محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليهود في مقدمتهم .. من له مصلحة في تشويه تاريخ اليمن ؟؟
هذا هو تاريخ اليمن (الإرهاص)
نشر في الجمهورية يوم 19 - 12 - 2006


- د. عبد الله علي الكميم ..
تناولت موضوع اللغة، والكتابة من حيث النشأة في المجلد الأول من مؤلفي هذا، ولكني مررت عليها مرور الكرام، وأجَّلت الخوض فيها بإسهاب لهذا الذي خصصته للغة اليمنيين وكتاباتهم التي أعتبرها كما يعتبرها الكثير من العلماء والكتاب وفي مقدمتهم العقاد أصل لغات الساميين وكتاباتهم، وهي لغة القرآن، وخط المسند هو خطه أيضاً كما ستثبت هذه الدراسة، إن شاء الله.
سأتناول هنا معنى اللغة والكلمة مستعيناً بأهم المراجع المتيسرة مرتبة زمنياً ما أمكن.
ولأن النتائج الخاطئة تأتي كوليد طبيعي لمقدمات خاطئة فإنا نجد هنا تطبيقاً لهذا القانون، فقد سبق له أن قال:نأتي على شتى من أقوال علماء العرب في أمر اللغة وتهذيبها، فهم مجمعون على أن إسماعيل عليه السلام أصل العربية المضرية، ولذلك قال صاحب المخصص في موضع من كتابه، حين أراد أن يدل على أن لغة أهل الحجاز هي الأصل في جميع لهجات العرب: (وإنما صارت لغتهم الأصل، لأن العربية أصلها إسماعيل عليه السلام، وكان مسكنه مكة). وعندهم أن العربية قحطانية وحميرية وعربية محضة وهذه هي التي نزل بها القرآن. وقد انفتق بها لسان إسماعيل. قالوا وعلى هذا يكون توفيق إسماعيل على العربية المحضة يحتمل أمرين: إما أن يكون اصطلاحاً بينه وبين جرهم النازلين عليه بمكة، وإما أن يكون توقيفاً من الله تعالى وهو الصواب)
وأضاف: وعلى هذا يصح لنا أن نقول أن أول تهذيب حقيقي في العربية يرجع إلى عهد إسماعيل، أما تنقيح اللغة قبل ذلك فإنما هو درجات من النشوء الزمني، لا يمكن بوجه من الوجوه أن يحدد أو ينسب إلى فرد معين كنسبتهم بعضه ليعرب بن قحطان مثلاً، إلا إذا صح التسلسل التاريخي حتى ينتهي إليه، وذلك غير صحيح .
إن هذين النصين متعارضان ومتناقضان يضرب بعضهما رقاب بعض، فقد حشد أقوالاً لنقائض دون أن يبدي رأياً مستقلاً له في هذا الموضوع الأهم، باعتباره عاش عصراً متأخراً ازدهرت فيه الثقافة بعد انتشار طباعة الكتب، وارتقاء الدراسات الإنسانية اللسانية منها والتاريخية، وانكشفت أشياء كثيرة للعلماء، بما فيهم علماء التفسير والحديث، بحيث صاروا يفسرون القرآن في ضوء تطورات العلوم ومكتشفات العصر، وفي ضوء تطور الدراسات الميدانية والعثور على أعداد كبيرة من نقوش الخط المسند، ومحاولة ترجمتها من قبل بعض الأجانب والعرب. نكب الكثير منهم عن جادة الصواب حينما حاولوا ترجمتها في ضوء نصوص التوراة واللغة العربية لما يخدم أهداف اليهود، في توضيح بعض نصوص التوراة أو الجمل العبرية!!
ولا أدري من أين نقل إجماع العلماء كما قال بأن لغة الحجاز وليست لغة عدنان أو قريش هي لغة العرب الكل، وأن إسماعيل هو أصل اللغة العربية. مع العلم أن الحجاز ممتد المساحة، واسع الأرجاء وأن معظم سكانه يمانيون. ثم ما معنى عبارته: (وعندهم أن العربية قحطانية وحميرية وعربية محضة؟!!
ويضيف: (وهذه هي التي نزل بها القرآن). فبأي الأقوال يأخذ الدارس الباحث عن الحقيقة؟ وكيف نجمع بين أقوال مثل هؤلاء الكتاب؟ فطه حسين يقول إن اللغة العربية الفصحى هي لغة عدنان، وأحياناً هي لغة قريش، وأحياناً هي لغة مكة، بينما الرافعي يقول هي لغة الحجاز، وأن أصلها إسماعيل، في حين أن إجماع علماء اللغة والتاريخ قد وقع على أن إسماعيل أخذ لغته العربية من جرهم الذين أصهر إليهم، وأن اللغة العربية هي اللغة القحطانية، أو لغة العرب العاربة!!
وليس بغريب على أمثال هؤلاء أن يأتوا بنصوص أكثر غموضاً وتنسب مباشرة إلى من يريدون لهم تعسفاً أن يكونوا هم أهل اللغة وأصحابها دون غيرهم، مثل قول الرافعي: (ومما يحسن ذكره في هذا الموضع أن العدنانية يعدون أنفسهم متميزين عن القحطانية، ويقولون: إن حمير تنتمي إلى العرب وليست منهم، وكذلك يرون أن اليهود مع طول معاشرتهم إياهم واختلاطهم ليسوا إلا حلفاءهم. فلا يبالون بأنسابهم ولا بلغتهم، وكأنهم لا يرون أنهم أخذوا من العبرانية أو الحميرية شيئاً، وإنما ذلك شعور طبيعتهم السامية.
