الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    على طريقة الاحتلال الإسرائيلي.. جرف وهدم عشرات المنازل في صنعاء    التعاون الدولي والنمو والطاقة.. انطلاق فعاليات منتدى دافوس في السعودية    ميسي يصعب مهمة رونالدو في اللحاق به    الهلال يستعيد مالكوم قبل مواجهة الاتحاد    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تجاوز قضية الجنوب لن يغرق الإنتقالي لوحده.. بل سيغرق اليمن والإقليم    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الابجدية الجاهلية .. القلم المسند.. قلم العرب الأول
هذا هو تاريخ اليمن (الإرهاص)
نشر في الجمهورية يوم 03 - 12 - 2006


- د. عبد الله علي الكميم ..
تناولت موضوع اللغة، والكتابة من حيث النشأة في المجلد الأول من مؤلفي هذا، ولكني مررت عليها مرور الكرام، وأجَّلت الخوض فيها بإسهاب لهذا الذي خصصته للغة اليمنيين وكتاباتهم التي أعتبرها كما يعتبرها الكثير من العلماء والكتاب وفي مقدمتهم العقاد أصل لغات الساميين وكتاباتهم، وهي لغة القرآن، وخط المسند هو خطه أيضاً كما ستثبت هذه الدراسة، إن شاء الله.سأتناول هنا معنى اللغة والكلمة مستعيناً بأهم المراجع المتيسرة مرتبة زمنياً ما أمكن.
9- أول من وضع الخط العربي وألف حروفه ستة أشخاص من طسم كانوا نزولا عند عدنان بن آد، وكانت أسماؤهم: أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت، فوضعوا الكتابة والخط على أسمائهم، فلما وجدوا في الألفاظ حروفاً ليست في أسمائهم ألحقوها بها وسموها الروادف وهي ثخذ ضظع.
10- أول من خط هو: مرامر بن مرة من أهل الأنبار، وقيل: إنه من بني مرة. ومن الأنبار انتشرت الكتابة في الناس. ذكروا أن قريشاً سئلوا من أين لكم الكتابة؟ فقالوا: من الأنبار.
11- تعلم بشر بن عبد الملك الكتابة من أهل الأنبار، وخرج إلى مكة وتزوج (الصهباء بنت حرب بن أمية). وتعلم منه حرب، ومنه ابنه سفيان، ومنه ابن أخيه معاوية بن أبي سفيان، ثم انتشر في قريش، وهو الخط الكوفي الذي استنبطت منه الأقلام.
12- كان الكتاب العربي قليلاً في الأوس والخزرج، وكان يهودي من يهود ماسكة قد علمها، فكان يعلمها الصبيان، فجاء الإسلام وفيهم بضعة عشر يكتبون منهم سعد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت يكتب الكتابتين جميعاً العربية والعبرانية، ورافع بن مالك، وأسيد بن خضير، ومعن بن عدي، وأبو عيسى بن كثيم، وأوس بن خولي، وبشير بن سعد.
13- أول من وضع الحروف العربية ثلاثة رجال من بولان، وبولان قبيلة من حي، نزلوا مدينة الأنبار، وهم مرامر بن مرة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة اجتمعوا فوضعوا حروفاً مقطعة وموصولة ثم قاسوها على هجاء السريانية. فأما مرامر فوضع الصور، وأما أسلم ففصل ووصل، وأما عامر فوضع الإعجام، ثم نقل هذا العلم إلى مكة وتعلمه، من تعلمه وكثر في الناس وتداولوه.
14- أول من كتب الكتاب العربي رجل من بني النضر بن كنانة، فكتبته العرب حينئذ.
15- رأى نفر من العلماء أن أهل مكة إنما تعلموا الكتابة من إياد أهل العراق وكانوا يكتبون، ورووا في ذلك شعراً زعموا أن (أمية بن أبي الصلت) قائله منه:
ساروا جميعاً والخط والقلم
قوم لهم ساحة العراق إذا
16- أول من وضع حروف (أ ب ت ث) نفر من أهل الأنبار من إياد القديمة وعنهم أخذت العرب.
17- الذي نقل الكتابة إلى قريش بمكة أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة، وقيل حرب بن أمية.
18- من حمير تعلمت مضر الكتابة.
19- أصل الخط العربي من الأنبار، وإنما سكن الأنبار والحيرة بقايا العرب العاربة وكثيراً من المستعربة فنقلوا ذلك.
20- وضع الكتاب العربي عبد ضخم وبيض ولد أميم الحجاز، ولهم يقول حاجز الأزدي:
وبيض أهل العلو في النسب
عبد بن ضخم إذا نسبتهم
فبين الخط لهجة العرب
ابتدعوا منطقاً لخطهم
21- أول من كتب الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها آدم عليه السلام قبل موته بثلاثمائة سنة، كتبها في طين وطبخه، فلما أصاب الأرض الغرق وجد كل قوم كتاباً فكتبوه فأصاب إسماعيل عليه السلام الكتاب العربي.
22- أول من كتب بالعربية مرامر بن مرة رجل من أهل الأنبار، ومن الأنبار انتشرت في الناس.
