الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    شاهد لحظة اختطاف الحوثيين للناشط "خالد العراسي" بصنعاء بسبب نشره عن فضيحة المبيدات المحظورة    الصين توجه رسالة حادة للحوثيين بشأن هجمات البحر الأحمر    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    بينما يذرف الدموع الكاذبة على نساء وأطفال غزة.. شاهد مجزرة عبدالملك الحوثي بحق نساء تعز    عملية تحرير "بانافع": شجاعة رجال الأمن تُعيد الأمل لأهالي شبوة.    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    مؤتمر برلمانيون لأجل القدس يطالب بدعم جهود محاكمة الاحتلال على جرائم الإبادة بغزة    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    غزو اليمن للجنوب.. جرائم لا تسقط من الذاكرة    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    الحكومة تدين اختطاف مليشيا الحوثي للصحفي العراسي على خلفية تناولاته لفضيحة المبيدات القاتلة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    استشهاد 5 نساء جراء قصف حوثي استهدف بئر ماء غربي تعز    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من اليمن الحيرة .. الخط الحميري سفيردولة التبابعة
هذا هو تاريخ اليمن (الإرهاص)
نشر في الجمهورية يوم 08 - 12 - 2006


د. عبد الله علي الكميم
تناولت موضوع اللغة، والكتابة من حيث النشأة في المجلد الأول من مؤلفي هذا، ولكني مررت عليها مرور الكرام، وأجَّلت الخوض فيها بإسهاب لهذا الذي خصصته للغة اليمنيين وكتاباتهم التي أعتبرها كما يعتبرها الكثير من العلماء والكتاب وفي مقدمتهم العقاد أصل لغات الساميين وكتاباتهم، وهي لغة القرآن، وخط المسند هو خطه أيضاً كما ستثبت هذه الدراسة، إن شاء الله.
سأتناول هنا معنى اللغة والكلمة مستعيناً بأهم المراجع المتيسرة مرتبة زمنياً ما أمكن.
الجدول التالي يشمل حروف الخطوط الثلاثة: المسند والآرامي والنبطي إضافة إلى حروف اللغة العربية المتينة الحديثة وكيفية تحول المسند إلى حرف الجزم:
ملاحظات على الجدول:
1- إن شكل الحروف للخطوط الثلاثة المذكورة في هذا الجدول هو ذلك الشكل الذي كانت عليه في القرن الرابع بعد الميلاد، وهو القرن الذي كتب فيه نقش النمارة كما أشرت الذي كتب عام 328م.
2- يتضح من المقارنة بين شكل حروف الخطوط الثلاثة مع حروف (خط الجزم) أن حروف الجزم أقرب صلة وأكثر شبهاً بخط المسند، إذ نرى حروفاً من الجزم هي نفسها في خط المسند مثل: الباء، الجيم، الراء، الشين واللام، وبعضها قريبة منها مع بعض التحوير والتعديل مثل: التاء ،والثاء، الحاء، الخاء، الزاي، السين، واللام كذلك.
3- أما بقية الأحرف فقد طرأت عليها تعديلات وتحويرات بسيطة حتى صارت حروف الخط الذي كتب به القرآن الكريم أو حروف العربية الحديثة.
4- يلاحظ أن حروف المسند (28) حرفاً كذلك الحروف الحديثة، بينما حروف الخط الآرامي والنبطي لا يتجاوز كل منهما (22) حرفاً، ويفتقران إلى أهم حرف امتازت به اللغة العربية وهو (الضاد) إضافة إلى: الثاء، والخاء، والذال، والظاء، والغين.
5- لقد تطور الخط المسند فيما بعد القرن الثالث الميلادي تطوراً كبيراً، وصار الألف واللام إحدى سماته كما كشف هذا في النقوش الأخيرة، مثل التي وجدت في منطقة (الفاو)، مما يعني أن لغة اليمن وخطها كانا لغة القرآن وخطه أيضاً.
يقول الدكتور المقالح: (ونحن سوف نفترض وهو افتراض يصل إلى حد اليقين أن لغة النقوش قد كانت المنابع الأولى للفصحى، وهي نفسها اللغة العامية أو العامية التي انبثقت منها اللغة الأدبية التي جاء بها القرآن وأنشد بها الشعراء الجاهليون الأشعار، وليس لدينا من الوثائق ما نثبت طفولة ما يسمى بالعربية الشمالية وأطوارها الأولى سوى هذه النقوش) (33) .
وبعد هذا ينقل الدكتور المقالح ثلاثة نقوش أوردها كل من الهمداني ونشوان بن سعيد الحميري نقلاً عن الجزء التاسع من الإكليل المفقود!! والذي توجد نسخة منه في مكتبة الجامعة الأمريكية ببيروت كما علمت: للتدليل على أن مفرداتها عربية يمنية صحيحة.
النقش الأول:
قد وجد في قبر بمدينة يريم على لوح من ذهب. النص: (إني مراثد ذو دنيان أنا وأنثه ستمائة خريف حيوان بهجرن ملوك جنح أبان والصريف نحذيان والطميم نكسيان) ومعناه ( أنا مراثد ذو دنيا وامرأتي حَيِيْنَا مثل آبائنا نحتذي الفضة ونلبس الحرير).
النقش الثاني:
(إني ديباجة بنت نوف ذي شقربن ذي مراثد فيملك لادي يسمى لي مندد طحن بمندد بحري قد وسنه لي فابمتفدك بقبري فمن سمع بي فليحزن لي وأيما أنثه لبست حِليتي ليكون موتها جنح موتي) ومعناه:
(أنا ديباجة بنت ذي شقربن مراثد أمرت عبدي يشري في حطمه وقعت مد طحين بمد لؤلؤ فلم يجد فاعتقدت - أغلقت عليها بابها حتى ماتت- وأيما امرأة لبست حليتي يكون موتها مثل موتي).
النقش الثالث:
يقول هذا النقش: (إني شمعة بنت ذي مراثد كنك إذا وحمك أول القشم من أرض الهند بطله زاهد أول إتي به) ومعناه:
(أنا شمعة بنت ذي مراثد كنت إذا وحمت أوتي بالقشم- وهو نوع من الفاكهة- من أرض الهند طرياً بطله).
