قبل حين كان المتصوف المهاتما غاندى مقيماً في عقيدة الروح الصادرة من علياء الطمأنينة، والسِّلم الداخلي، والتصالح مع الأنا.. من خلال تهذيبها وتمرينها على استكناه جوهر الحياة لا قشورها. بهذا المعنى تنطلق قصائد الشاعر محمد مهدي حميدة لتقدم رؤى ومقاربات ذهنية، مموسقة بلغة بسيطة موحية، وصور شفيفة، تنبثق من وراء سديم الغناء المحمول على رفارف الكلام وسحره، وبهذا نباشر قراءة إشارية وامضة لبعض البعض من عناوين المصفوفة الشعرية: • وميض: مسار لوميض النور المتحرك في أجواء معتمة. قال النفري ( وقال لي : قَعْ في الظُّلمة، فوقعت في الظُّلمة فأبصرت نفسي). • لقاء: المسافة بين الوجود والعدم ليست إلا عبوراً نحو حياة جديدة. قال السهروردي : لا ترعكم سكرة الموت فما هي إلا نُقلةٌ من ها هنا • المبللون : تجسيم سريالي تشكيلي بامتياز. قال البوصيري: جاءت لدعوته الأشجار ساجدة تمشي إليه على ساق بلا قدم • الضرير: الرؤية بعين اللقب . قال تعالى: “ماكذب الفؤاد ما رأى* أفتمارونه على ما يرى” • الحديقة : كل شيء يتحول حتى وإن خبا أو تلاشى بصرياً. فقد مات الكلب حرقاً، وبكاه عارفوه ، لكن أيام البكاء استرجعت صوته الذي يتكرر رجع صداه من عوالم غيابه. قالت الخنساء: ولولا كثرة الباكين حولي على قتلاهمُ لقتلت نفسي وقال امرؤ القيس: ترانا ناظرين لأمر غيب ونلهو بالطعام وبالشراب وعلى هذا النحو يمكننا عقد مقارنات افتراضية بين عناوين ومحتوى النصوص من جهة، وبين حالة التقاطع الدلالي مع سؤال الوجود والكون المبثوث في تضاعيف النصوص الإنسانية من جهة أُخرى؛ مما يجعل هذا النمط الشعري ضرورياً في زمن التشظي والتناقص المعنوي الذي يحاصرنا. لا أزعم في هذه العجالة العاجلة تقديم قراءة أُفقية لديوان “صناعة الأنقاض” الشعري، ليقيني بأن الإشارات الواردة كفيلة بتقديم بؤرة ضوء لمركز الثقل المتحرك في ديناميكية نصوص “حميدة” المرنة. والشاهد أن الشاعر بذاته يعتمد هذا المنهج لنتابع معه ذلك الوميض البارق الذي ينقذف في الأسماع والأبصار كما الشهب الثاقبة. هذا النمط من الشعرية الكاشفة لجمالية الموسيقى الداخلية، وعوالم الأنا التي تتلظَّى بمحارق الرؤية والإدراك، يلزمنا في هذا الوقت بالذات، لأننا بحاجة ماسة إلى التصالح مع أنفسنا حتى نتصالح مع العواصف المحيطة بنا. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك