كلما ارتفع سقف الحريات ليقول المواطن اليمني ما يشاء .. ارتفع سقف ممارسة الفساد ليفعل المسؤول ما يشاء.. إنها معادلة غريبة وعجيبة ما كنا نود لها ان ترتبط بعملية التغيير ويتم التشويه من خلالها بثورة الشباب وان كان هذا هو واقعنا المرير الذي نعيشه اليوم شئنا أم أبينا في ظل عملية التغيير التي تمت بفضل ثورة الشباب المباركة لكن مع الأسف الشديد لازالت ثقافة الفيد الموروثة من نصف عهد ما قبل ثورة الشباب موجودة والشيء الإيجابي النافع لهم فحرصوا على المحافظة عليه وارتبط بهم عضويا.. أما النصف الآخر من ذلك العهد فما زال موجودا كشريك في الحكم وربما أنه قد شعر بالندم من ممارساته السابقة فبدأ على استحياء يغير من تصرفاته ويدعو ممثليه في حكومة الوفاق الوطني لرفع أصواتهم بأهمية تطهير أجهزة الدولة ومؤسساتها من الفساد المتراكم الذي خلفوه وليثبت في نفس الوقت ان الأطراف التي تشاركه الحكم اليوم والذين جاءوا إليه بتسوية سياسية راكبين على ظهور الشباب وتضحياتهم واعتبروا انفسهم الحامل السياسي لثورتهم هم أكثر فساداً من الناحية العملية وان ظلوا يرفعون شعارات لدغدغة عواطف الناس تحمل في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب. ومن هنا يتضح ان مشكلتنا الكبرى والمعقدة في اليمن ليست مشكلة سياسية ولا اقتصادية ولا حتى أمنية وإنما هي مشكلة عدم وعي مزمنة ناتجة عن عدم اهتمامنا ببناء الإنسان الذي أصبح مغيباً من قبل النخبة الحاكمة تماماً عما يجري في بلده.. فلا بقي هذا الإنسان جاهلا لنعذره ولا متعلما لنحمله مسؤولية ما يحدث من تصرفات غير مسؤولة يمارسها بدرجة أساسية من نطلق عليهم ان جاز التعبير بنخبة المجتمع الذين دعت لهم أمهاتهم فوصلوا إلى مراكز التحكم فجأة ووجدوا انفسهم بين غمضة عين وانتباهتها مسؤولين على شعب تغلبت عليه عاطفته فصفق لهم وحملهم على أكتافه رافعا شعاره الذي مازال يردده إلى اليوم: بالروح والدم نفديكم!.. ومن شدة إخلاصه فقد وفى بوعده وسلمهم مقاليد أموره طائعا مختارا فقادوه إلى التهلكة لينتهي به المطاف إلى ما وصل إليه من تخلف أرضاً وإنساناً وأصبح شعباً بلاوعي بفعل ما قام به المطبخ الإعلامي من دور تخديري لأفكار الناس واللعب على عقولهم مترجما على أرض الواقع تلك المقولة المشهورة لوزير إعلام النظام النازي في العهد الهتلري في ألمانيا: أعطني إعلاماً بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعي.. وقد نجح المطبخ الإعلامي نجاحاً كبيراً في تحقيق هدفه خاصة خلال الفترة الماضية التي أعقبت حرب صيف 1994م حينما أصبحت السلطة مطلقة في يد الرئيس السابق علي عبدالله صالح.. وما يزال تأثير ذلك التضليل الإعلامي يلقي بظلاله لعدة أسباب من أهمها ان معظم من يديرون وسائل الإعلام حاليا هم ممن تعلموا وتخرجوا من ذلك المطبخ فأصبح أداؤهم يشكل امتدادا طبيعيا لتلك الفترة التي اعتقدنا أننا تجاوزناها بقيام ثورة الشباب. أيضاً ما يزال من كانوا يقودون ذلك المطبخ الإعلامي لتزييف وعي الشعب وتضليله هم اليوم من يرسمون السياسة الإعلامية للكثير من الوسائل التي مازالت تخدم توجههم السابق ..