وحتى لا ندع لأولئك الذين أوصلوا مثل هؤلاء إلى مستوى الصفوة من المفكرين والعباقرة وقادة الفكر العربي، الذين لا يأتيهم (الحق من بين أيديهم ولا من بين أرجلهم!!) أقول: لكي لا ندع لهم حجة أو فرصة للدفاع عنهم وعن سلطانهم وجهلهم بالتاريخ، وبأصول اللغة وأصول البحث العلمي وأصول اللياقة أيضاً. ننقل هذا النص للرافعي أيضاً: (وقد أسلفنا أن عرب الشمال المستعربة وهم الإسماعيلية، يبتدئ تاريخهم من القرن التاسع عشر ق. م، ولكن عدنان الذي ينتهي إليه عمود النسب العربي الصحيح، كان في القرن السادس قبله. فلا بد أن تكون العربية العدنانية قد ابتدأت بعد الحميرية أو قبلها بقليل، ومهما يكن من ذلك فإن أصل هذه العربية لابد أن يكون من الحبشية أو الحميرية ثم من اللغات السامية الأخرى، لأن العرب قوم رحل، وقد اختلطوا بأمم كثيرة، فلابد أن يكون أثر هذا الاختلاط بيناً في تكوين لغتهم، وتلك سنة عامة في اللغات كلها حتى لقد تجد في لغات هذا الزمن ما لا صفة له في نفسه).
ويمضي قائلاً: (وهكذا كانت العربية في أول نشأتها إلى أن ضربت القبائل في البادية بعد سيل العرم، وذلك يرجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد على أبعد تقدير، فاستقلت بعدئذ طريقة العربية، وانصرف أهلها إلى العناية بتشقيقها، وعلى ذلك لا يمكن الجزم مطلقاً بأن العربية العدنانية أصلاً معيناً إلا إذا أمكن القطع بأن لهم دولة مستقرة في التاريخ مميزة الحضارة حتى تقتضي أصالة اللغة؛ وهذا مما لا يقول به أحد لأنه لا مكان له في التاريخ).
صدقوني أنني خرجت بعد قراءة هذا النص وغيره من النصوص التي أوردتها والتي سأوردها كما أخرج من قراءة أي كتاب تقليدي من كتب التاريخ اليمني. إذ لم يزد الطين إلا بلة أو على حد تعبير أسلافنا (لقد أراد أن يفصحه فأعجمه!!) إنني لا أكتم القارئ ولا أكشف سراً إذا ما قلت إنني لا أعتبر أن مثل هذه الكتابات بما فيها كتابات تاريخنا كل تاريخنا القديم منه والحديث لا تأتي عفو الخاطر، أو بريئة من النوايا السيئة المبيتة بهدف نشر الضباب الكثيف والتعتيم على تاريخ اليمن تاريخ العرب -تاريخ الساميين- تاريخ العالم الذي تصدره هذه الأرض وفاعله الشعب العظيم منذ طلائع عاد!
وإنني أتحدى من يخالف هذا أن يأتي لنا من هذا النص بنتيجة واحدة موحدة مؤداها تحديد صانعي اللغة العربية: ومتى كان ذلك؟ وكيف؟
هل هم القحطانيون؟
هل هو إسماعيل؟
هل هم العدنانيون؟
وهل الحميرية قبل العدنانية أم العكس؟
وهل أصل العربية من الحبشية والحميرية؟
وهل اشتركت لغات أخرى في صنع هذه اللغة؟
هل هي قريش التي صنعت هذه اللغة؟
ثم متى كان ذلك؟
هل في عهد قحطان؟
أم في عهد إسماعيل؟
أم في عهد عدنان؟
أم بعد سيل العرم في القرن الثالث ق. م. على حد تعبير المؤلف؟
علماً بأنه يقف على النقيض من طه حسين حول لغة عدنان إذ يقول: (وعلى ذلك لا يمكن الجزم مطلقاً بأن للعربية العدنانية أصلاً معيناً إذا أمكن القطع بأن لهم دولة مستقرة في التاريخ مميزة للحضارة حتى نقتفي أصالة اللغة، وهذا مما لا يقول به أحد لأنه لا مكان له في التاريخ!!).
لقد كانت هذه العبارة وإن كانت مقتبسة من ابن خلدون العالم الجليل الذي ربط وجود لغة متطورة بمجتمع مستقر ومتحضر. لقد كان أحسن حالاً من طه حسين الذي لم يطلع على مقدمة ابن خلدون ولا كتب السلف وإلا لما خرج بالنتائج المذهلة والمخجلة والمذلة في نفس الوقت!!
إنهم يقتحمون حواجز الزمن ولا يقيمون للمنطق وزناً، ولا لأصول البحث وقواعده أي اهتمام.
فأين قحطان من إسماعيل -زماناً على الأقل- إذا ما تأكد علمياً أن إسماعيل نشأ مع أبيه في منطقة كَلَد (أو كلد) كما تسمى اليوم منطقة بيافع اليمن) فبينهما أكثر من أربعة آلاف عام؟! وأين إسماعيل من عدنان فبينهما ألف وأربعمائة سنة تقريباً؟!
ثم أين عدنان من قريش (زمن قصي) المقرش أو المجمع - كما وصفوه- فبينهما حوالي أربعة قرون؟!!
ثم أي حمير يريد؟ هل تلك الدويلة المسخ التي قال عنها أصحاب التاريخ التقليدي أو السائد -كما يحلو (للفرح) أن يصفهم- وهي التي أنشئوها عام 115 ق. م. أي بعد زوال الحضارة الحميرية بأكثر من ألفي سنة؟ أم هي الدولة الحميرية الأم والأصل والتاريخية، والتي تسلمها حمير من أخيه كهلان بناء على وصية أبيه سبأ، وبحضور أولاد سبأ وأحفاده وأعيان اليمن. وهذه الوصية مزبورة ومعروفة، وتداولها الأولاد عن الآباء والخلف عن السلف كابراً عن كابر؟!
