رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    إصابة طفلين بانفجار لغم من مخلفات مليشيا الحوثي الإرهابية بشبوة    في اليوم 201 لحرب الإبادة على غزة.. 34262 شهيدا و 77229 جريحا    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    رئيس الاتحادين اليمني والعربي للألعاب المائية يحضر بطولة كأس مصر للسباحة في الإسكندرية    عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية المطلق يقدم العزاء في وفاة الشيخ الزنداني    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    توجيهات بالاستعداد القتالي في حضرموت وتحركات لعضو مجلس القيادة الرئاسي    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    خبير أرصاد يحذر: منخفض الهدير في اليمن ليس الأول ولن يكون الأخير (فيديو)    أول قيادي مؤتمري موالي للحوثيين بصنعاء يعزي عائلة الشيخ "الزنداني" في وفاته    تغير جديد في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    ترتيبات سعودية عمانية جديدة بشأن اليمن.. وجولة مفاوضات مرتقبة بين السعودية والحوثيين    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    شعب الجنوب أستوعب صدمة الاحتلال اليمني وأستبقى جذوة الرفض    فلنذكر محاسن "حسين بدرالدين الحوثي" كذكرنا لمحاسن الزنداني    رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    شيخ بارز في قبضة الأمن بعد صراعات الأراضي في عدن!    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    دوري ابطال آسيا: العين الاماراتي الى نهائي البطولة    كلية القيادة والأركان بالعاصمة عدن تمنح العقيد أديب العلوي درجة الماجستير في العلوم العسكرية    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رداً على من قالوا إن اليمنيين استعاروا لغة قريش : اليمنيون.. هم أصل العرب وصدرهم وجمجمتهم
تراث هذا هو تاريخ اليمن ( الإرهاص )
نشر في الجمهورية يوم 16 - 12 - 2006


- د. عبد الله علي الكميم ..
تناولت موضوع اللغة، والكتابة من حيث النشأة في المجلد الأول من مؤلفي هذا، ولكني مررت عليها مرور الكرام، وأجَّلت الخوض فيها بإسهاب لهذا الذي خصصته للغة اليمنيين وكتاباتهم التي أعتبرها كما يعتبرها الكثير من العلماء والكتاب وفي مقدمتهم العقاد أصل لغات الساميين وكتاباتهم، وهي لغة القرآن، وخط المسند هو خطه أيضاً كما ستثبت هذه الدراسة، إن شاء الله.
سأتناول هنا معنى اللغة والكلمة مستعيناً بأهم المراجع المتيسرة مرتبة زمنياً ما أمكن.
وإذا ما عدنا إلى تشريح عبارته هذه، (إلى تقسيمها إلى جمل معينة) كي يسهل الرد على كل فكرة فيها فإنا يمكن أن نستخلص الجمل التالية:
أن لغة قريش هي اللغة العربية الفصحى!
أنها لم تفرض فرضاً بالسيف.
أنها فرضت بفعل الحاجة وتبادل المنافع الدينية والسياسية، والاقتصادية.
كان الحج والأسواق العربية وسيلة من وسائل السيادة اللغة قريش!!
أنه يجهل أصل هذه اللغة!!
أنه لا يعرف كيف نشأت!!
أنه لا يعرف عن هذه اللغة سوى أنها سامية. لاحظ هذه اللغة لغة سامية!
أنه يكاد ييأس من الوصول إلى تاريخ علمي لهذه اللغة قبل ظهور الإسلام.
لقد سبق له أن قال: إن قريشاً عرفت في مكة قبل مائتي سنة ونيف من البعثة المحمدية (على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم) أو في القرن الرابع الميلادي وهذا صحيح. وقال في هذا النص أنه يعرف أنها لغة سامية، وهذا أيضاً صحيح. وقال أيضاً أنها لم تفرض بالسيف وإنما بفعل المنفعة والحاجة، وهذا أيضاً صحيح إلى حد ما.
وهو يطرح أسئلة مهمة ولكنه لا يحاول - حتى محاولة المبتدئ - البحث في إيجاد أجوبة لها، وإنما يتركها حائرة ويقف هو موقف الطفل المذهول.