ويعلق على النصوص الثلاثة قائلاً: (ويلاحظ أن اللهجة التي كتبت بها هذه النقوش الثلاثة عربية، أو على أقل تقدير عامية عربية لا تختلف عن العامية المعاصرة للمنطقة الوسطى من اليمن. وهي المنطقة التي وجدت فيها النقوش الثلاثة، فالمنطقة الوسطى ما تزال تستخدم حتى اليوم (أني) بفتح الهمزة وكسر النون بدلاً عن الضمير أنا. كذلك ما تزال تستخدم الكاف بدلاً من تاء المتكلم في الفعل مثل (كنك) وقلك بدلاً... قلت إلخ) (34) .
الفصل الرابع
المسند أصل كل الخطوط
لاشك أن اليمنيين هم أول من اخترع الحروف الأبجدية، وأول من كتب بها واستعملها وانتفع بها في حاجاته، وما ذلك إلا لأنهم أول من صنع الحضارة، أعني حضارة عاد ومن قبلهم ربما العمالقة. وأن هذه الأرض هي مهدهم ومرتعهم الخصب، وهي منطلقهم إلى الربوع الأخرى. وهذا الكلام لم يعد رجماً بالغيب أو نوعاً من التخمين أو نتيجة تعصب أعمى، وإنما هي حقائق علمية، وواقعية مثبتة على معطيات العلوم الحديثة في مجالات علوم الإنسان والأرض والأبحاث في مواطن الحضارات والبحث عن المعادن وما كشفته الأقمار الاصطناعية عن أحوال شبه الجزيرة العربية خلال الآلاف العشرين من السنوات الماضية. ومن خلال إعادة قراءة آلاف النقوش اليمنية والمعطيات الآثارية الجديدة على ساحة معظم مساحة الوطن العربي وما يحيط به.
أما الخط المسند فإنه الخط الأول في العالم بلا منازع، وأنه من اختراع قوم عاد، وليس من بنات أفكار من جاءوا بعدهم. وسنضرب مثلاً واحداً مما روى لسان اليمن الهمداني رحمه الله، ونستعين ببعض الكتابات العلمية الحديثة التي ظهرت مؤخراً. قال الهمداني: (عن هشام، عن أبي بكر بن عياش، عن عمران بن مسلم، عن ضمرة الأحول، عن رجل من حضرموت قال: إن ببلادنا مغارة متقادمة عادية يهاب الناس دخولها، وهي قرب من مركب الناس حيث يركبون في البحر فكنّا إذا أردنا ركوب البحر لا نجد بُداً أن نمرّ عليها، فخرجنا في جماعة من الحي يريدون الركوب وبيننا رجل معافري يقال له بسطام ولم يكن في الناس أشد منه قلباً ولا أجرأ منه مقدماً فكنا نعرفه بذلك، فلما توجهنا في الطريق إلى المغارة أنشأ ذكرها وما يحدث الناس بها وجبنهم عن دخولها، فقال بسطام: أما أنا فلست نافذاً لوجهي حتى أدخلها على ما عمدت، فمن يساعدني على ذلك ويخاطر بدخولها معي؟
وكنت امرأً جريئاً فقلت له: أنا صاحبك. فنظر إليّ فازدراني فقال: يا ابن أخي أريد امرأً هو أجمع منك قلباً. فسكت وسكت القوم فلم يجبه أحد منهم، فلما رأى سكوتهم قال: ما ترى يا ابن أخي فإني قد اضطررت إليك وما أرى عن أصحابك شيئاً. فقلت: الأمر كما قلت لك عندي ما تريد من المساعدة والموافقة، فجعلنا نقرأ ونتعوذ حتى بلغنا المغارة ، وقد هيأنا شمعة، وأخذنا أداوة ماء وأسرجنا الشمعة، وسمينا ثم دخلنا نهتدي بضوء الشمعة ومضينا طويلاً في طريق ملساء وهي واضحة، ثم أفضينا إلى جرن من رخام مطبق بغطاء من رخام، وانتهى إليه صاحبي فعالج قلبه فلم يقدر على ذلك، وقال: ضع الشمعة قليلاً وأعني على قلب الغطاء، ففعلت فقلبناه بعد طول معالجة فإذا فيه امرأة عليها من الحلي ما لم يكن يظن أنه يكون في الدنيا امرأة عليها ذلك، وأشرق لنا حسنها من نور الجوهر الذي عليها، فإذا عند رأسها لوح من رخام مكتوب فيه كتاب المسند:
(أنا روعة بنت عاد بن إرم علا أبي واستكبر وأشر فأهلكه الله بالريح العقيم وأنا أؤمن بالله وما نزل من عنده، فمن رآني فلا يعبأن بما علي وليمض إلى ما هو أعجب مني، وليحذر أن يتناول ما ليس له فيهلك. ففزعت وفزع صاحبي لذلك، وأعدنا الغطاء على الجرن كما كان، فمضينا غير بعيد فأفضى بنا المسلك إلى درج ضيقة، فقال لي صاحبي: ما ترى والله إني أخاف أن نهلك وأن يطول علينا الأمر فنقع في شيء لا نستطيع أن ننجو منه. فقلت: استخر الله وامض فهذه إحدى منزلتين إما غنم وإما هلك، وقد عرضنا أنفسنا لأمر لا بد من التخلص منه قال: ونحن في ذلك نقرأ القرآن ونذكر الله، فنزلنا من تلك الدرج بعد جهد شديد وأمر صعب، فلما أفضينا إلى الأرض أفضينا إلى ضوء ليس بضوء الشمس إلا أنا نرى البحر من منفذ إليه صعب، وإذا بيت مقابلنا فدخلناه، فإذا فيه ثلاثة أسرة من ذهب، وإذا على السرير الأول شيخ كبير أصلع أدردُ عليه حلتان عدنيتان مخرصتان بالجوهر، وعند رأسه كتاب بالمسند : (أنا عاد بن إرم دوخت البلاد، وملكت العباد، وأرسيت الأوتاد، وأكثرت من الأولاد، أتانا مخبر فكذبناه، ونهى فما صدقناه؛ فجاءتنا ريح تنزع الشوى فتركتنا همودا).
وعلى السرير الثاني شيخ طويل شديد الأدمة، عليه حلتان مخرصتان بالجوهر، وعند رأسه كتاب بالمسند:
(أنا مرثد بن قاف، وأنا محقف الأحقاف دعاني هود إلى خلاف قومي فكذبته ولم أصدق رسالته؛ فأصابني ما أصاب قومي من عذاب الله.
