أدري بأن البهجة تشع من بين عينيه على نحو صقيل ,وأن كأس سعادته مترعة الآن, وأن قادم الأيام ستنبئ عن حيوية في إطلالاته تغذيها الحرائق المتصاعدة في أكثر من جبهة على امتداد خارطة الوطن الموجوع . لكن أيما شيء لا يستطيع أن يعدل كثيراً في تضاريس خارطته البدنية، خصوصاً الظاهر منها أمامنا ؛فوجهه الغضوب سيظل على حالته المتجهمة الوالغة في التبرم ,فيما فمه سيبقى على شكله الكالح المتقاطر, حقداً, وسباباً وشتيمة على الشعب وأولئك الذين أذاقوه حنظل الهزيمة ومرارة الانكسار ,ثم دفعوا بأنصارهم إلى الشوارع للرقص على أطلال بنيانه المتداعي وإسدال الستار عن حقبة من الزمن مريرة كان هو سلطانها وكانوا هم مسحوقيها وضحاياها ! أتحدث عن «المناضل» القاعد فوق كرسيه المذهب متصالب الذراعين ينثر فمه لمن تبقى حوله من المنتفعين تعقيباً على أحداث المحافظات الجنوبية كلاماً ليس أعذب منه في ذائقتهم السمعية, وليس أسوأ منه في ذائقتنا كشعب اصطلى كثيراً بنيران جبروته وفساده وكذبه وخدائعه الموغلة في المكر والثعلبة! إنه يرغب في أكثر من إطلالة على الجمهور لكي يقيح مخزون انتهازيته, ويستعرض بجراءة مزكمة إيمانه المتأخر بمعادلة (الشمال الهمجي والجنوب المظلوم) وإن على استحياء ! زعيم الهبارين يتوهم أن له الحق في أن يفعل ذلك مثله مثل غيره من النهابة الذين استحالوا إلى مدافعين في منتخب الانفصال الذي يقوده رأس الحربة البيض بعد أن انقطع عنهم حليب الجنوب, وأغلقت حنفيته غزيرة الإدرار أمام أفواههم وبطونهم التي لا تشبع! ذلك ما يبدو أن له رغبة عارمة في الانتحاء نحوه ,يعمق من يقيننا هذا ظهوره الأخير, وما انطوى عليه من حديث موغل في الغطرسة, وينم عن انتهازية توشك أن تبلغ الفيضان . إنه لم يعد ذلك الرجل المصاب؛ ذلك أن حرائقية المشهد في الجنوب تنعكس في وجهه ألواناً أخرى فيتحول إلى ما يشبه الثريا بإضاءته ,رغم أنه ما يلبث أن يتوارى قسراً مفسحاً المجال أمام التمدد المدهش لخيوط الفجر المنبلج برحابة واسعة وجميلة لايعوز شكلها أبهى الجلالات. من قال إن الزعيم يعاني مرضاً أو هزالة في وجه أو جسد ! إن ذلك هو فقط مانحلم به نحن بينما لاينطق محياه إلا عن بشاشة تسحل أحلامنا تلك، مجترة وراءها لنا سرباً من البؤس وافر الحيثيات . صحيح أنني أنقد الجميع ,أكتب ضد كل الممارسات المسيئة من أية جهة كانت ؛بيد أن صدري يفاجئني أحياناً بأن ما يجيش فيه من مشاعر ناقمة وغاضبة تعود لا إرادياً للدوران حول مركز الزعيم ,جحر الدسيسة ومحضن الشر الذي تتفرع عنه كل هذه الشرور ! ولعل أخطر مشكلة تواجه الوعي الوطني اليوم هي قدرة الزعيم على استعادة زمام المبادرة ولف حبائله حول خاصرة الوعي الوطني مجدداً ليبدأ دورة الانحدار باتجاه الانشغال بمشاكل متفرعة ,وخدائع صغيرة، متناسياً خديعة المركز ,حيث الشيطان ينتظر بشغف سقوطه من صدارة اهتمامات الوعي الوطني ويقظته ..دون وعي ! وساعتها ستنفجر «أشداقه» قهقهات صاخبة بملء الفضاء ؛لأن القضية دفنت, ونفد التحلل اللعين إلى صميم الجهود الجبارة الموحدة التي بذلت لإنجاز استحقاقاتها ذات يوم ! رابط المقال على الفيس بوك