23- تعلمت قريش الكتابة من الحيرة، وتعلم أهل الحيرة الكتابة من الأنبار، وذكر بعض علماء العربية أن العرب العاربة لم تعرف هذه الحروف بأسمائها، وأنهم لم يعرفوا نحواً ولا إعراباً (سبق أن بينا قول بعض العلماء أنه قد كان للأولين صرف ونحو) ولا رفعاً ولا نصباً ولا همزاً. هذه هي آراء علماء العربية في أصل الخط عند العرب، وفي كيفية منشئه وظهوره.وسؤأجل التعليق على هذا الاستخلاص الذي قام به المرحوم جواد علي، وكان حصاداً شاملاً تقريباً لآراء علماء العربية الأقدمين منهم والمتأخرين إلى استكمال استعراض بقية الآراء، كي ندرسها بتوسع وإمعان وحيادية وموضوعية، في ضوء الحقائق القرآنية والعلمية والمكتشفات الآثارية والأبحاث الأخيرة لنصل إلى النظرية العلمية الصحيحة إن شاء الله. ومما يعزز القول بأن خط الجزم نشأ في اليمن وانتقل من اليمن إلى الأصقاع الأخرى كان سائداً في عموم الجزيرة العربية، وأن الناس كانوا يكتبون به (أعني العرب) كخط قومي لهم بمن فيهم أهل مكة كما كان المسند معروفاً ومنتشراً في المناطق المتاخمة للجزيرة العربية، ما قاله رجل من أهل دومة الجندل يظهر مِنَّة قومه على قريش، قال الدكتور جواد: (والذين يذكرون أن (بشر بن عبد الملك) أخو (أكيدر بن عبد الملك الكندي) (صاحب دومة الجندل) الذي تعلم الكتابة من أهل الأنبار، وخرج إلى مكة فتزوج (الصهباء بنت حرب بن أمية) أخت (أبي سفيان) وعلم جماعة من أهل مكة الكتابة، فلذلك كثر من يكتب بمكة من قريش، يروون شعراً لرجل من أهل دومة الجندل، زعموا أنه قاله إظهاراً لمنة قومه على قريش هو:
لا تجحدوا نعماء بشر عليكمو
فقد كان ميمون النقيبة أزهرا
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتمو
من المال ما قد كان شتى مبعثرا
وأتقنتمو ما كان بالمال مهملاً
وطامنتمو ما كان منه منفرا
فأجريتم الأقلام عوداً وبدأة
وظاهيتمو كتاب كسرى وقيصرا
وأغنيتمو عن مسند الحي حمير
وما زبرت في الصحف أقيال حميرا
فبشر بن عبد الملك، هو الذي نقل (الجزم) إلى (مكة) والجزم هو الخط الذي دون به القرآن الكريم، أي القلم الذي نكتب به اليوم - فأغنى به أهل مكة عن الكتابة بقلم المسند قلم حمير الثقيل. وصاروا يكتبون بالقلم وبالحبر على طريقة الفرس والروم يدونون به أموالهم. ويظهر من ذلك أن القلم المسند كان ثقيلاً في الكتابة، ولهذا وجد أهل مكة صعوبة في تدوين أمورهم به، فعدلوا عنه إلى القلم الجزم ويعلق على هذا قائلاً: ولو صح هذا الشعر، فإن البيت الأخير منه يدل على أن أقيال حمير وغيرهم كانوا يكتبون بخطهم المسند على الصحف، وأنه قد كانت عندهم كتابات دونوها بالحبر، والقلم على الصحف والأدم، ومواد الكتابة الأخرى، ولم يكونوا يكتفون بالكتابة به على الأحجار فقط، لأننا نجد أن كتاباتهم الواصلة إلينا إنما قد كتبت بهذه الطريقة وحسب، وسبب عدم وصول هذه الصحف إلينا أنها من مادة سريعة العطب لذلك لم نتمكن من المحافظة على حياتها فذهبت مع أهلها، وقد يعثر على شيء منها مدفون تحت الأرض بصورة يمكن أن يستفاد منها كما استفيد من المسند المنقوش على الحجر. وورد أن رجلاً قال لابن عباس: معاشر قريش من أين أخذتم هذا الكتاب العربي قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم تجمعون منه ما اجتمع وتفرقون منه ما افترق مثل الألف واللام؟ قال: أخذناه من حرب بن أمية. قال: فممن أخذه حرب؟ قال: من عبد الله بن جدعان. قال: فممن أخذه ابن جدعان؟ قال: من أهل الأنبار. قال: فممن أخذه أهل الأنبار؟ قال: من أهل الحيرة، قال: فممن أخذه أهل الحيرة؟ قال: من طارئ طرأ عليهم من اليمن من كندة. قال: فممن أخذه ذلك الطارئ؟ قال من الخلجان بن الوهم كاتب الوحي لهود عليه السلام. ويعتقد الدكتور جواد وجود هذا الخط (الجزم) في اليمن (ق.س) شأن اليمن في هذا شأن غيرها من سائر مناطق شبه الجزيرة، وكون اليمن هي المنبع والأصل لكل الخطوط (فلماذا لا يكون فيها خط الجزم؟!!) قال: ولم يصل إلى علمي أن أحداً من الباحثين قد تمكن حتى الآن من الحصول على كتابات في العربية الجنوبية مدونة بهذا القلم الذي نكتب به، ولكن هذا لا يمكن أن يكون دليلاً على عدم استعمال أهل تلك البلاد له، فقد يجوز أن يكونوا قد استعملوه في أمورهم التجارية، وفي مراسلاتهم وأعمالهم الأخرى استعمال أهل مكة ويثرب له، إلا أنه لم يبق منه بقية بسبب كونه قد كتب على الأدم والمواد الأخرى السريعة التلف، فلم تبق منه بقية شأن كتابات أهل مكة ويثرب المكتوبة على هذه المواد؛ إذ لا يعقل عدم وصول هذا القلم إلى نجران وإلى صنعاء وإلى الأماكن التي وجدت النصرانية سبيلاً لها بينها، وقد كان النصارى يكتبون به، وهم من أهم العناصر التي أدخلته إلى جزيرة العرب من أين إذا لم يكن من اليمن؟!!). وقد تعزز لدى كثير من الكتاب والمفكرين العرب الرأي بأن خط المسند كان سائداً في شبه الجزيرة العربية، وكان خط العرب الأول، وأن الجزم قد اشتق منه بواسطة أناس هاجروا من اليمن، أو أنه طور في اليمن وقام التجار والمنتقلون إلى أماكن أخرى في العراق والشام وشمال الجزيرة بنقله، وسماه البعض جهلاً ب(النبطي أو الصفوي أو اللحياني أو الثمودي أو الآرامي أو العدناني ...