وعلى السرير الثالث رجل قصير جعد عليه من الحلي مثل ما على صاحبيه، وعند رأسه كتاب: أنا منسك بن لقيم خازن عاد. ومع الكتاب الذي عند رأسه مفاتيح معلقة فطفنا في تلك البيوت لنرى لتلك المفاتيح أبواباً فلم نر شيئاً، فلما أيسنا أن نصيب من ذلك شيئاً ونحن نجول إذ رأيت صخرة على فم وهدة فقلت لصاحبي: والله إن هذه الصخرة لعلى بيت فهلم نتناولها، فزاولناها طويلاً حتى قلبناها، وإذا في الوهدة درج فنزلنا حتى أفضينا إلى الفضاء فإذا مفاتيح معلقة بالأبواب، ففتحنا الباب الأول ثم دخلنا البيت فإذا فيه تمثالان عظيمان قد مسخهما الله جل ذكره حجرين، وهما في صورة قينتين، ففي حجر أحدهما عرطبة أي طنبورة قد مسخت، وفي اليد الشمال مزمار ممسوخ، وليس في البيت غير ذلك فخرجنا وأغلقنا الباب.
ثم فتحنا الباب الثاني فإذا فيه سرير موضون، وعليه تمثال جارية أحسن ما رأينا، فوقها تمثال رجل شاب جميل، وإذا أسفل من ذلك السرير أربعة عشر تمثالاً قياماً رجالاً وشباباً قد مسخهم الله كلهم حجارة، فحمدنا الله كثيراً وعجبنا من ذلك، ثم خرجنا فأغلقنا الباب، ثم فتحنا الباب الثالث فإذا فيه سلاح كثير فخرجنا وأغلقنا الباب. ثم فتحنا الباب الرابع فإذا فيه من الذهب والجواهر والفضة ما لم ير أحد مثله قط، وفي جانب البيت حية كأنها الجراب المحشو فسمعنا صوتاً خفياً، (خذا ما قضي لكما)، فدخلنا فقلت لصاحبي: استكثر وأوقر. وقليلاً ما نستطيع أن نحمل، ثم قلت له: كيف الحيلة في التخلص من موضعنا هنا؟ فأطلنا الفكرة في التخلص فقال لي صاحبي: أما الرجوع من حيث جئنا فلا حاجة لنا به ولعلنا نهلك ولكن أطلب التخّلص من هذا المسلك فنفذنا إليه بعناء، وأخذنا أوقاراً من تلك الجواهر، وهيأ الله لنا من يومنا ذلك مركباً، فلوحنا إلى أهله فأمروا صاحب القارب فجاءنا فقلنا له أمورنا كذا وكذا وإنا دالوكم على مال عظيم، فطمعوا في ذلك وطمعنا ورجعنا إلى البيت، فلم نصب مفاتيحه، وحرصنا على طلبها فخفي علينا مكانها. فقلت لصاحبي: إني أتخوف إن رمنا ما ليس لنا أن يذهب ما بأيدينا، فمضينا من وقتنا من ذلك الموضع وقد كنا أشرفنا على الهلكة).
والصوت الثاني المدوي يأتي من لبنان:
ففي كتابه اليمن هي الأصل -الجذور العربية للأسماء. يحاول الأستاذ (فرج الله صالح ديب) جاهداً وفي بحث علمي غير مسبوق أن يعيد الحق إلى نصابه، وأن يوصل الجذور بأصولها وأن يعيد ما تناثرت من مياه هنا وهناك إلى النبع الأصيل والمجرى العام الهادر.
فهو بعد بحثه الطويل المضني وصل إلى نتيجة فحواها أن اللغة اليمنية هي أم اللغات السامية، وأن الخط المسند هو أصل جميع الخطوط، وأن ما يقال عن لغة كنعانية وأبجدية فينيقية ...إلخ ما هي إلا أنواع من العبث، وألوان من المحاولات اليائسة التي قام بها بعض المستشرقين والبعض من قومنا للأسف لأغراض ولأهداف مختلفة وبنوايا شريرة، بهدف التشويه والتشويش على منابع الحضارة العربية، وخلخلة بنيان وحدتها اللغوية، ومن أجل تمزيق صفوفها وبعثرة جهودها، والتشكيك في مقومات وأسس وحدة الأمة. يقول فرج الله تحت عنوان: بين الفينيقية والحميرية اليمنية:
(قلنا أن المنطقات الخاطئة في التاريخ لدى المستشرقين الذين كتبوا تاريخ المنطقة استناداً إلى التوراة وما ردفه المشروع الصهيوني من توسيع لهذه الاتجاهات وما ورد فيه من مشاريع الدويلات المرسومة من خارج القوى والمجال الحيوي التاريخي أبعدت اللغة العربية قديمها وحديثها عن أن تكون مفتاحاً لقراءة التاريخ، وأطلقت أسطورة أن يكون العرب في بلاد الشام قد قد وجدوا منذ الإسلام فقط. وقبل أن نجري مقارنة بسيطة بين الحرف الفينيقي والحرف الحميري اليمني القديم الذي يوجد في مئات النقوش اليمنية ذات الحضارة الأقدم في المنطقة نسأل عن معنى فينيقي وكلمة (الموريكس) (الصباغ الأرجواني) الذي اشتهر به الفينيقيون الذي تجمع مصادر الرحالة ومؤرخي اليونان على أنهم من شواطئ البحر الأحمر) (35)
وقام باستخراج معنى فينيقيا من المعاجم العربية ثم حاول المقارنة بين بعض حروف المسند والحروف الفينيقية، وأوجد شبهاً كاملاً بين بعضها، وفيما بين بعضها بعض التشابه، ولم يشر إلى الفارق العددي وهو ستة أحرف أهمها حرف الضاد الذي عرفت به اللغة العربية) (أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش).
يقول في مكان آخر: (إن كل ما رسم من تاريخ عن الأموريين والكنعانيين وبالتالي الفينيقيين إنما دخل في دائرة الظن والهوى. لكننا هنا لن نعتمد على اكتشاف د/ كمال الصليبي، الذي نعتبره صحيحاً عبر عدة أبحاث نشرناها، كما أننا لن نعتمد على اكتشافنا أن أصول الأسماء اللبنانية ما زالت في اليمن حتى اليوم، وأن ذلك يؤكد هزالة وفقر الكلام عن الكنعان والكنعانيين وغيرهم؛ لأننا سنواجه الكتابات التاريخية من داخلها وبمنطلقها لنخرج بنتيجة: أن من يسمون فينيقيين ليسوا إلا أجدادنا عرب الحضارة اليمنية الأقدم في المنطقة قاطبة، كما أنهم الوحيدون المؤكد وجودهم عبر مؤرخي اليونان والأثر المكتوب على الحجر ولغتهم العربية وأحرفهم المتقاربة مع الحرف الحميري اليمني)(36) .
