عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العبرانية والسريانية والكلدانية والارامية : لغات سامية متفرعة من اللغة اليمنية القديمة
هذا هو تاريخ اليمن (الإرهاص)
نشر في الجمهورية يوم 14 - 12 - 2006

- د. عبد الله علي الكميم .تناولت موضوع اللغة، والكتابة من حيث النشأة في المجلد الأول من مؤلفي هذا، ولكني مررت عليها مرور الكرام، وأجَّلت الخوض فيها بإسهاب لهذا الذي خصصته للغة اليمنيين وكتاباتهم التي أعتبرها كما يعتبرها الكثير من العلماء والكتاب وفي مقدمتهم العقاد أصل لغات الساميين وكتاباتهم، وهي لغة القرآن، وخط المسند هو خطه أيضاً كما ستثبت هذه الدراسة، إن شاء الله.
سأتناول هنا معنى اللغة والكلمة مستعيناً بأهم المراجع المتيسرة مرتبة زمنياً ما أمكن.
وإذا كان التاريخ قد أغفل هذا لأنه في الأصل غير موجود فكيف يصدق تخريفات هذا المخرف. علماً بأن الإجماع قد وقع من قبل علماء اللغة والأدب والتفسير أن ما بين العرب من اختلاف في معاني أو دلالات بعض الألفاظ إنما هي لهجات وليست لغات. ولذلك نزل القرآن على سبعة أحرف كما في الأثر النبوي، وبعض المفسرين وعلماء اللغة قالوا نزل على خمسين لهجة يشمل لهجات معظم القبائل العربية.
والفروق في الأسماء والمسميات، وفي مدلول بعض الألفاظ كانت موجودة ولا تزال بين كل قبيلة وأخرى، وبين كل قبيلة وغيرها، بل بين كل قرية وقرية، وهذه من المسائل المعروفة والمسلم بها.
- إن القرآن الكريم وهو عربي اللسان حينما نزل قرأه وفهمه كل العرب في مكة والمدينة وفي صنعاء، وفي نجد والحجاز على حد سواء ولم يكونوا بحاجة إلى مترجمين.
- إن رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تذهب إلى زعماء القبائل في الشمال وإلى أقيال وبقايا ملوك اليمن. وكانوا يقرأونها ويفهمونها دونما ترجمة، وأنهم كانوا يردون عليها وبنفس الخط (خط الجزم) المتفرع من خط المسند اليمني.
- إن الوفود التي كانت تفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بالذات كانوا يتكلمون معاً باللغة المتينة وهي اللغة التي نتكلم بها اليوم، وهي مستمدة من اللغة اليمنية الأم والأصل، وأنه لم يكن بينه وبينهم من يفك الرموز أو يزيل اللبس والغموض!! ولنذكر هنا ذلك النزاع الذي دار بين مراد وثقيف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم على أرض (وج) في الطائف، وكان الكل يدلي بحجته بلسان عربي مبين دونما تلكؤ أو غموض.
أما فيما يتصل بالخط، وكيف تعلمته قريش، وممن تعلمته، فنكتفي بإيراد نص ابن خلدون وقد سبق ذكره، ولكن لأهميته هنا، ولأنه قاطع ومفحم، قال ابن خلدون: وقد كان الخط العربي (لاحظ كلمة العربي) بالغاً مبالغه من الإحكام والإتقان، والجودة في دولة التبابعة لما بلغت من الحضارة والترف، وهو المسمى بالخط الحميري. وانتقل منها إلى الحيرة لما كان بها من دولة آل المنذر نسباء التبابعة لقصور ما بين الدولتين، فكانت الحضارة وتوابعها من الصنائع وغيرها قاصرة عن ذلك. ومن الحيرة لقن أهل الطائف وقريش فيما ذكر.
ويقال: إن الذي تعلم الكتابة من الحيرة هو سفيان بن أمية، ويقال: حرب بن أمية، وأخذها من أسلم بن سديرة. وهو قول ممكن، وأقرب ممن ذهب إلى أنهم تعلموها من إياد أهل العراق لقول شاعرهم.
قوم لهم ساحة العراق إذا
ساروا جميعاً والخط والقلم
وهو قول بعيد لأن إياداً وإن نزلوا ساحة العراق فلم يزالوا على شأنهم من البداوة. والخط من الصنائع الحضارية (الحضرية). فالقول بأن أهل الحجاز إنما لقنوها من الحيرة ولقنها أهل الحيرة من التبابعة وحمير هو الأليق من الأقوال.
ورأيت في كتاب التكملة لابن الأبار عن التعريف بابن فروخ القيرواني الفاسي الأندلسي من أصحاب مالك رضي الله عنه واسمه عبد الملك بن فروخ عن ابنه. قال: قلت لعبد الله بن عباس: يا معشر قريش: خبروني عن هذا الكتاب العربي، هل كنتم تكتبونه قبل أن يبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، تجمعون منه ما اجتمع وتفرقون منه ما افترق، مثل الألف واللام والميم والنون؟ قال: نعم . قلت: وممن أخذتموه؟ قال من حرب بن أمية.
قلت: وممن أخذه حرب؟ قال من عبد الله بن جدعان. قلت: وممن أخذه عبد الله بن جدعان؟ قال: من أهل الأنبار. قلت: وممن أخذه أهل الأنبار؟ قال: من طارئ طرأ عليه من أهل اليمن. قلت: وممن أخذه ذلك الطارئ؟ قال: من الخلجان بن القسم كاتب الوحي لهود النبي عليه السلام وهو الذي يقول:
أفي كل عام سنة تحدثونها
ورأي على غير الطريق يعير
وللموت خير من حياة تسبنا
بها جرهم فيما تسب وحمير
انتهى النص الأول ولكنه نقل عن ابن الأبار نصاً آخر فقال: وكان لحمير كتابة تسمى (المسند) حروفها منفصلة، وكانوا يمنعون من تعلمها إلا بإذنهم. ومن حمير تعلمت مضر الكتابة العربية. إلا أنهم لم يكونوا مجيدين لها شأن الصنائع إذا وقعت بالبدو، فلا تكون محكمة المذاهب ولا مائلة إلى الإتقان والتنميق لبون ما بين البدو والصناعة واستغناء البدو عنها في الأكثر).
ونسب بعض الرواة هذين البيتين إلى حسان بن ثابت:
تعلمتم من منطق الشيخ يعرب
بينا قصرتم معربين ذوي نفر
وكنتم قديماً ما بكم غير عجمة
كلام وكنتم كالبهائم في القفر
(لقد عجز الأقدمون عن إزالة التناقض واللبس في هذه المسألة أي مسألة الفرق بين اللغتين (على حد تعبيره) حتى جاء هذا العبقري فأزال اللبس، كنت أتمنى لو أن أمه لقنته دروساً في الأدب واللياقة حتى لا يكون فضيحة تمشي على الأرض!!
النص الثالث:
(وقد أراد الله فوُفِق العلماء المحدثون لاستكشاف اللغة القحطانية أو قل لاستكشاف اللغات القحطانية من حميرية وسبئية ومعينية، وأراد الله أن يوفق هؤلاء العلماء لقراءة هذه اللغات.
كما قرأوا اللغة المصرية القديمة، وكما قرأوا لغة البابليين والآشوريين، وكما قرأوا طائفة أخرى من اللغات السامية.
وأراد الله أن يعي هؤلاء العلماء المحدثون بهذه اللغة الحميرية التي لم يقدر لعلماء المسلمين في القرن الأول والثاني للهجرة فيستنبطوا نحوها وصرفها، ويقارنوا بينها وبين غيرها من اللغات السامية القريبة منها والبعيدة، وكانت نتيجة البحث الطويل والجد المتواصل أن اللغة الحميرية شيء واللغة العربية الفصحى شيء آخر، وأن هذه اللغة الحميرية أقرب إلى اللغة الحبشية القديمة منها إلى اللغة العربية).
ولاحظوا أن اللغة هنا لغة قحطان وأنها تفرعت إلى لغات قحطانية، وأن القحطانية تفرعت إلى حميرية وسبئية ومعينية ونسي الحضرمية والأوسانية ...إلخ.
كما نسي أنها سامية وأن من الساميات البابلية والآشورية والعبرية والفينيقية... إلخ!! ما هذا الهراء والتناقض يا حج طه؟!
هذا النص من النصوص المشحونة بالتناقضات والغموض والسموم والجهل، فهو يشير إلى أن العلماء المحدثين قد وفقهم الله إلى حل الرموز التي لم يستطع فكها الأولون ولم يذكر أحداً من هؤلاء العلماء ثم لم يرينا ما إذا كان هو قد استفاد من نتائج أبحاثهم؟! إلا أننا لا نجد لذلك أثراً!! فاللغة اليمنية صارت لغات حميرية وسبئية ومعينية. ولأنه لا يعرف تاريخ اليمن ولا حتى مصر أو تاريخ قريته، وإلا لكان أشار إلى أسماء الدول المتأخرة التي عاصرت هذه الدول الثلاث في الألفين الأول والثاني ق. م. وما أكثرها لكنا لا يجوز أن ننتظر منه ذلك!! لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
ثم هو لا يعرف إن كان من جذر فرعوني أن الفراعنة من اليمن. وأن البابليين والآشوريين من اليمن، وأنهم انتقلوا بلغاتهم وكتاباتهم من اليمن كما نقلوا علومهم وتجاربهم منها أيضاً، وقد بينا أن الفراعنة انتقلوا من اليمن بالاسم من مدينة فرعة بمحافظة حجة، ومن وادي ظهر شمال صنعاء، ومن منطقة الجوف (أرض معين)، ومن منطقة (جبا) جبل صبر، وأن التحنيط فكرة واختراع يمني.
