أيها اليمنيون القابعون في أقاصي الحياة البائسة المنسية , العالقون بين أنياب واقع مرير قاسٍ تتكرر سيناريوهاته , وتتشابه مشاهده, وتستنسخ فصوله من صرخة الميلاد حتى حشرجة الاحتضار، وبين حلم يلوح كومضة برق خافت بعيد , ثم يتوارى دهوراً خلف تلال اليأس الجاثمة على صدور أيامكم التعيسة المجهدة . لا ترهقوا أعينكم بالتحديق في شاشات التلفزة لمتابعة وقائع مؤتمر الحوار , إذ لا جديد تحت الشمس , ولن تنقل لكم الكاميرات من قاعة المؤتمر غير ملامح وجوه ألفتموها , ولن تسمعوا من أصحابها غير ما تعودتم سماعه من تصريحات ممجوجة مملة يجترها المتحاورون من قاموس السياسة المحشو بمفردات الكذب والانتهازية والكيد , بل والاستخفاف بوعيكم , وبوجودكم الآدمي , وحقكم في العيش في وطن ينادي أبناءه بأسمائهم المجردة، وليس بأسماء قبائلهم , ومناطقهم , وطوائفهم , ومذاهبهم . وطنٌ يسألك من أنت أنت , وليس أنت من أصحاب من, وطنٌ لا مكان في قاموسه لمفردة ذلك السؤال الهمجي الخالد(من شيخك؟) , وطنٌ يعبر فيه أبناؤه إلى الوظيفة العامة , ويرتقون إلى المواقع القيادية في مؤسساته عبر جسور القانون ورافعات قدراتهم العلمية , والعملية وليس عبر أنفاق المحاصصة اللعينة , فترفقوا بأنفسكم , ولا تسرفوا بالأحلام , ولا تجازفوا بالتوقعات .. لستُ متشائماً , ولكني أخاف عليكم من وقع الصدمة , وشدة الارتطام بالنتائج المخيبة ، كما أنني لست عرافاً ولا منجماً , لكن من البدايات تُستشرفُ النتائج , ومن الوسائل تنبثق الأهداف , وتطل ملامح الغايات . إن من أعدوا ملفات الحوار , وحددوا محاوره , وصاغوا فصوله , واليوم يديرون جلساته , ويتحكمون بمساراته , ويحددون توجهاته.. هم من تفننوا بصناعة الأزمات , وأسهموا بإشعال الحروب , وتاجروا بقضاياكم الإنسانية العادلة باستثناء بعض من الشباب والشابات وبعض الأشخاص الذين قدموا إلى قاعة الحوار بقلوب عامرة بالصدق , والأمل بصياغة مشروع جديد لوطن جديد محكوم بالحقوق والواجبات, وموازين المواطنة المتساوية فقط . لا أعتقد أن رؤاهم وتطلعاتهم الصادقة النقية ستصمد أمام جلاوزة المراوغة , والكيد , والانتهازية المحكومين بعقد الصراع , والشمولية , والإقصاء , وشره التملك , والاستئثار بكل الأشياء , وأخشى أن يتحول أولئك الشباب إلى مجرد كومبارس في مسرحية الكوميديا العبثية المسماة حواراً وطنياً شاملاً . إن السياسيين والرموز والنخب وقادة الأحزاب , وقادة الجيش , وعلماء الدين , ومشائخ القبائل .. عجزوا تماماً عن إرساء قواعد ومفاهيم الوحدة اليمنية في وجدان الشعب اليمني كميزان عدل وشموس حرية وهوية جامعة , ونجحوا باختزالها في تفكيرهم الشمولي كفصل من فصول الضم والإلحاق إلى المساحة المملوكة لهم , واستباحوا لأنفسهم السيطرة والسطو على كل ما في الجنوب من ساحات وباحات , وأشجار وأحجار , ومساقٍ وملاقٍ .. بحراً وبراً , ولم يُبقوا لأبنائها إلا الندم والحسرات على نظام تشطيري الذي ورغم شموليته ودكتاتوريته أصبح بنظرهم أرقى وأفضل مما هو قائم . إن طرفي الحروب القذرة الستة التي اشتعلت في محافظة صعدة بلا مبرر يعلمه الشعب , وانطفأت بلا مبرر يعلمه الشعب أيضاً، لا ظاهر منها إلا ما يدل على أنها حرب يمنية يمنية بالوكالة عن الرياض وطهران ممزوجة بعقد نقص الدوحة، ولا نرى من نتائجها إلا غابات من شواهد قبور ضحاياها , وجيوشاً من الأرامل , والأيتام , والثكالى . إن من انحرفوا بثورة أيلول 1962م وأفرغوها من مضامينها الثورية , ونكلوا بقواها التقدمية المدنية على مدار خمسين عاماً , ومارسوا الحكم على قاعدة المشائخ والرعية , وشنوا حروبهم المتتالية بدوافع الاستبداد والاستعباد , ونوازع الفيد والغنيمة , وميعوا الهوية الوطنية الجامعة , واستبدلوها بالهويات المذهبية والقبلية, والمناطقية والطائفية .. إن كل أولئك لن يشيدوا نظاما عادلا , ولن يوقدوا شموس الحرية , ولا يمتلكون القدرة حتى على الاعتراف الصادق بحق الناس في المساواة . لقد جُبلوا , وشبوا , وشابوا على إشعال الحروب لا إطفائها .. وعلى إجادة صناعة الأزمات لا إيجاد الحلول .. لعلَّ حميد الأحمر كان أكثر وضوحاً وصراحةً برفضه الحضور إلى مؤتمر الحوار , فهو يريد أن يتحكم في هذا الحوار لا أن يحتكم له .. لقد تعود أن يُملي على الناس أفعالهم لا أن يُملى عليه .. وثقوا تماماً أن حميد الأحمر سيقود الحوار من خارجه , وسيطبخ نتائج الحوار في مطابخ إقليمية ودولية .. لذلك أرى في كل وجه من وجوه قادة الحوار ملامح ونذر أزمة ماحقة، وفي عيونهم شررُ كارثة حرب قادمة .. اللهم إني أسألك أن تلهمهم كل ما يخيب ظني .. ولطفك بالبلاد والعباد ... رابط المقال على الفيس بوك