أعجبني ما كتبه الأستاذ خالد الرويشان وزير الثقافة الأسبق في يوميات الثورة الاسبوع الماضي عن مشكلة اليمن التي قال عنها: (انها مشكلة ادارية بالدرجة الأولى.. بمعنى انها ازمة ادارة لا أزمة هوية..وأزمة دولة لا أزمة وطن..وأزمة نخب لا ازمة شعب..وبعد سنوات من التجهيل والاهمال والفساد تحولت الى ازمة وعي وفهم بفعل الظلام المستمر والاهمال لمراكز الاحساس والحواس للبلاد بأكملها) انه تلخيص دقيق وعلمي لما نعانيه نحن اليمنيين اليوم رغم مرور خمسين عاما على قيام الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر التي اعتقدنا انه بقيامها قد انهينا قرونا من التخلف وانطلقنا الى آفاق رحبة نستطيع من خلالها بناء يمن جديد بمفهوم عصري حديث..لكن مع الأسف الشديد فقد انشغلنا منذ اول يوم قامت فيه الثورة بأمور صغيرة على حساب القضايا الكبرى مظهرين عجزنا في احداث التغيير ومستعينين بغيرنا ليدافع عن ثورتنا وفي نفس الوقت محملين عهد ما قبل الثورة والاستعمار مسؤولية تخلفنا عن اللحاق بركب الحضارة والتقدم وأهملنا بناء الانسان الذي بفكره الواعي سيكون اساس البناء والتنمية ومصدر العلوم والمعرفة ليبقى الجهل معششاً في رؤوسنا وليظل عدم الفهم لطبيعة الحياة العصرية يلازمنا. لقد كان أبناء الشعب اليمني معذورين خلال العقود الماضية بفعل ما مورس عليهم من تجهيل وتزييف لوعيهم عبر الاعلام الرسمي الذي ظل فترة طويلة يسبح بحمد الحاكم ومنجزاته الوهمية ويهلل له ويكبر وهو الأمر الذي جعل الشعب اليمني شبه مخدر..لكن بعد قيام ثورة الشباب التي استطاعت ان ترفع الغطاء عن كل ما كان مستورا وتكسر حاجز الخوف وتكشف حقيقة ماكان يحاك لشعبنا من مؤامرات شارك في صنعها من لا يحبون له الخير من الداخل والخارج بهدف ان يبقى ضعيفا ويظل حبيسا في قفص مغلق بعدة اقفال لم يعد لهم عذر اليوم في ان يستمروا على حالهم السابق خاصة بعد انأزيحت من طريقهم كل الموانع التي كانت تحول دون تحقيق تطلعاتهم في استعادة دولتهم وتخلصوا من ذلك التأثير السيئ للخطاب الاعلامي الذي كاد ان يغلق على قلوبهم اقفالها أو كما قال عنه الأخ عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية مؤخرا بأن الاعلام يتبارى في الاساءة الى سمعة اليمن في الخارج..وعليه فإن الفرصة المتاحة اليوم قد قدمت لليمنيين على طبق من ذهب لو استغلوها جيدا وتعاملوا معها بحكمة لاستطاعوا ان ينهضوا ببلدهم ويحققوا في سنوات قليلة قادمة ما لم يستطيعوا تحقيقة خلال الخمسين عاما الماضية لأنهم سيبدءون من حيث انتهى الآخرون ولن يعودوا الى الخلف كثيرا..وليس عيبا ان نكرر ما سبق وقلناه في كتابات سابقة من نقد لأنفسنا كوننا نحن من نتحمل مسؤولية ما وصلنا اليه من تخلف قياسا بمن حولنا. وان كان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتعلق بدرجة أساسية بالأحزاب والتنظيمات والجماعات السياسية وما اكثرها خاصة تلك التي جعلت من نفسها حاملا سياسيا لثورة الشباب وقدمت نفسها للشعب اليمني على اساس انها صاحبة خبرة وتجربة والأقدر على ادارة مقاليد الحكم وفي مقدمتها المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للاصلاح الذين سبق لهم وجربوا الحكم وخبروا صراعاته..