قد أكون مخطئاً أو مصيباً في المقارنة بين واقعٍ معاش، وبين وضع قديمٍ “متخيل”، في زمنٍ جميلٍ أو “مجمل”، أو في مجتمع فاضل ومثالي افترضته، أو هكذا تصورته كما رسمته مخيلتي التي تأبى تخيل كل قبيح، وربما هي طبيعة الإنسان يحن أبداً إلى الماضي هرباً من وجع “الحاضر” وآلامه ومعاناته، أو لعلي نسيت – بمرور الوقت - كل “الأوجاع” والآلام التي حدثت في ذاك “الماضي” القريب منه والبعيد، أو ربما كان حظي أنني التقيت في تلك الأيام بأناس طيبين وجيدين، أو ربما أن الذاكرة لا تتذكر إلا كل جميل، وتنسى كعادة ذاكرة كل البشر كل أمر سيء، وهذا من فضل الله علينا. لكنها تبقى في الأخير محاولة فردية واجتهاد شخصي تروم تصوير واقعنا اليوم مقارنة بوضعنا في ذاك الزمن الماضي، قد تصيب حيناً، وقد تجانب الصواب أحياناً، ودون الدخول في تفاصيل كثيرة، سوف أترك لكل قارئ حرية التعليق عليها، وربما قد يضيف إليها من ذاكرته و”ذكرياته” ما يراه متسقاً مع المعني والسياق، مع تقديري لرأي الجميع، ولذاكرة الكل. زمان كانت “الرشوة” عيباً و”حراماً”، وسلوكاً يوصف بالجرأة و“بالوقاحة”، أو بقلة الأدب، وعدم التقدير للآخرين، ودليلاً على غياب “الاحترام”، الآن غدت نفس “العملية” خصلة “حميدة”، وربما سلوك “حضاري” مقبول، أو كأنها صارت “حقاً” مفروضاً لمن يرونها مجرد هديةٍ “بريئة”، حتى أضحت واجباً يومياً أو “التزاماً” “قانونياً”، وتصرفاً ينم عن “الذوق الرفيع”، وقمة الأدب في معاملة الآخرين، ودليلاً إضافياً على حسن التقدير لهم، وغاية في النبل و”الاحترام”، لا خلاف عليها أو حولها، ولا “خصام”. زمان كانت “الرشوة” قليلة و”بسيطة = العملة الإسبانية” وتدفع بالرضاء وحسب “القناعة” أو “الطاقة= القدرة”، و”بالاختيار”، الآن غدت “صعبة” ورب الكعبة، وتدفع بال “يورو” أو بالجنيه “الإسترليني”، وأحياناً بال “دولار”، و”عر = كلمة يمنية تعني التهديد” – إن شئت - ستدفعها “برضاك” أو “بالصميل” وانت “حر” – بعد ذلك - في طريقة الدفع، و”الاختيار”، زمان كانت الرشوة تمثل حق “القات” الآن كبرت العيلة “ما شاء الله”، وصارت “قبيلة”؛ حيث صارت تضم إلى جانب: حق “القات”، حق “البن أو الشاي بالسكر النبات”، وحق “المواصلات” وفواتير الكهرباء والماء ... و”الستلايت”، وشراء أحدث “الموبايلات”، وحق “المصروف للعيال، والجعالة للبنات والأخوات”، وحق “الهدايا في عيد الأم لست الستات”، وحق “الليدي في عيد الفالنتاين وتجديد العهد بالذكريات”، وحق “الزواجة الثانية لإشباع الرغبات”، وحتى “لعمل المعروف وإخراج الصدقات”، وحق “البترول والبنشرة للعجلات”، ومعه حق “الزيت لأطيب الوصفات والأكلات”، وحق “إيجار البيت والفسح والنزهات”، وحق” الرخصة” وحق “الفرصة”، وحق”المتاجرة بالبورصة”، وحق و.. و.. و.. و.. و ، وكل واحد يعتقد أنه بياخذ حقه “وحده” وهات لك يابي “هات” من مطالب وصياح و”مشامطة”، و”هزورة”، و”تعتات”، زمان كانت الرشوة تدفع على “استحياء”، وغالباً في السر وبدون “إعلان” أو شهود أو “أضواء”، الآن – حسبنا الله ونعم الوكيل القادر على رفع هذا “البلاء” – صارت تطلب أمام الناس بلا تردد أو خوف أو “حياء”، وأصبحنا نسمعها على كل “لسان” وفي كل مكان صبحاً و”مساء”، وغدا صداها يتردد في كل “المرافق” و”الأقسام” و”المكاتب” و”الأرجاء”، في وضع سبب لنا جميعاً الإرباك، والإفلاس، والإحباط، و”الإعياء”، وجلب لبلادنا الخراب والتأخر و”الفوضى”، وعاد يعلم الله متى هذا المسئول أو ذاك الوسيط والسمسار عن هذا أو ذاك من المراجعين “يرضى”، ومتى يمشي المعاملة أو يختمها ويمهرها “سيادته” “بالإمضاء”. كفانا الله وإياكم شر هذه “البلبلبلية”. وللحديث عن مظاهر سلبية أخرى، إن شاء الله، وإن كان في الأيام والعمر متسعاً، ؛ رابط المقال على الفيس بوك