أخيراً انعقد مؤتمر الحوار الوطني في اليمن بعد شدّ وجذب، ومدّ وجزر، وبين قبول ورفض، في أجواء مفعمة بالتفاؤل والصدق، وها هو بين أيدي اليمنيين الممثلين للمؤتمر الوطني، ومازال القبول والرفض يتأرجحان بين منصة التغيير واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، مع أن هذا التأرجح لا يفيد من رضي بالبناء والتغيير ونهضة اليمن، ويتيح الفرصة لمن في قلبه مرض أن يعيد عجلة التغيير إلى الوراء. وما يهمنا في هذا المقام - بعد أن تم تشكيل لجان الحوار الوطني وحُدد الأعضاء في كل لجنة وبدأت اللجان تمارس مهامها - أن نطالب بلجنة إضافية يفرضها الواقع اليمني فرضاً يكون مهمتها محاربة الرذائل الناشبة مخالبها في جسد اليمن المنهك سواء أكانت تنتمي إلى عائلة الكبائر أم إلى عائلة الصغائر، فهل لمحاربة الرذائل نصيب من مؤتمر الحوار أم أنها قضية ثانوية لا يحق الوقوف عندها؟. قد يقول قائل: هذه قضية موجودة داخل قضايا مؤتمر الحوار الوطني، وليس من الصحيح تكرارها بالاسم وعمل أعضاء لمناقشتها.. قد يكون هذا القول صائباً لكن: ألم تكن الرذائل كثيرة وهي سبب كل مشاكل اليمن واليمنيين؟ ألم تكن الرذائل هي الوسيلة المثلى للنظام السابق من أجل البقاء فترة أطول في الحكم ومؤسسات الدولة المختلفة؟ ألم تكن الرذائل هي الطريقة المناسبة لإضعاف الشعب وقهره وفق قاعدة (جوّع كلبك يتبعك)؟. إن كل تلك الأسئلة تفرض علينا أن نشخّص الداء؛ بتبيين وإيضاح أهم الرذائل التي أنهكت اليمن واليمنيين عقوداً من الزمن ليعرفها الصغير والكبير، الذكر والأنثى، ومن ثم نقترح الحلول المناسبة لحلها مادمنا ارتضينا بالتغيير. إن أولى الرذائل التي تفرّخ رذائل أخرى هي (رذيلة الفساد)، وكم تكلم المتكلمون عنها، وكم وقف عندها اليمنيون، وكم أشبعت هذه الرذيلة كلاماً وتنظيراً دون فتح أبواب لحلها، ألم يعلم اليمنيون أن نطاق الفساد يزداد اتساعاً يوماً بعد يوم؟ ألم يعلم اليمنيون أن تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية سببه الفساد؟ ألم يقرأ اليمنيون تقارير “مؤشرات مدركات الفساد” الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية(TI) التي تقول: “إن اليمن تقع ضمن مجموعة الدول الأكثر فساداً، وأن الفساد فيها خلال الأعوام العشرة الأخيرة يزداد انتشاراً سنة بعد أخرى؛ فبعد أن كانت قد حصلت عام 2001م على 2,9 درجة - وهي في الأصل درجة متدنية - استمر تراجع درجاتها تنازلياً لتصل عام 2011م إلى 2,1 درجة ليصبح ترتيبها 164 من مجموع الدول المشمولة بالمسح”؟. هذا الفساد يقود إلى رذائل أخرى، لعل أهمها التي أوردها رئيس الجمهورية عبده ربه منصور هادي في كلمته عند افتتاحه مؤتمر الحوار الوطني الذي قال فيها: “وما يزال ثالوث الشر الجهل والفقر والمرض يفتك بنا ويفترس مواطنينا بعد خمسين عاماً من الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر التي جاءت لتقضي عليه دون جدوى”، ورذائل أخرى تتمثل ب(السرقة والرشوة والأكل الحرام والفوضى والتهريب والوساطة والمحسوبية... وغيرها). ومن الرذائل أيضاً التي ينبغي أن نعرفها جيداً (رذيلة القتل والاستهتار بدماء الناس)، فكم من أناس قتلوا - بضم القاف - دون وجه حق، وكم من دماء أريقت ولم يعرف قاتلها، وكم من مشاكل بسيطة أو مستعصية بين متخاصمين أدت إلى جريمة القتل، وكم من أطفال يُتموا ونساء تأرملت ولم يجدوا قضاء عادلاً يقتص من القتلة ويقدمهم للعدالة؟!! هذه الرذيلة أدت إلى رذائل أخرى لعل أهمها (شهادة الزور وانتهاك القانون والحكم بالقبْيلة... وغيرها)، الأمر الذي يجعل القاتل بريئاً والمقتول جانياً. ومن الرذائل أيضاً (رذيلة الظلم) الرذيلة التي تجعل الظالم يصول ويجول ولا أحد يرده، فكم من أخ يشكو أخاه، وكم من أخت تشكو أخاها؛ بسبب أخذ أخيها كل ما تستحقه من تركة، وكم من أناس أخذت حقوقهم ظلماً وعدواناً، وكم من رجل قوي أكل رجلاً ضعيفاً ولم يبقِ من جسمه شيئاً يستره؟ والمظلوم ليس له حول ولا قوة إلا بالله وحده. إن تلك الرذائل وغيرها ممن لا يتسع المقام هنا لسردها تتطلب لجنة لمحاربتها وإحصائها أولاً بأول قبل أن يتسع الخرق على الراقع؛ لأن الرذائل كالدود التي تنخر الجسد، وكالأرضة التي تنخر الخشب، وكالمرض الخبيث الذي يدخل الجسد البشري؛ فإذا لم تؤخذ محاربتها بعين الاعتبار وإذا لم تدرج في جدول أعمال المؤتمر الوطني فإن المتحاورين - بلا شك - سيحاولون أن يقيموا الظل ومازال العود أعوج، وسيحاولون البناء دون قواعد وأساسات. إن الشعب اليمني متفائل خيراً بما ستؤول إليه نتائج مؤتمر الحوار الوطني، فليكن جميع أعضاء المؤتمر الوطني سفراء خير، ولتكن محاربة الرذائل من أولوياتهم، ولتكن محاربة الرذائل كمثل القلب لجسد الإنسان؛ كما جاء في الحديث المتفق عليه من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب). [email protected] رابط المقال على الفيس بوك