إلخ. وهي مسميات لا تنم إلا على جهل وتخبط لعدم معرفتهم مصدر هذا الخط، أو لانطواء البعض منهم على نوايا سيئة بغرض تشويش وتشويه وتخريب تاريخ وتراث العرب (اليمن)!!كانت للعرب حضارة قديمة في اليمن وقد فرضت في وقت ما سلطانها السياسي على بعض القبائل العربية الشمالية في حكم دولة (سبأ وحمير) هما الدولتان اللتان عرفهما العرب وقتها ولم يكونوا يعرفون شيئاً قبلهما باعتبار ما قبلهما عرب بائدون حسبما رأى كثير من المؤرخين أو حسب المفهوم والتوجيه الرسمي العام آنذاك!!).في القرنين الأول والثاني ق.م (تحديد غير دقيق!!) لابد أن تكون قد فرضت على تلك الأمم ثقافتها كذلك. ومن الكتابة في الجاهلية لم تكن هنالك جاهلية في تاريخ العرب أو قبل الإسلام من ناحية أشكال أبجديتها ونوع قلمها ترجع إلى قلمين هما المسند الذي دونت به الكتابات المعينية والسبئية والحميرية، أما النصوص الثمودية والصفوية واللحيانية فإنها بقلم مشتق من القلم المسند، والقلم المسند أقدم عهداً، وهو قلم العرب الأول، ويظهر ذلك فيما عثر عليه السياح من كتابات مكتوبة به في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية أنه كان القلم الشائع عند العرب. وكان الخط كما يقول ابن خلدون أيضاً: أن الخط انتقل من اليمن إلى الحيرة لما كان بها أي بالحيرة من دولة آل المنذر نسباء التبابعة اليمنيين في العصبية والمجددين لملك العرب ف? العراق.
ويقول في مقدمته ما نصه:
وقد انتقل الخط المسند من عصور التاريخ القديمة إلى بيئة آل المنذر والشام أولاً عن طريق القوافل التجارية التي كانت تمر بواسطة اليمنيين والعرب القاطنين في سوريا والعراق شمال الجزيرة العربية، ثم انتقل عن طريق هؤلاء بعد ذلك أو بصورة مباشرة إلى الحجاز. وهذه النظرية التي تستند إلى رأي منطقي من ناحية العلاقات التجارية، وتجد حتى اليوم من يعتنقونها. ويرى البعض أن أصل الخط العربي مشكلة كانت مستعصية تتأرجح حولها الآراء ولا تكاد تستقر، وللعرب القدامى في ذلك روايات مختلفة. وللمستشرقين المحدثين آراء متباينة ولا يعنينا منها جميعاً إلا هذه الإشارة العابرة إليها. فسواء عندنا في هذا البحث أن يكون الخط العربي توقيفاً علمه الله آدم ثم أصابه إسماعيل بعد الطوفان، أو أن يكون اختراعاً أخذته العرب عن الحيرة، والحيرة أخذته عن الأنبار، والأنبار أخذته عن اليمن أو أخذته عن العرب العاربة الذين أنزلوا في أرض عدنان. وأن يكون مشتقاً من الخط الآرامي كما كان يذهب بعض المستشرقين، أو مشتقاً من الخط النبطي كما يذهب المستشرقون اليوم، وهو أرجح الآراء عند الباحثين في هذا الموضوع. (هراء!!). فأصل الخط العربي إذن مرحلة سابقة لبحثنا هذا متقدمة عليه في الزمن لا نحب أن نظل في تيهها، ونبعد بذلك موضوع بحثنا. وإنما الذي يعنينا من كل ذلك أن نصل إلى معرفة أمرين، الأول: صورة الحروف التي كان يكتب بها عرب الجاهلية الأخيرة، والثاني: أقصى زمن نستطيع أن نؤرخ به وجود الكتابة العربية في الجاهلية بهذه الحروف التي عرفنا صورها. وسبيلنا إلى معرفة هذين الأمرين أن نتتبع النقوش العربية الجاهلية التي اكتشفت حتى الآن ونستقرئها فلعل فيها الخبر اليقين.لا شك أن العرب في عصر ما (ق.س) يقرأون ويكتبون وأن اليمنيين في مقدمة هؤلاء لأنهم كانوا أكثر تحضراً من غيرهم في الزمن الموغل في القدم، وأنهم كانوا يكتبون (بالخط المسند)، إلا أننا لا ندري متى بدأوا الكتابة بخط الجزم هذا، ولكن الأسد له رأي في هذا الموضوع. قال: (لقد فرغنا منذ قليل من الإشارة إلى أن عرب الجاهلية قد عرفوا الكتابة العربية بهذا الخط (يعني الجزم) الذي عرفه الصحابة (رضي الله عنهم) في صدر الإسلام، وأن معرفة الجاهليين بهذه الكتابة قد امتدت في الجاهلية ثلاثة قرون على أقل تقدير، وأن ذلك ثبت بالبرهان القاطع، والدليل المادي الملموس الذي لا سبيل إلى دفعه. وسنفصل القول هنا، وفيما سيتلوها من صفحات في معرفة الجاهلية بالكتابة- تفصيلاً يدعم ما أظهرته لنا النقوش الجاهلية، ويزيد جوانب الأمر جلاء ووضوحاً. ودليلنا على هذا ما حفظته النقوش التي كتبت على مواد عديدة، أهمها الصخور وقد كتبوا علومهم وآدابهم من شعر ونثر، وكتبوا قوانينهم وتشريعاتهم وأنسابهم وكل ما عن لهم. ولعل عبارة ابن فارس: إنا لا نزعم أن العرب كلها: مدراً ووبراً قد عرفوا الكتابة كلها والحروف أجمعها، وما العرب في قديم الزمان إلا كنحن اليوم. فما كل يعرف الكتابة والخط والقراءة...إلخ وصدق الله إذ قال:(كتاب فصلت آياته قرآنا عربياً لقوم يعلمون) فصلت: 3وقد سجل الشعر في عصر ما قبل الإسلام (ق.س) أسماء الكثير من أدوات ووسائل ومواد الكتابة. وهو ما يدل على معرفتهم القراءة والكتابة وأنواعها.
