لست الوحيد الذي لاحظ تهافت المتحدثين في الفعاليات الأولى لانطلاقة الحوار الوطني، خاصة وهم يستجرّون الحديث عن تلك المشاريع الصغيرة المغرقة في الانعزالية والموضوعات ذات الطبيعة المناطقية والقروية، حيث كان الغائب الأكبر في تلك السجالات المليئة بالنتوءات المرضية هو الوطن بكل دلالالته ومضامينه ومرجعياته وفضاءتة، بل يمكن القول - للأسف الشديد – حضور الذات الذي يستهدف استرضاء الصخب وغياب المنطق الذي يتوجبه حال الوطن الراهن من تعقيدات المشكل وتزايد معطيات التحدي. أقول – للأسف الشديد – إن الاشكالية الراهنة أن يحضر التساؤل وتغيب الإجابة، حيث حضرت المناطقية والكيانات المذهبية ومشاريع التشطير وبروز مخططات الأقاليم والكانتونات والفدرالة (من الفدرالية) كلها حضرت في ماراثون فن الخطابة والحماسة، بينما كان الغائب الأكبر وسط هذا السباق المحموم هو الوطن الكبير والمواطنة المتساوية. أقول مرة أخرى – وبمرارة - لقد اختزل بعض الساسة وغيرهم الوطن اليمني في تابوت محنط وكأنة غارق ٌ في جدلية البحث عن شماعة القبيلة والمناطقية والشطرية والجهوية، متناسين البحث عن قيم العدالة والحرية والمساواة وتحقيق شرط المواطنة المتساوية ودولة النظام والقانون. ومع شديد الأسف – أيضاً – فإن بعضاً من «انتللجنسيا» المجتمع يغضون الطرف عن تلك المآلات الخطرة التي يقودون الوطن إليها وهم يبحثون في تفاصيل مشروعاتهم الصغيرة ، متناسين - في الوقت نفسه - مشروعات المواطنة المتساوية والحفاظ عن الوطن من مغبة التفتت وجسامة الانكسار، ولعل النخب المعنية هنا، لا يقتصر مدلولها على أولئك الذين يتهافتون على ميكرفون الخطابة داخل أروقة مؤتمر الحوار في أيامه الأولى للإسهاب في الحديث عن تلك المشاريع الصغيرة وإنما تشمل أولئك الذين يتمترسون خلف مداد حبر تزييف الوعي وكذلك ساسة فنادق النجوم الخمسة ممن ينفخون في شرارة الاحتراب دون مراعاة لهول الكارثة التي ستصيب الجميع في مقتل. كأنني - هنا – بالبعض يقول لي: لا تتعجل ودع فسحة من الزمن لأن يلتقط المتحاورون أنفاسهم ويهدأ الساسة عن كيدهم ورجال الإعلام عن ضجيجهم، لكن لامناص من الشعور بأن ثمة خطراً يتهدد وحدة كيان الشعب ولُحمتة الوطنية.. وهي أحاسيس يتمنى المرء أن تكون مخطئة، لكنه – في واقع الأمر – لا يمكن أن يغفلها وسط هذا الدخان الكثيف من خطابات الساسة المخيبة الآمال!!. رابط المقال على الفيس بوك