البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    ماذا تعني زيارة الرئيس العليمي محافظة مارب ؟    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    ريمة سَّكاب اليمن !    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فنّ ألكتابة و آلخطابة - القسم الرّابع(9) بقلم:عزيز الخزرجي
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 12 - 2013


فنُّ آلكتابَةُ و آلخطابَةُ – ألقسمُ ألرّابعُ(9)
حول مناهج ألقرآن ألكريم:
آلأزمة؛ في آلمنْهَجِ أمّ ألمُفسّر؟
طُرح هذا آلموضوع على شكل محاضرات في آلمنتدى الفكري في مركز ألرسول آلأعظم(ص) و في مركز ألشّهيد ألصّدر(قدس) في تورنتو/كندا خلال عام 2007م و 2009, و كانت بعنوان [آلمنهج ألأمّ في تفسيرِ ألقُرآن ألكريم] و إليكم آلتّفاصيل:
مُقدّمة:
بما أنّنا مُسلمون .. فكتابنا هو آلقُرآن ألذي يحوي ألزّبور و آلتّوراة و آلأنجيل و علم ما كان و ما سيكون و هو آلثّقل ألأكبر, و آلوحي ألألهيّ ألمُنزّل على آلرّسول ألأمين مُحمّد(ص) لفظاً و معنىً و إسلوباً, و هو آلمكتوب و آلموجود في آلمصاحف ألمُنتشرة في كلّ بقاع ألأرض.
و لأنّ آلمسلمين و غيرهم لم يَتَفَهّموا ذلك آلكتاب و لم يَعْملوا به كما كان مُؤمّلاً و مُخطّطاً لهُ, رغم قرآتهم ألمُتكررة له .. لِفقدهم ألمنهج ألقويم و ألبوصلة ألتي تُفسّر و توضّح ألمسير ألمُمنهج – أي سُنّة ألرّسول(ص) و أهل بيته ألطّاهرين و آلرّؤى ألفكريّة ألثاقبة من قبل ألمخلصين؛ لذلك نُقدّم هذهِ ألدّراسة ألهامّة لتكون ألمنهج ألأمّ في طريق حركتنا ألفكريّة و دليلاً و مُرشداً عِلْميّاً مُتقدّماً لأبلاغ ألحقّ للنّاس لِتحقيقِ ألتّكامل ألأنسانيّ عبر نشر آلأمن و آلعدالة و آلمُساواة.
إنّ "ألمنهج ألأم" يُبيّنُ فهم و تفسير ألقرآن ألكريم على أساس ألغاية ألعُظمى ألذي حدّدهُ ألباري تعالى فيه؛ ليكون منهجاً مُتكاملاً لتيارِ ألمُثقّفين ألمُتطلعين إلى آلحريّة و آلمُساواة و آلعدالة في كلّ ألعالم أملاً بتحقيق ألسّعادة ألكاملة بين آلبشريّة مع ظهور ألأمام ألمنتظر(عج).
لماذا فشلتْ ألمناهج ألقرآنيّة ألسّابقة!؟
نعتقد بأنّ جميعَ ألمناهج ألّتي كانتْ سائدةً منذُ صدرِ ألأسلام و لحين إنتصار ألثورة الأسلاميّة في إيران – لم تكن منهجيّةً موضوعيّةً شاملة تتلائم و رُوح ألقرآن و آلأصل(ألتوحيد) ألّذي إرتكز عليه؛ لذلك لمْ تتحقّق آلغاية من نزول ألقرآن في واقع آلنّاس و آلمسلمين بآلذات كما أرادهُ آلله تعالى, على آلرّغم من أن أكثر من مليار و نصف مليار مسلمٍ في آلأرض قرؤهُ مراراً و تكراراً و يختمونه كلّ عام في شهر رمضان و في آلمناسبات على آلأقلّ بجانب تفسيره أكثر من مائة مرّة.
إنّ دورات ألتّفسير ألعديدة منذ أوّل تفسيرٍ و إلى آلآن لم تستطيع أن تُبيّن بوضوح و شفافيّةٍ؛ ألغاية آلأساسيّة و آلمقصد ألحقيقيّ منه حتى إجمالاً(1) سوى آلأشارة له من قبل ألفيلسوف محمد حسين ألطباطبائي في مبحث (ألحكومة ألأسلامية) .. إشارةً مقتضبة لا تفصيليّة من جانب واحد كما ورد في تفسير ألميزان, لهذا بقيتْ أحكامه – أيّ أحكام ألقرآن - غير فاعلة في واقع آلبشريّة بما فيهم ألمُسلمون حتّى يومنا هذا, فتسلّط عليهم ألمُستكبرون و آلأنتهازيّون بآلمقابل عبر (آلمنظمة ألأقتصاديّة ألعالميّة) ألتي تُسيطر أليوم على إدارة جميع حكومات آلأرض بإستثناء ألجّمهوريّة الأسلاميّة في إيران, و رغم مُحاولة ألفيلسوف ألمطهريّ و آلسّيد مُحمّد باقر ألصّدر(قدس) و آلأمام ألخُميني(قدس) عبر تنظيرهم ألصائب و بيانهم ألأستثنائي لحقيقة منهج ألقرآن و أصل آلأصول فيه(ألتوحيد) .. بجانب جهادهم ألعلويّ ألمُتواصل لأكثر من نصف قرن من أجل ألمستضعفين لتحقيق ألحكومة ألأسلامية عبر تطبيق أحكام ألقرآن؛ إلّا أنّ مبادئ هذا آلكتاب ألعظيم خصوصاً "أصل ألأصول فيه" ما زالت غير مُطبّقة على أرض آلواقع و في شخصيّة ألمسلم بآلذّات كما خُطّط له من قبل ربّ آلعالمين.
من هنا رأينا من آلواجب بيان ألهدف ألأساسيّ من نزول ألقرآن ألكريم كأهمّ أصلٍ في منهجنا ضمن آلمعارف ألمطروحة في هذا آلبحث؛ لنُوضح ثمّ نُحَقّق من خلاله بعون آلله؛ ذلك آلأصل و ألهدف من رسالة ألأسلام عمليّاً, إنّه آلهدف ألمركزي ألذي لم تستطع بيانها ثمّ تحقيقها جميع آلمناهج ألّسابقة(2) ممّا سبّب تخلّف ألمُسلمين و دورانهم في فلك ألحُكّام ألمُجرمين قرناً بعد قرن.
أهمية ألمنهج ألأمّ في فهم ألقرآن ألكريم؛
ألقرآن معجزة ألمعاجز ألخالدة و أمل ألمظلومين و سند آلمقهورين في آلأرض, ألضّامن لحقوق آلمستضعفين و هو آلدستور ألجّامع لكافّة مبادئ ألحياة ألأنسانيّة ألّتي تتجاوب و تنسجم مع آلفطرة و تطور ألفكر و حركة ألزّمن.
إستمرّ مئات آلعُلماء طيلة ألقرون ألماضية و إلى آلآن بإلقاء ألضّوء على مفاهيم ألقرآن ألكريم و تفسيره لهداية ألبشريّة و توجيههم نحو آلطريق ألمُستقيم لتحقيق ألحياة ألحرّة ألكريمة لنيل ألسعادة و آلكمال ألأنساني(3), لكنّهم لم يُفلحوا كثيراً بسبب فقدانهم لأهمّ أصلٍ في منهجه كما سنُبيّن ذلك .. و كادت آلأمور تصل بآلبشرية إلى نتائج مدمرة لتسلط الظالمين ألذين أشاعوا آلفساد و آلأنحلال ألأخلاقي؛ لولا بُحوث و نهضة ألأمام ألخميني(قدس) و آلدكتور على شريعتي و العلامة المطهري و آلسّيد محمد حسين الطباطبائي و آلشهيد محمد باقر ألصّدر(قدس) و جمعٌ من معاصريهم و تلامذتهم خلال ألنصف ألثاني من ألقرن ألماضي(1950م و ما بعده) – و آلتي كانت لها دوراً رياديّاً في إحياء مبادئ ذلك آلمنهج ألألهيّ ألعظيم .. لتتكلّل جهودهم و جهود طلّابهم و مقلِّديهم؛ ببزوغ شمس ألثورة ألأسلامية في إيران كنظامٍ إسلاميّ عصريّ في مُقابل كلّ قوى آلشّر في آلعالم لتكون منطلقاً جديداً نحو آلخير في مسار ألبشريّة ألّتي عانتْ و ما تزال من مآسي ألحروب و آلمحن و تسلّط ألظالمين عليها و إستغلالها من قبل ألمنظمة ألأقتصاديّة ألعالمية ألتي لا تُلاحظ إلّا مصالحها و إدامة تسلطها على آلناس بآلكذب و آلدّجل و آلنفاق لِتَعْبيد ألأنسان ألمُستضعف و سرقة حقوقه و إهدار كرامته و حرّيته!
ألهدف قبل ألمنهج ألأم؛
قبل بيان تفاصيل ألمنهج الأم في فهم و تفسير و وعيّ آلقرآن؛ لا بُدّ من معرفة ألمقدمة ألأهمّ و هي؛ ألسّبب ألأساسي من نُزول ألقرآن ألكريم – أيّ ألهدف من نزولهِ:
كما يعلم أهل ألعلم بأنّ كلّ آية من آيات ألقرآن آلكريم له علّةً و سببٌ تمّ على أساسه ألنّزول .. و آلحال أنّ آلقرآن ألكريم كلّه لا بُدّ و أن يكون له سبباً أساسيّاً و جامعاً تلتقي و تتمحور فيه جميع الأسباب و ألغايات ألّتي إكتنفتها الآيات ألقرآنية و حتىّ مفردات ألقُرآن ألكريم, و بدون معرفة و لو ملامح ذلك آلهدف فإنّ قراءة ألقرآن أو تفسيره أو حتّى ألتّبحُر في معانيه تجزيئياً؛ تُعَدّ عبثاً لا طائل من ورائها!
فآلدّراسات ألأكاديميّة ألحديثة .. و منها ألستراتيجيّة بشكلٍ خاص تُؤكّد؛ بأنّ كلّ برنامج و قضيّةٍ و حركةٍ لا بُدّ لها أولاً و قبل كلّ شيئ؛ تشخيص و معرفة ألغاية و آلهدف ألمراد تحقيقهُ من آلبحث أو ألّدراسة قبل آلبدء بآلتفاصيل و آلخطط, و كلّما كان ألهدف واضحاً و كبيراً و مُتناسباً مع فطرة ألأنسان و مصالحه؛ كان آلسّعي لتحقيقهِ أسهل و أفضل و بأقلّ آلخسائر و آلجّهود, و بما أنّ منهج ألقُرآن ألكريم ألّذي أقّرّه آلباري دستوراً للحياة ألأنسانيّة؛ لا بُدّ و أنْ يكونَ من وراءهِ هدفٌ عظيم لا يرتقيه أيّ هدفٍ آخر و على جميع آلأصعدة و آلمجالات, كآلمجال ألأجتماعيّ و آلأقتصادي و آلسّياسيّ و آلعلميّ و آلتربوي و آلّذي هو آلجّانب ألأهمّ في تحقيق سعادة ألأنسان!
لذلك لا بُدّ لنا أوّلاً من تشخيص ذلك ألهدف ألسّتراتيجي ألذي أقرّه ألباري لإحياء ألأنسانية!
و آلهدف في آلفكر – أيّ فكرٍ – صغيراً أو كبيراً كآلقائد في آلأمة .. و كآلرأس من آلجّسد!
و قد يستغرب ألبعض لو قلتُ - و أنا مُتأكّدٌ ممّا أقول: بأنّ آلهدف من آلرّسالة ألأسلامية لم يكن مُشخّصاً للأمّة و لعموم ألنّاس و حتى (للعلماء ألأعلام) أنفسهم بشكلٍ واضحٍ .. حتّى إنتصار ألثورة آلأسلاميّة في إيران عام 1979م, و ما زال أكثر من مليار مسلم في آلأرض مع مرجعيّاتهم – بآلأخص ألبعيدين عن خط أهل البيت(ع) يجهلون فهم وصيّة آلأمام آلحجّة(عج) الأمام الثاني عشر من بعد آلرسول(ص)ألمعروف ب (التوقيع ألمشهور) ألذي ورد عن أب إسحاق الكليني بتوقيع مباشر منه(ع), و هكذا معرفة آلهدف ألرّئيس من آلقرآن و آلرّسالة ألأسلاميّة, بسبب جهلهم و ضعفهم و هوانهم و معهم ألكثير من "ألمثقفين" و آلمُتصدّين في قيادات ألمراكز و آلحوزات و آلمؤسسات ألأعلاميّة و آلحركات ألأسلاميّة رغم مرور 1400عام عليها.
إنّ بروز حركاتٍ و أحزابٍ إسلاميّةٍ إدّعتْ تبنّيها لمنهج ألدّعوة ألأسلاميّة لتطبيق أحكام ألقرآن ألكريم كآلأخوان ألمسلمين و حزب ألتّحرير بآلنّسبة للمسلمين ألسّنة .. و حزب ألدّعوة و حركة فدائي خلق و غيرهم بآلنسبة للمسلمين ألشيعة؛ أستطيع ألجزم بأنّ جميع نتاج و جهاد تلك ألكيانات لم تتعدّى تكرار محاور ألفكر ألسّلفي و آلنّصوص ألتقليدية ألجامدة بعيداً عن ألتجديد ألفكريّ ألأجتهاديّ ألموافق للزّمان و آلمكان بحيث يتطابق مع محور ألآيات طبقاً للمنهج "ألعقليّ" أو "ألفكريّ" ألقرآنيّ ألّذي ورد تحت مسمّى ألآيات ألمُتشابهات, هذا مع فرضنا بفهم آلآيات ألمُحكمات بشكلٍ صحيحٍ .. لتُصاب ألحركة ألثّقافيّة ألأسلاميّة – أي ألفكر ألأسلاميّ ألمُعاصر - بحالةٍ من آلرّكود و آلجّمود و آلتّقوقع و حتّى آلأنحراف بسبب ذلكَ آلتّراكم و آلدّمج ألعشوائيّ و آلتّطبيق ألخاطي و آلسّلوك ألعمليّ ألمنحرف للمُقلَّدينَ و آلمُقَلِّدين.
إنّ أهميّة معرفة ألهدف من آلفكر ألأسلاميّ لا يتوقّف عند هذا آلحدّ, بلْ و يُؤثّر في فهم روح ألقرآن و آلرّسالة .. و آلّذي يتزامن مع فهمنا لحقيقةِ ألأنسان نفسهُ من آلنّاحيّة ألسّايكلوجيّة و آلأجتماعيّة, لأنّ من عرف نفسهُ فقد عرفَ ربّهُ .. بل عرفَ كلّ شيئ!
أو كما يقول أحدّ ألفلاسفة؛ [ إذا عرفتَ إنساناً واحداً عرفتً كلّ ألنّاس].
كما أنّ آلتشخيص ألصّحيح للهدف يُشخّص بدوره .. و يُمهّد لتنفيذ ألخطوات ألتفصليّة للمنهج بشكلٍ سليمٍ .. و آلذي من خلاله نُحقّق ذلك آلهدف ألسّتراتيجي ألكبير من وراء ألرّسالة ألأسلاميّة ككل, و آلمنهج ألأم هنا يُلقي بشكلٍ طبيعيّ بضلاله على آلمعنى آلأساسي للقرآن و آلعلّة ألغائيّة من تقريره من قبل الله تعالى كنظام كامل للبشريّة حتّى لا تتفرّق بنا آلسّبل و آلمناهج و آلتيارات لنبتعد بآلتالي عن أصل ألموضوع و غايتهُ كقرين و علامة كبرى في آلطريق لا تنفصل عن ألأهداف ألفرعيّة و آلخطط ألتّفصيلية و آلسّلوك ألفردي للداعية و حتّى آلعبادات ألشّخصية ألّتي تصبّ و تدعم و تتّجه نحو آلهدف ألنّهائي ألمنشود في ثنايا ألنّصوص و آلآيات و حتّى معاني ألكلمات ألمفردة في آلمنظومة ألأسلامية لتحقيق مغزى ألأمانة ألّتي أشار لها الله سبحانه و تعالى بقوله:
[إنّا عرضنا آلأمانة على آلسّموات و آلأرض و آلجّبال فأبين أنْ يحملنها و أشفقنّ منها و حملها آلأنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً](3)!
ألقُرآن يضمّ .. ألهدف مع آلوسيلة؛
لا خير ليس فقط في كتاب الله – حاشاه – بلْ في كلّ كتاب؛ إن لم يكن له عنوانٌ و هدفٌ و منهجٌ تحقيقيّ و نتيجة واضحة لفهم حقيقتهِ و غايتهِ ثمّ تطبيقهُ في واقع ألأنسان!
فآلمنهج و آلغاية هما ألمحوران ألّلذان يُحدّدان أهميّة و شكل و إتّجاه و قوّة ألمعرفة و فاعليتهُ و تناسبه مع فطرة آلأنسان لتحقيق آمالهِ و سعادتهِ و تكاملهِ ألفرديّ و آلأجتماعيّ في ظلّ منظومة عادلة عزيزة كريمةٍ حاكمةٍ يشرف على تطبيقها إنسان عادل حكيم(4).
فآلقرآن ألكريم عندما يُشير .. أوّل ما يُشير إلى أنّ؛ ذلك آلكتاب – (ذلك) إشارةٌ للتّعظيم – لا ريبَ فيه هدىً للمُتّقين(5), و تبياناً لكلّ شيئ و هدىً و رحمةً و بشرىً للمسلمين(6)؛ يُمكن أنْ تُعطينا فهماً شاملاً و كاملاً للهدف ألرئيس للقرآن الكريم و آلّذي ترتبط به جميع ألفروع و آلأحكام و آلأشارات و آلقصص ألتي وردت في ذلك آلكتاب ألعظيم - ذلك آلهدف ألعظيم ألّذي لا يتحقّق إلّا من خلال ألتوحيد .. ألّذي بهِ يتحقّقُ حرّية ألأنسان و سعادتهِ و كمالهِ على آلمستوى ألفرديّ و آلأجتماعيّ.
و آلتّوحيد لا يتحقّق عمليّاً في آلواقع إلّا من خلال حكومة ألأسلام ألّذي يتصدّى لقيادتهِ ألأعلم بأسرار ألدّين و أحكامهِ من آلفقهاء في زمن ألغيبة ألكبرى ألتي نعيشها .. للتّمهيد إلى آلدّولة ألعالميّة ألعادلة بقيادة ألأمام ألمهدي(عج)(7), و إنّ أيّة حكومةٍ بشريّةٍ أخرى سواءاً جاءت بآلأنتخاب أو ألمُحاصصات أو ألتوافقات أو ألتشريعات ألمختلفة من قبل ألنّاس أو آلأنقلابات لا يُمكن أنْ تُحقّق حتّى أبجديّات ألعدالة ألأنسانيّة و آلتّأريخ شاهدٌ على ذلك.
إنّ معرفتنا للعلّة ألغائيّة للخلق و آلوجود من آلقرآن ألكريم تُساهم في تفسير جميع ألظّواهر ألطبيعيّة و غيرها بإتجاه ألهدف ألحقيقيّ من وراء خلق ألوجود و آلأنسان بآلذّاتْ طبقاً لما أراده الله تعالى, و بذلك نتجنّب تفسير أيّة ظاهرة أو حركة أو إصدار حكم معين .. مجرّداً عن معنى و حقيقة ألهدف ألذي حدّده آلقرآن للوجود و حركة ألأنسان فيه!
أنّ آلتعاطي ألخاطئ أو ألتّجزيئي مع آيات ألوجود و عظمة ألخلق أو في تكرار بعض ألقصص ألّتي حاول كل المفسرين تفسيرها على أساس ألبعد ألجّمالي أو آلبلاغيّ أو ألعرفانيّ أو التأريخيّ لوحده .. أو على أساس علاقة ودّ فرديّة كما في قصّة يوسف أو غيرها .. أو مجرّد وقائع تأريخية خاصّة كأصحاب ألأخدود أو آلرّقيم أو سُنّة تأريخيّة عابرة كقصّة ألأقوام و آلأمم ألتي أوردها آلقرآن ألكريم؛ هذا آلتّوجّه و هذا آلفهم و آلتّعاطي مع آلقرآن و مع آلمبادئ ألاسلامية كان تنظيراً قاصراً و أحاديّ ألجّانب,
و سببهُ هو:
عدم وضوح ألهدف ألمركزيّ لدى آلمُفسّرين و بآلتّالي ألأنفصال عن أصل ذلك ألهدف, لذا فأنّ تشخيص هذا آلأمر من خلال آلقرآن ألكريم لهُ أثرٌ كبيرٌ في فهم و إستيعاب ألرّسالة ألأسلاميّة أولاً ثمّ تفعيل ألأحكام ألألهيّة في واقع ألحياة ألأنسانيّة عمليّاً لتحقيق ألدّولة ألكريمة ألعادلة بدل آلأنظمة و آلمناهج ألظالمة ألأخرى, إنّ ما نريد بيانهً هو؛ أنّ ألأهتمام ألرّئيسي يجب أن يكون على مستوى آلأهتمام بآلمضمون ألقرآني و آلغاية منه و فلسفة آلأحكام الأسلاميّة, و لا يتحقّق ذلك إلّا بآلمطالعة و آلمتابعة و آلفهم ألواعيّ من خلال هذا آلمنهج ألّذي يُعتبر بمثابة أمّ آلمناهج ألمعرفيّة!
أمّا آلأستدلالات ألعلميّة و آلفلسفيّة و آلمنطقيّة ألأصوليّة ألّتي إحتواها آلقرآن ألكريم فهي ركائز و دعامات ثابثة مع تغيّر ألزّمن بإتّجاه ألهدف ألذي أشرنا له.
أمّا آلعامل ألرّوحي و آلأخلاقيّ و آلعباديّ فهو آلمحرك و آلدّافع ألّذي يسوق آلأنسان نحو آلأخلاص في أداء ألأمانة بإتّجاه تحقيق ألهدف أيضاً.
فقلب ألأنسان هو آلمركز و آلدّليل ألّذي يُؤشّر نحو نقاط ألقوّة و آلضعف و آلخير و آلشّر أثناء سعيّ آلأنسان بإتجاه تحقيق ما يؤمن به.
لماذا فشل ألأسلاميّون في تحقيق هدف ألقرآن بعد 1400عام من نزولهِ!؟
لم يُطبق الأسلام ألحقيقيّ في آلحياة ألبشريّة سوى خمس سنوات فقط بعد وفاة آلرّسول و آلخلافة ألغائمة, و ذلك من خلال حكومة الأمام عليّ(ع) في الكوفة في نهاية ألنّصف ألثّاني من آلقرن ألأول ألهجري, ثم سقطت تلك آلتّجربة ألعادلة بسبب مُخلّفاتٍ قاهرة و رواسب سلبيّة تجذّرتْ في نفوس أكثر ألمسلمين بسبب مؤآمرة "سقيفة بني ساعدة" ألتي خلّفت ألمآسي و آلتّناحر ليس فقط بين آلمسلمين بلْ في عموم ألبشريّة مع مرور ألزّمن - فلو كان "آلغدير"(8) واقعاً لما إختلف سيفان في آلأسلام, حيث حالتْ تلك ألمؤآمرة(ألفلتة كما سمّاها عمر بن آلخطاب مُنَظّر ألسّقيفة) من وصول ولي الله علي(ع) إلى سدّة ألخلافة من بعد ألرّسول(ص) ممّا عَرّض فلسفة ألحكم آلأسلاميّ و من آلجّذور إلى نكسةٍ كبيرةٍ غيّرتْ مسار ألتّوحيد و آلهداية في آلأمّة ألأسلاميّة من آلجّذور حيث توسّع آلأسلام طولاً لكنه ضعف عمقاً, خصوصاً حين تولى أمور ألمسلمين أسوء خلق الله من آل معاوية و آل مروان و آل زياد و آل عباس و آل عثمان ألذين كانوا إمتداداً لخط (ألسّقيفة) حتّى تغيّرتْ مضامين و مفهوم ألرّسالة ألأسلاميّة و كثرت ألأجتهادات و آلمذاهب و آلأحزاب في آلأسلام بعد ما تركوا سفينة ألنّجاة ألمُتمثلة بخطّ أهل بيت رسول الله(ص) و نظريتهم في آلحُكم(9).
في آلحقيقة ألعلّة كانت في مناهج آلمُفسرين و نهج آلدّعاة حين إتّخذوا مناهج مختلفة ناقصة بعد تفسير "ألعياشي" كأوّل مُحاولة من آلأمام العسكري(ع)(10) و إلى آخر تفسير للعالم مكارم الشيرازي(11) في نهاية القرن ألماضي, فجميع تلك آلتّفاسير كانت تفتقر إلى تشخيص ألهدف ألرّئيس من آلرّسالة ألأسلاميّة(12), لإتّخاذه محوراً أساسياً للغوص في أعماق ألعلوم و آلفنون و آلمعارف ألتي إحتواها ذلك الكتاب ألأعجازي ألعظيم .. لتقديم ما أمكن من آلخدمات ألعمليّة في مسار ألحضارة ألأنسانيّة, و قبل الأشارة إلى حيثيّة ألأختلاف ألمنهجيّ و تلك آلحلقة آلمفقودة في آلتّفاسير ألقرآنيّة(13) .. و ألّتي أفقدتْ بسببها ألتفاسير قوّتها و عمقها و فاعليتها في آلبشريّة .. قبل هذا نشير إلى أهمّ و أبرز ألأتّجاهات ألّتي كانتْ سائدة بين آلمُفسّرين لحدّ آلآن و هي:
أولاً: مناهج ألأسلاميين؛
1 – منهج ألطبري و إبن الأثير و من وافقهما؛ يُعتبر منهجاً تقليدياً بالياً إعتمد آلسّرد و آلحشو ألغير ألعلميّ و أحياناً ألغير الواقعي, لأظهار ألجانب التأريخي و آلرّوائي إعتماداً على مذهب و إتجاه واحد, و لذلك لم يرتقيا إلى مستوى المناهج و آلبحوث ألعلميّة ألّتي يُمكن إعتمادها في آلنّقل ألنّظري ناهيك عن آلتّطبيق ألعمليّ.
1 – ألتّفسير ألعرفانيّ؛ و يُنسب إلى آلشيخ مُحي ألدّين بن عربي(560 – 634ه), من كبار عرفاء آلقرن ألسّابع, و من ألقابهِ؛ إبن عربي, و مُحيّ ألدّين, و آلشّيخ ألأكبر, من أشهر كُتبه؛ "تفسير ألقُرآن" , " ألفتوحاتُ آلمكيّة", حيث طغى على تفسيره ألجانب ألعرفانيّ ألغيبيّ لبيان مدى رحمة الله و عطفه على خلقه, و قد نهجَ الشيخُ ألخوّاجة عبد الله ألأنصاري(قدس) نفس ألمنهج تقريباً في تفسيره ألمعروف بآلتّفسير ألأدبيّ ألعرفانيّ للقرآن ألمجيد .. حيث لم يُشيرا للأساس ألّذي يوصل ألبشريّة لمعرفة القرآن أو تطبيقه, لأنهما أساساً لم يُفكرا بذلك بسبب بعدهما عن تشخيص الهدف ألأساسيّ من آلرّسالة.
2 – منهج عبد ألرّزاق بن جمال ألكاشاني, ألمعروف ب (جمال ألدّين إسحاق ألكاشانيّ ألسّمرقندي) و آلمُلقب ب (كمال ألدّين) حيث إنتهج ألجّانب ألعرفانيّ ألفلسفيّ على تفسيره, و هو من مشاهير ألعُرفاء في آلقرن ألثّامن ألهجريّ, و مِمَّنْ كتبوا شرحاً لفصوص ألحكم, و قد عرف تفسيرهُ ب (تأويل ألآيات أو تأويلات ألقُرآن).
3 – منهج ألسّلطان علي شاه؛ و هو آلسّلطان محمد بن حيدر ألجنابذي ألخراسانيّ, ألمشهور ب (ألسلطان علي شاه), و إمتاز تفسيره أيضاً بآلجانب ألفلسفيّ ألصّوفي و عاش في آلقرن ألرّابع ألهجري, و عرف تفسيرهُ ب (بيان ألسّعادة في مقاماتِ ألعبادةِ), و قد طُبع عام 1965م في اربع مُجلدات من قبل جامعة طهران, ويُعتبر من أبرز أساتذه ألأمام ألخميني(قدس).
4 – تفسير ألفخر ألرّازي؛ طغى عليه ألجّانب ألفلسفيّ, و إستخدمَ آلتفسير ألتجزيئي لشرح الآيات.
5 – تفسير ألقُرطبي؛ طغى عليه ألجّانب ألرّوائي – ألمأثور من آلرّوايات بحسب ألمذاهب ألسّنية.
6 – تفسير ألزّمخشري؛ طغى عليه ألجّانب الأدبيّ و اللغويّ و آلبيانيّ لتعزيز مذهب ألمُعتزلة ألّذين قالوا بخلق ألقرآن.
7 – تفسير مجمع ألبيان للطبرسي؛ و هو آلشّيخ أبو علي ألفضل بن آلحسن ألطبرسي(472 – 522ه.ق), و قد طغى على تفسيرهِ ألجّانب ألأدبيّ و آلتّأريخيّ و آلّلغويّ و إعراب مُحتملات ألألفاظ و آلقراآت ألقرآنيّة و أقوالِ ألمُفسّرين.
8 – تفسير ألشّاه آبادي؛ طغى عليه ألجّانب ألعقائديّ ألأماميّ.
9 – تفسير ألطنطاوي؛ و هو من علماء مصر(1287 – 1358ه .ق) و أستاذ دار العلوم بآلقاهرة, و تفسير معروف ب (ألجواهر في تفسير ألقرآن ألكريم), و قد ركزّ فيه على الجانب ألأخلاقي و آلمباحث العلمية, حيث طبّق 750 آية مع العلوم ألطبيعية.
10 – ألسّيد إبن قطب بن إبراهيم؛ مُفكّرٌ مصريّ من آلقرن ألرّابع عشر ألهجريّ, عضو تنظيم ألأخوان ألمُسلمين, إعْتُقِلَ و عُذّبَ حتى إستشهد من قبل حكومة عبد ألنّاصر, و عُرف تفسيرهُ بآلتّصوير ألفنيّ للقرآن ألكريم و كذلك في ظلال القرآن, و ركّز في منهجهِ على آلجّانب ألأجتماعيّ, و رغم إنّه أشار إلى مسألة ألحكومة و تطبيق ألأسلام إلّا أنّ نظرية ألحكم في الأسلام لم تكن واضحة لديه – كما عند غيره - بسبب إنتمائهِ لمدرسة ألخلافة ألّتي أثبتْ فشلها على مدى 14 قرناً, حيث تُعتبر مبتورةً من ناحية ألأصل عبر آلأتصال بحبل ألولاية(ولاية الرسول و أهل بيته ألطاهرين بآلتسلسل) و بآلتالي ألأتصال بآلله كونيّاً.
11 – تفسير ألميزان؛ تفسير مُعتدل من دون آلشمول و آلأحاطة الكاملة, و هو أفضل من بقيّة ألتّفاسير نسبيّاً.
12 – ألتّفسير ألأمثل لمكارم الشيرازي؛ و هو تفسيرٌ لم يرتقي للعنوان كاملاً, رغم إنه كشف حجاباً من حجب ألقُرآن ألكريم.
و آلحقيقة إنّ ألقُرآن ألكريم و كما يقول ألأمام ألخُميني(قدّس)؛ [ليسَ ذلك آلكتاب ألّذي نستطيع نحن أو غيرنا تأليف تفسير جامع لهُ يحوي كافّة علومه كما هي, لأنّهُ يحوي علوماً فوق ما نفهم نحن, إنّنا نفهمُ ظاهراً منهُ, و وجْهاً منهُ, و آلباقي يحتاج إلى تفسير أهل ألعصمة من آل آلبيت(ع), لأنّهم ألمُعلَّمون ألمُرخّصون بتعليمات رسول آلله(ص) ألّذي لا ينطق عن آلهوى إنْ هو إلّا وحيٌ يُوحى.
ثانياً: مناهج ألمُتغرّبين؛
إهتمّ آلمُتغربين و آلغربين بآلقرآن بعد تطور علم ألّلغات (ألسّيمولوجي), حيث طغى على تفاسيرهم ألجّانب ألتأريخيّ و آلدّلاليّ ألصّرف في آلعرض, لهذا لا يُمكن إعتمادها كمنهجٍ متكاملٍ, و هي؛
1 – رؤى و تفسير محمّد عابد ألجّابري لأهمّ ألأصول و آلآيات ألقرآنية.
2 – رؤى و تفسير محمّد أركون لأهمّ ألمحاور ألقرآنيّة.
3 – رؤى و تفسير حامد أبو زيد.
4 - منهج محمد جواد حجازيّ, حيث قدّمَ تفسيرهُ عام 1967م بعنوان؛ "ألوحدة آلموضوعيّة في آلقُرآن ألكريم" كأطروحة للدكتوراه في آلأزهر.
5 – تفاسير غربيّة أخرى, أهمّها:
- بحوث ألمستشرق ألهولنديّ "فت" ألّذي نشر دراسة عام 1845م بعنوان؛ "محمّد و آلقُرآن".
- صدور دائرة معارف ألقرآن, و كان آلقصد آلأساسيّ منها؛ دراسة ألنّصّ ألقُرآني نفسهُ.
- بحوث و تفسير ألباحث ألياباني "توشيكو إيزوتسو" ألّذي أسلمَ فيما بعد, حيث إهتمّ بآلكلمات ألمفتاحيّة في آلقُرآن ألكريم, و نظّرَ لمشكلةِ ألترتيبِ ألتّأريخيّ لآيات ألقُرآن, بآلأضافة إلى إهتمامهِ بأعماِل ألمستشرقين و آلمُعاصرينَ في هذا آلمجال و موقفهم منه, و أوْلى إهتماماً خاصّاً للدّراسة ألدّلالية و آلمُصطلح ألقُرآنيّ, و دور ألسّياق ألجزئي و آلكليّ في آلتّفسير.
و أنا أختلفُ منهجيّاً مع جميع آلمُفسّرين ألّذين فسّروا آلقرآن و نظّروا لِسورهِ و آياتهِ على أساسِ إعتقادهم إبتداءاً بدعوى أنّ للقرآن أهدافاً أحاديّةّ مُتجزئة و متنوعة ألمسالك و آلمشارب كما هو حال ألمُتغرّبين منهم بآلخصوص .. أو إنّه يتضمّن أهدافاً مزدوجة و مُتعدّدة و مُختلفة لا ترتبط ببعضها كما هو حال ألأسلاميين منهم بوجه أخصّ .. بما فيهم أستاذنا ألسّيد ألشهيد ألفيلسوف محمد باقر ألصدر (قدس) و آلسّيد محمد باقر الحكيم(قدس)(14) .. بعيداً عن حلقة آلوصل ألأساسيّة ألتي أشرنا لها, و إختلافي على ذلك معهم يعود للأسباب ألتالية:
ألسّبب ألأوّل؛ هو إنّ تعدّد ألأهداف و عدم وضوحها – في أية رسالة و ليس بآلضرورة في آلأسلام - يؤدي إلى آلتيه و آلضّياع و فقدان ألرّكيزة ألأساسيّة ألّتي على أساسها تنتظم ألحركة و آلسّعي و آلجّهاد لتطبيق ألمبادئ ألتي تُختزل عادة بآلهدف ألأكبر ألسّتراتيجيّ و آلبارز سواءاً في آلمنظومة آلأسلاميّة أو غيرها .. و بآلتّالي ألتّأثير سلباً على آلقُدرات و آلأمكانات لتحقيق ذلك ألهدف الأساسيّ ألّذي أشرنا لهُ و هو ألتكامل ألذي لا يتحقّق إلّا من خلال تطبيق مبادئ ألمنظومة آلأسلامية كنسيجٍ مشترك و بشكل عمليّ في حياة الفرد و آلمُجتمع على حدٍّ سواءٍ في ظلّ حكومةٍ إسلاميّة عادلةٍ بقيادة فقيهٍ ورعٍ شجاعٍ.
ألسّبب ألثّاني؛ تعدّد ألأهداف يعني ضعف منطق ألقرآن و تشويه غائيته و حتىّ منهجيّته, و هذا لا يُناسب حكمة الله تعالى و صفاته و خُلقه و علمهُ ألّذي لا حدًّ و لا حُدود لهُ!
ألسّبب ألثّالث؛ فقدان ألهدف ألأساسيّ من آلرّسالة .. خصوصاً من آلآيات ألقرآنيّة ألمُحكمة و هو آلتّركيز على آلتّوحيد عن طريق منهجِ أهل ألبيت(ع) دون آلمناهج ألأخرى – يعني فقدان ألحكمة و آلعقلانيّة و آلأمن من آلرّسالة ألأسلاميّة, و بآلتّالي ألدّوران في حلقاتٍ شبه مفرغةٍ بعيداً عن تحقيقِ ألهدف أو حتّى مُجرّد معرفة ألهدف من خلق ألأنسان و آلوجود.
إنّ جميع الآيات ألتي حَثّتْ على آلعمل ألصّالح أو أنذرتْ من عمل ألسّوء, و جميع ألدّروس و آلعبر ألتي وردتْ في آلقُرآن؛ كلّها تُؤشّر إلى هدفٍ واحدٍ لا غير و هو توحيد ألله تعالى ألّذي لا يَتَحقّق إلّا بآلتّكامل ألّذي يقترنُ عادةً بآلأستغناء عن آلظالمين, بل و مُحاربتهم و ذلك بآلتّعاون مع آلخيّرين ألمُوحدين .. طبقاً للتّفاصيل و آلمناهج ألّتي وردتْ في نفس القرآن و آلسُّنة آلنّبويّة بإعتبارهِ ألثّقل ألآخر في آلرّسالة ألأسلاميّة.
ألمنهج ألأمّ في تفسير ألقرآن:
إشتهر في آلأوساط ألعلميّة – خصوصاً ألحوزات ألعلميّة – منهجان للتّفسير هُما؛ ألتّفسير آلتّجزيئيّ(ألتّرتيبيّ) و آلتّفسير ألموضوعيّ(ألجّامع), هذا بعيداً عن ألهدف الأساسيّ ألّذي بيّناه سابقاً .. منذ شروع كتابة آلتفاسير حتى أواسط ألقرن ألماضيّ, فآلبعض كانَ يُفضّل ألتّجزيئيّ (ألتّرتيبيّ) و هو أقدم منهجٍ يمتدُ منذ آلقرن ألثّالث عشر و إلى يومنا هذا, و آلبعض يُفضل ألموضوعيّ و هو آلمنهج ألحديث نسبيّاً؛ و لكلّ فريقٍ أدلّتهُ على ذلك.
بيد أنّ آلشّهيد مُحمّد باقر ألصّدر(قدس) إعتبر آلتّفسير ألموضوعيّ هو آلأمثل و آلأضمن لبيان معاني و غاية ألقُرآن ألكريم, و لعلّ هذه ألأشارة رغم إنهُ يتقدّم على آلتّفسير ألتّجزيئيّ ألتّرتيبيّ درجةً؛ إلّا أنّهُ في حقيقةِ ألأمرِ لا يضمن هو آلآخر تقديم ألصّورة ألواضحة لأساسِ ألقرآن من أجلِ تحقيق مضمونهِ و تفعيلهِ عمليّاً في واقع ألبشريّة بسبب تسلّط أصحاب آلمال و آلشّركات ألعالميّة على آلأرض!
إن أيّه مُحاولة تفسيريّة لمعاني ألقرآن ألكريم مع فرضنا بقدرة ألمفسر من آلنّاحيّة ألكلاميّة و آلبلاغيّة و آلعلميّة و آلتأريخيّة و آلأصوليّة .. تبقى ناقصة و مبتورة ما لم نُخضع تفسيره للمنهج ألأمّ ألّذي أكّدنا فيه على ضرورة ألتّمسك بأصل ألهدف و هو آلتّوحيد ألّذي لا تكاد سورةٌ أو آيةٌ أو ربّما كلمةٌ واحدة من كلمات الله لا ترمز لهُ؛ إشارةً أو كنايةً أو تصريحاً أو ترميزاً!
و مفهوم آلتّوحيد يتّسع لكلّ ألمدى ألوجوديّ في آلكائنات بشكلٍ مُباشر و غير مباشر أحياناً, و يستطيع ألباحث أنْ يتوصّل لذلك من خلاف معرفة ألهدف من نزول آلآية و آلواقعة و آلزّمان و آلمكان و آلدّلالات وصولاً للغايات ألتي تُحيط بجدوى تقرير تلك آلآية أو آلسّورة ألقرآنيّة كَكُل لتكون قانوناً للبشرية إلى يوم ألقيامة.
فلا آلتّفسير ألموضوعيّ و لا آلتجزيئي و لا آلترتيبي بإمكانه بلوغ ألغاية في إعطاء ألمعنى و آلمدى ألأشمل ألصّحيح و آلرّؤية ألأوسع لغاية و هدف ألسّورة أو آلآية أو حتّى آلكلمة ألقرآنية ألواحدة بشكلٍ تجريدي .. ما لم تتحرّك ضمن إطار "ألمنهج ألأم" ألّذي يضمن إستيعاب ألمفهوم ألحقيقيّ و آلهدف من آلقرآن و آلرّسالة ألأسلاميّة, ذلك آلهدف ألّذي لخّصْناهُ بآلتّوحيد بجميع أبعاده و فروعه كأصل لا يتحقق و لا يكتمل غايتهُ في آلواقع ألأنسانيّ إلّا من خلال ألمودّة لذوى ألقربى(15), بمعنى ألرّجوع لكلامهم بخصوص آلقرآن و آلأحكام ألأسلاميّة.
و يمكننا عرض ألمعادلة ألتاليّة لتلخيص مسار ألمنهج ألأمّ في تفسير ألقُرآن بآلشّكل ألتّالي؛
ألتفسير ألتجزيئي – ألتّفسير ألتّرتيبي – ألتّفسير ألموضوعيّ – (ألمُمَنهج) طبقاً للمنهج ألأم.
و تحقيق ألمنهج ألأم يتطلّب ألأحاطة ألكاملة بعلوم ألّلغة و آلبيان و آلتّأريخ و آلفلسفة مع إلمام بآلعلوم ألطبيعيّة, و بغير ذلك فلا يتحقّق ألهدف المطلوب من آلرّسالة ألأسلاميّة, و سيكون آلتفسير ناقصاً و مبتوراً و لا يُجدي نفعاُ كما كان واقع ألحال مع آلمُفسرين ألسّابقين كما أسلفنا .. بل ربّما يُؤدي إلى تكريس ألأنحراف و آلمحن في آلأمّة ألأسلاميّة .. لذلك ينبغي على آلحوزة ألعلميّة في قم المُقدسة لكونها هي آلرائدة اليوم في مجال ألتنظير و آلتّشريع في آلتّخصصات و آلعلوم و آلأحكام ألأسلاميّة؛ أنْ تتبنى هذا آلمنهج لعرض تفسير شاملٍ جامعٍ للتخصصات العلميّة ألمُختلفة خصوصاً في آلمجال الأجتماعيّ و آلأقتصاديّ و آلأداريّ, طبقاً لمبادئ ألمنهج ألأم.
و في ألحقيقة لا ننكر مُحاولات بعض ألباحثين كما أشرنا لأهمّها و أبرزها آنفاً في بيان ألغاية ألكبرى للقُرآن و كيفيّة تحقيقهُا, لكنّها لا ترتقى للمستوى آلذي نُريد, لهذا عليهم ألتّأمل و آلبحث ألعميق و آلدّائم, و على "ألمراكز" و "آلمنتديات ألفكريّة" أنْ تأخذ على عاتقها بجدّية هذا آلأمر لكونه ألمحور ألأساسيّ للحوار و آلفهم بين ألمُهتمين بآلمُشكلة ألأنسانيّة ألأجتماعيّة ألمُعاصرة.
كما ينبغي للباحث أنْ لا يغيب عن باله؛ بأنّ مُجرّد ألأستعانة ب "آلمُعجم" أو "كشف ألمطالب" أو "تفسيرٌ مُعيّن" كافياً لأستنباط ألمعنى ألمُراد من آلآية أو آلسّورة كَكُل .. بلْ كلّ ذلك تُعتبر مُقدّماتٌ ترتيبيّةٌ و بدايةٌ للدّخول في آلتّفسير ألموضوعيّ للتّعرّف على آلمعنى ألظّاهريّ للآية حتّى يتسنّى لنا بعدها من معرفة باطن ألآيات و آلغاية ألعُظمى بعون الله.
كما تتطلّب ألمرحلة ألتّالية تجميع ألآيات و آلسّور ألّتي تتحدّث عن آلموضوع ألمطروح لتكون ألرؤية ألقرآنية هي آلرّائدة في عمليّة ألبحث وصولاُ إلى حقيقة ألمفاهيم و آلموضوعات ألّتي تهمّ حركة ألأنسان و كدحه في آلوجود, لتكون عمليّة ألّتنمية ألفكريّة هذه؛ محاولة عمليّة علميّة جادّة بإتّجاه زيادة ألأنتاج و آلوفرة و آلتّعايش بسلامٍ و وئامٍ و مساواةٍ و محبّةٍ و رفاهٍ لبناء ألحضارة ألأنسانيّة هذه آلمرّة على أساس ألقواعد ألصّحيحة.
أماآلخطوات ألعلميّة ألموضوعيّة في ألمنهج ألأمّ فهي:
ألأولى:
جمع آلآيات ألمُرتبطة بآلموضوع أو آلفكرة .. و ذلك بآلأستعانة بآلمُعجم ألمُفهرس لألفاظ ألقرآن ألكريم أو بعض ألمواقع ألخاصّة في شبكة ألأنترنيتْ لأختصار ألزّمن, حيث يتطلّب ألأحاطة آلكاملة و آلوعي ألمُنفتح على مُجمل ألسّور و آلآيات في آلقرآن ألكريم خصوصاً .. رابطة ألهدف ألأساسيّ من نزول ألسّورة أو آلآية مع بقيّة ألسّور و آلآيات ألقرآنية بمقدار ألوسع و آلتكليف, ثمّ جَمعْ جميع ألآيات ذاتِ ألعلاقة ألمُباشرة و غير ألمُباشرة نفياً و إثباتاً .. مع آلتّأكيد على آلآيات ألّتي ترتبط لفظاً و نصّاً بشكل مُباشر بآلموضوع ألمراد بيانهُ من خلال وجهة نظر ألقرآن لتكون مداراً سليماً لأساس ألبحث.
ألثّانية:
ترتيب آلآيات و تبويبها بحسب ألأولويّة – نفياً أو إثباتاً – أيّ تقسيمها بحسب ألقواعد القرآنية في إستنباط معاني ألآيات ألقُرآنية - بحسب ألمُطلق و آلمُقيّد؛ ألعام و الخاص؛ ألصريح و آلمجازي؛ ألمُجمل و آلمُبيّن؛ ألمُتشابه و آلمُحكم, حتّى تنتظم ألآيات في مواضعها بدقّة طبقاً للأصول و آلقواعد ألتّفسيرية لتُبيّن بشكلٍ أوضح ألنّتائج ألّتي سنتوصل إليها.
ألثّالثة:
جمع ألرّوايات و آلأحاديث و آلحكم و آلأفعال ألتي وردتْ عن ألرّسول(ص) و أهل بيته ألأطهار لتكونَ كاشفاَ شفّافاً لما خَفي عنّا من أسْرارِ ألمعاني و آلمقاصد في آلقرآن ألكريم نفْياً و إثباتاً.
ألرابعة:
إجراء ألفرز و عمليّة ألتّناسب مع سنخ ألرّوايات ألواردة عن ألعترة ألطّاهرة, بآلضّبط كما فعلنا مع آلآيات ألقرآنية, يعني ألمُطلق مع آلمطلق؛ ألمُقيّد مع المُقيّد؛ ألعام مع آلخاص؛ ألمُحكم مع آلمُتشابه؛ ألنّاسخ مع آلمنسوخ؛ ألمُجمل مع آلمُبيّن؛ و هكذا, و هذه آلعمليّة تشبه إلى حدّ بعيد ألمراحل ألتي نجريها في عمليّة ألأستنباط ألفقهي في آلموضوع ألمَبْحُوث فيه للوصول إلى آلنتائج ألصّحيحة من وراء ذلك.
ألخامسة:
جعل ألنتائج ألتي نتوصل إليها من مُجملِ بحث ألآيات ألّتي تجمّعتْ لدينا؛ لتكون كأصلٍ هامٍّ, و كذا بآلنسبة للرّوايات و آلحِكم ألمشهورة.
ألسادسة:
يتمّ فرز و تبويب ألآيات و آلرّوايات و دمجها حسب ألأولوية بعد آلتمحيص و آلتدقيق في أوجه آلخلاف و آلتقارب أو آلتطابق .. مع مقارنة ألنتائج ألفرعية ألحاصلة للوصول إلى آلنتيجة ألعامة آلتي يتمّ من خلالها إستنباط ألأحكام ألنهائية.
ألسابعة:
إخضاع و ربط ألتّجارب ألعلميّة ذات ألعلاقة بمضون ألبحث أو آلموضوع ألمُراد بيانه لتقرير ألآيات ألقُرآنية, و مقارنة ألنّتائج ألعلميّة ألحاصلة مع مضمون آلآيات, بمعنى أنّ كلّ كشف علميّ لا بُد و أن يوافق آلأشارات التي وردتْ في القرآن بشأنها .. بآلطّبع ألقرآن الكريم و لأنه ليس كتاباً يختصّ بعلمٍ طبيعيّ أو طبّي أو تكنولوجي مُعيّن – حيث ترك ألباري كشف ألعلوم آلطبيعيّة و آلطّبيّة للأنسان ألذي جهّزه بآلعقل و بآلحواس أللازمة لذلك – لهذا لم يرد تفاصيل جميع ألقضايا ألعلمية أو التكنولوجيّة فيه .. سوى آلأشارة إلى مجموعة ليستْ بآلقليلة من آلمسائل ألعلميّة كأدلة و علامات واضحة للخوض فيها؛ كإشارته تعالى إلى موضوع آلسفر إلى الفضاء أو قضية خلق العالم(ألبيك بنك), أو مراحل خلق الأنسان, أو مسألة الضغط ألجّوي و أثرهُ في إستمرار ألحياة, أو أخذه بنظر ألأعتبار حين آلسّفر إلى آلفضاء و غيرها.
إنّ آلقرآن ألكريم.. كان و سيبقى دليلنا لخوض غمار و أسرار ألمجالات ألعلمية ألتكنولوجية أو الطبيّة ألمختلفة, و آلأهمّ من هذا هو؛ كون مجمل ألقرآن كتابٌ يهتمّ بآلجّانب ألرّوحي و آلنّفسي و آلآجتماعي للأنسان أكثر من أيّ مجال آخر, حيث أكّد الباري تعالى كثيراً على هذا الجانب لأهميته لهداية آلأنسان نحو آلخير و آلسلام و آلأمن و آلمحبة.
لهذا فأنّ أمّهات ألأكتشافات ألعلميّة قد ورد ذكرها في آلقرآن من باب حثّ ألنّاس للخوض فيها كي تكون في خدمتة و وسيلة لراحتهِ و سعادتهِ, لكننا نرى للأسف إنّ آلأستكبار ألعالميّ و بسبب إنحراف ألنّظام ألاجتماعيّ ألذي يتحكم به ألسّياسيون ألمُسيّرونَ من قبل ألمنظمةِ ألأقتصاديّة ألعالميّة قد إستخدم جانباً كبيراً من آلعلوم آلذّريّة كوسيلةٍ لقهرِ و إستضعاف و إسكات ألشّعوب و تهديدها بقوّة ألتكنولوجيا و ألسّلاح ألنووي ألّذي بدأ يُهدّد بجدٍّ مُستقبل ألحياة ألبّشريّة للأسف!
ألثامنة:
عدم ألخروج من مدار ألهدف ألذي شخّصناه في مُقدمة ألبحث – أيّ ألهدف من رسالة الأسلام – و آلذي أجملناه بآلتوحيد طبقاً لمنهج و خط أهل آلبيت(ع), فآلخروج من هذا آلمدار يعني ضياع أصل ألأصول في محتوى كتاب الله .. بحسب ما ورد في فاتحة ألكتاب ليكون أمّ ألكتاب .. و آلمنهج آلأم ألذي بدونه لا فائدة من آلرّسالة آلأسلاميّة كلّها.
فآلآيات المُحكمة ألتي إحتوتها سورة الفاتحة(أم الكتاب) و آلتي تُؤشر فقط لتوحيد آلله في كلّ شيئ إبتداءاً من الذرة و إنتهاءاً بأكبر مجرّة؛ هي الدليل و الهدف آلأستراتيجي ألذي بتحقيقه في وجود الأنسان يتحررّ من كلّ آلعبوديات و آلوثنيات ألقائمة في آلأرض, و ألتي تحاول عبر حكومات وضعية من إستغلال الأنسان و إستحماره من أجل تسلّطها و أهوائها.
فحتىّ ألبسملة (بسم الله آلرحمن ألرحيم), أُعتبرتْ في فاتحة ألكتاب آيةً من آيات آلله بعكس "ألبسملات" في آلسّور ألأخرى .. حيث يُلاحظ ألباحث ألمُحترم إعطائها ألرّقم (1) للدلالة على كونها آية منفصلة لها مغزاها و أسرارها آلتي أشار لها إمام المُتقين عليّ(ع) في إحدى روائعه, تلك آلآية وحدها يمكن أن تكون ألدّلالة ألكبرى على عظمة آلقرآن و فلسفة آلخلق ألتي تبدأ بإسم الله و تنتهي بإسم آلناس ألّذين أحاطتهم ألرّحمة آلألهيّة .. لأنّهُ من سليمان و إنّهُ بسم الله ألرّحمن ألرّحيم.
أمّا دور ألعقل و آلأجماع في عمليّة ألأستنباط ألتّفسيري للقرآن ألكريم كأصلين مُتلازمين بعد آلكتاب و آلسّنة؛ فأنّهما عاملان يتداخلان ضمن آلمراحل ألثّمانية ألّتي حدّدناها في آلمنهج ألأمّ لتفسير ألقُرآن ألكريم أعلاه(16).
و خلاصة ألمباني و آلأسس ألعامّة ألرّئيسيّة "للمنهج ألأمّ" في آلتّفسير هي:
ألقرآن .. حيث يُفسّر ألقرآن بعضهُ بعضاً.
ألعِترة .. كطريق واضح لا شكّ فيهم.
ألعِرفان .. كإشراق إلهيّ في قلب ألمُفسر.
ألبُرهان .. كدليل يُناسب ألحواسّ ألأنسانية.
و هو من باب ألشّهود و آلكشف لمداليل آيات آلله في آلآفاق و آلأنفُس.
و لا حول و لا قوّة إلّا بآلله ألعليّ ألعظيم.
عزيز الخزرجي
(1) يُعتبر ألإمام عليّ(ع) ألّذي هو آلقرآن ألنّاطق؛ أوّل مُفسرٍ للقرآنِ ألكريم حيثُ بيّنَ معالم أهمّ محاور هذا آلكتاب ألعظيم من خلال عملين؛
ألأول؛ حين إعتزلَ آلمشاركة ألرّسميّة في آلحكومات ألّتي تشكّلتْ بسبب أحداث ألسّقيفة, وعَمَدَ إلى بيان و توضيح أسباب نزول آلقران و دلائل آلآيات حتّى أكملهُ, لكنّ آلخلفاء للأسف لم يسمحوا بنشرهِ, لأسباب معروفة, أهمّها؛ ألحيلولة دون إطلاع ألنّاس على حقيقة أكثر من 320 آية نزلت بحقّ من هم أولى بتوليّ آلأمر من قبل آلذين عيّنهم آلله تعالى بدءاً بآلأمام عليّ(ع) ثمّ أبنائه ألمعصومين من أهل البيت, وكما نصّ على ذلك القرآن, لعلم ألمُغرضين بأنّ بيان تلك آلآيات ستسبب إستغراب آلمسلمين في عدم تصدّي أهلها لرئاسة ألدّولة كقضيّة كونيّة مصيريّة!؟
ألثاني؛ من خلال أقواله و بياناته عليه ألسّلام ألّتي جُمعتْ من قبل ألسّيد ألرّضي(قدس) في كتاب (نهج ألبلاغة), خصوصاً في خطبته ألمعروفة ب "آلشقشقيّة", حيث عدّهُ آلمُسلمون – أيّ نهج ألبلاغة - ألكتاب ألثّاني ألموثوق بعد آلقرآن ألكريم, حتّى نعتوهُ بآلقرآن ألنّاطق.