والسؤال هو:لماذا لايفسح هؤلاء المجال لتشكيل حكومة تكنوقراط لا ينتمي اعضاؤها الى أي حزب أو تنظيم سياسي تعد للانتخابات القادمة بحيادية وتهتم بالقضايا الوطنية وتعمل على حل المعقد منها بعيدا عن الالتزام التنظيمي وخدمة سياسة الأحزاب وتنفيذ توجيهاتها كما هو حال حكومة الوفاق الوطني حاليا..ومن ثم تتفرغ هذه الأحزاب خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية لبناء نفسها واكتساب مزيد من شعبية الشارع اليمني استعدادا لخوض انتخابات عام 2014م التي ستحدد نتائجها من هو الأحق والأجدر ان يكون ممثل الشعب اليمني في الحكم. لكن مع الأسف الشديد فإن أزمة الفهم والوعي التي أشار اليها الأخ خالد الرويشان والتي ورثناها من العهود السابقة قد سيطرت حتى على فكر النخبة ممثلة في القيادات الحزبية الذين صار كل تفكيرهم وهمهم هو كيف يصلون الى الحكم بأية طريقة والعض عليه بالنواجذ ولا يهمهم لا وطن ولاشعب ولا بناء دولة وطنية حديثة يسودها النظام والقانون ويعيش في ظل رايتها الجميع سواسية لا فرق بينهم إلا لمن يقدم خدمة اكبر لوطنه وأمته..وهو ما لم يفكر فيه هؤلاء من الناحية العملية لاسيما من اتيحت لهم الفرصة عبر التسوية السياسية ليكونوا مشاركين في حكومة الوفاق الوطني الذين حولوا وزاراتهم ومؤسساتهم لخدمة مصالحهم الخاصة وتقاسم الوظائف والادارات لإرضاء أقاربهم واتباعهم وانصارهم وقد بح صوتنا من تكرار ذلك علهم يسمعون تذمر الشعب من تصرفاتهم غير السليمة لكن لا حياة لمن تنادي وكأن الأمر لايعنيهم من قريب أو بعيد..وبهذه اللامبالاة من قبلهم حولوا الوطن اليمني بكل ما يمتلكه من ثروات الى كعكعة يتقاسمونها فيما بينهم مقلدين ما كان يحدث في عهد ما قبل ثورة الشباب بل وبشكل اقوى لأن بطش الفقيرعندما تتاح له الفرصة يكون عنيفا وأشد من بطش الغني..ولأن بعض ممثلي هذه الأحزاب والجماعات السياسية لم يصدقوا أنفسهم انهم اصبحوا مشاركين في الحكم ودخلوا فيه لأول مرة وهم يحملون في رؤوسهم ثقافة الفيد الموروثة فقد كان بطشهم شديدا بالمال العام وهو الأمر الذي انساهم مجرد التفكير في خدمة المصلحة العامة للوطن التي يفترض ان يجعلوها من أولوياتهم على الأقل لإشعار المواطن اليمني ان هناك تغييرا في طريقه الى التحقق وان الثورة الشبابية بما قدمته من تضحيات لم تقم عبثا أو ترفا وانما قامت من اجل انقاذ شعب ووطن كاد يدمر ويغيب من الخارطة..واذا ما استمر الحال على ما هو عليه فلا نستبعد أن يعود شباب الثورة الذين ضحوا بدماء وأرواح الكثيرين منهم الى الساحات والميادين للقيام بثورة تصحيحية واخراج الفاسدين الذين سلمهم الشباب بحسن نية زمام قيادتها فاستغلوا تناقضات المرحلة الانتقالية ليجيروا كل شيء لخدمة مصالحهم الخاصة والاساءة الى ثورة الشباب بهدف التقليل من الانجاز الذي حققته ممثلا في عملية التغيير التي تمت ولكنها لم تحقق اهدافها كاملة بحكم ما حصل لها من التفاف كما سبق وتم الالتفاف على الثورة الأم (26سبتمبر و14 اكتوبر)وكذلك اجهاض مشروع التصحيح الذي كان يحمله الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي رحمه الله..وان كنا نعتقد ان شباب اليوم الذين كان لهم الفضل قي القيام بالثورة اصبحوا واعين لمثل هكذا تصرفات ولن يسمحوا بتمريرها أبدا مهما كلفهم ذلك من تضحيات اضافية ولا يعني سكوتهم انهم راضون بما يقوم به البعض من اختلالات لتشويه الصورة الناصعة والبيضاء للثورة الشبابية. رابط المقال على الفيس بوك