ويترك الإجابة عليها لغيره، ويعترف بعجزه بل بيأسه من الإجابة عنها حتى من قبل غيره!!
لقد حام حول حوى الإجابة على التساؤلات، ولولا سوء حظه وسوء نيته، واتخاذه أسلوب الشك والهدم منهجاً له، لكان قد عثر على الإجابة عن أصل لغة قريش، وعن كيفية نشأتها وتطورها. فقد أشار إلى عنصرين مهمين في سبيل الحصول على الجواب الصحيح، إذ حدد زمن تواجد قريش بحوالي قرنين ونصف قبل الإسلام، وهو وجود قصي الملقب بالمقرش أو المجمع، وحدد انتماءها إلى أصلها الصحيح وهو اللغة السامية، إلا أن (الحق أنطقها وأخرسه) كما يقول المثل. والحق أن قصي جاء إلى مكة في القرن الخامس.
فلو كان باحثاً وعلمياً كما كان يزعم لتساءل: من كان يسكن مكة قبل قريش ومع قريش نفسها؟ ومن كان يسكن حول مكة من جهاتها الأربع؟
ولو بحث في التاريخ لوجد أن سكان مكة كانوا من العمالقة، وكان ذلك قبل حوالي عشرة آلاف سنة من الميلاد. ثم جاء بعدهم قوم جرهم. واستمروا إلى ما شاء الله. وجاء بعد جرهم خزاعة، وكلهم من اليمن. ولوجد أن إسماعيل تعلم اللغة العربية اليمنية من جرهم، وأنه أصهر إليهم، وأن أولاده قد جاءوا يتكلمون بلغة أخوالهم. وأن إبراهيم عليه السلام أيضاً من اليمن ومن كَلَد بيافع.
أما من كان يسكن حول مكة فهم قضاعة وطيء وكندة والأوس والخزرج والأزد فيما بعد.
وقبلهم كانت قبيلتا معين وثمود، المنتقلتان من اليمن أو ما تبقى منهما، وخرجوا من اليمن إلى منطقة العلا وأجزاء من الشام، وقبلهم كانت هجرات الساميين الذين خرجوا من اليمن في وقت مبكر، وملؤا كل شبه الجزيرة وبادية الشام والعراق ومصر وغيرها، وكان منهم الكنعانيون والبابليون والفراعنة، كما أن القبائل المضرية كانت تحكم من قبل ملوك اليمن وعلى مرور الزمن، وهذا ما أجمع عليه الرواة على حد تعبيره، وإذا ما عرف هذا، فإنه كان يجب أن يعرف أن اللغة ليست وحياً يوحى أو دروساً تلقى. وإنما هي مصطلحات ومفاهيم يتفق عليها الناس اتفاقاً للتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم، أو عن حاجاتهم وعن الأشياء من حولهم. وبالتالي لتكون وعاءاً وأداة للتعبير عن أفكارهم وآرائهم وآدابهم وثقافاتهم.
وهي لا تتم في جيل أو جيلين أو قرنين أو ثلاثة ولكن عبر أجيال عديدة.
إنه لو كان دارساً فعلاً لحياة الإنسان وتطوره، ودارساً أصول اللغة لدى الإنسان لوصل إلى النتيجة المنطقية، والتي مؤداها أن اللغة القرشية ما هي إلا اللغة اليمنية التي خضعت للتطور عبر القرون العديدة من أيام الساميين والعاديين.
إنه لا مناص له ولا لغيره من المتفيهقين والمتشدقين والمتعصبين وقصيري النظر والجهلة من الذين لا يعرفون أبجديات الدراسات اللغوية والتاريخية والأنثروبيولوجيا، والذين يجهلون القرآن مضموناً، وأسباب النزول، وأماكن نزول الآيات والسور المنجمات. كل هؤلاء لابد أن يصلوا إلى نتيجة واحدة هي أن لغة قريش هي لغة يمنية، وأن ليس لما تسمى باللغة القرشية أو العدنانية وجود إلا في اذهانهم المريضة. للعوامل والأسباب العلمية والمنطقية التي أشرنا إليها أكثر من مرة، ونوجز بعضها هكذا:
1- إن قريشاً لم تظهر في مكة كقوة منظمة إلى حد ما إلا في منتصف القرن الخامس بعد الميلاد! وهو تاريخ رجوع قصي المعروف بالمقرش أو المجمع. وقد رأينا كيف رجع، وأشرنا إلى المؤامرة الانقلابية ضد خزاعة.