إن هنالك محاولات مقصودة وغير مقصودة لتشويش وتشويه تاريخ اليمن، واليهود في مقدمة من يحيكون هذه المؤامرة وغيرها بقصد!.
والمطلوب من هذا الجيل والذي يليه على الأقل إزاحة هذا الغمام الكثيف، والضباب الثقيل، الذي يغطي منابع ومصادر التاريخ اليمني. الأمر الذي يضطر مثل هؤلاء الكتاب أن يكتبوا كتابات جافة مضطربة ومتناقضة لا يخرج من يقرؤها إلا أكثر تبلبلاً وتشتتاً فكرياً وعلمياً لا يستطيع أن يجمع معلومة علمية حقيقية يعتد بها. كما يمنعهم رغم عدم قناعتهم بما يكتبون من قول الحقائق العلمية الساطعة والثابتة قرآنياً ومادياً وعلمياً. وهي أن تاريخ اليمن هو تاريخ الساميين والعرب، وأن لغتهم هي لغة العرب، ومنها تفرقت بعض اللغات كالعبرية التي جاءت من الكنعانية، والكنعانيون هاجروا بلغتهم وحضارتهم من اليمن. وأن الخط المسند هو أصل الخطوط السامية كلها، ومنه تفرعت.
وأزيد هؤلاء الممارين نصوصاً أخرى. إذ يقول تحت عنوان (أصل العربية): (بعد أن تشعبت اللغات من البابلية ذهب المعينيون، وهم من القبائل الذين اقتبسوا تمدن السومريين مع الدولة البابلية في عصر حمورابي فنزلوا اليمن وحذوا في عمارتها حذوا بابل، وكانت لغتهم من البابلية في منزلة العامية من الفصحى، لما ثبت فيها من أثر المخالطة والتحول، وهم الذين اقتبسوا حروف الفينيقيين واستعملوها في التدوين على طريقة سهلت للزمن أسباب التنويع فيها، حتى انتهت في صورها إلى الخط المسند المشهور، وهو القلم الحميري، واستمرت لغتهم تتباين من البابلية بتقادم الزمن، حتى لم يعد من الشبه بينهما إلا أثر الدلالة التاريخية فقط. وقد وجدوا من ذلك علاقة لا توجد من اللغات السامية إلا في هاتين اللغتين وفي الحبشية أيضاً، وهي السين التي هي ضمير الغائب في اللغات الثلاث، وقالوا: إن هذه السين ربما كانت دخيلة في الأصل السامي من اللغة الطورانية).
ويسترسل: ثم نشأت الدولة السبئية وهم القحطانيون الذين يسمونهم العرب المتعربة. ويرجح العلماء أن أصلهم من الحبشة، وكان ظهور دولتهم على ما تحققوه من القرن الثامن إلى سنة 115 ق. م. وقد اقتبسوا لغة المعينيين إلا في ضمير الغائب الذي أشرنا إليه، ولعل هذا ما ينظر إليه قول المؤرخين أنهم أخذوا العربية عن العرب العاربة.
وبديهي أن هذه اللغة العربية لا يمكن أن تكون لغة مضر فإنهم يعرفونها أي العربية درجات، ويعدون منها لغة حمير، فلا يكون إذن إلا أنهم أرادوا عربية ذلك الزمن، وهي أصل في المضرية وغيرها، ولا عبرة بما يتعلق عليه أهل اللغة من أن منطق القحطانيين ومن قبلهم، بل ومنطق آدم هو العربية الفصحى، فإن ذلك كذب لغوي يحتاج إلى تصحيح.
وابتدأت الدولة الحميرية من سنة 115 ق. م. واستمرت إلى 525 بعده، وهو العهد الذي زهت فيه عربية مضر وحفظ أهلها بعض خصائص الحميرية.
أما الأحباش فيرجح بعضهم أن أصلهم عرب هاجروا من اليمن زمن المعينيين، وأخذوا معهم لغتها، واستدلوا على ذلك من مشابهة لغتهم للمعينية والبابلية في ضمير الغائب (السين) ثم من مشابهتها للغة الحميرية، حتى أن أحرف الكتابة تكاد تكون واحدة في اللغتين. غير أن الأحرف الحبشية تكتب من اليسار إلى اليمين، وهم يزيدون رسم الحركات مما لم يكن عند الحميريين.
هذا غير ما يرى من تشابه الملامح في الأحباش وأهل اليمن، وتماثل الآثار في البلدين، ونحو ذلك مما يرجح أنهم طارئون على تلك البلاد من اليمن).
في هذا النص عكس كثيراً من الأمور، التي استقر أو كاد أن يجمع عليها العلماء، وناقض نفسه في كثير من المسائل التاريخية التي صارت غير قابلة للجدل تقريباً، فاللغات تشعبت من البابلية وهذه مقولة توراتية والمعينيون من القبائل التي اقتبست تمدن السومريين مع البابليين في عصر حمورابي ونزلوا اليمن، وحذو في العمارة حذو بابل.
وكانت لغتهم من البابلية بمنزلة العامية من الفصحى. والمعينيون اقتبسوا حروف الفينيقيين، واستعملوها في التدوين حتى أوصلوها إلى صورتها في الخط المسند المشهور. وهذا الخط هو القلم الحيمري. السبئيون هم العرب المتعربة وأصولهم من الحبشة. وظهرت دولتهم في القرن الثامن ق. م. وانتهت عام 115 ق. م. واقتبسوا لغة المعينيين. وقيل: أخذوها عن العرب العاربة (ولم يحدد من هم ؟!!) وبديهي أنها ليست لغة مضر. فالعربية درجات ومنها لغة حمير وهي أصل في المضرية. ابتدأت دولة حمير عام 115 ق. م. واستمرت إلى 525 بعد الميلاد، وفيه ازدهرت عربية مضر، وحفظت مضر بعض خصائص الحميرية. الأحباش يقولون إنهم عرب من اليمن هاجروا زمن المعينيين، وأخذوا معهم لغتهم، والدليل تشابه اللغتين غير أن الحبشية تكتب من اليسار إلى اليمين. ومما يدلل على ذلك تشابه ملامح الأحباش وأهل اليمن. وتماثل الآثار في البلدين. مما يرجح أنهم طارئون على الحبشة من اليمن).