قال المرقش:
رقش في ظهر الأديم قلم
الدار قفر والرسوم كما
وقال طرفة:
بالضحى مرقش يشمه
كسطور الرق رقشه
وفي رواية أخرى: (والقط والقلمُ)
وقال امية بن أبي الصلت:
ساروا جميعاً والخط والقلم
قوم لهم ساحة العراق إذا
وقال خزر بن لوذان:
شر أحد بدائم
وكذاك لا خير ولا
الأوليات القدائم
قد خط ذلك في الزبر
وقال امرؤ القيس:
كخط زبور في مصاحف رهبان
أتت حجج بعدي عليها فأصبحت
وقال السمؤل:
ب دارس التوراة والتابوت
وبقايا الأسباط أسباط يعقو
وقال النابغة:
قويم فما يرجون غير العواقب
مجلتهم ذات الإله ودينهم
وقال درهم بن زيد الأوسي. يذكر الخزرج وما بينهما من العهود:
حين يقال الأرحام والصحف
وأن ما بيننا وبينكم
وقال قيس بن الخطيم:
حنت إلينا الأرحام والصحف
لما بدت غدوة جباههم
وقال علياء بن أرقم بن عوف:
أخذت لدين مطمئن صحيفة
وخالفت فيها كل من جار أو ظلم
وقال أبو ذؤيب الهذلي. يصف كاتباً يمنياً يكتب دينه على رجل آخر:
ة يزبرها الكاتب الحميري
عرفت الديار كرقم الدوا
بميشمها المزدهاة الهدى
برقم وشيء كما زخرفت
ض فيهن إرث كتاب محى
فنمنم في صحف كالريا
وقال الأعشى عن صكوك النعمان بن المنذر:
ولا الملك النعمان يوم لقيته
بآمنه يعطي القطوط ويأفق
(الفطوط: الصكوك)
وقال المتلمس حينما ألقى صحيفته المشهورة في نهر الحيرة:
كذلك ألقى كل قط مضلل
وألقيتها بالثني من جنب كافر
وقال امرؤ القيس:
كنقش الخواتم في الجرجس
ترى أثر القرح في جلده
كخط الزبور في العسيب اليماني
لمن طلل أبصرته فشجاني
وقال طرفة بن العبد:
بالضحي مرقش بشمه
كسطور الرق رقشه
وقال معقل بن خويلد الهندي:
في الرق إذ خطه الكاتب
وإني كما قال مملي الكتاب
وقال حاتم طيء:
كخطك في رقٍ كتاباً منمنما
أتعرف أطلالاً ونؤياً مهدماً
وقال المرقش الأكبر:
رقش في ظهر الأديم قلم
الدار وحش والرسوم كما
وقال الحارث بن حلزة:
قدم فيه العهود والكفلاء
واذكروا حلف ذي المجاز وما
ينقض ما في المهارق الأهواء
حذر الجور والتعدي وهل
وقال امرؤ القيس:
كخط الزبور في العسيب اليماني
لمن طلل أبصرته فشجاني
وقال لبيد:
زبر يرجعها وليد يمان
فتعارف صارة فالقنان كأنها
وعن قدم اللغة اليمنية وارتباطها بالحضارة وعلاقتها باللغة السامية، كون اليمن موطن الساميين، ومنها انطلقت هجراتهم، وعن تقسيم اللغة إلى لهجات قال السحيمي: تعد بلاد اليمن من أقدم مواطن الساميين، وقد أنشأوا فيها حضارة راقية من أرقى الحضارات القديمة، وممالك قوية لها شأن في التاريخ، وقد وصلت إلينا اللغات القديمة لهذه الشعوب، التي سكنت اليمن عن طريق نقوش كثيرة مدونة على الصخور والأعمدة والقبور والتماثيل والنقود وجدران الهياكل، ويطلق العلماء على هذه اللغات اسم (اليمنية القديمة أو العربية الجنوبية القديمة) أو (القحطانية) وأحيانأً يسمونها باسم لهجاتها الشهيرة فيطلقون عليها اسم (السبئية) ولا نعلم على وجه اليقين متى نشأت اللغة اليمنية القديمة، ولكن يؤخذ من نقوشها أنها نشأت في عصور سحيقة ق.م.
والنقوش التي اكتشفها العلماء المدونة بها هذه اللغة اليمنية، يتراوح تاريخها من القرن الثاني عشر ق.م والقرن السادس الميلادي.
وقد عثر على نقوش قبل هذا التاريخ، وستأتي الأيام بنقوش أقدم من هذا التاريخ بكثير من عهد عاد وثمود وقحطان وما بعده إن شاء الله. وما ذلك على الله بعزيز.
هذا وقد قسم بعضهم اللغة اليمنية القديمة إلى خمس لهجات هي:
1- المعينية: وقد وجدت نقوشها في منطقة الجوف، التي تشمل مدن دولة معين، ومن أهم مدن معين (براقش، ونشق، والسوداء، والبيضاء ومعين، وقرناو وهرم... إلخ) ومن أهم مزايا لهجة معين استخدام السين في أول الفعل المضارع، وكذلك استخدام حرف (من).