2- إنه لم يكن لقريش سابقة لغوية معروفة، إذ كانت موزعة في المناطق ومتفرقة في القبائل، حتى جاء قصي، ولذلك سموه بالمقرش، أي المجمع الذي جمع شتات قريش.
3- إن مكة كانت مسكونة ومهيمناً عليها من قبائل اليمانيين منذ آلاف السنين، والعمالقة وجرهم وخزاعة كانوا هم ساكنوها والمهيمنون عليها، ولابد أن تكون لغتهم هي السائدة.
4- أن المناطق المحيطة بمكة كانت مسكونة ومهيمناً عليها من قبل اليمانيين ومن جميع الجهات.
5- إن قبائل مضر كانت تختلف فيما بينها على الرئاسة، فتطلب تدخل ملوك اليمن لحكمها والسيطرة عليها، وأن لهجاتها كانت مختلفة.
6- وللتدليل على هذا علمياً أن الخط المسند موجود في كل جزء من أجزاء جزيرة العرب، وأن آثار اليمانيين واضحة، وبصماتهم لا زالت تجأر للعين في كل مكان.
7- إنه لا يمكن علمياً ولا عقلياً ولا موضوعياً أن تتمكن فئة معينة من اختراع أو صنع لغة تخصها في حين أنها محاطة ببحر من البشر يتكلمون على حد تعبير طه حسين لغة تمتاز عن لغتهم.
8- إن حجتهم الواهية التي اتكأوا عليها للتدليل على الفروق اللفظية!! بين لهجتي -ولا أقول لغتي- قريش وحمير أو لغة اليمن ولغة عدنان وهي عدم وجود الألف واللام، (لام التعريف) في لغة حمير قد ظهرت، وقد اكتشفت في أكثر من نص وأكثر من مكان ومنها:
نص قرية (الفاو) شمال شرق نجران، والتي كانت عاصمة دولة كندة في فترة من الفترات. 9- إن اليمن مهد الساميين أجمعين، ومنها خرج الساميون، وفيها نشأت بدايات اللغة العربية القديمة من أيام عاد وربما من قبلهم، إلا أن الثابت علمياً أن عاداً تكلمت اللغة العربية.
10- أن اليمانيين هم الذين اخترعوا الخط، أيام عاد، وأن كتاب هود كتبوا بالخط المسند. ومن اليمن انتشر وتفرع، ونشأت منه خطوط كثيرة.
11-إن حماقة مثل هؤلاء وعنادهم وتأثرهم بمؤثرات سياسية كانوا قد رجحوا أن القرآن كتب بالخط النبطي، وأخرجوا القرآن من إطاره العربي إلى الإطار النبطي، وكذبوا القرآن وكذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، وشذوا عن إجماع العرب والمسلمين بأن القرآن عربي وبلسان عربي مبين!!
12- إن اليمانيين كانوا قبل قريش وبعد وجودها يغطون بنشاطاتهم التجارية والعمرانية، ونشاطات الفتوح والهجرات المتتابعة كل أجزاء الجزيرة وما حولها، وامتدت إلى الصين والهند والأندلس والمغرب، بل وإلى أمريكا كما أثبتنا هذا بالنص. وكانوا داخل الجزيرة يتكلمون لغة تكاد تكون واحدة في أصولها وتصريفاتها ونحوها مع بعض الاختلافات في اللهجات والمترادفات.