هذه الخلاصة لهذا النص الأكثر تضارباً واضطراباً. وما عساي أن أقول في هذا القول المعكوس، الذي يتناقض بعضه مع البعض الآخر، ويتنافى ويتنافر مع النصوص السابقة شكلاً ومضموناً؟ فالبابليون هجرة من اليمن كما أثبت هذا علماء التاريخ في العصر الحديث، واللغة اليمنية هي التي انتقلت إلى هناك وليس العكس. والفينيقيون فئة صغيرة من مجموعة كبيرة يسمون الكنعانيين، فهم والعبرانيون انسلخوا من الكنعانيين، وكان للعبرانيين لغتهم المأخوذة من الكنعانية مع بعض التعديل، واللغة الكنعانية من اللغات التي تمت إلى السامية ذات الطابع اليمني بصلة. لأنهم أصلاً من اليمن. أما الفينيقيون فإنهم انسلخوا من الكنعانيين. ومعناه اللون الأحمر لدى الإغريق، الذين كانوا يعتبرونهم حميريين، وخطهم امتداد لخط المسند الذي أدخلوا عليه بعض التعديلات وبين البابليين والفينيقين حول 1400 سنة. فالفينيقيون ظهروا على سواحل لبنان وجزء من فلسطين حوالي عام 3300 قبل الميلاد. أسست دولة بابل عام 2105 ق. م. وجاء حمورابي في القرن التاسع عشر قبل الميلاد.
إذن فكيف انقلبت الأمور لدى الرافعي، وصار الأصل فرعاً والفرع أصلاً، وهي مسألة تاريخية عربية معروفة؟ وإني لأتساءل: من أين كانوا يأخذون معلوماتهم؟! وما هي مصادرهم؟ هل كان هنالك شيء لديهم غير التوراة والمستشرقين والمستغربين؟!
إنه كلام إنشائي لا يمت إلى العلمية والموضوعية أو النقد الأدبي أو التاريخي بصلة.
وإنما قصد به التتويه، وزيادة الغموض!!
الفصل السادس
أمنية مطلوب تحقيقها
إنني أتمنى أن يقوم الجيل العربي الجديد بدوره في إعادة قراءة وكتابة التاريخ والتراث العربي القديمن، وتاريخ عصر صدر الإسلام، وتاريخ القرون الوسطى، وأن يلغوا وإلى الأبد - بعد إيجاد البديل الصحيح- مثل هذه الكتابات والهرطقاتن، والهرطقات مهما كان أصحابها من حملة المؤهلات والوجاتا أو الزعامات في المجالات الثقافية والأدبية.
إن كل تاريخ العرب القديم والوسيط والحديث ملوث بأفكار المتسلطين والشعوبيين ومسمومي العقول وأمراض النفوس. إن ما نقرؤه- أو بالذات عن اليمن- ليس من التاريخ في شيء،ولا يمت إلتى تاريخ وحضارة وتراث اليمن الثقافي بصلة، إلا بالاسم فقط فقط فقط!!
لهذا فإني باعتباري مواطناً يمنياً عربياً ومعنياً بالتاريخ اليمني، وهو تاريخ العرب، وتاريخ الجنس السامي، وتاريخ حضارة الإنسان منذ أكثر من ثلاثة عشر ألف سنة، أرفع صوتي عالياً مطالباً بضرورة تشكيل لجنة يمنية، ولجنة على مستوى كل وطن عربي، وعلى مستوى اتحاد المؤرخين العرب من خيرة المفكرين واسعي الاطلاع، الذين يمتلكون القدر الكافي من الشجاعة والمسئولية والحيدة العلمية، وأن تتوافر لهم كافة الإمكانيات ليقوموا بإعادة قراءة موروثنا الثقافي بعامة، والتاريخ على وجه الخصوص، وأن يقوموا بعد ذلك بإعادة كتابة التاريخ والتراث في ضوء المعطيات البحثية والدراسات العلمية والميدانية، المتعلقة بالتنقيب عن آثار الأقدمين، وتدشين حملات دولية ضخمة للبحث عن آثار عاد وثمود وأصحاب الرس وغيرهم في صحراء الأحقاف ولحج وأبين وصحراء حضرموت ككل، مع امتداداتها إلى مأرب وصحراء الربع الخالي.
علنا نتمكن من العثور على الإجابات الموضوعية المادية المقنعة وللرد على تقولات البعض بما لا يعلمون، وقيام البعض بخلط أوراق التاريخ القديم وتكذيب، بل وطمس أمثال هذا الهراء والهذيان الذي يرد على ألسنة البعض ومنهم الرافعي الذي يستمر فيقول:
(والخط هذا الذي أخذه المعينيون عن البابليين والفينيقين هو الخط الحميري أو القلم الحميري) وفقاً للفظه، في حين أنه قد حاول في أكثر من مكان في كتابه أن يجعل من كل من حمير وسبأ ومعين أمماً مستقلة، قائمة بذاتها، مستقلة بلغتها.