2- السبئية: ونعني بها سبأ المتأخرة التي نشأت في مأرب، والتقت إحدى ملكاتها النبي سليمان في قصة مشهورة عرضناها في المجلد الأول، وقد نشأت في أول القرن الأول من الألف الأخير ق.م، ونقوشها منتشرة في معظم أنحاء شبه الجزيرة، وتتمركز بمأرب، وتمتاز لهجة سبأ باستعمال الهاء في تكوين عدد الصيغ الصرفية، فوزن التعدية في العربية (المتينة) يقابله في السبئية سفعل.
3- القتبانية: وتعود إلى القتبانيين الذين أنشأوا دولة كبيرة جنوب مملكة سبأ وشملت أجزاء واسعة من اليمن في الشرق والوسط والجنوب، وكانوا يستخدمون السين في الفعل المضارع بدلاً عن الهمزة.
4- اللهجة الحضرمية: وهي منسوبة إلى حضرموت، وقد بسطت نفوذها على أراضي قوم عاد وثمود، وكانت عاصمتها شبوة، وهي كسابقتها تمتاز باستعمال السين بدلاً عن الألف في أول الفعل.
5- اللهجة الهرمية: وهذه نسبوها إلى منطقة أو مدينة (هرم) غرب معين قرناو، وكانت ضمن دولة معين التي هيمنت على منطقة الجوف، وامتازت لهجتها باستخدام حرف الجر (من)، كما يستخدم في العربية الحديثة أو المتينة أو لغة الضاد أو لغة الجزم.
ويرى علماء اللغة المحدثون. أن اللغة اليمنية والحبشية وما سموها بالعربية الشمالية، بأنها تستخدم الجمع السالم وجموع التكسير، أما اللغات السامية الأخرى فيمكن وصف جموعها بالجمع السالم. كما يعتبرون أن اللغتين الجنوبية والشمالية إذا جاز التعبير تحتويان على جميع حروف الحلق والإطباق وجميع الحروف الأسنانية، بينما بقية اللغات السامية لا تحتوي على جميعها وإنما تتفاوت في عدد الحروف. ويرى المؤرخون والباحثون أن اللغات السامية في الحبشة (هي اللغات التي نشأت عن العربية الجنوبية القديمة). لقد دخلت اللغة اليمنية القديمة الحبشة عن طريق هجرة بعض القبائل من جنوب الجزيرة العربية. وكانت هجرة اليمنيين إلى الحبشة قد تمت حوالي القرن السابع (ق.م) فقد عثر على نقش عربي جنوبي من هذا التاريخ وجد في منطقة أريتريا، عرف منه الباحثون أسماء القبائل التي هاجرت عبر باب المندب إلى أفريقيا، ونقلت إليها لغتها، وأهم هذه القبائل قبيلة حبشت وقبيلة الأجعازي، فاسم الحبشة نسبة إلى القبيلة الأولى. واسم اللغة الجعزية نسبة إلى الثانية كما يرى هؤلاء المؤرخون أن النقوش الثمودية (الشمالية طبعاً) والصفوية، واللحيانية كتبت (بخط أبجدي يقوم على أساس الخط العربي الجنوبي القديم. ورغم الاختلاف الكبير في أشكال الحروف في كل مجموعة من مجموعات النقوش الكثيرة، إلا أن هذه الأشكال تعد امتداداً مباشراً لأشكال الحروف في الخط العربي الجنوبي القديم. ولقد شط ببعض المؤرخين القول فيما له صلة بموطن ولغة القوم الأوائل، بين منكر لعروبتهم كما فعل ابن العلاء وتبعه ابن سلام الجمحي، أو بين قائل بأنهم كانوا عرباً يتكلمون بلسان مضر كما قال الطبري: (وكانت بنو أميم بن لاوذ أهل وبار بأرض الرمل. وهي بين اليمامة، والشحر، وينسب إلى سلالة إرم بن سام بن نوح فقيل عن عاد وعبيل، وعابر، وثمود، وجديس. كانوا عرباً يتكلمون بهذا اللسان المضري. وللتدليل أكثر على مدى العمى والضلال الذي وقع فيه العرب، وما عانوا، وما زالوا يعانون من تيه وتخبط، وضياع في تحديد بدايات تاريخهم وتحديد المحطات، والمفاصل الرئيسية في تراثهم وأن الأمور عندهم لا تزال معكوسة رأساً على عقب نسوق النص التالي: نشأة الخط في بلاد العرب.