وإلا فكيف كانوا يتفاهمون في بيعهم وشرائهم، وفي حجهم وعمرتهم، وفي أسواق بضائعهم وأشعارهم، وفي عهودهم ومواثيقهم، وفي سلمهم وحربهم. وقد ضربنا عشرات الأمثلة، أبرزها وفد قريش إلى صنعاء برئاسة عبد المطلب بن هاشم جد الرسول صلى الله عليه وسلم والذي عرف بوفد التهنئة، وقد تبادل التهاني وكلمات المجاملة والخطابات والأشعار وتلقي عبد المطلب البشرى بقدوم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له:إن هذا مما نعلمه من كتبنا وأسفارنا المكنونة ولم يكن هناك من دليل خير وأقوى من كلا مهم لبعضهم البعض.
وذكرنا مثلاً آخر هو وفد مراد إلى الطائف ومطالبته بإعادة منطقة (وج) إلى اليمن؛ لأنها كانت قد سكنت وعمرت وغرست أشجارها من قبل اليمنيين قبل آلاف السنين. وكانت المحاججة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم دونما وسيط بين الوفدين، ثم رحلات قريش الشتوية إلى اليمن وتعاملهم مع تجار اليمن دونما وسائط.
13- أن الأولين من علماء اللغة كانوا قد تواضعوا أو اتفقوا كما اتفق المتأخرون كذلك، وكما تقتضيه قواعد وضع اللغات والعلوم أو يحكم به العقل أن اللغة ليست وحياً يوحى ولا اختراعاً يخترع، وإنما هي نتيجة تطورات فزيولوجية لدى الإنسان، ونتيجة تواضع واتفاق بين الناس، في إطار خضوعهم لظواهر الطبيعة وأصواتها بما فيها من حيوانات وأنهار وجداول وأمطار ورياح وبرق ورعد وبراكين وأمواج بحر ، وفي الأخير نتيجة لتطورهم الاجتماعي والاقتصادي ...إلخ.
14- إنه قد اعترف أن لغة قريش لم تفرض فرضاً بقوة السيف، وإنما اعتمدت على المنفعة وتبادل الحاجات. وهذا عامل حاسم في معرفة كيفية نشأة هذه اللغة، فتبادل الحاجات والمنافع كانت في الأساس مع اليمانيين سواء في صنعاء أو في الشام مع الغساسنة، أو مع الأوس والخزرج في المدينة، أو مع كندة، في حضرموت أو في الفاو أو نجد ... إلخ. أو مع أهل نجران، أو مع الأزد وخزاعة من حول مكة، أو مع طيء وقضاعة، أو مع المناذرة في العراق ... إلخ. فهم يسبحون في محيط يمني. فمن أين وكيف ومتى صنعوا لغة مستقلة أسموها لغة قريش أو لغة عدنان؟ فهل بعد هذا من طلب لمزيد من الأدلة العلمية والعقلية والنقلية والموضوعية والذاتية لإلغاء هرطقة بل أكذوبة طه حسين؟!!
15- أن الأهم من هذا كله أن اليمانيين الذين اخترعوا المسند وغيره أو ما تفرع عنه من خطوط، كانوا قد اشتقوا منه خط الجزم هذا، أو أهدوه إلى أهل مكة وإلى الأمة بكاملها كما سبقت الإشارة إلى شعر الكندي ورواية ابن عباس. وغيرهما.
وحتى لا نطيل كثيراً في تناول النصوص المنتزعة من كتابه فإننا نحاول تناولها بإيجاز شديد معتبرين الردود على الستة الأولى بنوع من التفصيل مؤشراً كافياً عن نوع الردود على خزعبلاته.
فالنص السابع يشير إلى أنه كان قد وجد نفسه أمام لغتين شمالية وجنوبية، وقد سبق أن فندنا هذا الزعم الواهن وقلنا: أن هنالك لغة عربية واحدة نطق بها كل العرب في الشمال والجنوب أما الخط فإنه قد كان الخط المسند ومنه اشتق خط الجزم الذي كتب به القرآن الكريم.
والنص الثامن حول فرض الإسلام لغة عامة واحدة هي لغة قريش والرد عليه من وجوه عدة فهو من جهة يعترف بعروبية اليمنيين ويناقض نفسه، ومن جهة أخرى نقول: صح النوم فلقد جاء القرآن بلسان العرب والعرب سباقون في وجودهم نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم لقد كان العرب يتكلمون لغة الكل يعرفها ولم يضطروا إلى ترجمان فيما بينهم ثم إنه لم يفرق بين اللغة كلغة منظورة وبين الكتابة، ومعلوم أن اللغة شيء والكتابة شيء آخر.