أما السبئيون فأمرهم أعجب وأغرب، فالأحباش يزعمون أنهم من اليمن، ومن السبئيين بالذات، ويزعمون كذلك أن السبئيين من الحبشة في نقش النصر، دونما اكتراث بعلم التاريخ ولا بعقل الإنسان الذي سيقرأ هذا الهراء.!! وبكل ثقة يقرر بأن سبأ قد ظهرت في القرن الثامن ق.م. وانتهت عام 115 ق.م. وبذلك لم يكن قد اقترف خطأ تاريخياً في حق شعب سبأ وحضارته فحسب، وإنما عارض النص القرآني نفسه، الذي أشار إلى لقاء تم بين ملكة سبأ والنبي سليمان. وكان ذلك في أوائل الألف الأول ق.م. وأخذ بأضعف الروايات عن نشوء دولة حمير عام 115ق.م. وهذا هو الوقت الضائع بالنسبة للحضارة اليمنية. فدولة سبأ نفسها التي عرفت إحدى ملكاتها بزيارتها لسليمان ما هي إلا إحدى دول حمير، وفي الإطار الزمني لدولة حمير العتيدة.
والفارق بينه وبين طه حسين أنه لا يعطي اللغة العدنانية أو المضرية -كما يسميها هو- صفة الاستقلالية، وإنما يعتبرها امتداداً للغة الحميرية أحياناً، أو أن الحميرية أصل من أصولها. وهذا مما يحمد عليه.
وإنه من حسن الطالع، ومما يبعث الأمل في النفس والثقة بسعادة وعظمة مستقبل الأمة كما كان ماضيها، أنه قد أثرى عدد غير قليل من المفكرين العرب الذين لم يستسيغوا هرطقات وترهات طه حسين وأمثاله، فشحذوا أفكارهم وحدوا سنن أقلامهم، وعقدوا العزم على خوض هذه المعركة الفكرية المفروضة في محاولة لإبطال مزاعم هؤلاء، ومحاولة إماطة اللثام عن الوجه الحقيقي للحضارة العربية والتراث العربي، وتاريخ الأمة الناصح العظيم، وكان من هؤلاء الدكتور عبده الراجحي، الذي تصدى للرافعي ومن على شاكلته، فقال بعد أن قرأ ما كتبوا بإمعان:
(وهذه الأسباب كلها لا تقوى دليلاً على تمكن لهجة قريش من السيطرة والسيادة. ألم يكن في شبه الجزيرة أسواق غير عكاظ، يلتقي الناس فيها للتجارة؟ وأين ذهبت دومة الجندل والشقر، وهجر، وعمان، وحجاز، والشحر، وغيرها من أسواقهم في الجاهلية؟ وأين كانت حروبهم التي كانت تستمر سنوات ذوات عدد؟
وهل كانوا يتحاربون صامتين؟ ثم أين هجراتهم المستمرة بحثاً عن الرزق؟ وأين أحلافهم التي كانت تجمع بينهم؟ ونحن لا نستطيع أن نتصور أن القبائل العربية كانت تعيش منعزلة، تقبع كل قبيلة منها في منازلها ولا تبرحها إلا للحج أو لعكاظ).
وفي مكان آخر يقول: ومهما يكن من أمر فإن هذه الآراء التي تذهب إلى أن لهجة قريش هي اللغة المشتركة -الفصحى- لا تقوم على أساس لغوي علمي صحيح؛ لأننا لا نستطيع أن نحكم على لغة من اللغات من أقوال الرواة عنها، خاصة وأن هذه الأقوال ينبغي أن نأخذها بقدر كبير من الحيطة والحذر؛لأنها كما تحسب لم تصدر إلا عن تمجيد لقبيلة الرسول (ص) ولقد كنا نستطيع أن نحكم هذا الحكم لو توافرت لدينا نصوص لغوية من لهجات القبائل، تتميز بها أمامنا لهجة قريش وغيرها، بحيث يظهر لنا تطور هذه النصوص: أن لهجة قريش استطاعت أن تسود غيرها من اللهجات، وأن تفرض نفسها لغة نموذجية مشتركة يصطنعها الشعراء في شعرهم والخطباء في خطبهم. أما وأننا لا نملك هذه النصوص ولا نعرف شيئاً عن هذا التطور، لأننا وجدنا أنفسنا فجأة أمام لغة نموذجية مشتركة قال لنا عنها القدماء وتبعهم المحدثون أنها لغة قريش، فإننا نظن أن ذلك كله أمام المنهج العلمي ليس إلا ضرباً من الحدس والتخمين.
ويصل الباحث الراجحي إلى نتيجة علمية هكذا: (والرأي بعد هو ما نحسبه موافقاً لطبيعة التطور اللغوي. وهو أن شبه الجزيرة العربية كانت بها لهجات كثيرة مختلفة تنتسب كل منها إلى أصحابها، وإلى جانب هذه اللهجات كانت هناك لغة عربية مشتركة، تكونت على مر الزمن، بطريقة لا سبيل لنا الآن إلى تتبعها، وهذه اللغة المشتركة لا تنتسب إلى قبيلة بذاتها لكنها تنتسب إلى العرب جميعاً ما دامت النصوص الشعرية والنثرية لا تكاد تختلف فيما بينها، وهذه النصوص كما نعلم ليست قرشية أو تميمية أو هذلية فقط، بل هي من قبائل مختلفة. مما يدل على أن هذه اللغة المشتركة هي التي كان الأدباء يصنعونها في فنهم القولي.
ونحن لا نستطيع أن نتصور أنهم كانوا يتحدثون في بيعهم وشرائهم وهزلهم باللغة ذاتها التي ينظمون بها شعرهم ويضعون فيها خطبهم.
وإذا كان ما سبق أن عرضنا من آراء ونصوص تبطل بما لا يدع مجالاً للشك ما ذهب إليه طه حسين وأمثاله من العدميين. سواء كانوا عرباً يمنيين أو غيرهم أو كانوا أجانب، فإننا نضيف هنا آراء علماء من المستشرقين والعرب الذين لهم باع طويل وفهم عميق للتاريخ اليمني والتراث العربي الحضاري والثقافي بشكل عام.