ويقول يوسف السوداء عن كلمة فينيقية ومنها فينيقي: أنها (أقحمت في تاريخ لبنان القديم، وأن هذه الكلمة ليست اسم مدينة أو بلاد، ولا هي اسم قبيلة أو شعب لكي تصلح أساساً للانتساب إنما هي صفة في اللغة الإغريقية تعني (أحمر) وقد أطلق قدامى الإغريق في الغرب هذه الصفة على السفن والملاحين القادمين إليهم من لبنان) (37) .
أما الكنعانيون فهم قوم خرجوا من اليمن قبل مجيء إبراهيم عليه السلام وما الفينيقيون إلا جزء منهم، وما حيك من قصص وأساطير حول الكنعانيين والفينقيين واختراع الأبجدية كلام ليس له أي سند علمي أو تاريخي؛ لأن الإغريق هم الذين أطلقوا على الكتابة التي عرفوها عن طريق الفينيقيين اللغة الفينيقية بينما هي في الأصل مشتقة من المسند اليمني، والإغريق جاءوا متأخرين وبالذات في القرن الرابع قبل الميلاد مع الإسكندر المقدوني!!
شمول الخط المسند كل أنحاء الجزيرة العربية وما جاورها:
بات0من المسلمات التاريخية والعلمية أن اليمانيين قد غطوا من خلال موجاتهم المتتالية وتدفقاتهم أنحاء الجزيرة العربية وما جاورها منذ هجرات الساميين قبل عشرة آلاف من الميلاد، وما تلا تلك الهجرات من هجرات عربية (كما يحلو للبعض أن يسميها. لأن بعض المؤرخين والمفكرين يعتبرون أن كل الهجرات من اليمن إنما كانت كلها عربية).
وكان اليمانيون يعيشون في مهدهم الأول (اليمن) حياة راقية ومترفة نتيجة تحضرهم منذ زمن موغل في القدم قد يكون قبل عهد نوح (عليه السلام) حسب الدراسات والأبحاث والاكتشافات الأخيرة، وقد كانت كل موجة تغادر المهد تنقل معها حضارتها وثقافاتها إلى البقاع التي كانت تنتقل إليها، كما تنقل أسماء مدنها وقراها وقصورها ومنشآتها وأوديتها وجبالها وأنهارها.
وكان أهم ما نقله أولئك القادمون من اليمن الخط المسند، وجملة من معارفهم وأفكارهم وخبراتهم في مجالات البناء والزراعة والعلوم المتعلقة بالفلك والمعادن والصناعات الأخرى، كالنسيج، وصناعة السلاح، والحلي، واستخراج الجواهر، وصناعة السفن وغير ذلك كثير. وإذا كان أهم ما نقلوه إلى تلك الشعوب هو الحرف (الكتابة) وقد حلوا في كل صقع من أصقاع أرض الجزيرة والعراق والشام ومصر وشمال أفريقيا حتى وصلوا إلى المغرب وأجزاء من أوروبا وإلى أمريكا، ووصلوا كذلك إلى أعماق آسيا وتركوا في كل مكان آثارهم - فإن ذلك يعني أنهم قد طبعوا تلك الشعوب بطابعهم لأنهم كانوا هم الأقوى والأكثر نفوذاً.. ولا غرابة في هذا أو مبالغة لأن الأبحاث التي تمت ولا تزال تجري في عموم هذه الأصقاع تدل على وجود خط المسند في كل بقعة من هذه الأنحاء، وإن كان قد لحقه بعض التعديل بغرض التطوير وفقاً لما تتطلبه ظروف وحاجات الناس، وبحكم التطور الطبيعي للمجتمع الإنساني في كل منطقة على حدة.
ولم يعد القول في هذا الشأن مجازفة، أو رجماً بالغيب، أو من باب المكابرة أو إلقاء القول على علاته، وإنما صرنا نمتلك الكثير من الحقائق والوثائق التاريخية التي هي حصيلة الجهود والأبحاث العلمية، والتنقيبات الآثارية، ولا تزال تترى وتتوالى نظراً لاستمرار الحفريات والتنقيبات المقصودة وير المقصودة في أكثر من مكان في اليمن، وغيرها من البلدان المجاورة خارج إطار الجزيرة. وكلها وبالذات اليمن لا تزال خزاناً عظيماً مليئاً بالمفاجآت اليومية المذهلة، الكفيلة بإعادة النظر فيما كتب من تاريخ بني الإنسان وتاريخ الحضارات الإنسانية بأجمعها، ويظهر من عثور الباحثين على كتابات مدونة بالمسند في مواضيع متعددة من جزيرة العرب، ومنها سواحل الخليج العربي، بعض منها قديم وبعض منها قريب من عصر صدر الإسلام. إن قلم المسند كان هو القلم العربي الأصيل والأول عند العرب. وقد كتب به كل أهل الجزيرة، غير أن التبشير بالنصرانية الذي دخل جزيرة العرب، وانتشر في مختلف الأماكن أدخل معه القلم الآرمي المتأخر، قلم الكنائس الشرقية وأخذ ينشره بين الناس لأنه قلمه المقدس الذي به كاتب رجال الدين. ولما كان هذا القلم أسهل في الكتابة، من المسند وجد له أشياعاً وأتباعاً بين من دخل النصرانية وبين الوثنيين أيضاً لسهولته في الكتابة غير أنه لم يتمكن مع ذلك من القضاء على المسند إذ بقي الناس يكتبون به. فلما جاء الإسلام كتب كتبة الوحي بقلم أهل مكة لنزول الوحي بينهم صار قلم مكة القلم الرسمي للمسلمين) (38) ويضيف جواد علي قوله في موضع آخر:
(وقد عرف علماء العربية القلم المسند ومنهم حصل هذا القلم على اسمه، ولكنهم لم يعرفوا من بدأه شيئاً يذكر، وكل ما عرفوا عنه أنه خط أهل اليمن القديم وأنه خط حمير وأن قوماً من أهل اليمن بقوا يكتبون به في الإسلام ويقرأون نصوصه، كما عرفوا القلم الذي دون به القرآن الكريم ودعوه القلم العربي أو الخط العربي حيناً، والكتاب العربي أو الكتابة العربية حيناً آخر تمييزاً له عن المسند ولم يشيروا بأسماء خطوط جاهلية أخرى ) (39) .