وفي النص التاسع يعكس المفهوم والمتفق عليه بين الناس حول العرب العاربة والمستعربة وردنا عليها من زاويتين إحداهما أنه ناقض نفسه كما في النص الخامس، وثانيهما أنه نسف إجماع علماء الآمة على هذا الاصطلاح، وعلى الجميع أن ينظروا في هذا التخبط.!.
وفي النص العاشر يعيد طرح القضية ولكن بشكل آخر فهو هنا يؤكد الفروق بين ما سماها العربية والحميرية، ويعيد التذكير بمقولة ابن العلا, وقد سبق الرد على هذا وتفنيده.
والنص الحادي عشر يعكس دعوته المعهودة المتصلة بنفي الشعر عن اليمانيين وبنفي أي صلة لهم بالآداب الأخرى، وقد بينا حيال هذا النفي يمنية امرئ القيس وأوردنا ترجمات مجموعة من الشعراء والخطباء اليمانيين المعمرين الذين عاشوا قبل الإسلام بقرون، وأخيراً أوردنا ترنيمة الشمس (إحدى القصائد المكتوبة بخط المسند ...إلخ).
ويتساءل في النص الثاني عشر عما إذا كان لليمانيين شعراء ويحاول الإجابة على هذا التساؤل ولكنه يقع في تناقض كبير إذ ينقل عن القدماء أقوالاً متعارضة ولكنه في الأخير يغلب قناعته بأن ليس لليمن قدامى، وقد سبق الرد.
أما النص الثالث عشر فإنه يعترف فيه أن اليمنيين لم يستعيروا لغة فريش لأنهم لو فعلوا ذلك لظهر هذا على شعرهم إلا أن شيئاً من ذلك لم يتم، ولا أدري كيف يستعير صاحب اللسان الأول أو الأصل لسان الفرع؟! فاليمن هي الأصل واليمنييون رأس العرب وصدرهم وجُمْجُمَتُهم وقد سبق الرد على مثل هذه الترهات أكثر من مرة.
وفي النص الرابع عشر يقع في أحد تناقضاته وما أكثرها، فهو يورد شعراً للحميريين ولكنه ينفيه في نفس الوقت، وهو يعترف بأن حمير والجرهميين عرب عاربة، بينما كان قد جزم بأن القرشيين هم العر ب العاربة، وأوردنا نصوصاً من كتابه السيء الذكر للتدليل على هذا.
وفي الخامس عشر ينفي أن يكون لليمن شعراً وشعراء وهذا الرأي مكرور ومخبول وقد سبق الرد عليه وتسفيهه.
ولأنه رجل التناقضات ومعجون عليها فإنا نراه في النص السادس عشر يعترف بسيطرة القحطانيين على العدنانيين وبوقوع الخصومات فيما بينهم ويعترف بثورة العدنانيين وانتصارهم على القحطانيين ولكنه مع هذا كله لا ينفي ولا يثبت شيئاً فكل هذا وغيره محل شك لديه وهنا بيت القصيد!.
- ولا يبالي إن وقع في شر أعماله وناقض أقواله السابقة واللاحقة عن الشعر في عرب ما قبل الإسلام فها هو يعترف في النص السابع عشر بأن الخصومة بين القحطانيين والعدنانيين قد انطقت شعراء تلكم الفترة وأنه قد وجد لهم شعراً كثيراً فكيف نوفق بين هذا وبين نفيه لأي شعر جاهلي على حد تعبيره؟!
- على أنه ينقض اعترافه السابق في النص الثامن عشر الذي يقول فيه: على أن الأمر إذا فكرت مختلف فحظ اليمن من هؤلاء الشعراء قليل!