قال إسرائيل ولغنستون في معرض حديثه عن الهجرات السامية واليمنية منذ ما قبل سيل العرم، وعن معين بالذات التي قال الرافعي أنها جاءت من بابل:
(استوطنت في بلدان شمال الجزيرة العربية، وأثرت في لغة القبائل الحجازية وأقلامها وفي حضارتها تأثيراً عظيماً، غير أن جموعاً كثيرة منها تركت وطنها الأصلي في الألف الثاني ق.م. وانتشرت في جميع أنحاء الحجاز وهضبات طور سيناء إلى حدود مصر. ويدل على ذلك تلك الكتابات التي اهتدى الباحثون إليها، وجاء فيها ذكر لبطون تعرف باسم [معين مصر]).
أما جلازر وهو عالم آثار معروف زار اليمن عدة مرات، وجاب أنحاءها طولاً وعرضاً، باحثاً ومنقباً عن الآثار في مناطق مختلفة وجمع أكثر من ألف نقش مسندي فقال:
(نعتقد بأن اللفظ [معين مصر] إنما يدل على بطون يمنية وجدت في مصر وطردوا منها، وهي القبائل السامية التي فتحت مصر وحكمتها قروناً طويلة. وعرفت بعدئذٍ باسم الهكسوس.
ويقول ولغنستون: (ويتضح لنا مقدار التأثير، الذي أحدثته سبأ ومعين في الأمم المجاورة من كتابات قديمة كشفت حديثاً في مدينة (UR) بالعراق، وهي من أقدم المدن وأعرقها في الحضارة السامية القديمة. وقد وجدت هذه الكتابات التي عثر عليها، وحلت رموزها في المجلة الآسيوية الإنجليزية).
وعدد أحمد شرف الدين القبائل التي انتقلت قديماً من اليمن إلى الحجاز فقال: (منها حرب نزلت بين مكة والمدينة).
ويرى الأستاذ طه باقر في دراسته. الدخيل في اللغة العربية: (أن الجزيرة العربية كانت مهداً لأولئك الأقوام الذين شملتهم تسمية السامية، والذين هاجروا من الجزيرة بموجات متعددة منذ أبعد العصور التاريخية إلى الأجزاء المختلفة من الوطن العربي، فالاسم الصحيح من الناحية التاريخية والقومية والجغرافية، هو أن يطلق عليها (أقوام الجزيرة) أو (الأقوام العربية القديمة)، أما لغاتهم فهي (اللغات العربية القديمة وهو ما يسمى باللغات السامية).
وينقل الدكتور قدور عن الدكتور نجيب البهبيتي آراءه في الموضوع فيقول: كذلك نجد الدكتور نجيب البهبيتي يذهب هذا المذهب في كتابه عن ملحمة جلجامش. بعنوان (المعلقة العربية الأولى) أو عند جذور التاريخ. فالبهبيتي يذكر في أكثر من موضع أن جميع الشعوب التي هاجرت من الجزيرة العربية صدرت من اليمن، لأن اليمن أصل المعدن الذي تدافعت منه الموجات العربية الأولى نحو العراق ومصر والشام حاملة اللغة العربية التي يتحدث عنها التاريخ العربي حديث عارف؛ إذ يصفهم بالعرب البائدة العاربة أما من دخل عليهم بعد ذلك الجزيرة من إسماعيل وأبنائه فهم العرب المستعربة.
فإسماعيل الأكادي (سبق أن أوضحنا أن أكاد أو أكد بل (كَلَد) تقع في منطقة يافع اليمنية) الذي نشأ في الحجاز بين قبيلة جرهم العربية القديمة، تعلم العربية ممتزجة بالأكادية والمضرية التي كانت لهجة أمه. فكان من جماع ذلك كله نشأة اللهجة العربية العدنانية التي صارت في أيدي أبنائه لينة، فحملت آثار عواطفهم وعقولهم. ويذهب البهبيتي إلى أن السومريين هم الموجات اليمنية الأولى التي انثالت على العراق بعد الطوفان. واستناداً إلى ما تقدم يرى البهبيتي أن ملحمة جلجامش عربية بملء الفم والأشداق.
وقال ابن خلدون: (فلما وصل الأزد من اليمن، كان أول نزولهم ببلاد عك من الأزد ثم افترقوا إلى البلاد، نزل بنو نصر بن الأزد بالشراة وعمان. ونزل بنو ثعلبة بن عمرو مزيقيا بيثرب، وقام بنو حارثة بن عمرو بمر الظهران بمكة. وهم فيما يقال خزاعة. ومروا على ماء يقال له غسان بن زبيد ورمع. فكل من شرب منه من بني مزيقيا سمي به، والذين شربوا منه بنو مالك وبنو الحرث جفينة وبنو كعب، وكلهم يسمون غساناً، وبنو ثعلبة العنقاء لم يشربوا منه فلم يسموا به).
وقد روى السهيلي مثل هذا.
ونقل ابن خلدون عن السهيلي قوله: ثم كثر نسل معد في ربيعة ومضر وإياد وتدافعوا إلى العراق والشام فنزلوا على أحياء اليمنية الذين ذكرناهم قبل. وكانت لهم مع تبع حروب، وهو الذي يقول:
لست بالتبع اليماني إن لم
تركض الخيل في سواد العراق
أو تؤدي ربيعة الخرج قسراً
لم تعقها عوائق العواق
ثم كان بالعراق والشام والحجاز وأيام الطوائف ومن بعدهم في أعقاب ملك التبابعة اليمنية والعدنانية ملك ودول، وبعد أن درست الأجيال قبلهم، وتبدلت الأحوال السابقة لعصرهم فاستحق بذلك أن يكون جيلاً منفرداً عن الأول وطبقة مباينة للطبقات السابقة، ولما لم يكن لهم أثر في إنشاء العروبية كما للعرب العاربة، ولا في لغتها عنهم كما في المستعربة، وكانوا تبعاً لمن تبعهم في سائر أحوالهم، استحقوا التسمية بالعرب التابعة للعرب. واستمرت الرئاسة والملك في هذه الطبقة اليمانية أزمنة وآماداً بما كانت صبغتها لهم من قبل، وأحياء ربيعة ومضر تبعاً لهم.