الفصل الثاني
نشأة الخط في بلاد العرب (اليمن)
(الخط مظهر من مظاهر الحضارة، وأثر من آثار الاجتماع والتجارة، لذلك كان أسبق الأمم إليه المصريون، والفينيقيون. وأجهل الناس به البدويون، فلم يعرفه العرب إلا في الجهة التي عرفتها الحضارة وارتقت فيها العمارة، وهي اليمن. كان اليمنيون يستعملون خطاً يسمونه المسند باسم لغتهم، يكتبونه حروفاً منفصلة ويزعمون أن الوحي نزل على كاتب هود، ولكن المكتشفات الأثرية وعلم مقارنة اللغات أثبتت أن الخط الفينيقي مصدر الخطوط السامية، وأن الآرامي، والمسند بأنواعه مشتقان منه، ومن الآرامي واشتق الخط النبطي في حوران والسطر نجيلي السرياني في العراق، وهذان الخطان هما الأصلان للخط العربي، فمن الأول تولد الشكل النسخي، ومن الثاني تولد الشكل الكوفي، وكان يعرف قبل الإسلام بالحيري نسبة إلى الحيرة. وقد تعلم عرب الشمال الأول أثناء رحلاتهم إلى الشام، وتعلموا الآخر من الأنبار. تعلمه بشر بن عبد الملك الكندي أخو أكيدر بن عبد الملك الكندي صاحب دومة الجندل، وخرج إلى مكة فصاهر حرب بن أمية جد معاوية، فعلمه جماعة من القرشيين، فكثر من يكتبه منهم. ولما قصرت الكوفة وشاع استعماله في الكتابة على مسجدها، وقصورها ناله شيء من النظام والزخرف فسمي بالكوفي.وعلى هذا المنوال ينحو كاتب عربي آخر مشهور، ويتكلم بالتفصيل عن دور قريش في تطوير اللغة العربية ولا يخلو الكلام من التناقض والقصور!!قال صاحب كتاب (تاريخ قريش): خلال القرنين الخامس والسادس الميلاديين وهما اللذان شهدا معظم الحوادث التي نتناولها في هذه الدراسة، ظهرت اللغة العربية في صورتها النهائية، التي ثبتت عليها بعد ذلك دون تغيير يذكر عبر القرون، وذلك بفضل القرآن الكريم الذي نزل بها، فكان نزوله بها بركة عليها؛ فإن المسلمين حرصاً منهم على المحافظة على القرآن بألفاظه ومعانيه جعلهم يحرصون على المحافظة على اللغة العربية في صورتها التي كانت عليها أيام نزل فيها القرآن الكريم. ومن الواضح أن اللغة العربية لكي تصل إلى تركيبها الكامل لفظاً وتركيباً ونحواً لابد أن تكون قد خلفت وراءها قروناً طويلة من التطور والتنقل من موطن لموطن، حتى اكتمل نضوجها وتكوينها في الحجاز منذ بدايات القرن الخامس الميلادي، إذ أن أقدم شواهد هذه اللغة الباقية إلى اليوم لا يمكن أن ترجع إلى ما قبل القرن الخامس الميلادي) (1) . والأدهى من هذا والأمر أن الكاتب يعتبر أن اللغة العربية قد طورت في منطقة الصحراء الجافة وليست في أرض الجنتين وأرض إرم ذات العماد (اليمن!!) قال: ونظراً لأن أصول اللغة العربية وتكوينها وتطورها تمت كلها في مناطق صحراوية ونصف صحراوية لا يعرف أهلها التدوين، ولا تعمر فيها المدونات طويلاً بسبب جفاف الجو، فإن تاريخ اللغة العربية ظل إلى يومنا هذا سراً مغيباً في تضاعيف الزمن والرمال الصحراوية وصخورها. وقد بذل العلماء جهوداً مضنية في تتبع أصول العربية، وفي وقت ما من القرن التاسع عشر الميلادي، اجتمعت جهود عشرات من أعاظم الأثريين وعلماء الكتابات على الأحجار وغيرها(Paleographers-Epigraphers) ) من بلاد العرب كلها وتظافرت للكشف عن سر اللغة العربية، وخلفوا لنا مؤلفات ذات قيمة علمية كبرى، ولكن النتائج التي وصلوا إليها جد قليلة، ولا تتناسب قط مع الجهد المبذول فيها (الحمد الله على السلامة)!!فإلى جانب هؤلاء وهم من خيرة علماء العرب لم يصلوا إلى نتائج ترضي الكاتب. ولو أن هذا الكاتب وأمثاله، وهو عربي، ومن الكتاب الكبار، أقول: لو أنهم حاولوا القيام برحلة إلى (مهدهم) اليمن، لاكتشفوا الحقيقة، وعرفوا أن هذا المهد لا يزال زاخراً بالمعلومات المكتوبة في كل أرجاء اليمن، ولوجدوا من يقرؤنها من أبناء هذا الشعب ومن عامة الشعب، وليسوا من العلماء، كما أنهم سيجدون الكثير ممن لا يزالون يتكلمون بنفس لسان أولئك العظماء من العاديين والثموديين والقحطانيين والحميريين والسبئيين والمعينيين والقتبانيين والأسوانيين وغيرهم. ولوجدوا كذلك أن أكثر من 50% من الألفاظ المتداولة على ألسنة اليمنيين كافة هي ألفاظ تلك اللغة، التي يقولون عنها أنها غريبة عنهم، وأنهم لم يعرفوا كيف ولا متى جاءت، ولا أين وجدت؟!! للأسف الشديد. ويواصل قائلاً: وأقدم ما عثرنا عليه من معالم العربية حوالي (40) اسم علم وردت في نص سرياني، يتكلم عن قتال دار بين الآشوريين والعرب على الحدود الشمالية لشبه الجزيرة، ويذكر العرب في هذا النص باسم عربي أو عروبو أو عُربي. وقد نشر هذا النص (كالاهان)، ويقول أن تاريخ النص يعود إلى 853 و626ق.