وهنا المأساة فهو يعترف بأن أحكامه تصدر مجازفة ودونما تفكير ويتمادى أكثر في هذا، النص إذ يشير إلى أن اليمن في الإسلام لا تمتلك شاعراً فحلاً واحداً وأن من ينتسبون إلى اليمن ما هم إلا مخترعون حسب قوله ونسى العشرات من الأسماء اللامعة في عصر صدر الإسلام، والمئات بل الألوف بعده، نسي عمرو بن معد يكرب،وحسان بن ثابت،وعبد الله بن رواحة،وكعب بن مالك،والأحوص، ودعبل، ثم ابن المفرغ، وأبو تمام، والمتنبي، وشاعر وفيلسوف المَعَرَّة (المعري)...إلخ.
- ولكنه في النص التاسع عشر يعترف بوجود شعراء يمنيين في العصر العباسي ومع ذلك فهو يستثني الطائيين والحميري (ابن المفرِّغ) فرغم محاولاته الخروج من ظلمة الشك يعود إلى أسرها من جديد! الأمر الذي زاده تخبطاً ووهناً وارتباكاً وإصداراً للأحكام الهوجاء كيفما اتفق. إذ نراه في هذا النص ينفي عروبية الشاعر العربي الكبير المتنبي الذي ينحدر من سلالة يمنية! والغريب أن أحداً لم ينتقده على هذا الحكم الغبي!.
- ويكرر نفسه وترهاته في النص العشرين إلا أنه هنا يشير إلى أن اليمنيين قد حاولوا تعلم اللغة العربية بعد الإسلام لذلك فإن حظهم من اللغة وفي الشعر كحظ الموالي من الفرس، هكذا بكل بساطة أطلق أحكاماً في مسائل على هذا المستوى من الأهمية والخطورة وما عسانا نقول لهذا الذي لا يعي ولا يستحي إننا نقول له ولأمثاله (إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
- وما كفاه أن قسم الأمة قسمين قحطانية ومضرية وإنما أخذ يقسم المضرية إلى ربيعي وقرشي، كما نراه في النص الحادي والعشرين إذ يشير إلى أن حظ ربيعة من الشعر في عصر ما قبل الإسلام ضعيف لأنها لم تتعلم لغة قريش أما بعد الإسلام فإنه قد نبغ فيها شعراء لأنها أقبلت على تعلم لغة قريش، هكذا بكل بساطة يسوق الأحكام جزافاً دونما رؤية أو علم أو خجل من مجافاته للحقائق والوقائع الثابتة والراسخة والمسلمات والبديهات أو البدهيات التي استقرت لدى الناس!
- وهو لا يكتفي بإصدار أحكامه الجرافية ويكررها مرة أو مرتين وإنما لا يسأم من تكرارها، عشرات المرات، وكأنه يريد بهذا التكرار أن يقنع الآخرين بوجهة نظره إذ يقول في النص الثاني والعشرين: لم يكن الشعر طبيعياً ولا أصيلاً في اليمن ولا في ربيعة فيتفاوت حظ اليمنيين والربعيين من الشعر حين تعلموا العربية القريشية بتفاوت قربهم من أهلها واستعدادهم لإتقانها، وحضهم من الفن الأدبي).
أمعقول هذا الكلام؟! ألا يتنافى ويتناقض مع كل ما أجمع عليه الناس حول بواعث وأغراض الشعر وفطرة الإنسان؟!
وهل يعقل ويقبل مثل هذا الكلام من إنسان في مكانة طه حسين يمنح اللغة والشعر لمن يريد وينزعهما ممن يريد لمجرد نزوة أو رغبة أو مس جنون أو لعوامل أخرى؟! إنه لا يسعني إلا أن أقول: لقد بليت الأمة وبلي أدبها وتراثها بهذا الغر الذي لا يترك إلا البوار والدمار والغبار!.
- يبدو أن مقولة: أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس لم تنطبق على وضع طه حسين! إذ أن أحداً لم يصدقه بل تجاوزه وأهالوا عليه وعلى كلامه التراب، لذلك فقد حاول أن يصدق نفسه من كثرة الترداد.
