ما حدث في عدن، يكشف صعود شوفينيات، تحاول تعميق الصراع، وتصعيده، بل وتحويله إلى شرخ طائفي، لتتلاعب به وتحوله إلى مسألة تبرر عنفها. لاحظت عشرات التعليقات، كتابات، تتحدث ببعد واحد، تريد أن تبرر لطرف عنفه. وكثير من الكتابات الحمقاء، أو التعليقات على القنوات، تدافع عن الإصلاح، باعتباره الطرف الذي يدافع عن الوحدة. كان يظهر أنصار علي صالح، متخذين من الوحدة شعاراً باهتاً يبرر كل فظاعات النظام، واليوم يعود نفس الخطاب لتبرير شوفينية الإصلاح. واحدة من تلك المقالات تذرعت بالعنف الذي حدث من فصائل في الحراك إزاء مواطنين من الشمال. هل نقبل عنفاً لتبرير عنف آخر، هل يُعقل ذلك؟ بالفعل حدثت أعمال مريعة، والأطراف المتصارعة تريد تفعيل الفجوة الطائفية للتلاعب بها، وتبرير شكل وجودها. علينا أولاً تناول موضوع مقتل مواطنين شماليين في مناطق جنوبية بحذر، أقصد عدم قبول ذلك كاتهام عام يشمل كل الجنوب؛ هناك مواطنون يمنيون يقعون ضحية، تشكل شوفينيات خرقاء. كما أن ما يقوم به الإصلاح في الجنوب، كوريث لكل حماقات نظام صالح، لا يمكن تعميمه ليشمل المواطن الشمالي. لكن من مصلحة الأطراف المتنازعة اللعب على ذلك التعميم. من مصلحة خطاب متطرفي الحراك، إيجاد شوفينية تبرر كل عنف، تحت مصطلح الجنوب، ثم يريد تحويل كل فساد ناتج عن نظام علي صالح، وحلفائه إلى مسألة شمالية، تعم كل الشماليين، بل إن الأحمر صار لوثة لكل شمالي. فيما يريد الإصلاح اليوم تحويل قضية مقتل شماليين في الجنوب إلى خطاب تحريضي، يبرر ممارساته القمعية. بالتأكيد من يقبل مقتل مواطن يبيع على بسطة من أجل إطعام عائلة عريضة، لا يوجد أي مبرر، أي نضال وطني، أو تحرري يقبل هذا القتل، غير أن مصيبة الإصلاح، بعد إحراق مقراته، أنه وعبر كثير من جوقاته، يريد تعميق شرخ شمال- جنوب. فإقامة حفلة، والتعرض لأنصار الحراك، إقصاء غير مقبول، كما لا يمكن أن يكون ذريعة لقتل مواطنين شماليين. ما يحدث أن الهوة اليمنية نتشارك لتوسيعها. بينما يبدو لي، أن الإصلاح جاهز من خلال تنظيمه القوي لخوض معركة، لن يربح فيها طرف، إنما ستكون اليمن الخاسر الأكبر فيها. واحدة من التعليقات بررت العنف الذي مارسه الإصلاح، بأن على الدولة حماية المواطنين، بل وتكسير رقاب من يعتدي على الوحدة، أي تحريض في هذا الخطاب، من جهة أخرى يسكت البعض عن الحركة الغوغائية التي طالت مواطنين عاديين، كل جرمه أنه ينتمي لمنطقة معينة. نرى في مشهد العنف الاحتفالي المأزق اليمني يستهلك أزماته ويفعلها، هل عدن أو الجنوب في طريق التسوية. كيف نحدد ماهية الوحدة أو الانفصال؟ وإذا كان الحوار يمثل خرم إبرة للخروج، كما يحلو للبعض أن يراه، فإن اليمني يؤكد بصورة عبيطة، على هيجان الإقصاء المستوحشة فيه، حد أن البعض يبرر القتل، تحت مظلة بالية لفكرة الوطن الموحد، وآخر يجدها فرصة لتأكيد أحقية قضيته. في الواقع، لا نعثر على قضية، بل تعزيز لخطاب الأمر الواقع، فصالح والبيض اللذان أدانهما قرار أممي، وهما الموقعان على الوحدة، ثم طرفا النزاع في ثنائية وحدة- انفصال، يعودان لخندق واحد من ماضي خسارة السلطة، إلا أن طرفاً آخر راهن على القرار الأممي كلحظة انتصار، فغالى في اتخاذ شعار الوحدة لفرض قمعيته. إن تقلب الأحوال في اليمن، الانتقال في الخطاب، يؤكد أن الشعارات خادعة، ومجردة من قضيتها، بل تحدث وفق حاجات كل طرف، وقدرة فعله السياسي، لكن القضايا تأخذ على المستوى الشعبي الاحساس الحقيقي، فهناك مزاج تقويه الظروف، سواء في الحاجة للانفصال أو الوحدة، لكن مستوى التعبير عنها غير واضح، لأن الشريحة الكبيرة من المواطنين يفتقدون إدراك مصالحهم، فيما قوى النفوذ تمتلك إدراكاً عالياً بمصالحها، وباستعادة تحالفاتها، وحتى بشرخها كما تقتضي الحاجة. ما نراه ليس أكثر من صعود شوفينيات، تعزز العمق المشروخ لليمني، استجرار كل ماضيه القائم على صراعات لا تنتهي، شوفينية راديكالية، وشوفينيات مناطقية. هناك خطورة هائلة، تواجه البلد، وكما يبدو لا يوجد طرف سياسي مستشعر بذلك، كل ما هنالك رؤى ضيقة، ولا يبدو أننا حتى لدينا إدراك لماهية شمال وجنوب، لا نعرف حتى كيف نحافظ على ذلكما الكيانين. رابط المقال على الفيس بوك