إذا كان قدماء اليمنيين هم أول من ابتكروا تحنيط الدماغ في التاريخ منذ العهود السبيئة فاشتهروا بين أمم تلك الأحقاب بمآثر علمية وابتكارية لم يسبقهم إليها أحد في الأزل الغابر فإنهم أيضاً مازالوا حتى اللحظة فرسان تحنيط الأدمغة لكن ليس على طريقة أجدادنا السبئيين بل على طريقتنا العصرية نحن أنسالهم لنحقق إضافة ونرسل بُعداً تاريخياً لذلك البُعد العلمي المجيد , وبدا بامكاننا تحنيط الأدمغة واصحابها على قيد الحياة لا قيد الحياء وإذا كانت تلك الأدمغة المحنطة في العهد السبئي قد تم تحنيطها بعد وفاة أصحابها فنحن حالياً نحنطها بعد الولادة مباشرة وبدون استخدام أي مادة من مواد التحنيط المعتمدة قديماً ويكفي ان ننصب سياجاً ( وأنا لا اتحدث عن منظمة سياج لحماية الطفولة مش بعدين يقع قضية ) وحواجز ونصب من القواميس مفردات الممانعة ومحاصرة الطفل بغزارة من ألفاظ التقذيع والتأليب والتحريض وتعقيد الذات ونحت تماثيل الكراهية في دماغه وقلبه في سن طاهر وبريء ,سن ليس له قدرة على حمل مثل هذه المشاعر المقززة التي تتراكم بالتدريج حتى تكتمل منظومة التحنيط السياسي المعاصر وتتحول الدماغ إلى لغم بحسب تلك الثقافة القادمة من بؤر الإيدلوجيات وطرقها الفاحشة في تدمير جماليات الروح البشرية.. ولقد ترسخت مثل هذه البوائد في الذهن اليمني إرتباطاً بالمصالح و بالتقادم.. وبخطط جاءت من فرضيات توظيف الدين ككابح وتوظيف العلمانية كمانع وتوظيف الليبرالية كحاجز وكل ذلك بغرض السيطرة على فطرة حرية التفكير وتقويضها وتوجيهها وفق نوازع مقيتة . وهناك أمثلة رعناء على ماساد المجتمع إبان الأحداث التي شهدتها البلاد في العامين الماضيين من أحداث حيث تعرضت الطفولة لأعنف هجمة تاريخية وأشرس تصرفات آدمية لاشك سيلعنها التاريخ جراء ذلك الحشو المرعب الذي تجشمته أدمغة الأطفال فأغتالت أفكارهم البريئة وزرعت العدائية في عقولهم بفعل حزبي وفئوي ساذج ولكم كان بريئاً طفل حارتنا الذي حادثته حديث عابر فقال لي : ابي قال لي لا تكلم البلاطجة .. فحمدت الله كثيراً لأني لم أكن أمنع ابنتي ذات الثمان سنوات عن مشاهدة قناة “ يمن شباب” وهل من الحكمة منعها لمجرد أنها كانت قد تعودت في منزل أهل والدتها المناصرين لثورة الشباب متابعة تلك القناة على الرغم من الغرابة من قضية ما الذي سوف تستوعبه طفلة من برامج مسيسة مائة بالمائة .. وأما عن الفرق بين يمنيين الأمس ويمنيين اليوم في التحنيط فهو الفرق بين الموت والموت لاغير فلا حياة هنا أو هناك , وببساطة فالذين تحنطوا قديماً كانوا قد فارقوا الحياة وحُنطت أدمغتهم لتجسيد السلام الذي عاشوه فظلوا رموزاً جسدية لذلك السلام وأما التحنيط المعاصرلأدمغة حية فهو لنزع فتيل الصراع والتصادم وإراقة الدماء وإفشاء الكراهية فقط .. رابط المقال على الفيس بوك