ويستمر في ترداد قناعاته بصيغ أخرى كما في النص الثالث والعشرين الذي ينفي فيه الشعر عن اليمنيين عصر ما قبل الإسلام ولكنه يقع في شر أعماله وأقواله فهو يعترف بنبوع اليمنيين في الشعر عصر ما قبل الإسلام ويعتب على ربيعة ومضر وتميم وقيس لأنهم لم يبادروا ويتعلموا لغة قريش حسب تعبيره، ويتعلموا الشعر ثم ينقلونه إلى اليمن بدلاً مما حدث وهو العكس!
وهو لهذا يتقطع حسرات ويعرب عن خيبة أمله!.
- وكعادته لا يرعوي من أن يكشف سوأة فكره (إن كان عنده فكر) وجسده أمام الناس ولا يترك أي فرصة لغيره كي يستر ما تبدى منهما!
فبعد أن نفى الشعر عن اليمنيين وبعد أن نفى عروبيتهم عشرات المرات وأثبت لهم ذلك أكثر من مرة ها هو يفضح نفسه مرة أخرى فيناقضها إذ يعترف في النصين الرابع والعشرين والخامس والعشرين بالشعر للأنصار كما يعترف بنسبة الأنصار إلى اليمن قال في النص الرابع والعشرين: فللأنصار شعراء ولخزاعة شعراء ولقضاعة شعراء، وهذه القبائل كلها يمنية، وقد صح لهؤلاء الشعراء فيما يظهر شعر كثير!.
وأردف قائلاً في النص الخامس والعشرين: ومهما نفعل فلن نستطيع أن ننكر شعر حسان وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك، ولن نستطيع أن ننكر أن عبد الرحمن بن حسان قد أخذ الشعر عن أبيه ونبغ فيه وظهر بعده ابنه سعيد، فكانت له سلسلة تشبه زهير، وكان الأحوص الأنصاري من نوابع الشعراء.
وإمعاناً في الاعتراف والتدليل على تناقضاته الصارخة ها هو يستمر فيقول: وللأنصار في الجاهلية شعراء آخرون متفوقون ليسوا أقل حظاً في الإجادة من شعراء مضر، ومن التحكم أن يرفض شعر هؤلاء لأنهم يمنيون ليس غير.
هل بعد هذا الاعتراف الصريح والواضح والكامل من اعتراف؟
ولأنه قد سبقه اعترافات أخرى بشاعرية اليمانيين ثم نفى بعضها ثم اعترف وانتقض ثم اعترف ونقض ثم ازداد غباءً أو ازداد عتواً ونفوراً، ولأننا نتوقع منه أن ينقض هذا كما فعل عدة مرات فإنا نقول: اللهم اشهد!.
ولا يفوتنا أن نلفت النظر إلى مزاجية هذا الرجل وعنجهيته وعدم مبالاته في إطلاق الأحكام التي لا تستند إلى أي معيار أو مقياس من مقاييس النقد الأدبي أو العقل أو المنطق، (ومهما نفعل فلن نستطيع أن ننكر شعر حسان ...إلخ) و: (من التحكم أن يرفض شعر هؤلاء لأنهم يمنيون ليس غير، وكل هذا حق). فمزاجه فقط هو الذي يتحكم في سلوكه وتصرفاته وأحكامه وليس المعايير الأدبية والمقاييس الأخلاقية والوقائع التاريخية والعوامل الموضوعية!
ثم كيف ومتى عاد إليه رشده وأنبه ضميره وثاب إلى وعيه ليقول بكل هذا القول ويعترف مثل هذا الإعتراف؟ ! إنه لأمر عجيب وإنه لشخص مريب!
- وبما أنه قد فرط العضد أو انفرط عليه في الاعتراف بشعر اليمنيين بعد النكران والجحود وبعد أن أنكر في أكثر من موضع شعر امرئ القيس بل أنكر أن يكون هنالك رجل يحمل هذا الاسم، نراه في النص السادس والعشرين يعترف به وبوجوده وشاعريته في نفس الوقت: بل إنه يناقض في نفس النص: قال: وخلاصة هذا البحث الطويل أنا نرفض شعر هذا الرجل الذي اعتدت به اليمانية واتخذته لها فخراً، والذي اعتدت به العرب كلها في عصر من العصور حتى اختلف في أنه أكبر شعراء العصر الجاهلي وهو امرؤ القيس نقول: لا نستطيع أن نرفض شعر هذا الرجل جملة.