وبرغم عملية التغيير التي تمت إلا ان التوجه في السياسة الإعلامية لم يتغير بفارق ان التغني والتمجيد تحول من الإشادة بالقائد الرمز ومنجزاته الوهمية إلى التغني والتمجيد بالأحزاب والجماعات السياسية على حساب الوطن وقضاياه.. ويبقى في هذه الحالة الوطن والشعب هما الضحية.. من يصدق ان الجماهير خرجت في جنوب الوطن سابقا وهي تردد في هتافاتها: تخفيض الراتب واجب.. وهذا يعكس بشكل جلي قمة ما وصل إليه الإعلام من نجاح في تخدير الجماهير وتزييف وعيها.. وفي نفس الوقت كانت الجماهير تخرج في شمال الوطن سابقا وحتى بعد إعادة تحقيق الوحدة لتردد: بالروح بالدم نفديك يا علي..وهذا الشعار تعمم على كل المحافظات من بعد عام 1994م ولم يتوقف إلا بعد خروج الرئيس السابق علي عبدالله صالح من السلطة بفعل ثورة الشباب التي أجبرته ان يسلم بالأمر الواقع وان كان قد تحايل على الثورة بالمبادرة الخليجية ليقنع نفسه انه سلم الحكم طوعا زهدا فيه وهو الذي قال بالحرف الواحد عام 2006م انه لا يوجد بديل له بين 25 مليون مواطن يمني هم مجموع سكان اليمن فعمل من يومها على تهيئة نفسه وأفراد عائلته ليكون الحكم فيهم لمائة سنة قادمة غير متعظ بما ورد في القرآن الكريم: ان الله ينزع الحكم ممن يشاء نزعاً.. ولأنه مازال مصابا بداء السلطة فانه يتعامل من خلال بقائه رئيسا للمؤتمر الشعبي العام مع الآخرين وكأنه مازال في سدة الحكم ولا يخفي حنينه وطموحاته هو وأفراد عائلته للعودة إليه مستغلا الثغرات والأخطاء التي يرتكبها من جعلوا انفسهم بديلا له في الحكم لا سيما ممثلو الأحزاب المؤتلفة في حكومة الوفاق الوطني الذين جعلوا الحكم من أول يوم شاركوا فيه مغنماً لا مغرماً. ومن يتابع قناة نجل الرئيس السابق احمد: (اليمن اليوم) التي تغطي نشاطاته سيجد ان علي صالح يتصرف وليس رئيسا سابقا لاسيما عندما يستقبل أنصاره في منزله أو عندما يقوم بتهنئة الملوك والرؤساء بالمناسبات الوطنية وتعزيتهم في أعزاء عليهم غيبهم الموت وكذلك يفعل مع المشائخ وكبار الشخصيات الذين رباهم بل إنه من يعطي التوجيهات لنصف وزراء حكومة الوفاق الذين يمثلون حزبه وكذلك يصدر توجيهاته لأغلبية أعضاء مجلس النواب ومجلس الشورى كون هؤلاء جميعا محسوبين على المؤتمر الشعبي الذي يرأسه ويختصر شخصيته فيه كما كان في السابق عندما كان رئيسا للجمهورية يختصر شخصه في الشعب والوطن.. ولولا الحصانة التي استطاع ان يحصل عليها لحماية نفسه ونظامه من الملاحقة التي وافق عليها اللقاء المشترك لما استطاع ان يربك المشهد السياسي اليمني بتصرفاته التي يقوم بها ويفرض حزبه المؤتمر الشعبي ليكون مشاركا في نصف حكومة الوفاق وان كان ما يحدث هو ثمن يدفعه الطامحون للوصول إلى الحكم بأية طريقة لجني ثمار ثقافة الفيد الموروثة.. والشعب اليمني له الله يحميه من شر من سلطوا عليه. رابط المقال على الفيس بوك