ويضيف: فكان الملك بالحيرة (للخم) (يمنية) في بني المنذر. وبالشام لغسان في بني (جفنة) يمنية. كذلك في الأوس والخزرج (بني قيلة) في يثرب. وما سوى هؤلاء من العرب فكانوا ظواعن عن بادية وأحياء ناجعة، وكانت في بعضهم رياسة بدوية وراجعة في الغالب إلى أحد هؤلاء (يعني اليمانية،ثم نبضت عروق الملك في مضر، وظهرت قريش على مكة ونواحي الحجاز أزمنة عرف فيها منهم، ودانت الدول بتعظيمهم ثم صبح الإسلام أهل هذا الجيل، وأمرهم على ما ذكرناه فاستحالت صبغة الملك إليهم وعادت الدول لمضر من بينهم. واختصت كرامة الله بالنبوة بهم).
وحينما أراد ابن خلدون تحديد وجهة نظره حيال ملك سلالة سبأ بن يشجب من الحميريين والكهلانيين، وأيهما كان أحق بالملك، والمساحة التي شملها حكمهم، قال:
بنو كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان إخوة بني حمير بن سبأ، وتذاولوا معهم الملك أول أمرهم ثم انفرد بنو حمير، وبقيت بطون بني كهلان تحت ملكهم باليمن. ثم لما تقلص ملك حمير بقيت الرئاسة على العرب البادية لبني كهلان، لما كانوا بادين لم يأخذ ترف الحضارة منهم، ولا أدركهم الهرم الذي أودى بحمير، إنما كانوا أحياء ناجعة في البادية، والرؤساء والأمراء في العرب إنما كانوا منهم.
وكان لكندة من بطونهم ملك باليمن والحجاز. ثم خرجت الأزد من شعوبهم أيضاً من اليمن مع مزيقيا وافترقوا بالشام، وكان لهم ملك بالشام في بني جفنة، وملك بيثرب في الأوس والخزرج، وملك بالعراق في بني فهم. ثم خرجت لخم وطيء من شعوبهم أيضاً من اليمن، وكان لهم ملك بالحيرة في آل المنذر حسبما يذكر ذلك).
وعن أسعد تبع واختلاف الأقوال عنه، وعن نشاطاته، ومدى هيمنته على سائر أنحاء الجزيرة العربية، وتركه آثاراً مكتوبة في أماكن كثيرة، والذي حكم في الفترة من 378- 420م. قال الدكتور جواد علي: (وقد تولى الحكم منفرداً وأضاف إلى لقب (ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت، ويمنت، الذي ورثه من أبيه إضافة جديدة في آخره هي (وأعرابهم طودم وتهمتم) أي وأعرابها في الجبال وفي التهائم. فصار بذلك أول ملك يحمل هذا اللقب ويضيف: (ولا بد أن يكون للإضافة التي ألحقت بآخر اللقب معنى سياسي مهم، إذ لا يعقل أن يكون هذا الملك قد ألحقها با?لقب اعتباطاً من غير قصد).
والظاهر أن الذي حمله على إلحاقها به هو ظهور أهمية الأعراب، ولا سيما أعراب الهضاب وأعراب جنوب نجد من قبائل (معد) وقبائل تهامة أو التهائم، أي المنخفضات الساحلية.
وقد عثر فلبي (وهو مستشرق) على نقش يحمل اسم - أب كرب أسعد واسم ابنه حسان في وادي (ماسل الجمح) في موضع مهم بين مكة والرياض، باعتبار هذا الموضع كان خاضعاً للملك ( أب كرب) وأن نفوذه قد وصل إلى أبعد من ذلك المكان، وأن نفوذه كان قد جاوز اليمن حتى بلغ نجداً، وبلغ الأرض المهمة التي تجتازها القوافل والتجارات حتى اليوم.
وكانت تعد من منازل قبائل معد في ذلك الحين، وهي قبائل متحالفة يجمع شملها هذا الاسم) .
ويؤكد ما سبق قائلاً: لقد استطاع - أبو كرب أسعد - توسيع ملكه حتى البحر الأحمر والمحيط الهندي والأقسام الجنوبية من نجد، وربما كان قد استولى على جزء كبير من الحجاز. وفي روايات أهل الأخبار عن فتوحاته وعن غزواته أساس من الصحة، وإن دخل فيها عنصر المبالغة والقصص.
وعن الفروق الحضارية، وانعكاس ذلك على الشئون العسكرية والسياسية والاقتصادية والفكرية قال: وتظهر من روايات أهلالأخبار أنه قد كان للتبابعة شأن في تنصيب سادات على معد، فهي تذكر أنهم هم الذين كانوا يعينون أولئك السادة فينصبونهم (ملوكاً) على (معد)، وذلك بسبب تنازع سادات (معد) فيما بينهم وتحاسدهم، وعدم تسليم بعضهم لبعض بالزعامة ولهذا كانوا يلجئون إلى التبابعة لتنصيب ملوك عليهم. يضاف إلى ذلك أن (معداً) كانت قبائل متعددة منتشرة في أرضين واسعة تتصل باليمن. وقد كان أهل اليمن المتحضرون أرقى منهم، وجيوشهم أقوى وأنظم نسبياً من محاربي معد، ومقاتليهم الذين كانوا يقاتلون قتال بدوٍ لا يعرفون تنظيماً ولا تشكيلاً، ولا توزيعاً للعمل. وكل ما عندهم هو كر وفر، إذا وجدوا خصمهم أشطر منهم وأقدر على القتال هربوا منه) (130) ويشير إلى ضعفهم ومدى تخلفهم، وإلى تقدم اليمنيين وتحضرهم وقوتهم في المجالات الصناعية والاقتصادية، مما جعل من العدنانيين عالة على اليمنيين، يعولون عليهم في كثير من الأشياء منها حل الخلافات فيما بينهم. يقول: وقد أمد أهل اليمن الحجاز وأماكن أخرى من جزيرة العرب بالسيوف وبمصنوعات المعادن وبالبرد والأنسجة الأخرى، كما عرف اليمنيون بإتقانهم فن البناء والتجارة، وغير ذلك من حرف الحضر التي أشير إليها في الشعر الجاهلي (عصر ما قبل الإسلام).