أما الهمداني رحمه الله فيقول: (فقلت إني ممن لم يزل بعدهم (يقصد علماء اليمن ونسابها) مُرْجِفاً يغور وينجد ويقرب ويبعد في طلب من يعلم ذلك على كماله، كما مثل شيخ حمير ونسابها، وعلامتها وحامل سفرها، ووارث ما ادخرته ملوك حمير في خزينتها من مكنون علمها، وقارئ مسندها، والمحيط بلغتها (أبي نصر محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن وهب بن شرحبيل بن غريب بن زيد بن آل يعفر بن زيد بن شمر بن شرحبيل بن أشمر بن زرعة بن شرحبيل بن وهب آل بن نوف بن زيد بن يعفر بن الحارث بن شرح آل يُعفر ذى يهر بن الحارث بن سعد بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة بن سبأ الأصغر. وذو يهر أحد أذواء حمير القدامى، وفيه يقول أسعد تبع:
وقد كان ذو يهر في الأمور
يأمر من شاء ولا يؤمر
وأمرهم في عصره عن مثل آبائه وأجداده فيشتار ذلك من معطنه ويبحث عليه في معدنه ويكون كما قال الفرزدق:
ما زلت أفتح أبواباً وأغلقها
حتى لقيت أبا عمر وبن عمار
ويشهر في صنعاء واليمن بأبي نصر الحنبصي نسب إلى مسكنه وهو قصر جاهلي يقال له: (قصر ذي يهر) ببيت حنبص. ويكون من صنعاء على بعض يوم، وما زال لنا معولاً في المشكلات، وربما وردت فيه بحراً زاخراً لا تكدره الدلاء، ولا تلوب دونه الظماء، فأغناني نهله دون علله، وأوسعني كفاية البعض دون كمله.
وكان بحاثة قد لقي رجالاً وقرأ زبر حمير القديمة ومساندها الدهرية فربما نقل الاسم على لفظ القدماء من حمير، وكانت أسماء فيها ثقل فخفقتها العرب وأبدلت فيها الحروف الذلقية، وسمع بها الناس مخففة مبدلة فإذا سمعوا فيها الاسم الموفر خال الجاهل أنه غير ذلك الاسم وهو هو. فما أخذت عنه ما أثبته في كتابي هذا من أنساب الهميسع بن حمير، وعدة الأذواء، وبعض ما يتبع ذلك من أمثال حمير وحكمها، إلا ما أخذته عن رجال حمير وكهلان من سجل خولان القديم بصعدة، وعن علماء صنعاء وصعدة ونجران والجوف (40) .
ويقول الهمداني في مكان آخر حين الكلام عن الخط العربي وقدمه: (وقال آخرون: أصل الخط العربي من الأنبار، وإنما سكن الأنبار والحيرة بقايا العرب العاربة وكثير من المستعربة فنقلوا ذلك). ويعلق القاضي محمد علي الأكوع رحمه الله على هذا قائلاً: (لم يقصر مؤرخو العرب عن البحث في أول من كتب بالخط العربي، بل بذلوا وسعهم في ذلك، فالمؤرخون يقولون: إن أول من حمل الكتابة إلى مكة المشرفة هو حرب بن أمية بن شمس، وكان قد تعلمها في أسفاره من عدة أشخاص، منهم بشر بن عبد الملك الكندي أخو الأكيدر صاحب دومة الجندل، ثم سرت الكتابة بمكة ... إلخ) ولكون بشر بن عبد الملك الكندي السكوني علم حرب بن أمية وعدداً من أهل مكة قال شاعر من كندة من أهل دومة الجندل يمُنّ على قريش:
لا تجحدوا نعماء بشر عليكمو
فقد كان ميمون النقيبة أزهرا
أتاكم بخط الجزم حتى حفظتمو
من المال ما قد كان شتى مبعثرا
وأتقنتمو ما كان بالمال مهملا
وطامنتمو ما كان منه منفرا
فأجرتمو الأقدام عوداً وبدأة
وضاهيتمو كتاب كسرى وقيصرا
وأغنيتمو عن مسند القوم حمير
وما زبرت في الكتب أقيال حميرا
وقيل ثلاثة من طيء، وفي سيرة ابن هشام أنه حمير بن سبأ، وعن ابن عباس أن اليمانيين تلقوا الخط المسند عن كاتب هود النبي صلى الله عليه وسلم (41) (وقد تكلم الهمداني ومشايخه من قبله عن المسند كما أشار إليه (ابن النديم) وذكر أن نماذج منه كانت في خزانة (المأمون) غير أن علمهم به لم يكن متقناً على ما يظهر من تقولهم عنه ولم يكن لهم إدراك عن كيفية تطوره وقد دعوه بالخط الحميري. هذا ولم أجد في المؤلفات الإسلامية المعروفة في هذا اليوم ما يفيد بأن أحداً من العرب الإسلاميين كان له علم متقن بالعربيات الجنوبية،أو كان له علم بتاريخ العربية الجنوبية القديم، وفي الذي ذكروه عن الخط المسند، وعن لغات العرب الجنوبيين وتاريخهم تأييداً لما أقوله.
ويسترسل جواد علي قائلاً: والعرب تسمي الكتاب العربي أي خطنا (الجزم) وذكروا أنه إنما سمي جزماً لأنه جزم من المسند أي قطع منه وهو خط حمير أيام ملكهم.
وأن أهل الحيرة كانوا يكتبون (خط الجزم) وهو خطهم وهو الذي صار خط المصاحف) (42) .
ويقول الجاحظ عن أهمية الخط في الأمم المتحضرة، وأنه لا غنى عنه بل دعامة من دعائم نهوضها ولا غنى لها عنه: (وليس في الأرض أمة بها طريق أولها مسكة ولا جبل لهم قبض وبسط إلا ولهم خط. فأما أصحاب الملك والمملكة والسلطان والجباية والديانة والعبادة فهناك الكتاب المتقن، والحساب المحكم، ولا يخرج الخط من الجزم والمسند المنمنم كذا كيف كان. فالخط العربي الجاهلي قلمان جزم ومسند ولا ثالث لهما. المسند خط العربية الجنوبية وخط من كتب بهذا القلم من بقية أنحاء جزيرة العرب، والجزم خط أهل مكة والمدينة وعرب العراق وغيرهم من العرب الشماليين) إلا أنه لم يذكر شكل خط الجزم هذا وهل هو خط القرآن، فقد قيل هذا من قبل!
