لا خارج الله ولا سامح ولا غفر لكل من تسبب في خلق القضية الجنوبية في بلادنا ، فالتأميم الذي مارسه وطبقه النظام الشمولي السابق في الجنوب كان لو أنصفنا بداية القضية ، وكذلك عوامل الكبت للحريات ومبدأ (لا صوت يعلو على صوت الحزب ) وتشريد المواطنين وهروبهم أو تهريبهم إلى الشطر الشمالي سابقا وإلى دول الجوار ، كان أيضا جزءاً من القضية الجنوبية .. ثم جاءت النكبات والأخطاء التي مارسها شريكا الحكم بعد الوحدة التي كان نتيجتها حرب صيف 1994م وما رافقها وتبعها من فود وتفود ونهب وتصرفات غير مسئولة ، مارسها الجانب المنتصر ، من مصادرات للحقوق والممتلكات والإقصاء المتعمد للعسكريين والمدنيين معا ، مما زاد الطين بلة فصارت القضية الجنوبية أشبه بكرة الثلج ، كلما مر الوقت وكثر التأجيج فيها زادت كبرا .. فصارت البلاد أرضا وإنسانا تعاني من تبعاتها من اعلى قمة في السلطة وحتى أصغر مواطن فيها ، حيث صارت تلك القضية أداة ووسيلة للمزايدة والضغط الشديد من عدة قوى جنوبية وغير جنوبية ، فلم تعد القضية قضية ظلم وقهر وتجبر ونهب وتفود وإقصاء ، تعرض لها أو طالت كل أبنا الجنوب ولكنها صارت مؤشراً مرعباً لأجندة أخرى أشد خطورة من كل الطروحات السابقة ، فقد نبعت وانبعثت أحلام (يقظة) تعتري بعض القوى الجنوبية ومنها بعض عناصر الحزب الاشتراكي الذي لا زال أحد مسببات القضية الجنوبية والمؤجج لها والدافع لعناصره وحلفائه في الحراك للتشنج والاستعداء لإخوانهم أبناء المحافظات الشمالية .. ولا أقول هذا من باب الرجم بالغيب أو الافتراء على الآخرين ، لكني أقوله إنطلاقا من ما رأيته وسمعته من أقوال وأفعال متشنجة من قبل الكثيرون ممن يمثلون الحراك الجنوبي وبعض ممثلي أحزاب اللقاء المشترك ، غايتهم من كل ذلك (العجين) تشتيت الوطن وإعادة تمزيقه ، إنتقاما كما يوحون من النظام السابق الذي انتهى وانتهت رموزه وعلى رأسهم علي عبد الله صالح ، الذي لم يحسن التعامل لا خلال حرب صيف 1994م ولا بعدها .. فهو بدلا من أن يتسامح ويواسي ويلم الجراح ويعفو أحسن العفو عمل عكس ذلك ، حيث أطلق العنان لدعاة الشر والانتقام لينهبوا ويتفودوا ويعوثوا ويلوثوا داخل المحافظات الجنوبية فنهبت الممتلكات والأراضي والعقارات والحقوق التي كان أمل الجنوبيين أن تعاد بعد تأميمها من قبل الحزب الاشتراكي سابقا وإذا بوضعهم يزداد سوءا ويزدادون فقرا على فقر ، وكأنهم صاروا كالمستجير من الرمضاء بالنار ، وتم أيضا ممارسة الإقصاء والإبعاد لكل من ينتمي للمحافظات الجنوبية أو للحزب الاشتراكي بالذات ، وبذلك أعطي للحزب الاشتراكي وحلفائه ولكل أعداء الوحدة والمتضررين منها حجة ومبرر لتضخيم القضية ، وهكذا صارت تتضخم ويزداد حجمها ، حتى أصبحت فعلا شبيهة بكرة الثلج ، كلما مر الوقت ومرت الأيام زادوها تضخيما .. مما أفقدهاا الكثير من التعاطف الذي كان حاصلا عند بدايتها ، لأن أغلب الناس رأوا أنها لم تعد قضية حقوق أو نهب للممتلكات بل أضيف لها مظالم الماضي من تأميم وتشريد وإقصاء الذي حصل قبل الوحدة ليلصقوها بالوحدة من ضمن أخطائها وجعلها أي الوحدة سببا رئيسيا لكل ما حدث ، وليجعلوا كل ذلك سببا ومبررا لمطالب فك الارتباط وإلغاء الوحدة وإعادة الأمور كما كانت سابقا ، يتجسد ذلك ويدلل عليه تلك الطروحات والتشنجات والانفعالات والكلام خلال مؤتمر الحوار الوطني ، الأمر الذي جعلني وغيري كثيرون يتشاءمون جدا من نجاح الحوار ونتائجه .. لأن المفترض أو المفروض أن يسود الحوار العقل والتعقل والمنطق والمصداقية وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية والحزبية من خلال طرح القضايا ومعالجتها وإبداء روح الاستعداد لتقبل آراء ورؤى الآخرين ، وإلا لا يكون ذلك حوارا وإنما هو ( خوارا ) يهدف إلى إرهاب الجانب الآخر وفرض أجندة خاصة بعيدة عما يهدف إليه المؤتمر والحوار ويذهب بعيدا عن مبدأ وطموح خلق الدولة المدنية التي يرنو إليها الجميع كما يزعمون والتي بظلها تسود العدالة والمساواة المطلقة بين كل اليمنيين لا جنوبي ولا شمالي ولا سيد ولا مسود ولا غني ولا فقير ، عدالة في الحقوق والواجبات ، ليس هناك لا نقطة من أعلى ولا نقطة من أسفل ، حوار لا يسوده الاستعلاء المقيت ولا الأحقاد والضغائن ، لأن كل من يشاركون فيه من طينة يمنية واحدة ، حوار المؤمل منه أن يخرج الجميع بحلول لكل قضية وأهم من كل ذلك الحكم الرشيد .. أما إذا تعدى المؤتمرون كل المنطلقات الوطنية التي جاءوا من أجلها وأصروا على ما هم عليه من ( رفيس )وبالذات أولئك الذين (يدعون وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذلك )الذين يتباكون على القضية الجنوبية مع أنهم في حقيقة الأمر يتباكون على مصالحهم ليس إلا، فلنقل على الحوار السلام، فالمؤشرات توصلنا إلى تلك النتيجة حيث لا نجد إلا صراخ وتشنجات واستقواء ، ولعلهم لا يدركون قول الحكماء بأن صاحب الصوت العالي غالبا لا يكون على حق و قضيته ليست عادلة .. ولعلهم أو لا يريدون أن يفهموا أن لب القضية الجنوبية هي قضية الحقوق والأراضي والممتلكات التي أممت أو نهبت قبل الوحدة أو بعدها وعقب حرب صيف 1994م وأيضا قضية الإخوة الذين تعرضوا للإقصاء والإبعاد من عسكريين ومدنيين سواء قبل الوحدة أو عقب الحرب المشئومة ، وهاتان القضيتان قد تفضل الرئيس عبد منصور هادي بوضع الحل لها من خلال تشكيل لجنتين للنظر فيها ووضع الحول الناجعة والنهائية لها وقد باشرت اللجنتان عملها فور صدور قرار تشكيلها ، وبذلك حلت أهم مفردات القضية .. وما عدا ذلك فما هي إلا ترسبات وطموحات يحلم بها بقايا السلاطين والمشايخ ودعاة الانفصال والتشطير لعلهم يعيدون التاريخ إلى الخلف ، فالرئيس هادي بقراريه اللذين قضيا بتشكيل تلكما اللجنتين يكون قد عالج القضية الجنوبية برمتها ، لأن قضية الأراضي والممتلكات وقضية المبعدين من وظائفهم هي كما قلت سابقا لب كل إشكال في الجنوب ، وما يدور أو يقال غير ذلك في مؤتمر الحوار ما هو إلا مزايدات الهدف منها تقويض عرى الوحدة أو خلق كيان إتحادي هش يسهل بعده فصل ما يراد فصله ، قد لا يكون في القريب العاجل ، ولكن ربما بعد حين قد يطول أو يقصر إذا تهيأت الأمور ، ولذلك يجب على الجميع أن يخشون العواقب ويحذرون من ألاعيب دعاة الانفصال ومن يحلمون بعودة التاريخ الذي كانوا فيه سابقا ، فالنيات الطيبة والسليمة أحيانا تكون مطية لنيات غير طيبة وغير سليمة .. أما مسألة المطالبة بالاعتذار لأبناء الجنوب الذي يلح عليه البعض فإن الأصح أن يبدأ بالاعتذار أولا الحزب الاشتراكي عن كل أخطائه طوال ( 25 ) عاما تضرر منها كل أبناء الجنوب حيث لم تعد الوحدة إلا وأغلبهم مشردين وهاربين في شمال الوطن سابقاً أو في دول الجوار أو في المهجر ، ثم على الإصلاح ثانيا أن يعتذر بصدق وحسن نية عن كل ما ارتكبه ومارسه ضد أبناء الجنوب من فتاوى تكفير وقتل ونهب وتفود ،وعليه، أي الإصلاح أن يلغي علنا تلك الفتاوى التي أطلقها قادته على الجنوب أرضا وإنسانا والقائمة حتى الآن .. ثم بعد ذلك وهو إلزامي يعتذر النظام السابق وبالذات الرئيس السابق ليس لأبناء الجنوب فقط وإنما لكل اليمن أرضا وإنسانا ، ف(بركاته ) عمت اليمن كله من نهب وفود وفساد وعنجهية وغطرسة وإقصاء ومحاربة لكل شريف لا يدخل في ما يمارسونه من فساد يكاد يحجب عين الشمس ، فذلك هو العدل وأساس المصالحة الوطنية ، إما أن يطلب الاعتذار من جانب ويترك الآخرين وأخطاءهم لا تقل عن غيرهم هنا العدالة ستكون عوراء ومنقوصة وغير كاملة .. رابط المقال على الفيس بوك