لاشك بأن الازمات والأحداث والمشاكل التى تمر بها بلادنا في الوقت الراهن , وكيفية التعامل معها , تبين لنا بوضوح مدى عورة الادارة على المستوى العام، أي إدارة الدولة وإدارة المؤسسات العامة في الدولة , حيث ان المتابع لواقع الادارة العامة فى الجمهورية اليمنية اليوم - سواء من خلال ممارسات القيادات الادارية العليا فى مختلف مؤسسات الدولة وتعاملها مع المشاكل والأزمات التى تواجهها هذه المؤسسات او من خلال تعامل الحكومة الحالية مع الازمات والمشاكل المتصلة بحياة وهموم ومعيشة المواطن وأساليب ادارتها - يستطيع ان يقرر بأن النمط العام لهذه الادارة هو الإدارة برد الفعل أو ما يسمى reactive والذي يعني الانتظار حتي وقوع الحدث أو المشكلة ثم يبدأ التصرف المتأخر الذي يحاول انقاذ ما يمكن انقاذه , أي أن الحدث هو الذي يحرك فعل الادارة في غياب رؤية واستقراء المستقبل وفقدان القدرة على المبادرة بتحريك الاحداث إلى الوجهة التي تحقق الأهداف الموضوعة مسبقا . وهذا النمط يقود الى ما يعرف بنمط الادارة بالأزمات لأن العمل برد الفعل يوقع الادارة في أزمات كثيرة وما أن تخرج من أزمة حتى تغرق في أزمة أخرى وهكذا يكون الشكل العام في غياب ثقافة التخطيط طويل الأجل الذي يكسب القائمين على ادارة الدولة ومؤسساتها فكر المبادأة وامتلاك أدوات وآليات التحرك الايجابي الذي لا يكتفي برد الفعل. ان الادارة بأسلوب رد الفعل اصبحت اليوم سمة بارزة للعديد من القيادات الادارية في مؤسسات الدولة خصوصا تلك القيادات غير المتخصصة في مجال مهام واختصاصات المؤسسات التي ترأسها وتديرها . ولذلك نجد ان مشاكل هذه المؤسسات تتفاقم ويزداد تأثيرها السلبي على المؤسسات وعلى المجتمع يوما بعد يوم بسبب ضعف قياده هذه المؤسسات في التخطيط الفعال للمستقبل وتوقع المشاكل قبل حدوثها والمبادرة في وضع الاهداف والاستراتيجيات الملائمة لمواجهة مثل هذه المشاكل وتفادي تأثيراتها السلبية على اداء هذه المؤسسات وجودة خدماتها المقدمه لأبناء المجتمع . فعلى سبيل المثال الى متى تظل وزارة الكهرباء بالذات تنتظر حدوث الاعتداءات المتكررة على ابراج الكهرباء وفي منطقه معينة بالذات . ثم تقوم بالإصلاحات المتكررة ايضا بدلا من وضع خطة واضحة واتخاذ اجراءات كفيله بعدم تكرار هذه المشكله مستقبلا ..؟ والى متى تظل وزارة المياه بالذات تنتظر حدوث ازمة خانقه في المياه في بعض المحافظات اليمنية تهدد بكارثة بشرية اذا لم تخطط لتوفير البدائل والحلول لأزمة المياه من الآن وتتخذ الاجراءات الوقائية والعلاجية لهذه الازمة قبل تفاقمها ؟! والى متى تظل حكومتنا الرشيدة ووزارة التعليم العالي والجامعات اليمنية تنتظر حدوث المشاكل المتتالية الناجمة عن آفة الفساد الاداري والأكاديمي والمالي والمهاترات والتعصب والمكايدات الحزبية العقيمة في هذه الجامعات , وما نتج وينتج عنها من اضرابات متتالية تؤثر على مستقبل ابنائنا الطلاب وتحصيلهم العلمي وتؤثر على الاداء العلمي والبحثي للجامعات ودورها في خدمه المجتمع ؟ دون توافر التخطيط العلمي السليم لمواجهة هذه المشكلات واتخاذ الاجراءات العملية المناسبة لمواجهتها والتعامل معها وفق المعايير العلمية والأكاديمية والقانونية ؟ ولهذا اعتقد من وجهة نظري ان توقف القيادات الادارية لمختلف مؤسسات الدولة في بلادنا عن الادارة بأسلوب رد الفعل يقتضي اولا الاهتمام بالتعيين السليم لهذه القيادات وفق معايير تستند الى التخصص والجدارة والمؤهل والخبرة العملية , ثم العمل على تنمية وتعزيز ونشر ثقافة الابداع و روح المبادرة بين هذه القيادات وداخل مؤسساتهم , واعتماد التخطيط السليم المبني على اسس وآليات دقيقة وواضحة وأهداف واستراتيجيات محددة وواقعية وقابلة للتنفيذ والقياس . كأساس للتعامل مع مختلف القضايا والمشاكل التى تواجهها مؤسسات الدولة , وتنفيذ عمليات التغيير والتطوير المطلوب في كل الجوانب المتعلقة بمهام وخدمات هذه المؤسسات . فما احوجنا اليوم وفي مختلف مؤسسات الدولة الى قيادات ادارية تقود هذه المؤسسات وتدير مهامها ومرافقها بأسلوب المبادرة وليس رد الفعل ؟ ووفق معايير وأسس دقيقة ترتكز على البحث والدراسة والتخطيط العلمي السليم . وتبادر في احداث التغيير المطلوب المواكب لروح العصر ومتطلبات الجودة الشاملة في اداء ومهام وخدمات هذه المؤسسات . لكي تشهد هذه المؤسسات قفزات نوعية في ادائها وخدماتها ودورها في خدمة المجتمع وتنميته وتطوره في مختلف المجالات قيادات ادارية مبدعة تمتلك روح الابداع والتميز , والقدرة على التأثير فى الاخرين بالحب والقدوة الحسنة والإخلاص , وليس بالكذب والمجاملات او العنف والوجاهة القبلية او المال والقوة . قيادات تؤمن بالتغيير والتطوير ومواكبة روح العصر , وليس قيادات متحجرة تقليدية تقاوم التغيير وتعشق البقاء والعمل في اطار افكار وأساليب تقليدية ومتخلفة عفى عليها الزمن.ولم تعد صالحة او ملائمة للتطبيق فى عالم يموج بالحركة والمتغيرات والتطورات فى مختلف المجالات . قيادات ادارية قادرة وبكل المقاييس على الإبداع والمبادرة , وتحيط نفسها بكفاءات ومهارات متخصصة من العاملين معها تمد لها يد العون والمساعدة لها في أي وقت لإتمام الخطط التي وضعتها. والاسهام الفعال معها كفريق عمل واحد في صناعة التغيير المنشود وتحقيق التقدم والنجاح للمؤسسة , بعيد عن أي مؤثرات شخصية او حزبية او سياسية ضيقة تعيق مهامها وتقدمها , وتعجل بزوالها !! رابط المقال على الفيس بوك