وعندما حاول الدكتور جواد علي تلخيص وجهات نظر العلماء السابقين في منشأ الخط العربي قال:
- كان منشأ الخط في اليمن ثم انتقل منه إلى العراق حيث تعلمه أهل الحيرة ومنهم تعلمه أهل الأنبار، ومنهم تعلمه جماعة نقلوه إلى الحجاز. فالأصل على رأي هؤلاء هو القلم المسند، كان كما يقولون بالغاً مبلغ الإتقان والجودة في دولة التبابعة لما بلغت من الحضارة والترف.
- أول من كتب الخط العربي حمير بن سبأ وكانوا قبل ذلك يكتبون بالمسند، سمي بذلك لأنهم كانوا يسندونه إلى (هود).
- أول ما ظهرت الكتابة العربية بمكة من قبل حرب بن أمية. وقد أخذها من طارئ طرأ على مكة من اليمن، وقد أخذ ذلك الطارئ علمه بالكتابة من كاتب الوحي لهود عليه السلام.
- كان قلم (الجزم) في نظر بعض العلماء أساس القلم العربي، وقد سمي بالجزم لأن مرامر بن مرة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن حدرة، وهم من طيء من بولان سكنوا الأنبار، واجتمعوا فوضعوا حروفاً مقطعة وموصولة،فأما مرامر فوضع الصور، وأما أسلم ففصل ووصل، وأما عامر فوضع الإعجام، وقد اقتطع مرامر الخط من المسند فسمي الجزم، لأنه جزم أي اقتطع، ولذلك قيل له الجزم قبل وجود الكوفة فتعلمه منهم أهل الأنبار، وتعلمه منهم أهل الحيرة وسائر عرب العراق، وتعلمه من أهل الحيرة بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل، وكان له صحبة بحرب بن أمية لتجارته عندهم في بلاد العراق، فتعلم حرب منه الكتابة ثم سافر معه بشر إلى مكة، فتعلم منه جماعة من أهلها، فلهذا أكثر الكتاب من قريش.
- أول من وضع الحروف العربية ثلاثة رجال من بولان، وبولان قبيلة من طيء نزلوا مدينة الأنبار، وهم: مرامر بن مرة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن حدرة. اجتمعوا فوضعوا حروفاً مقطعة وموصولة ثم قاسوها على هجاء السريانية. فأما مرامر فوضع الصور، وأما أسلم ففصل ووصل، وأما عامر فوضع الإعجام، ثم نقل هذا العلم إلى مكة، وتعلمه من تعلمه وكثر في الناس وتداولوه.
ونخرج من هذا التضارب الكبير بترجيح جانب بشر بن عبد الملك الكندي السكوني: الذي نقل إلى مكة خط الجزم المجتزأ من الخط المسند (فبشر بن عبد الملك هذا الذي نقل الجزم إلى مكة، والجزم هو الخط الذي دون به القرآن. أي القلم الذي نكتب به اليوم، فأغنى به أهل مكة عن الكتابة بقلم المسند قلم حمير الثقيل، وصاروا يكتبون بالقلم وبالحبر على طريقة الفرس والروم يدونون به أموالهم.
ويظهر من ذلك أن القلم المسند كان ثقيلاً في الكتابة، ولهذا وجد أهل مكة صعوبة في تدوين أمورهم به فعدلوا عنه إلى القلم الجزم).
وهنا لا بد من الإشارة إلى مسألة مهمة تستوحى من البيت الأخير:
وأغنيتمو عن مسند الحي حمير
وما زبرت في الصحف أقيال حميرا
إذ يعني أن أقيال حمير وغيرهم كانوا يكتبون خطهم المسند على الصحف، وأنه قد كانت عندهم كتابات دونوها بالحبر والقلم على الصحف والأدم ومواد الكتابة الأخرى. ولم يكونوا يكتفون بالكتابة به على الأحجار فقط لأننا لا نجد أن كتاباتهم الواصلة إلينا إنما قد كتبت بهذه الطريقة حسب، وسبب عدم وصول هذه الصحف إلينا أنها مادة سريعة العطب، لذلك لم تتمكن من المحافظة على حياتها. فذهبت مع أهلها، وقد يعثر على شيء منها مدفون تحت الأرض بصورة يمكن أن يستفاد منها كما استفيد من المسند المنقوش على الحجر). على أن الهمداني كان قد أشار في غير ما موضع من كتبه، وبالذات في الإكليل إلى تلك المساند والصحف والكتب المحمولة التي كان يمتلكها علماء اليمن ومؤرخوها ونسابوها وكانت في بيوتهم يتناقلونها كابراً عن كابر.
ولعل من أهم النصوص ذلك الذي جاء على لسان ابن عباس رضي الله عنه فقد ورد أن رجلاً قال لابن عباس: (معاشر قريش من أين أخذتم هذا الكتاب العربي قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم تجمعون به ما اجتمع وتفرقون منه ما افترق مثل الألف واللام؟ قال: أخذناه من حرب بن أمية. قال: فممن أخذه حرب؟ قال: من عبد الله بن جدعان، قال: فممن أخذه ابن جدعان؟ قال: من أهل الأنبار. قال: فممن أخذه أهل الأنبار؟ قال: من أهل الحيرة، قال: فممن أخذه أهل الحيرة؟ قال: من طارئ طرأ عليهم من اليمن من كندة، قال: فممن أخذه ذلك الطارئ؟ قال: من الخلجان بن الوهم كاتب الوحي لهود عليه السلام)(44) .