وأن الإسكندر المقدوني حينما جاء إلى مصر وأراد بناء الإسكندرية وجد في أساسات البناء الذي كان يريده قصراً له أعمدة رخامية (عادية) مكتوب عليها بالخط المسند اليماني قبل ما يقرب من عشرة آلاف سنة من تاريخ الإسكندر.
أما البابليون فعلاقتهم باليمن لم تعد تخفى على أحد بعد الأبحاث والدراسات الأخيرة إلا على هذا (ال....) .
وفي بقية العبارة أخذ يكرر ما سبق قوله وبأسلوبه الممجوج الملول، فاللغة الحميرية شيء واللغة العربية شيء، وهنا لا يسعنا إلا أن نلقمه حديث المصطفى عليه السلام، الذي رواه الترمذي وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حمير رأس العرب ونابها، ومذحج هامتها، والأزد كاهلها وجمجمتها. وهمدان غاربها وذروتها..) رواه الترمذي في المناقب.
وعن هيمنة اليمن على كامل الجزيرة العربية، قال صاحب العقد الفريد: قال أبو عبيدة عن أبي عمرو: لم يتوج معدي قط. وإنما كانت التيجان لليمن. فسألته عن هوذة بن علي الحنفي فقال: إنما كانت خرزات تنظم له.
ونورد هنا مثالاً آخر محرجاً ومفحماً في نفس الوقت لهذا الجاهل المركب وأمثاله، رواه أحد أساتذته الذين تلقى عنهم مقولة واحدة، واعتبره دستوره وقانونه الذي طبقه على شعر وتراث ولغة وحضارة اليمن وتراثها الثقافي بشكل عام بعد ما حرفها، كما أوضح ذلك الحكام الذين قاضوه ذلك هو أبو عمرو بن العلاء.
قال صاحب لسان العرب في مادة (مجس) قال أبو علي النحوي: المجوس واليهود إنما عرف على حد يهودي ويهودٍ ومجوسي ومجوس، ولولا ذلك لم يجز دخول الألف واللام عليهما، لأنهما معرفتان مؤنثتان فجريا في كلامهم مجرى القبيلتين، ولم يجعلا كالحين في باب الصرف وأنشد:
أحار أُريك برقاً هب وهنا
كنار مجوس تستعر استعارا
قال ابن بري: صدر البيت لامرئِ القيس وعجزه للتوأم اليشكري. قال أبو عمرو بن العلا: كان امرؤ القيس معنا عِريِّضاً ينازع كل من قال أنه شاعر فنازع التوأم اليشكري فقال له: إن كنت شاعراً فملط أنصاف ما أقول وأجزها، فقال: نعم. فقال امرؤ القيس:
أصاح أريك برقا هب وهنا
فقال التوأم: كنار مجوس تستعر استعارا
فقال امرؤ القيس: أرِقت له ونام أبو شريح
فقال التوأم: إذا ما قلت قد هدأ استطارا
فقال امرؤ القيس: كأن هزيزه بوراء غيب
فقال التوأم: عِشار وُلَّه لاقت عِشارا
فقال امرؤ القيس: فلما أن علا كنفي أضاخ
فقال التوأم: وهت أعجاز رَيَّقه فحارا
فقال امرؤ القيس: فلم يترك بذات السر ظبياً
فقال التوأم: ولم يترك بجلتها حمارا.
فلو لم يكن امرؤ القيس شاعراً، ولم يكن اليمنيون عرباً، فكيف روى هذا المتعصب ضد اليمن (قدوة طه حسين وإمامه) ومثله الأعلى في العمى والتعصب والجهل، وهو صاحب العبارة المشهورة والمشؤومة في نفس الوقت (ما لسان حمير وأطراف اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا) وهي العبارة التي طار بها طه حسين فرحاً، وشوهها بالاختصار، وصار يطبقها على كل ما ينسب إلى اليمن من لغة أو شعر أو نثر أو تراث ... إلخ.
ونزيد دليلاً آخر جامعاً مانعاً لتأكيد مدى هيمنة اللغة العربية اليمنية على سائر الجزيرة العربية، بما فيها مكة التي كانت تقطنها قريش منذ ما قبل الإسلام بحوالي قرنين أو أقل من أيام قصي الملقب بالمقرش المجمع بالذات.
روى صاحب كتاب الأمالي هذه القصة تحت عنوان: اجتماع عامر بن الظرب وحممة بن نافع عند ملك من ملوك حمير وتساؤلهما عنده.
