النعيم.
2- نقوش ثمودية د. سليمان الذيب- مكتبة الملك فهد.
3- الحرف والصناعة في ضوء نقوش المسند الجنوبي إبراهيم بن ناصر البريهي.
4- نقوش جبل أم جذاذ النبطية. سليمان عبد الرحمن الذيب.
5- نقوش الحجر النبطية د. سليمان الذبيب- مكتبة الملك فهد.
6- أهل مدين دراسات للخصائص والعلاقات د/ عواطف بنت ديب سلامة.
ويستشهد بقول أحد الكتاب العرب على عدم وجود فوارق كبيرة بين ما أسموه بلغة الشمال ولغة الجنوب. هكذا: ويصدق قول أحد الباحثين العرب المنصفين رداً على من يقول بوجود اختلاف منذ القدم بين لغة الشمال والجنوب بقوله: ينبغي أن نفهم من المبالغات بين ما يسمونه حميرياً وما يسمونه عربياً! أن الفروقات كانت قائمة غير صحيح إذ لو كانت هذه قد وجدت فعلاً لأثبتته الكتب العربية ولاحتاج اليمنيون إلى بعض الوقت لمعرفة لغة الشمال، ولضربت لنا الأمثال على ذلك. الأمر الذي لا وجودله.
سيقول قائل لكن تظل محاولة إثبات أن لغة النقوش هي اللغة الفصحى مع وجود الاختلاف بينهما واضح المعالم لا وزن لها، ومحل نظر، وهذا القول صحيح بحسب الظاهر، غير أنه يجب إدراك أن هذا الاختلاف لا يعود إلى اللغة أصلاً بقدر ما يعود إلى اختلاف الخط بينهما بداية من شكل الحروف الأبجدية وقيام خط المسند على قواعد ومصطلحات كتابية تختلف عما هي بخط الجزم في الفصحى في مجيء لغة المسند صامتة بسبب إسقاط عوامل حركة المتحرك في الأفعال مثل إسقاط ألف المشاركة فاعل، وتفاعل، ومثل إسقاط حرف الأجوف مثل (عاد) يأتي (عد). وفي الأسماء وهي الأكثر اختلافاً حيث ينقسم هذا الإسقاط فيها إلى قسمين:
الأول: مثل إسقاط حرف العماد في المثنى والجمع السالم المذكر والمؤنث وإبدالها بحرف (الهاء) ففي المثنى مثل المحفدان والصلمان) يأتي في النقوش (محفدنهن وصلمنهن) إحدى النونين للتعريف. وفي جمع السالم المذكر مثل العشرين والعشرون يأتي (عشرنهن) أي العشرون، وجمع المؤنث السالم الصلمات جمع صلمة يأتي (صلمنهن).
مما سبق وغيره مما نشر من كتب وأبحاث تتجاوز المئات وبلغات شتى، ومما سوف يكشف من نقوش ومعلومات كلها تؤكد الآتي:
1- تواجد اليمنيين في عموم الجزيرة العربية وغيرها من بلاد الرافدين والشام ومصر وغيرها منذ آلاف السنين.
2- أن خط المسند كان خط كل العرب في جزيرتهم. وأن تلك الخطوط التي سميت بالنبطية والآرامية والصفوية ... إلخ ما هي إلا محاولات تجديدية تحكمها عوامل بيئية واجتماعية، أو بفعل عوامل الاختلاط مع أقوام أخرى مؤخراً كالفرس والروم وغيرهم.