وقد عيبت (يعني قريشاً أو العدنانية) على أهل اليمن اشتغالهم بالحرف، كالحدادة والحياكة والصناعة وما شاكل ذلك من حرف نحو ما تحدثت عن ذلك في فصل (طبيعة العقلية العربية). ولكن من عابهم كان عالة عليهم وعلى غيرهم من أهل الحرف في أكثر الأمور التي كانت تخص شئون حياتهم اليومية، كالسيوف والخناجر الجيدة مثلاً التي هي عماد المحافظة على حياة الإنسان في البادية، كما اعترف لهم بالتفوق على من كان يزدري الصناعة والحرف، فكانوا يخافونهم في الحروب، ويهابونهم عند القتال؛ لامتلاكهم أسلحة لا يملكونها هم، وكانوا يلجؤن إليهم لتنصيب رئيس منهم عليهم تهابه القبائل، لصعوبة انصياع القبائل لقيادة رئيس منها بسبب التحاسد القبلي، كما كانوا يخضعون لحكم أهل اليمن بسبب تفوقهم عليهم في السلاح وفي الثقافة إلى غير ذلك من أسباب ترجع في الواقع إلى الطبيعة التي عطفت على اليمانيين وعلى العربي الجنوبي ففوقته على الأعراب).
وعن تقاسم حكم اليمن والجزيرة وما حولها بين الأخوين.
حمير وكهلان وأولادهما بناء على وصية أبيهما سبأ قال: وحمير عند الإخباريين أبو الملوك التبابعة والأذواء (مع البعد الزمني بينهما) والأقيال، وهو شقيق كهلان أبي الملوك من الأزديين من بني جفنة ومن لخم، ويلاحظ أنهم قد حصروا حكم اليمن والقبائل القحطانية المقيمة بها على حمير. على حين جعلوا الملك على عرب الشام وعرب العراق ويثرب في أيدي المنتسبين إلى كهلان. أي أنهم خصوا الحكم في خارج اليمن بأيدي إخوة حمير، فوزعوا الملك في اليمن وفي خارجها بين الأخوين. وحمير في عرفهم الابن الأكبر لسبأ (والأرجح أنه الأصغر) فلعل هذا الكبر هو الذي شفع له أن يكون الوارث لليمن، والحاكم على قبائل قحطان وعدنان، وأخذ مكانة الأب بعد موته. والجلوس على عرشه ميزة لا ينالها إلا الابن البكر. وقد ملك حمير بعد أبيه على حد تعبيرهم أكثر من مائة عام.
وعن دور كندة في لم شعث بعض قبائل وبطون (بني معد) وتحقيق الوئام فيما بينهم يقول الدكتور جواد: وقد كانت النمر بن قاسط في جملة القبائل العدنانية الأخرى التي خضعت لحكم كندة، ويذكر الإخباريون في تعليل ذلك: أن ابن أبي شمر الغساني لما قتل عمرو بن حجر (ملك بعده ابنه الحارث بن عمرو وأمه بنت عوف بن محلم ابن ذهل بن شبيبان، ونزل الحيرة. فلما تفاسدت القبائل النزارية أتاه أشرافهم فقالوا: إنا في دينك، ونحن نخاف أن نتفانى فيما يحدث بيننا، فوجه بنيك ينزلون فينا فيكفون بعضنا عن بعض؛ ففرق ولده في قبائل. فملك ابنه حجراً على بني أسد وغطفان، وملك ابنه شرحبيل (قتل يوم الكلاب) على بكر بن وائل بأسرها، وبني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن غيم والرباب، وملك ابنه معد يكرب وهو علقاء على بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة وطوائف من بني دارم بن مالك بن حنظلة والصنائع...
وملك ابنه عبد الله على عبد القيس، وملك ابنه سلمى على قيس؛ فكانت هذه القبيلة إذن في جملة القبائل العدنانية التي جمع شتاتها تاج كندة.
ويختم روايته قائلاً: (ليس في رواية الإخباريين هذه غرابة فقد رأينا امرأ القيس يحكم قبائل عديدة ويفرض تاجه عليها).
وفي مكان آخر يقول: أما في القرن الخامس للميلاد، فقد كان على بكر وأكثر قبائل معد -على حد رواية الإخباريين- في أيدي التبابعة، ثم في أيدي ملوك كندة نصبهم التبابعة أنفسهم ملوكاً على تلك القبائل، وكان أولهم حجراً آكل المرار، الذي انتزع من اللخميين ما كان في يديهم من ملك بكر بن وائل ووسع ملكه، فلما توفي حجر تولى الملك ابنه عمرو المعروف بالمقصود من بعده، وبقيت بكر تابعة له، وكذلك لابنه الحارث مغتصب عرش الحيرة على نحو ما ذكرت. وكان الحارث قد وزع أبناءه على القبائل ليتولوا إدارة شئونها فعين ابنه شراحيل أو شرحبيل حاكماً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.