م. وأنه قد عثر على نصوص أخرى تعود إلى نفس الفترة، وأنها قد نشرت في بعض المجلات الاستشراقية، وأن البعض قد اعتبر الأسماء المشار إليها آرامية، ولكن القائلين بأنها عربية قد انتصروا أخيراً؛ لأنها أسماء عربية واضحة لا غبار عليها، ومنها همدان وزبيد، وخزعل (ولم يذكر أنها يمنية فزبيد بفتح الزاي مثلاً مدينة يمنية تهامية، وبالضم منطقة في وسط اليمن، ومنها فارس العرب المشهور (عمرو بن معد يكرب الزبيدي) إلا أنه بالنظر لعدم معرفة هؤلاء تاريخ وجغرافية وتراث اليمن.تكون نتائج دراساتهم مجدبة هكذا!!) ويضيف قائلاً: وإنما أشرنا إلى هذه النصوص، لأنها تتضمن أول ذكر مكتوب ومنقوش للعرب. ومن الواضح أن العرب وجدوا منذ الزمن القديم في جزيرتهم، ولكن اتصالهم بالعلم الخارجي كان قليلاً). وهذا النص مردود عليه من جانبين، الأول: ما له صلة بالجانب التاريخي فهذه الأسماء ليست أول أسماء عربية تذكر في التاريخ، أو توجد على النقوش، فهود وصالح وعاد وثمود وقحطان ويشجب ويعرب وحمير وسبأ وكهلان وغيرهم بالآلاف قد ذكروا على صفحات الصخور، وفي الكتب السماوية، وترددت على ألسنة الناس منذ أكثر من ستة آلاف سنة، وذو القرنين قبل أربعة آلاف عام، فلماذا تتناسى هذه الأسماء العظيمة وبعضهم رسل وأنبياء؟! إنه دليل على جهل أو تجاهل تاريخ اليمن، وعدم الالتفات إلى القرآن الكريم أعظم وأصدق الأدلة!!. والثاني: ما له صلة بالجانب التجاري واللقاء أو الاختلاط بالغير، فإن من الثابت أن اليمنيين هم الذين عبروا القارات، وخاضوا عباب البحار، ودوخوا العالم المسكون (الأويكومين) على حد تعبير (توينبي) شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، وما آثارهم في كل من أفريقيا وآسيا وأوروبا وبابل وأمريكا إلا دليل على ما نقول وما الفراعنة أنفسهم إلا هجرة من اليمن، وما آثار الإسكندرية التي اكتشفها الإسكندر المقدوني إلا من آثارهم. فما عليكم إلا قراءة التاريخ اليمن- العربي- الإنساني.أما الآشوريون والبابليون فهم يمنيون، وما تلك إلا بضاعتنا وليس في ذلك أي جديد. وبعد النص السابق يورد هذا النص: (وقد استنتج الباحثون من تلك النصوص أن اللغة العربية القديمة كانت لغة جرهم، وهي إحدى قبائل العرب البائدة، التي تخلفت عنها قبيلة اندرجت في عداد العرب المستعربة، وكان لها ذكر في تاريخ العرب (ق.س) هي المسماة بجرهم الثانية، وقد ورد ذكرها في هذا البحث. وقد أورد أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 223ه/ 838م نحو ثلاثين شاهداً من لهجة جرهم هذه في كلامه عما دخل القرآن من الألفاظ بلهجات القبائل العربية. شيء عجيب أن يستنتجوا أن العربية القديمة كانت لغة جرهم !! فمن هي جرهم؟ ومن أين جاءت؟ ألم تأت من اليمن، وتصاهر نبي الله إسماعيل في وقت متأخر ؟! ثم من قال أنها من العرب البائدة؟ وكيف تحولت جرهم الثانية إلى عرب مستعربة؟! بأي منطق ترد مثل هذه الأقوال؟! ولماذا الغرابة من دخول كلمات جرهمية صلب القرآن الكريم؟! أليسوا عرباً، وحلوا بمكة زمناً طويلاً بثقافاتهم وحضاراتهم، ونشروا في الناس لغتهم؟ وهي لغة (هود) وقومه عاد ولغة (صالح) وثمود، ولغة قحطان ويعرب، وذرية قحطان الذين سادوا كل أنحاء الجزيرة العربية والعالم المسكون!. ويسترسل د. مؤنس فيقول: وقد كانت للعرب البائدة لغة ولا شك ، وقد أورد الرواة بعض ألفاظ تخلفت عن قبائل العرب البائدة، تعطينا فكرة عنها، وهذه وتلك هي كل ما بقي لنا من العربية العتيقة أو ما سماه الباحثون باسم ........ (Arabish)أمر فضيع أن لا تترك العرب البائدة سوى بضع كلمات تمثل أسماء، مع أن العربية الحديثة والتي نتكلم بها الآن ما هي إلا امتداد لتلك اللغة الأم التي نطق بها الأجداد. مع التطور الذي لحق بها كون الأجيال متواصلة، ولم يحصل انقطاع في النسل، وهذا هو منطق العلم وحكم العقل والتاريخ!ويواصل: وعندما دخل العاربة واتخذوا هذه اللغة وتكلموها بلهجات مختلفة، وبعض هؤلاء العاربة أو غلوا في الصحراء من الجنوب حاملين معهم لهجاتهم، وهي لهجات من العربية القديمة أو السبئية أو القتبانية، وكلها متقاربة لأنها كلها من أسرة لغوية واحدة. وينقل عن ياقوت قوله: إن طيئاً عندما هاجرت من الجنوب استقرت في الجبلين المنسوبين إليها وأن جد هذه القبيلة المسمى طيئاً وجد في جبل أجا شيخاً هرماً قال له: نحن من بقايا صحار، غنينا بهذين الجبلين عصراً بعد عصر، أفنانا كر الليل والنهار. وطيء كما ذكرنا من جماعات العرب العاربة التي انتشرت في شبه الجزيرة. ويروى عن اللغويين العرب أن العربية القديمة كانت لهجتين لهجة غرب الجزيرة ولهجة شرقها على حد تعبييره) وقضاعة إحدى جماعات العرب العاربة، وهي طيء والأزد وكانت أكبر جماعات العرب العاربة، وكانوا أقرب إلى الشعوب. كون الأراضي كانت لا تزال تموج بالخضرة. وهو يتكلم عن جبال طيء وعسير والجبل الأخضر، دون أن يتكلم عن جبال اليمن وجمالها الطبيعي، ولا عن أرض يحصب والأرض الطيبة التي قال الله عنها [ وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين [سبأ:18 .