أثناء الثورة الفرنسية الكبرى في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، ورث الشاب المعتوه «روبسبيير» نتائجها، وأصبح القائد الأوحد لها، مُستعيناً بتطيراته وخطاباته الديماغوجية.. ثم شرع في أسوأ تصفية جسدية مُعلنة في التاريخ المعروف، من خلال إرسال عشرات الآلاف من الفرنسيين إلى آلة قطع الرؤوس الجهنمية التي ابتكرتها فرنسا بدلاً عن السيف والفأس، وخلال حكمه القصير الذي دام سنتين فقط، نجح في تحويل مسار الثورة الفرنسية من توق لحلم بالحرية والعدالة والمساواة، إلى محنة كبرى تعيد إنتاج مآسيها.. لكنه لم يدرك البتة أن مصيره المحتوم سيكون موازياً لمصير قتلاه المظلومين، فقد عقدت الجمعية الوطنية الفرنسية العزم على التخلص من الطاغية بذات الأدوات التي استخدمها .. كانت محاولة الاغتيال، ثم القبض عليه وإرساله إلى «الجيولاتين» ليُقطع عنقه. خان روبسبيير من ادعى أنهم مرشدوه على درب التغيير.. خان المُفكِرين جان جاك روسو، وفولتير؛ وظهر أمام عامة الفرنسيين بصورة “دراكولا”.. مصاص الدماء الروماني الأسطوري، حتى إن الجميع اعتبروا الملك المقتول لويس السادس عشر وزوجته ماري انطوانيت أفضل منه بكثير، وهو الذي ادَّعى الثورية والمفارقة للنظام الإقطاعي الطبقي الظالم. استعدتُ هذا القصة المسطورة في تاريخ الثورات لنتوقَّع أسوأ الاحتمالات، ولنعرف أن الثورات يمهد لها المفكرون، وتنفذها الجماهير المغلوبة على أمرها، ويرثها الصعاليك والمجرمون الاعتياديون. هذا ليس حكم قيمة إطلاقي، ولكنه الاحتمال الأكثر حدوثاً، وقد كانت له ملامحه البارزة في الثورات الفرنسية والصينية والروسية، مما لسنا بصدد تفصيله هنا. وفي الأدب السياسي أُشير إلى كتاب عالم التاريخ والحضارات «جوستاف لوبون» بعنوان (سيكولوجيا الجماهير) المقرون بمقدمات وتداعيات الثورة الفرنسية، كما أُشير إلى سلسلة روايات الكولومبي العتيد «جابرييل جارسيا ماركيز» ذات الصلة بتواريخ الانعطافات والثورات والانقلابات في أمريكا اللاتينية، وخاصة روايات (مائة عام من العزلة، وخريف البطريريك، والجنرال في متاهته)، وكلها أعمال تستحق قراءة استعادية في الأحوال الراهنة. [email protected]