وحدثنا أبو بكر بن دريد - رحمه الله- كان أبو حاتم يظن بهذا الحديث ويقول: ما حدثني أبو عبيدة حتى اختلفت إليه مدة، وتحملت عليه بأصدقائه من الثقفيين، وكان لهم مؤاخياً، قال: حدثنا أبو حاتم، قال: حدثني غير واحد من هوازن من أولي العلم وبعضهم قد أدرك أبوه الجاهلية أو جده قال: اجتمع عامر بن الظرب العدواني وحممة بن رافع الدوسي، ويزعم النساب أن ليلى بنت الظرب أم دوس بن عدنان وزينب بنت الظرب أم ثقيف وهو قيسي، قال: اجتمع عامر وحممة عند ملك من ملوك حمير فقال: ننساء لا حتى أسمع ما تقولان، قال عامر بن الظرب لحممة: أين تحب أن تكون أياديك؟ قال: عند ذي الرثية العديم، وذي الخلة الكريم، والمعسر الغريم، والمستضعف الهضيم. قال: من أحق الناس بالمقت؟ قال: الفقير المختال والضعيف الصوال، والعيي القوال.
قال: من أحق الناس بالمنع؟ قال: الحريص الكائد، والمستمد الحاسد، الملحف الواجد، قال: فمن أجدر الناس بالصنعة، قال: من إذا أعطي شكر، وإذا منع عذر، وإذا موطل صبر، وإذا قدم العهد ذكر.
قال: من أكرم الناس عشرة؟ قال: من قرب منح، وإن بعد مدح، وإن ظلم صفح وإن ضويق سمح. قال: من ألأم الناس؟ قال:: من إذا سأل خضع، وإذا سئل منع، وإذا ملك كنع. ظاهره جشع، وباطنه طبع.
قال: فمن أحلم الناس؟ قال: من عفا إذا قدر، وأجمل إذا انتصر، ولم تطغه عزة الظفر. قال فمن أحزم الناس؟ قال: من أخذ رقاب الأمور بيديه، وجعل العواقب نصب عينيه، ونبذ التهيب دبر أذنيه. قال: فمن أخرق الناس؟ قال: من ركب الخطار واعتسف العثار،وأسرع في البدار قبل الاقتدار. قال: فمن أجود الناس؟ قال: من بذل المجهود، ولم يأس على المعهود. قال: فمن أبلغ الناس؟ قال: من جلى المعنى المزيز باللفظ الوجيز، وطبق المفصل قبل التحزيز. قال: من أنعم الناس عيشاً؟ قال: من تحلى بالعفاف، ورضي بالكفاف، وتجاوز ما يخاف إلى ما لا يخاف. قال: فمن أشقى الناس؟ قال: من حسد على النعم، وتسخط على القسم، واستشعر الندم على فوت ما يحتم. قال: من أغنى الناس؟ قال: من استشعر اليأس، وأبدى التجمل للناس، واستكثر قليل النعم، ولم يسخط على القسم. قال: فمن أحكم الناس؟ قال: من صمت فادكر، ونظر فاعتبر، ووعظ فازدجر. قال: من أجهل الناس؟ قال: من رأى الخرق مغنماً والتجاوز مغرماً.
إن هذا النص كاف شاف، ودال على أن الناس في جزيرة العرب كانوا يتكلمون لغة واحدة مشتركة، وأن التفاهم كان قائماً بينهم دونما عوائق أو موانع، كما توهم طه حسين وأمثاله. ممن لم يقرأوا تاريخ أمتهم قراءة واسعة وممعنة، ولم يلموا بالقرآن الكريم ويفهموا مدلولاته! كما أنه برهان على أن اليمنيين كانوا يتكلمون اللغة الفصحى أو اللغة المتينة، هذه التي تتكلم بها وهي لغة القرآن الكريم قبل الإسلام.
النص الرابع: من نصوص طه حسين:
(فالواقع أننا لا نكاد نعرف صلة متينة بين اللغة العربية التي نفهمها الآن من هذا اللفظ والتي نريد أن نؤرخها ونؤرخ آدابها ولغات هذه الأمم التي يعدها بعض القدماء والمحدثين عربية حيناً وغير عربية حيناً آخر. نعم كل هذه اللغات سامية وهي من هذه الناحية تتشابه في كثير من الأصول تشابهاً يقوى مرة ويضعف أخرى، ولكن اللغة العبرانية سامية. واللغة الفينقية سامية، واللغة الكلدانية سامية، واللهجات الآرامية كلها سامية، وبينها وبين اللغة العربية من التشابه القوي حيناً والضعيف حيناً آخر مثل ما بين اللغة العربية، ولغة البابليين في عصر حمورابي ولغة الحميريين والسبئيين والحبش والأنباط.
وإذن فلم لا تكون العبرانية والسريانية الكلدانية، ولهجات الآراميين كلها عربية كما كانت اللغات واللهجات الأخرى؟!).