ولا عن أرض عاد وحضارات عاد وثمود، ولكنه يقول بعد استعراض مسف: أن العاربة هم مهاجرة اليمن من الجنوب، وأهل اليمن عرب منذ البداية، عاصروا البائدة والعاربة، وكانت لهم هجرات وامتدادات بعد استئناس الجمل، وعودة العمران إلى وسط الجزيرة وشمالها، ولكن ليس إلى الحد الواسع المدى، الذي يريدون أن يقتنعوا به. فلا قضاعة كانت يمنية ولا طيء ولا لخم ولا غسان ولا كل خزاعة. هكذا يتعسف التاريخ، ويريد صياغته وفقاً لمزاجه وحسب هواه!! والغريب أنه لا يخشى وقوعه في تناقض مع النص، الذي أورده قبل صفحة واحدة عن طيء، وأنها جاءت من الجنوب وساق القصة التي رواها (ياقوت!!) ثم ها هو يعود إلى تناقضاته من جديد، يقول:وأصول العربية ترجع بلا شك إلى اليمن... وقبائل البائدة والعاربة أخذوا بقايا العربية عند انتشارهم في الجزيرة العربية، وساروا بها إلى الأمام. وقضاعة بالذات كان لها الأثر البعيد في ذلك التاريخ. فقضاعة كانت وتداً عربياً في بلاد الشام، وعلى مشارف الجزيرة الشمالية، وفي بلاد قضاعة أخذت العربية ألفاظاً كبيرة من العبرية والآرامية. ويأتي على دور قريش في تطوير اللغة العربية والوصول بها إلى (الفصحى) فيعطيها حقها قائلاً: (وإذن فالقرشيون: أولئك التجار الأذكياء العمليون، عرفوا كيف ينتزعون من أعاريب نجد شرف وضع اسمهم على هذه اللهجة، التي نشأت في بلاد غيرهم، فنسبت إليهم العربية الفصحى، ولم يقل القرآن أنها لسان قريش، بل قال إنها لسان عربي مبين، ولكن القرشيين بسيطرتهم السياسية على أمة الإسلام نسبوها إلى أنفسهم، وظهر الكثيرون من المؤلفين ممن يؤيدون هذا القول. ومن المعروف أن كل قبيلة من قبائل العرب تدعي جانباً من الفخر في بناء لغة القرآن، وربما كانت قريش أقل من غيرها نصيباً في صنع هذه اللغة، ولكن هذا هو التاريخ وتصاريفه، بل إن الكتاب الموالين لقريش أشركوا حلفاء قريش من خزاعة في هذا الشرف؛ فزعم أبو عمرو بن العلاء أن القرآن نزل بلغة الكعبين، كعب بن لؤي بن غالب من قريش، وكعب بن عمرو بن عامر من خزاعة.وتدور معركة فكرية ولغوية عنيفة بين علماء القرنين الأول والثاني الهجريين عن دور قريش في بناء اللغة العربية. وتتلخص نتائجها كما رآها هكذا:
(ولكن قريشاً فازت في النهاية بكل الثمار، فإن نصيبها في تطوير اللغة العربية لا يرجع إلى امتيازها على غيرها من القبائل في اللغة والشعر، ولكنه يرجع إلى التجارة التي جذبت العرب جميعاً إلى أسواق الحجاز، وإلى الدين، الذي جعل العرب جميعاً يتصورون أن القرشيين كهنة العرب وسدنة أوثانها، وأهل الإشراف على كلما يتصل بأديانهم، وعندما نزل القرآن أنكر ما فيه معظم القرشيين، وكان الأوس والخزرج وخزاعة وبطون كثيرة من قضاعة (كلهم يمنيون) أكثر تقبلاً للإسلام من قريش.! ومع ذلك فعندما تم نصر الإسلام، وتقبلت قريش المكية القرآن، زعمت قريش أن القرآن نزل بلغتها أو بلهجتها. وهذا غير صحيح في جملته، والحقيقة أنه نزل بلسان عربي مبين، يفهمه كل العرب. ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يكتب كتبه لشيوخ القبائل وسادة الناس من العرب، يدعوهم لدخول الإسلام، أو يقرهم على ما طلبوا من الأمان لدخول أمة الإسلام، كان يكتب لهم مستعملاً المصطلح الذي يفهمونه في لهجتهم، لأن المهم هو الوضوح، والوضوح هو البيان، والبيان هو البلاغة، ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه وكتبه، يبلغ أعلى مستوى من البلاغة. وقد جرى الباحثون على أن يعتبروا الشعر الجاهلي هو أكبر شاهد على لغة العرب (ق.س) ، وفي العصر النبوي، ولكن تبين لنا الآن أن الشاهد الأكبر هي كتب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة ومتنوعة، ودراستها تعطينا فكرة أصدق، عن تلك اللغة لأنها كتبت بلغة تعامل، وفيها من مصطلح الحياة والمال والتعاون أكثر مما نجد في الشعر الجاهلي الذي يشوبه الانتحال والوضع.
ويخلص بعد هذا إلى هذه النتيجة:
ومهما يكن من الأمر فإن قريشاً ذهبت بالمجد كله؛ لأن الاتجاه العام بعد الإسلام كان يتجه إلى تعظيم قريش من باب المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبر بأهله، فقال الناس: إن قريشاً أبلغ العرب، وخلطوا بذلك بين محمد صلى الله عليه وسلم وقبيلته، فإنه كان فعلاً أبلغ العرب: ولكن قريشاً لم تكن أبلغها ولا أشعرها، ولا أعلمها. فلم يكن لقريش شاعر ذو قدرة يقارن بشعراء غيرها من القبائل حتى نجم فيها عمر بن أبي ربيعة، وهو شاعر كبير، ولكنه في النهاية لا يعد في الفحول...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.