(2) من آلطبيعي أنّ آلقرآن ألكريم قد أوضح في ثناياهُ حقيقة ذلك آلهدف, و إلّا فلا يُمكن أن يكون هذا آلكتاب حكيماً, أو لا ريب فيه, فقد بيّنهُ آلباريّ تعالى بآيات مُحكمةٍ و صريحةٍ, و كذلك نهج آلبلاغة(ألقرآن ألناطق), و لمعرفة حقيقة ذلك نوصي بمراجعة مؤلّفات ألأمام ألشّهيد ألفيلسوف محمّد باقر ألصدر و تلامذتهِ كالفيلسوف ألفقيه محمود ألهاشميّ, و آلسّيد ألفقية كاظم الحائري , هذا بجانب كتب الأمام الخميني و نائبه آلأمام الخامنئي.
(3) ألأحزاب / 72.
(3) كان آلناس على عهد النبيّ(ص) يسمعون آلقرآن و يفهمونه بذوقهم ألعربيّ ضمن مستوىً مُعيّن من آلوعي و آلفهم – لم يكن ذلك آلفهم هو كلّ ألحقيقة و آلأبعاد ألّتي تطرحها ألسُّور أو آلآيات – و كانوا يرجعون إلى النبيّ(ص) في توضيح ما يشكل عليهم فهمهُ, مع بعض ألتّوضيح و آلتّوسع و الأشارات ألمطلوبة و آلتي كانت تتناسب مع مستوى عقولهم أنذلك, و كانتْ علوم ألقرآن تتداول بآلتلقين و آلمُشافهة و حتّى آلكتابة و إن كانت متفرّقة, و بعد وفاة ألنبيّ(ص) و إنتشار ألأسلام, بدتْ بوادر خوف ألمسلمين على تحريف ألقرآن, و آلشعور بعدم كفاية و ضمان ألتلقين و آلمشافهة و آلكتابات ألمتفرقة .. خصوصاً بعد إختلاط ألعرب بآلأعاجم ألّتي كانتْ لها لغتها و ثقافتها في آلحياة و آلتفكير, فبدأت حركةً واعيةً لضبط علوم ألقرآن لوضع و تثبيتْ سورها و آياتها و قراءتها, و قد سبق آلأمام عليّ(ع) غيره بإتخاذ تلك آلضّماناتْ ليباشر إلى جمع ألقرآن و كتابته, فقد ذكر (إبن ألنديم) في آلفهرستْ؛ [أنّ عليّاً(ع) حين رآى من آلناس ما رآى بعد وفاة ألنبيّ(ص) أقسمَ أنّهُ لا يَضَعَ على عاتقهِ رداءَهُ حتىّ يجمع آلقرآن, فجلس في بيتهِ أيّاماً, حتّى جمع آلقرآن كلّه].
(4) دليلنا على هذا الأستقراء, هو؛ قصص التأريخ ألتي وردتْ في القرآن ألكريم؛ كقصة ألملك "تُراجان" و "دقيانوس" مع شعبهم, و عدم تمكن ألفتية ألسّبعة ألّتي آمنت بآلله و وحّدَتْهُ من إقامة شعائر الله حتّى على آلمستوى الفرديّ, لذلك إختاروا آلهروب و ألأنفصال عن ألمجتمع لتبدأ قصّة جديدة معروفة, و كانت أسمائهم؛
ماكس منيانوس
امليخوس
موتيانوس
دانيوس
- يانيوس
اكسا كدثو نيانوس
انتونيوس
و كذلك واقع ألحال ألذي حدث في آلعراق في عصرنا هذا؛ حيث سبّب آلنظام ألبعثي؛ مسخ ألشّعب ألعراقي برّمته بسبب ألمبادئ ألجّاهليّة ألمُتحجرة للنّظام ألقومي ألفاسد ألذي حكّمهُ في نهجه, ليصل ألأمر إلى ما وصل اليه اليوم من فساد و قتل و ظلم و نفاق و إرهاب .. قلّ مثيلهُ في التأريخ ألبشريّ ناهيك عن ألأنسانيّ.
(5) ألبقرة / 2.
(6) ألنحل / 89.
(7) قال تعالى: [و من لمْ يحكم بما أنزل الله فاؤلئك .. هم آلكافرون .. هم آلفاسقون .. هم آلظالمون](ألمائدة / 44 و 45 و 47).
(8) و هي أشهر واقعة في التأريخ الأسلامي إتفق على وقوعها جميع ألمؤرّخين و آلمذاهب؛ حيث أوصى من خلالها آلرسول ألأمين بآلخلافة من بعده لوصيّه علي بن أبي طالب(ع).
(9) لمعرفة تفاصيل هذه آلمحنة التي تُعتبر من أكبر و أقسى محنة تعرّضتْ لها الرسالة الأسلامية .. يُمكنكم مراجعة ألمصادر ألموثوقة ألتالية؛ ألقرآن ألكريم نفسه(ألآيات ألمتعلقة بأهل البيت عليهم السلام), كتاب نهج البلاغة للأمام عليّ(ع), كتاب آلغدير للعلامة الأميني, كتاب ألأحتجاج للطبرسي, كتاب ألأستبصار, كتاب ألسقيفة لمحمد رضا المظفر, و كتابنا ألموسوم ب "مُستقبلنا بين الدين و آلديمقراطية".
(10) يعتبر تفسيراً مقتضباً و ناقصاً .. لم يصلنا منه سوى جزء واحد, حيث فُقد الجزء الثاني من التفسير حسب ما عرفنا للأسف.
(11) يعتبر (ألتفسير ألأمثل) آخر تفسير للقرآن ألكريم نهاية ألقرن ألماضي .. إنتهى من تفسيره العالم الكبير آية الله مكارم الشيرازي قبل خمسة عشر عاماً تقريباً.
(12) نستثني بحثاً واحداً حول تفسير ألقرآن ألكريم بعنوان "ألقرآن هو آلثقل ألأكبر" لِرُوح الله ألمُوسوي ألخميني(قدس), حيث كاد أنْ يُشير فيه إلى هدف ألقرآن ألأساسيّ, لكنّه بيّن ألموضوع بشكلٍ أوضح في كتابهِ (ألحكومة الأسلامية أو "ولاية الفقيه), نوصي بقراءة آلكتابين لأهميتهما.
(13) ألحلقة ألمفقودة كما أشرنا في آلمتن هي حلقة ألتّوحيد ألتي لا يُمكن أنْ يدخلها أحداً .. ما لم يُحِبَّ و يُواليَ أهلَ ألبيت ألمعصومين(ع), بمعنى تنفيذ أوامرهم عبر آلتّحلّي بأخلاقهم.
(14) باقر ألحكيم, محمّد (1425ه.ق). علوم القرآن, مركز ألطباعة و آلنّشر للمجمع ألعالميّ لأهل ألبيت(ع)- مطبعة ليلي, قم – إيران, ط4.
(15) قال تعالى؛ [قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا ألمودّة في آلقُربى](ألشورى / 23), و أسباب نزول هذه الآية معروفة بحسب الروايات المتواترة, حيث نزلت حين رأي الصحابة ألحزن و الهم على رسول الله في آخر أيامه, فظنوا بأنّ آلرسول قد تعب كثيراَ بسبب أدائه و تبليغه للرسالة الاسلامية و قد شاب رأسه و إنّه ينتظر ألأجر من الناس على ما قدّمه لهم, لذلك هرع المسلمون و الصحابة في وقتها و جلبوا له ما أمكنهم من المتاع, عندها نظر آلرسول ألكريم إليهم ثم بكى و قال بعد ما أخبره الوحي؛ [ ... لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودة في القربى], و قد تكرر هذا الموقف و نزلت آيات مشابهة لذلك, و كما لا يُخفى عليكم بأن مودّة أهل البيت(ع) يكون من خلال محبتهم عن طريق تطبيق أقوالهم و أعمالهم, و ليس فقط زيارة قبورهم و اللطم عليهم, فذلك لا يكفي لتحقيق المودة!
(16) إستنباط معاني ألسّور و آلآيات ألقرآنيّة من آلمعاجم و آلتّفاسير و آلرّوايات و علوم ألّلغة؛ يعني تفعيل دور ألعقل بقوّة في بيان ألتّفسير ألأمثل, و كذا ألأجماع بشرطها و شُروطها في تقرير معاني ألآيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.