وينوه د/جواد علي إلى عدم استبعاد كتابات مدونة بهذا القلم (قلم الجزم) الذي نكتب به الآن في ساحة اليمن طولها وعرضها، ويبين الأسباب فيقول: (ولم يصل إلى علمي أن أحداً من الباحثين قد تمكن حتى الآن من الحصول على كتابات في العربية الجنوبية مدونة بهذا القلم الذي نكتب به، ولكن هذا لا يمكن أن يكون دليلاً على عدم استعمال أهل تلك البلاد له، فقد يجوز أن يكونوا قد استعملوه في أمورهم التجارية وفي مراسلاتهم وأعمالهم الأخرى استعمال أهل مكة ويثرب له، إلا أنه لم تبق منه باقية بسبب كونه قد كتب على الأدم والمواد الأخرى السريعة التلف، فلم يبق منه بقية شأن كتابات أهل مكة ويثرب المكتوبة على هذه المواد، أو بفعل عدم وصول هذا القلم إلى نجران، وإلى صنعاء، وإلى الأماكن التي وجدت النصرانية سبيلاً لها بينها، وقد كان النصارى يكتبون به، وهم من أهم العناصر التي أدخلته إلى جزيرة العرب.
ويأتي د/ جواد علي ببراهين قاطعة لتدل على أن الخط المسند كان منتشراً في عموم شبه الجزيرة، وأنهم كانوا يكتبون به ويعرفونه حق المعرفة: يقول:
إن في الذي عثر عليه السياح من كتابات مدونة بالثمودية أو بأقلام أخرى مشتقة من قلم المسند ما يفند الرواية المذكورة في عدم استعمال غير اليمنيين للمسند، وفي عدم وقوفهم عليه. ويمكن حمل كلامهم في عدم استعمال أهل الحجاز أو غيرهم للمسند على أيام الجاهلية القريبة من الإسلام حيث ظهر القلم العربية الشمالي.
والرواية لا يمكن أن ترتقي إلى زمن بعيد عن الإسلام. فنحن نعلم أن (حنظلة بن شرفي) المعروف بالطمحان وهو من بني القن بن حسر) كان شاعراً فاسقاً ومن المخضرمين، وكان نديماً للزبير بن عبد المطلب في الجاهلية ثم أدرك الإسلام. ولو صدقنا الرواية المذكورة وأخذنا بها وجب أن تكون الكتابة قد وقعت قبيل الإسلام. ومعنى ذلك فإن لحضارة جنوب بلاد العرب عقلية تنحو نحو الأعمدة في عمارة القصور والمعابد والأسوار والسدود والأبواب .
وعن مزاياه ويمنيته يتمنى د/جواد علي أن لو كان خطاً للمسلمين فيقول:
(وللمسند ميزات امتاز بها عن القلم العربي، (وهو العربي الأول والأصل) فحروفه منفصلة وهي شكل واحد لا يتغير بتغير مكان الحرف من الكلمة؛ فإذا جاء الحرف في أول الكلمة أو في وسطها أو في آخرها كتب بشكل واحد. وقد جعلت هذه الخاصية لهذا القلم ميزة أخرى هي ميزة الكتابة به من أي جهة شاء الكاتب أن يبدأ بها، فله أن يكتب من اليمين إلى اليسار، وله أن يكتب من اليسار إلى اليمين، وله أن يمزج بين الطريقتين بأن يكتب على الطريقة الحلزونية من اليمين إلى اليسار، ثم من اليسار إلى اليمين، ثم من اليمين إلى اليسار أو العكس، وله أن يكتب من أعلى إلى أسفل أو العكس وهكذا. ثم إن حروفه غير متشابهة، لذلك لم يعرف المسند الإعجام.
ولو كتب له أن يكون قلم المسلمين ليسر لنا اليوم وقتاً ومالاً في موضوع الطباعة به، ولكنه أبطأ في الكتابة نوعاً ما من الخط العربي بشكل حروفه الضخمة بالنسبة إلى الحروف العربية المختزلة، فالخط العربي يمتاز عليه بهذه الناحية فقط.
أما موضوع الشكل فالمسند غير مشكول بل كتب بحروف صافية معه)(47).
ويؤكد هذا بل ويزيد عليه بقوله: (وذهب كثير من المستشرقين إلى أثر المسند نفسه، أو بالواسطة في عدد من الأقلام الأخرى منها كتابات عثر عليها في إفريقيا).
في إحدى اللهجات الكوشية النوبية. والخط البربري القديم الذي يعود إلى أيام قياصرة رومة والقلم البراهيمي (Branam Soripl, Devangar Alphabet).
حيث نلاحظ شبها كبيراً بين حروف هذا القلم والمسند، ولا نستبعد أثر المسند فيه لأن العلاقات بين العربية الجنوبية والهند كانت قديمة جداً) (48). ويضيف: يظهر أن المسند كان القلم الرئيسي في جزيرة العرب قبل الإسلام، وأن جزيرة العرب كانت تكتب به قبل المسيح، وأن أقلاماً تفرعت منه قبل المسيح وبعد المسيح لأسباب لا تزال غير واضحة، وقد تكون لأشكال الحروف التي تتطلب دقة في الرسم علاقة بذلك، فمال الكُتَّاب إلى ابتكار أشكال مرنة لا تحتاج إلى عناية في الرسم فاستخدموها في الكتابة لسهولتها فولدت منه الكتابات المذكورة).
وعن أصل هذا الخط (المسند) يتساءل الدكتور جواد كما يتساءل غيره، إلا أنه لم يجد الجواب. ولكنا قد نحصل عليه من الجهود الشاقة والأعمال المضنية القادمة في مجال الآثار والتاريخ القابعين في رحم الأرض الطيبة. قال: (وعندي أن الأبجدية العربية الجنوبية تمثل مجموعة خاصة تفرعت من أصل لا نعرف من أمره اليوم شيئاً؛ لأن شكل حروف المسند لا تشبه شكل حروف الأبجديات المعروفة فلننتظر فلعل المستقبل يكشف للعلماء النقاب عن أبجديات مجهولة)(49)
علماً بأن البعض يرجعه إلى هود عليه السلام، وهذا يعني أنه قلم قوم (عاد) قبل أن يكون قلم ثمود وسبأ ومعين وحضرموت وقتبان ... إلخ. ثم قد يكون بالاصطلاح والاتفاق بين مجموعة من الناس اصطلحوا على هذه الحروف وتابعوا إخراجها مع معانيها للناس. والدكتور جواد علي يؤكد أن المسند هو الأصل الذي اشتقت منه الخطوط الأخرى.
وكشفت العروض ونجد، وأماكن أخرى عن سر كان العلماء يبحثون عنه في شوق فقدمت للعلماء عدداً من الكتابات المدونة بالمسند. وبذلك ثبت علمياً أن المسند كان معروفاً قبل الإسلام في كل جزيرة العرب، وربما كان القلم العام للعرب قبل المسيح، أي قبل ظهور أقلام أخرى ولدت على ما يظن بعد الميلاد.