وفي النص السابع والعشرين يصرح بأنه لا يهتم بإجماع الناس لأن ذلك لا يعنيه في شيء لأنه قد لا يطمئن إلى مكرها في حالة تعلق الأمر بالمجالس النيابية وما يشبهها (ولكن الكثرة في العلم لا تفي شيئاً)
- وحتى يعذرنا أولئك المتحمسون لطه حسين ويلتمسون له الأعذار ها نحن نسوق دليلين آخرين على مدى تناقضه واهْتِباله واستهتاره بكل القيم الأخلاقية والمعايير العلمية والإنسانية بل واستخفافه بالناس! إنه في النصين الثامن والعشرين والتاسع والعشرين شكك في وجود الشاعر العربي اليماني الكبير امرئ القيس (أمير شعراء العرب) بل وينكر وجوده أصلاً، (أوضح دليل على ما نذهب إليه أن امرأ القيس إن يكن قد وجد حقاً ونحن نرجح ذلك ونكاد نوقن به فإن الناس لم يعرفوا عنه إلا اسمه).
وما الموقف من الحديث الشريف؟!
(أليس من اليسير أن نفترض بل أن نرجح أن حياة امرئ القيس كما يتحدث بها الرواة ليست إلا لوناً من التمثيل لحياة عبد الرحمن يقصد بن محمد بن الأشعث الكندي) استحدثه القصاص! رضاءاً لهوى الشعوب اليمنية في العراق)انظر شعوب يمنية في العراق!).
هذا التشكيك والإنكار لوجود امرئ القيس يأتي مباشرة بعد نصين يعترف فيهما بوجوده وبعد أن اعترف به وأنكر وجوده في نصوص أخرى كثيرة فما عسى أن يقول أي دارس أو ناقد أو قارئ عادي لكتاب الإفك هذا؟!
إنه لا يسعنا إلا أن نقول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) فلقد بليت الأمة بهذا المريض وأمثاله الذين حاربوا الأمة ووجهو سهامهم إليها وطعنوها في الصميم وشوهوا تاريخها فحقروا تراثها باسم العلم والعلمية والبحث والنقد ...إلخ.!
- وإذا كان قد أنكر الوجود المادي لامرئ القيس فمن البديهي والأولى نفي شعره ففي النصين الثلاثين والواحد والثلاثين ينفي شعر امرئ القيس بقوله: وأقل درس لهذا الشعر يقنعك إن كنت من الذين يألفون البحث والحديث بأن مثل هذا الشعر الذي يضاف إلى امرئ القيس ويتصل بقضيته إنما هو شعر إسلامي لا جاهلي).
وإذا رأيت معنا أن كل هذا الشعر، الذي يتصل بسيرة امرئ القيس إنما هو من عمل القصاص فقد يصح أن نقف معك وقفة قصيرة عند هذا القسم الثاني من شعر امرئ القيس وهو الذي لا يفسر سيرته ولا يتصل بها، وهو لا يفتأ ولا ينسى بل ولا يخزى أن يطرح تلك القضية التي أقضت مضجعه وحاول الترويج لوجهة نظره حيالها لا أعني إشكالية لغة اليمن ولغة قريش ، ويصر على أنهما لغتان متباينتان ومستقلتان حتى ولو أدى ذلك إلى جدع أنفه!
قال: إن امرأ القيس إن صحت أحاديث الرواة يمني وشعره قرشي اللغة لا فرق بينه وبين القرآن لفظه وإعرابه وما يتصل بذلك من قواعد الكلام، ونحن نعلم كما قدمنا أن لغة اليمن مخالفة كل المخالفة للغة الحجاز (هل هي لغة الحجاز أو لغة قريش؟!).
إنه مع ذلك ما زال في ريبة من أمره ولا تزال القضية تؤرقه لذا فهو يتساءل: فكيف نظم الشاعر اليمني شعره في أهل الحجاز بل في لغة قريش خاصة؟
وسنتركه يعيش مع ارتباكه وشكوكه، لنمضي مع ما تبقى من النصوص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.