عجيب أمر هذا الرجل المدعو (طه حسين) كيف وصل إلى أن يتسنم عمادة الأدب العربي وهو يأتي بمثل هذه العبارة المليئة بالمتناقضات، والتي لا يكاد القارئ يخرج منها بجملة مفيدة حيال مسألة من المسائل التي حشرها في هذا النص حشراً متناقضاً!! ونطلب من القارئ أن يقرأ هذا النص بإمعان حتى يرى أنه لن يخرج بجملة مفيدة أبداً رغم طوله غير بث السموم والتشويه والتشويش والجهل.
والرد عليه: إنه نص مضطرب ومتناقض فعلاً، وينم عن جهل مطبق بتاريخ وآداب اللغة العربية بله ما أسماها باللغات السامية الأخرى، واللهجات الآرامية ثم لغة البابليين وفي عصر حمورابي بالذات (ولماذا؟) ولغة الحميريين والسبئيين والحبش والأنباط.
ولأنه عبقري ومبدع ومنصف في نفس الوقت!! رغم اعترافه بجهله المطبق باللغة العربية السامية ومرادفاتها المنبثقة منها نراه يتساءل لماذا لا تكون العبرانية والسريانية والكلدانية ولهجات الآراميين كلها عربية كما كانت اللغات واللهجات الأخرى؟ التي لم يبينها!!
إننا نكبر فيه بل ونحسده على هذا الاعتراف بجهله الفادح بأصول اللغة العربية واللغات السامية ومتفرعاتها وبتاريخ الشعوب التي ذكرها، وكنت أتمنى أن لو لاذ بالصمت ولم يتكلم في أمور يجهلها ويكشف سوأته إلى هذا الحد المخجل! لأنه لو فعل هذا لكان قد احتفظ لنفسه ببعض ماء الوجه!!
فهو لا يعرف أن اللغة العربية التي يفهمها كما قال تسمى ب(اللغة المتينة)، وهو لا يعرف أن كل هذه اللغات واللهجات التي سماها السامية، هي متفرعة من اللغة اليمنية القديمة، التي يجمع علماء التاريخ والأنثروبولوجيا وعلماء التراث الإنساني بأنها أم اللغات جميعها، والسامية منها بالذات، كما أنه لا يعرف أن العبرانيين والفينيقيين والبابليين هؤلاء ليسوا مخترعي الحرف، وإنما هم نقلوه بل توارثوه عن آبائهم الذين نزحوا من اليمن بخطهم المسند اليمني مع بعض التعديل والتطوير. وكانوا حينما اصطدموا بالإغريقيين وتبادلوا معهم التجارة، وجدهم الإغريق يكتبون ويحسبون، فأطلقوا عليهم لفظ مخترعي الخط، في حين أن اليمنيين ابتكروه قبل ما يقرب من عشرة آلاف عام من تاريخ لقاء الفريقين ومن أيام عاد، فهود نبي عاد هو الذي كتبه كما ورد هذا في أهم المصادر التاريخية، وهو لا يعرف أن ما أسماها باللغتين الحميرية والسبئية لغة واحدة، وهي أصل لغة العرب، وأصل لغة قريش أو عدنان بالذات!!
وهو يعترف بأن هنالك لغات عربية غير ما سماها (لغة عدنان) أو اللغة العدنانية) أو لغة قريش، ولكن الرعونة تركبه فيطرح مسألة الاعتراف بعروبية اللغة العبرانية والسريانية والكلدانية ولهجات الآراميين!!
وهنا يخرج الموضوع من كونه موضوع بحث علمي جاد إلى موضوع هزلي يخضع للمزاح والمكايدات!!
إنني لا أظن أن مثل هذه الأفكار قد جاءت بحسن نية ولأغراض البحث العلمي البريء، وإنما جاءت بقصد تخريب تاريخ وتراث العرب، ونشر المزيد من الضباب والشكوك حول هذا التاريخ والتراث العظيم الأقدم والأعظم في العالم!!
ثم نريد أن نطمئنه إلى قبره على أي حال هو فيه بأنا قد اكتشفنا أن إبراهيم الخليل عليه السلام قد انطلق من منطقة كَلَد من منطقة يافع (سرُ وحمير) كما أسماها أبو التاريخ اليمني الهمداني في اليمن وأن قصته دارت في اليمن، كما أثبتنا سابقاً أن قصة نوح دارت أيضاً في اليمن مستفيدين من دراستنا للقرآن الكريم بوعي وبصيرة.
فالتهويمات التي أوردها في عبارته هذه (النص الرابع) تنم عن جهل وسوداوية، ونية مبيتة لتشويه، وتشويش حضارة وتراث الأمة ولا تمت إلى العلم والعلمية بصلة!! بل هي إلى الجهل والعمل المشكوك فيه أقرب!!
النص الخامس من نصوص طه حسين
( أما الرأي الذي اتفق عليه الرواة أو كادوا يتفقون عليه فهو أن العرب ينقسمون إلى قسمين: قحطانية منازلهم الأولى في اليمن، وعدنانية منازلهم الأولى في الحجاز.