ففي سنة 1911 للميلاد عثر (الكابتن شكسبير Capt-W-H Shakepeer) على كتابين بالمسند في معرض (خبا) (الحناة) وفي خزائن (ثج) (وثاج) التي تبعد خمسين ميلا ً تقريباً على ساحل الخليج وزهاء مائة ميل من شمال غربي القطيف كما عثر على كتابتين آخرتين بالمسند.
وعثر عمال شركة البترول العربية السعودية الأمريكية (أرامكو) أثناء الحفر على مقربة من عين جوان (جون) عام 1945م على حجر مكتوب تكسرت بعض أطرافه بالمعاول. اتضح أنه حجر قبر لامرأة يقال لها (خشيم بنت عمرن بن نحبو من أسرة عور (آل عور) بن قبيلة (شذب).
(وعثر على شاهد قبر آخر مدون بالمسند هو شاهد قبر (شبام بنت صحار بن عهل بن صامت) (50).
(هذا ما عثر عليه من كتابات بالمسند في العروض. وأما في أواسط جزيرة العرب وفي باطنها وفي الأماكن التي لم يكن يتصور العثور فيها على أثر لحضارة، فقد عثر فيها على كتابات بهذا القلم كذلك. ولهذه الكتابة أهمية كبيرة لأنها أول وثيقة تاريخية لا يتطرق إليها الشك ترد إلينا من هذه المناطق التي لم يرد لها ذكر مفصل عند المؤرخين السابقين؛ لأنها أول دليل عملي يثبت انتشار هذا الخط في أواسط جزيرة العرب) (51) .
على أن علماء الآثار الغربيين وغيرهم قد عثروا على آلاف اللوحات والنقوش والتماثيل من وسط وشمال وشرق وغرب شبه الجزيرة أودع البعض جزءاً مما حصل عليه في متاحف بلدانهم واحتفظوا بالبعض الآخر، أو ربما باعوه قبل أن يتمكنوا من شرحه وتحديد تاريخه ومكان وقيمته التاريخية والعلمية.
ولا تزال معاول الهدم والتخريب ولصوص الآثار المندمجين مع علماء الآثار يقومون بأعمالهم في بعض المناطق دونما رقيب أو حسيب!!
كما لا زالت المؤتمرات عن آثار وحضارة اليمن تنعقد فيما بينهم وسفاراتهم ولا يحضرها اليمنيون المتخصصون ولو حتى كمستمعين أو شهود زور!!
ونرى الدكتور جواد يظم هذا الخط، ويتمنى أن لو ظل هو وصار خط القرآن لكان خيراً وبركة وأسهل في الكتابة من غيره. كما يستغرب اختلاف تسميته كما لو أن أهله ومخترعيه لم يسموه: قال: لم يفسر علماء العربية نسبة تسمية اختلاف تسميته المسند مسنداً، وقد قرأت لإسرائيل ولغنسون تعليلاً لتسمية هذا القلم مسنداً فقال: والخط المسند يميل إلى رسم الحروف رسماً دقيقاً مستقيماً على هيئة الأعمدة، فالحروف عندهم على شكل العمارة التي تستند إلى أعمدة. وعلى العموم يقول ابن خلدون: (وقد كان الخط العربي بالغاً مبالغه من الإحكام والإتقان والجودة في دولة التبابعة لما بلغت من الحضارة والترف وهو المسمى بالخط الحميري، وانتقل منها إلى الحيرة لما كان بها من دولة آل المنذر نسباء التبابعة في العصبية والمجددين لملك العرب بأرض العراق، ولم يكن الخط عندهم من الإجادة كما كان عند التبابعة لقصور ما بين الدولتين، فكانت الحضارة وتوابعها من الصنائع وغيرها قاصرة عن ذلك. ومن الحيرة لقنه أهل الطائف وقريش فيما ذكر. ويقال إن الذي تعلم الكتابة من الحيرة هو سفيان بن أمية، ويقال حرب بن أمية وأخذها من أسلم بن سدرة، وهو قول ممكن وأقرب ممن ذهب إلى أنهم تعلموها من إياد أهل العراق لقول شاعرهم:
قوم لهم ساحة العراق إذا
ساروا جميعاً والخط والقلم
وهو قول بعيد، لأن إياداً وإن نزلوا ساحة العراق فلم يزالوا على شأنهم من البداوة،والخط من الصنائع الحضرية، وإنما معنى قول الشاعر أنهم أقرب إلى الخط والقلم من غيرهم من العرب لقربهم من ساحة الأمصار وضواحيها. فالقول بأن أهل الحجاز إنما لقنوها من الحيرة، ولقنها أهل الحيرة من التبابعة وحمير هو الأليق من الأقوال. ورأيت في كتاب التكملة لابن الأبار عند التعريف بابن فروخ القيرواني الفاسي الأندلسي من أصحاب مالك عن أمية قال: قلت لعبد الله بن عباس: يا معشر قريش خبروني عن هذا الكتاب العربي هل كنتم تكتبونه قبل أن يبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم تجمعون منه ما اجتمع وتفرقون منه ما افترق مثل الألف واللام والميم والنون؟
قال: نعم. قلت: وممن أخذتموه ؟ قال: من حرب بن أمية.
قلت: وممن أخذه حرب بن أمية؟ قال: من عبد الله بن جدعان. قلت: ممن أخذه عبد الله بن جدعان؟ قال: من أهل الأنبار. قلت: وممن أخذه أهل الأنبار؟ قال: من طارئ طرأ عليهم من أهل اليمن. قلت: وممن أخذه ذلك الطارئ؟ قال: من الخلجان بن القسم كاتب الوحي لهود النبي عليه السلام، وهو الذي يقول:
أفي كل عام سنة تحدثونها
ورأي على غير الطريق يعيرُ
وللموت خير من حياة تسبنا
بها جرهم فيمن تسبّ وحمير
ويقول في مكان آخر:
(وكان لحمير كتابة تسمى المسند حروفها منفصلة، وكانوا يمنعون من تعلمها إلا بإذنهم. ومن حمير تعلمت مضر الكتابة العربية إلا أنهم لم يكونوا مجيدين لها شأن الصنائع إذا وقعت بالبدو فلا تكون محكمة المذاهب، ولا مائلة إلى الإتقان والتنميق لبون ما بين البدو والصناعة واستغناء البدو عنها في الأكثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.