كان من المتوقع أو المفروض قبل أن يتم اختيار هيئة جديدة لمكافحة الفساد من قبل مجلس الشورى وانتخابها من قبل مجلس النواب، أن تعد الهيئة السابقة تقريرا مفصلاً عن كل نشاطها طوال مدتها القانونية ، التي يقال أنها انتهت بحسب قانون إنشائها ، مع أن المسموع أنه قد كان التمديد لها عقب انتخابات الرئاسة المبكرة ، بناءً على طلب حكومة الوفاق ، لكن يظهر أن الهيئة لم تترك للحكومة حالها فبادرت بطلب إنهاء المدة واختيار هيئة جديدة ربما تجيد غض الطرف عن بعض الهفوات ، فتحدد الهيئة السابقة في تقريرها وتوضح كل نشاطها وإنجازاتها إن وجدت، والمعوقات التي واجهتها ومدى تجاوب وتفاعل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية معها، وبالذات ما يتعلق بإقرارات الذمة. بحيث تقوم تلك الهيئة السابقة بتقديم تقريرها وقراءته أمام مجلسي الشورى والنواب في اجتماع مشترك ، حتى يطلع كل أعضاء المجلسين على ما أنجزته الهيئة السابقة وما واجهته من سلبيات ومعوقات أدت إلى قصور أو شلل تام أو جزئي في عملها ونشاطها ، ليتم على ضوء ذلك اختيار الهيئة الجديدة ، وتحديد مسئوليتها ، ومعرفة عدم التجاوب أو التفاعل الذي أدى إلى قصور في أداء الهيئة السابقة ، إضافة إلى مساءلة كل الجهات التي لم تتجاوب أو عرقلت الهيئة عن أداء مهامها ومسئوليتها. فبذلك يكون العمل الصحيح والجاد لمحاربة الفساد والدفع بالهيئة الجديدة لتحسين الأداء وردع المسئولين أو الجهات في كل سلطات الدولة لموقفهم السلبي تجاه نشاط هيئة مكافحة الفساد وعدم التجاوب معها ، فنحن نعرف مثلا أن عديد من مسئولي ومنتسبي سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية وغيرها لم تتلقى الهيئة السابقة منهم إقراراتهم في براءة الذمة ، إما لعدم المبالاة أو خوفا من أن تفتضح مصادر أموالهم وممتلكاتهم التي كسبوها بطرق غير مشروعة ، رغم أن الهيئة السابقة بمعرفة الجميع لم تقدم فاسداً واحداً من عتاولة الفساد إلى القضاء طوال مدتها ، اللهم قليل من صغار أو متوسطي المسئولين الذين لم يكن لهم ( ظهور ) تحميهم. أما أن تذهب هيئة لمكافحة الفساد دون أن تساءل عن نشاطها وإنجازاتها وما واجهته من سلبيات وعراقيل وعدم تجاوب أو تفاعل معها من قبل سلطات الدولة ، ثم تأتي أخرى لتذهب بعد انتهاء مدتها مثل ما ذهبت سابقاتها فهذا عبث وضحك على الدقون ويصبح وجود تلك الهيئات وعدمها سواء. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الكثيرون يعرفون أن استمارات إقرارات براءة الذمة صارت في ظل الوضع القائم المعمول به في هيئة مكافحة الفساد مجرد إجراء شكلي لا مردود ولا أثر له، حيث أن تلك الإقرارات بالذمة وفقا للإجراءات التي تتبع في الهيئة لا يتعدى تملئة استمارة الإقرار بالذمة وتسليمها ليصير أمرها في الحفظ والصون وكفى الله المسلمين شر القتال كما يقال في الأمثال فلا فحص ولا تحري عما حوته الاستمارة وعن صحة كل ما ورد فيها ولا معرفة المصادر للأموال والممتلكات التي ذكرت في الاستمارة، وهل هي من مصادر شرعية أم لا، وإذا ثبت عدم شرعية تلك الأموال يكون مصادرتها إجراء شرعي حتى تكون العبرة والردع للفاسدين. وذلك ليكون لإقرارات الذمة أهمية عظيمة ومفعول كبير في مكافحة الفساد وتعريته ، أما غير ذلك فهو مجرد لهو واستخفاف بعقول الناس، يجعل الفاسدين يخرجون ألسنتهم لكل من يقال أنه يكافح الفساد ، فيكفي ما عانيناه من الفساد والفاسدين ، فنحن كما تنبئ المؤشرات دخلنا عهداً جديداً عهد ثورة تغييرية ، لذلك يجب أن تتطور أساليب محاربة الفساد ومكافحته لتتلاءم مع المرحلة الجديدة ، حتى يشعر المواطنون جميعا أنهم يعيشون عهد جديد غير ما عهدوه في السابق، وحتى لا تذهب تضحيات الشباب وشهداؤهم سدى وعبث ، وحتى لا تصبح أي تلك التضحيات والشهداء مجرد قرابين لتحكم الأحزاب أو لتتقاسم السلطة مع من ثار عليه الشباب. فنحن إلى الآن لم نلمس تغييراً حقيقياً وجاداً سوى اللهم ما يقوم به أو يصنعه الرئيس هادي لإعادة هيكلة الجيش والأمن أو إصداره قرارات تشكيل لجنتي معالجة وضع الأراضي في المحافظات الجنوبية التي بلا شك أن أغلبها ليست وليدة الوحدة كما يرجف بعض الموتورين الجنوبيين ، وإنما هي نتيجة طبيعية للتأميم والإجراءات الاشتراكية قبل الوحدة ، وكذلك الحال في وضع الذين تعرضوا للإقصاء والتشريد والتقاعد الجبري بلا شك أيضا أن الكثير منهم حدث لهم ذلك في عهد الحكم الاشتراكي سابقا، الذي كان يقصي كل من ليس اشتراكيا أو معارضا لمسار الحزب ، المهم أن تشكيل اللجنتين تمثل خطوة جبارة وهامة في حلحلة ما تسمى بالقضية الجنوبية. ولكن يقول المثل ( اليد الواحدة لا تصفق ) والرئيس هادي لوحده لا يستطيع تحقيق ما يراد من السلطة ، والتي من أهمها وأولياتها مكافحة الفساد ، إلا إذا شمر جميع المسئولين سواعدهم بجانبه ومعه وبذلوا كل جهدهم لتحقيق التغيير ومطالبه الذي من المؤكد أنه سيحدث نقلة نوعية نحو خلق الدولة المدنية ومكافحة الفساد والمفسدين، أما تغيير الأشخاص وإحضار غيرهم دون عمل جاد والتزام تام بالمسئولية ، فلا يكون ذلك إلا عبث وتلاعب بعواطف المواطنين ليس إلا، سواء وجدت هيئات لمكافحة الفساد أو أجهزة للرقابة والمحاسبة فهي مضيعة للوقت وإهدار للجهود. رابط المقال على الفيس بوك