ولكن أيضاً يتفقون على شيء آخر أثبته البحث الحديث وهو أن هناك خلافاً قوياً بين لغة حمير، وهي العرب العاربة، ولغة عدنان وهي العرب المستعربة، وقد روي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول:
(ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا).
لو حللنا هذا النص لعمود الأدب العربي لألفينا فيه الكثير من الركاكة والضعف مثل قوله:
اتفق عليه الرواة أو كادوا يتفقون فقد كان الأجدر به الاكتفاء بكلمة (كادوا) لأنه تكلم عن فعل (ماض) ولا معنى هنا لكلمة يتفقون !! كذلك قوله: ينقسمون إلى قسمين والأفصح هو ينقسمون قسمين، ولا داعي لحرف الجر.
واعترف بأن القحطانيين والعدنانيين أمة واحدة فمنازل القحطانيين الأولى -وفق تعبيره- في اليمن ومنازل العدنانيين في الحجاز. وهذا يعني أن لكل فريق منازل لدى الفريق الآخر، وأنهم مختلطون، إلا أنه وقع في تناقض حينما قسمهم لغوياً!! وهكذا دواليك!! والآن لنأتي إلى التعليق على النص الذي يشمل مسألتين مهمتين، كانتا ولا تزالان تشغلان حيزاً كبيراً من النقاش والجدل بين علماء الأجناس والتاريخ والتراث العربي. هما:
انقسام العرب قسمين قحطانية، وعدنانية.
انقسام العرب قسمين عاربة ومستعربة، فحمير العاربة وعدنان المستعربة، وفي آخر النص يورد إحدى ركائزه التي استند عليها في تخرصاته وهرطقاته هذه التي حواها الكتاب!! أعني: مقولة أبي عمرو بن العلاء!!
وإنه لأمر محير أن يورد نصوصاً يقول إن الرواة أجمعوا عليها ووقع عليها الاتفاق إلا أنه يناقضها ولا يعمل بها. كما لو كان أمة واحدة فوق إجماع المختصين، وحتى لو اجتمعت الأمة كلها فإن هذا لا يعنيه في شيء!! لأنه عمود أدبها!!
وقبل أن نورد نصوصاً من أقوال قاضي التحقيق معه وأقوال بعض العلماء والأدباء والمفكرين العرب الذين استفزهم ما ورد في كتابه من كلام خطير وغير مسئول، في موضوعات تمس تراث وتاريخ وأصول الأمة في الصميم. نود أن نورد بعضاً من نصوص الأقدمين في مثل هذه الموضوعات ومدى أهمية الإجماع. وضرورة التقيد به من الجميع مهما كانت منزلة ومركز هذا أو ذاك لأن الإجماع حجة على الجميع.
قال ابن جني في باب القول على إجماع أهل العربية متى يكون حجة:
(اعلم أن إجماع أهل البلدين إنما يكون حجة، فإذا أعطاك خصمك يده ألا يخالف المنصوص والمقيس على المنصوص، وأما إن لم يعط يده بذلك فلا يكون إجماعهم حجة عليه. وذلك أنه لم يرد ممن يطاع أمره في القرآن ولا سنة أنهم لا يجتمعون على الخطأ كما جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:(أمتي لا تجتمع على ضلالة)) وإنما هو علم منتزع من استقراء هذه اللغة).
وقال أيضاً: (إلا أننا مع هذا الذي رأيناه وسوغنا مرتكبه لا نسمح له بالإقدام على مخالفة الجماعة، التي قد طال بحثها وتقدم نظرها، وتتالت أواخر على أوائل، وأعجاز على كلاكل.
والقوم الذين لا نشك في أن الله سبحانه وتقدست أسماؤه قد هداهم لهذا العلم الكريم، وأراهم وجه الحكمة في الترحيب له والتعظيم، وجعله ببركاتهم وعلى أيدي طاعاتهم خادماً للكتاب المنزل وكلام نبيه المرسل. وعوناً على فهمها ومعرفة ما أمر بهما به أو نهى عنه الثقلان منهما).
وقبل أن نسجل آراء بعض الذين تصدوا له من الغيورين على لغتهم وتراث وتاريخ أمتهم الذين أزعجهم، وأثار غرابتهم وامتعاضهم ما جاء به من ترهات وغمغمات عبارات مبهمات، فزيفوا آراءه وأبطلوا حججه، وحقروا أفكاره،وسفهوا أباطيله، بل وكشفوا نواياه الخبيثة ومؤامراته الخطيرة!! المدمرة. وقبلها نورد هنا بعض آراء أولئك الذين اقتبس منهم عبارات اعتبرها نظرية عبقرية في هدم تراث وتاريخ الأمة. وهم ممن يقرأون نصف الآيات ويتركون النصف الآخر مثل (فويل للمصلين). فهذا واحد ممن قدموا كتاب طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي، الذي أورد عبارة ابن العلاء واعتبرها -بعد ابتسارها- قانوناً إلاهياً صارماً، واعتبرها طه حسين ركيزة اعتمد عليها في الحكم على عدم عروبية اليمنيين، وعلى أن لغتهم ليست عربية؛ لأنها ليست كلغة قريش أو عدنان.
قال هذا الشارح وواضع المقدمة: وبعد أن يهيئ ابن سلام القول في الشعر الموضوع يأخذ منه مثالاً معيناً ويقبل عليه طعناً وتجريحاً بكل ما يمكن من البراهين، فهو يعيب على ابن إسحاق - صاحب السيرة- أنه هجن الشعر وأفسده. وأورد في كتابه أشعاراً لرجال لم يقولوا شعراً قط، ونساء لم يقلن شعراً قط، بل أورد أشعاراً لعاد وثمود. فكيف يبطل ابن سلام هذا الشعر؟ وكيف ينفيه؟ بأدلة أربعة!!
1- أولها دليل نقلي وهو القرآن الكريم، فالله عز وجل يقول: ( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى، وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى}ويقول في عاد: ( فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ)لم يبق بقية من عاد.
فمن إذن حمل هذا الشعر ومن أداه منذ ألوف السنين؟ ويخرج ابن سلام من هذا الدليل النقلي كمازعم إلى الأدلة التي تستند على الموازنة وعلى تاريخ الأدب.
2- فيبرهن على أن اللغة العربية لم تكن موجودة في عهد عاد، وليس يصح في الأذهان أن يوجد شعر بلغة لم توجد بعد، فأول من تكلم العربية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وإسماعيل كان بعد عاد، ثم إن معداً الجد الذي قبل الأخير، فيمن يعرف من جدود العرب، كان بإزاء موسى بن عمران جاء بعد عاد وثمود.
3- ويمعن ابن سلام في الدقة فيذكر أن عاداً من اليمن، وأن لليمانيين لساناً آخر من هذا اللسان العربي!! ويستدل على ذلك بقول أبي عمرو بن العلاء: (العرب كلها ولد إسماعيل إلا حمير وبقايا جرهم) وبقوله: (ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا).
وهكذا ساقوا القرآن مساق التدمير الشامل ووظفوه من أجل تحقيق أغراضهم!!، وجهلوا أو تجاهلوا أن الله لهم بالمرصاد، فالقرآن الكريم لم يحسم مسألة هلاك عاد وثمود. ويحقق لهم رغبتهم ليقولوا أنهما أهم الأمم البائدة، وليسوا كذلك بنص القرآن الذي آمنوا ببعضه ولم يؤمنوا بالبعض الآخر. قال الله تعالى: ( فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ) [الأعراف:72] وقال تعالى في قوم ثمود:( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ) [الأعراف:74]
وقال تعالى: ( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ) [هود:58]
وعن ثمود قال سبحانه: ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) [الأعراف:84]
وقال تعالى: ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ) [هود:66]
وقال تعالى: ( وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) [النمل:53]
وقال سبحانه:( وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [فصلت:18]
ولأن الكتاب المذكور -كما ألمحت- قد أثار استياء الكثير من المفكرين والكتاب اليمنيين والعرب، وربما الأجانب المنصفين، والعلماء منهم بالذات، فقد استحوذ على كثير من ردود الفعل السلبية من بعض مفكري اليمن ومنهم: زيد الوزير وأحمد الشامي، إلا أن الأول خاطب الكاتب كما يخاطب الطالب المؤدب أستاذه!! وكذا تلقى الردود من البردوني والمقالح وجرادة وكان رد المقالح وجرادة أفضل تلكم الردود. وكانت الردود كلها تركز على موضوع أو موضوعين، في حين أنه قد أطلق لسانه، وتناول كل ما له علاقة بتاريخ وحضارة وتراث اليمن الثقافي العام، والفكري، وتناول لسان اليمن ولهجاتها وشعراءها بالثلب والقدح، والتحقير والتصغير والازدراء، بل وأنكر عروبية اليمنيين أو أنهم يتكلمون العربية التي سماها حيناً عربية عدنان، وحيناً عربية قريش، وحيناً ثالثاً العربية التي يتكلم بها هو، وكان يريد أن يؤرخ لها، لكنه لم يعرف كيف جاءت ولا من أين جاءت؟! ولا زمن مجيئها!... إلخ. لذلك فقد عجز عن أن يقوم بأي جهد في هذا السبيل!! ولقد أحسن صنعاً وإلا لكانت المصيبة أكبر!! (فرب غباء منع من بلاء!!).
النص السادس:
(لغة قريش إذن هي هذه اللغة العربية الفصحى، فرضت على قبائل الحجاز فرضاً لا يعتمد على السيف، وإنما يعتمد على المنفعة، وتبادل الحاجات الدينية والسياسية والاقتصادية، وكانت هذه الأسواق التي يشار إليها في كتب الأدب، كما كان الحج وسيلة من وسائل السيادة للغة قريش.
ويتساءل: ولكن ما أصل لغة قريش؟ وكيف نشأت؟ وكيف تطورت؟ كل هذه مسائل لا سبيل إلى الإجابة عليها الآن. فنحن لا نعرف أكثر من أن هذه اللغة لغة سامية تتصل بهذه اللغات الكثيرة، التي كانت شائعة في هذا القسم من آسيا، ونحن نكاد نيأس من الوصول في يوم من الأيام إلى تاريخ علمي محقق لهذه اللغة قبل ظهور الإسلام).
وهذا نص خطير جداً من النصوص الدالة على (ربشة هذا المربوش!!) (باليمني الفصيح) دليل قاطع على مدى غبائه وجهله وحمقه في نفس الوقت، إذ كيف يدخل ميدان معركة خطيرة علمية وفكرية دون أن يكون مزوداً بأي سلاح من أسلحتها ولا يعرف مداخلها ومخارجها؟!!!
فإذا كان لا يعرف أصل لغة قريش!! ولا كيفية نشأتها ولا كيف تطورت حتى وصلت إلى الشكل الذي نراه في القرآن. وإذا كان لا يستطيع الإجابة على أي سؤال يوجه إليه حول المسألة التي أثارها فلماذا أثارها ؟!
وإذا كان هو لا يعرف شيئاً عن ذلك كما يعترف، فلم يتكلم بلغة الجمع؟ ولماذ لا يتيح الفرصة لغيره أو يترك الباب مفتوحاً لأهل الاختصاص والعلم، سواء من أهل اللغة أو من أهل البلاد التي نشأت فيها اللغة الأم؟ ثم إذا كان قد عرف أنها لغة سامية وهذا اعتراف جميل منه !! فلماذا ما رجع إلى أهلها وإلى مهدها وبجدتها؟!
لا سيما وهذه اللغة لا تزال حية متداولة على ألسنة الناس في بعض مناطق اليمن، أما مفرداتها فما أكثرها في الاستمعالات اليومية على ألسنة اليمنيين في طول وعرض البلاد إن سلوكه هذا أو اعترافاته إنما تدل على الارتباك والغرور الكاذب والادعاء الأجوف.
وقد احتوت القواميس العربية الرسمية على الكثير من الألفاظ التي أسموها يمانية! ومنها الكلمة (ثِبْ) التي اعتبرها أبو عمرو بن العلاء وأمثاله مدعيي العلم باللغة وهم أبعد ما يكون عن العلم والإحاطة باللغة العربية الحقيقية والأصلية والغنية جداً بمترادفاتها،فلو فتش عن معنى كلمة (ثب) التي جعلوا منها قصة واعتبروها دليلاً على عجمة اليمانيين، وأطلق مقولته التافهة لوجدوا أن من معانيها (إجلس على فراش وثير)، فالملك الحميري -إذا صحت الرواية- يريد من الأعرابي أن يجلس على الفراش، ولم يكن يدري أن هذا القادم من الصحراء، والذي اعتمد عليه وعلى أمثاله هؤلاء الذين جمعوا مفردات القاموس لا يعرف من معاني الكلمة إلا القفز، مما أدى إلى هلاكه، وهلاك أكثر من أربعين في المائة من مفردات اللغة العربية وضياعها، أو هجرها باعتبارها في نظرهم غير عربية. (أعني بها المفردات المتداولة في اليمن وتمت إلى العربية الأصلية بصلة. لغة عاد ، وثمود وقحطان وسبأ وحمير ... إلخ.
واعتمدوا أسلوب بَدْوَنة اللغة العربية التي لا تعرف إلا الجمل والصحراء والبعير والإقط، والفقع والضب وما تحتويه الصحراء، فجاءت جافة لا تعبر إلا عن بؤس وفقر، وجهل واقتتال، ووأد البنات والإغارة على بعضهم البعض، وخلت من الجوانب الحضارية والفكرية، ومن الثراء والثروة والصناعات والرياش الفاخرة، والقصور والجنات، وما رافق تلكم الحضارة والرقي من ثقافة فكرية ومادية كالشعر، والقصص، والأمثال، والحكم وأسماء الحِرَف، والرياش والقوانين والأنظمة ... إلخ.
ثم كيف ينسى الدارس لغة وتاريخ أمة وعقيدتها وآدابها دون أن يعود إلى منابعها ومنابتها الأصلية، وإلى دراسة تاريخها ماضياً وحاضراً، ودون أن يدرس شئياً من فنونها وآدابها، ودون أن يقرأ جيداً أهم وأعظم كتاب وهو القرآن الكريم الذي كان سيجد فيه ضالته. (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.