3- أن خط الجزم واللغة المتينة قد نشأت في المهد الأول للغة المسند (اليمن) بحكم قوانين التطور وطبيعة الأشياء، فمخترع الشيء هو الأقدر على تطويره وتشذيبه وتهذيبه والاشتقاق منه؛ لذلك فقد اشتق من المسند خط الجزم وتطورت اللغة فحملت بالألف واللام (لام التعريف) وصارت اللغة لغة العرب وهي في نفس الوقت لغة القرآن وخطه هو خط الجزم.ولعله أول كاتب يتناول بالتفصيل قواعد خط المسند مما يقربه كثيراً إلى الأذهان ويزعزع تلك الأوهام المصطنعة عن عدم انتشاره، وأنه أبو الخطوط التي انتشرت في شبه الجزيرة وما حولها، أو أن الجزم لم يشتق منه، أو أنه بلا ضوابط أو قواعد تحكمه لهذا يقول: الأفعال كالماضي والمضارع والأمر وهي لا علاقة لها مقارنة بالأسماء لأنها تأتي بخط (المسند) بعوامل حركتها إلا الأجوف، وأفعال المشاركة لكنها لدلالاتها على الحدث والزمان فهي تأتي مفهومة حيث يأتي رسمها بخط المسند كرسمها بالقرآن الكريم. كما أن الأفعال بلغة المسند يراعى فيها عدم الإعلال بمقارنتها بالفصحى المعلولة مثل الفعل المعلول الآخر (أقنى، أوفى، أتى) في حالة الإسناد يأتي بخط المسند (هقنو، هوفيو، آتيو) بإبقاء الماضي على أصله كما لو لم يكن إسناداً، ومثل مضارع أفعل حيث يأتي بخط المسند يهفعل، أي يا أفعل بإيقاء الماضي على أصل، وهذا من باب عدم الإعلال في كليهما حفظاً للأصول، وقد عل بالفصحى من باب الإعلال بهدف سهولة النطق لتطور لغوي وحسب. وعن الحروف والأسماء المبنية يقول ما معناه: أنه لا توجد هناك فروق جوهرية بين لغة المسند واللغة المتينة (الفصحى) إلا في اللفظ، أما المعنى فهو واحد في الحالتين: (الحروف، والأسماء المتينة لا يوجد مفرد لغوي يختلف مع الفصحى صراحة إلا مثل حرف (إلى) حيث يأتي بخط المسند بلفظ (عدي) في ما يكون معناهما متقارب فكلاهما تعني الغاية والتعدي، ويكون الفارق في اللفظ لا في المعنى .. ويختم كلامه بهذا الصدد قائلاً: (وفي اعتقادي أن أية محاولة لمعرفة لغة النقوش بعيداً عن المعرفة ابتداء بالقواعد والمصطلحات الكتابية بخط المسند لن يكتب لها النجاح).
وهو لا يكتفي بالشرح والتحليل وضرب الأمثلة النظرية، بل يؤيد ويؤكد بحثه هذا بأمثلة من النقوش المسندية، ويوضح مدى قربها من لغة القرآن (المتينة) المستعملة الآن وإلى ما يشاء الله. (وغني عن القول في أن لغة المسند هي لغة الضاد الأولى بحكم أقدميتها وأنها لا تشذ عن شقيقتها لغة الضاد) (لم يوفق في اختيار كلمة (شقيقتها) فهي ليست شقيقة لأنها ليست نداً لها ولكنها امتداد لها ووليدتها المطورة)!! إلا من اختلاف شكل الحروف الأبجدية، وقيامها على قواعد، ومصطلحات كتابية مختلفة، ينبغي هنا أولاً وضع نقوش كاملة وكما جاءت بمصادرها ثم مناقشتها من كل جانب لمعرفة حقيقة تلك القواعد ولغة هذه النقوش وكما يلي:
1- من الكريوس (مرجع) رقم النقش 77 ص27
النص:
ونقله إلى الفصحى حرفياً هكذا:
ثورم/ وأسيدم/ وأخهو/ وبنيهو/ بنو/ أرفط/ أدم/ بن/ مرتدم/ هقنيو/ المقه/ ذهرن/ مسندم/ لوفيهمو/ ولسعدهمو/ أثمرم/ عدي/ أرضتهمو/ ومشيمتهمو/ ورضو/ مراهمو/ بن مرثدم/ لوفيهمو.
والنص الفصيح هو:
ثور وأسيد وإخوانهم وبنوهم بنو أرفط قبائل أو رعايا بنو مرثد أقنو المقه التابع لمحل هران مسند (أي نقش) لو فاهم له، وليسعدهم أثماراً من أراضيهم، ومزارعهم، ورضي أمرهم بنو مرثد لو فاهم.
أما تعليقه على النقش المسندي فهو:
ففي المجال اللغوي: ترى أن المفردات اللغوية هي المعروفة بالفصحى لفظها أبنيتها أصول معانيها، بحيث لا يستطيع أحد إنكارها إلا من الاسم (أرفط) فهو اسم أسرة يمنية لم يزل لها بقية في بلادهم تنطق الآن (عرفط) بالعين، والاسم مرثد كذلك اسم أسرة يمنية كانت لها زعامة قديمة في عمران. أما الاسم آدم فلها ذكر بالقواميس العربية قال في اللسان آدم جمع آدم، والأدم القرابة مطابق لمعناها في النقش والاسم مشيمتهمو. قال في اللسان: الشتيم والشتيام التراب عامة مطابق لمعناها في النقش، والاسم هران اسم موضع باليمن، والفعل لمعنى أقنو قال تعالى: (أغنى وأقنى)، والمصدر رضو بالواو لمعنى رضى جاء بالواو لأصله الصرفي، والاسم مراهمو أي أمراهم بإسقاط الألف كونه همزة وصل قبل ساكن كما جاء بالشافية لابن الحاجب بأنها تحذف مثل ابن وامرؤ القيس، وايمن، ونحوه، وهي عشرة أنواع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.