هذه هي المرة الثانية التي يحتفل فيها الشعب اليمني بعيده الوطني في غياب ما كان يسمى بالقائد الرمز الذي كان يختصر نفسه في الشعب والوطن حيث كانت المرة الأولى قبل عام وبالتحديد في 22مايو2012م وقد سبق أن أشرت حينها في مقال نشرته الجمهورية إلى طريقة الاستعداد للاحتفال بمناسباتنا الوطنية خلال العقود الماضية وكيف كانت تتم لا سيما من بعد العام 1994م حين أصبحت السلطة مطلقة بيد الفرد.. ولأن دائرة التوجيه المعنوي كانت تشكل المطبخ الأساسي للخطاب السياسي والإعلامي ويصنع بداخلها القرار فإني سأعطي القارئ لمحة موجزة عما كان يدور فيها من قبل جناحي الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي لم يكن يستطيع التحليق في سماء الوطن بدونهما. قبل حلول المناسبة بأكثر من شهرين كان يتم التحضير للاحتفاء بها بدءا بطبع كميات هائلة من صور القائد الرمز صانع المعجزات حيث تظل المطبعة مشغولة بها لعدة أيام ثم يتم توزيعها أولاً على السفارات اليمنية في الخارج وبعد ذلك يتم التواصل مع الجهات الحكومية لأخذ كميات منها واعتمادها بدل الصور القديمة ورفعها في أماكن تتصدر المكاتب وتكليف المختصين في هذا الجانب لاختيار افضل الأماكن في الشوارع الرئيسية لرفعها فيها وبمقاسات كبيرة جدا ثم بعد ذلك يتسابق رجال الأعمال وأصحاب الشركات لطلب كميات من الصور لرفعها في مكاتبهم وإرسالها إلى فروع شركاتهم في المحافظات بعد أن يكونوا قد حجزوا مساحات مختلفة في الصحف لتهنئة القائد بهذه المناسبة التي كان له الفضل في تحقيقها.. وحين يتم الانتهاء من توزيع صور صانع المنجزات يتم تكليف الصحفيين والمصورين من قبل مختلف الوسائل الإعلامية مرئية ومقروءة ومسموعة بالنزول الميداني إلى المحافظات والمعسكرات لتصوير المنجزات وأحجار الأساس التي بعضها قد تم تجديدها اكثر من مرة لأنها لم تقو على الصمود بفعل عوامل التعرية التي تعرضت لها وجعلتها تتآكل والمشروع لم ينفذ بعد.. إضافة إلى ما يتم إصداره من الكتب المعززة بصور المشاريع الوهمية وهي تتحدث عن سيرة القائد الذي لن يوجد له نظير لا قبل التاريخ ولا بعده وقد كنت أنا بحكم عملي كصحفي واحداً ممن شاركوا في صنع ملاحم تمجيد القائد متأثرا بالتضليل الإعلامي الذي كان يمارس علينا أو ما نستطيع أن نقول عنه انه إرهاب فكري حيث لم يكن يسمح لأحد منا أن يقول رأيا مخالفا لما يريده المطبخ الإعلامي الذي كان يعد تصورات مسبقة لكيفية الاحتفال بالمناسبة. ومن يرجع للاطلاع على ما كان ينشر ويذاع ويبث سيجد أن تزوير التاريخ والحقائق وصل حد دبلجة الصورة التي رفع فيها علم الجمهورية اليمنية لأول مرة في عدن يوم 22مايو1990م بحضور قيادتي الشطرين حينها وجعلها خاصة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح وكأنه هو الذي حقق الوحدة بمفرده متجاهلين صاحب الفضل في تحقيق الوحدة الاندماجية والتعددية السياسية والإعلامية علي سالم البيض.. أما علي عبدالله صالح فقد كان مشروعه يتمثل في تحقيق الوحدة على مراحل ولم يكن حينها يطمح إلا في تحقيق دمج بعض الوزارات السيادية وتوحيد السياسة الخارجية والسماح لأبناء الشطرين بالتنقل في عموم الوطن ولكن كل محتفظ بهويته.. فيما علي سالم البيض أخذه الحماس ليطرح فكرة الوحدة الاندماجية والتعددية السياسية والحزبية مخالفا بذلك توجيهات حزبه وأعضاء مكتبه السياسيي..لكن ما تعرض له في الثلاث السنوات الأولى التي أعقبت إعادة تحقيق الوحدة من تعنت وظلم مارسه عليه شريكه في الوحدة قد جعله يتحول بعد حرب صيف 1994م 180 درجة إلى الوراء فكان أن أعلن الانفصال في 21مايو1994م مع انه كان قادرا على الصمود لو انه رفع شعار: ( تنفيذ وثيقة العهد والاتفاق )وسيكون الشعب اليمني إلى جانبه لكن اذا نزل القدر عمي البصر ..ثم بعد هزيمته عسكريا في حرب 1994م وبعد أن منح لشريكه علي عبدالله صالح حجة الدفاع عن الوحدة بإعلانه الانفصال توارى عن الأنظار وظل خمسة عشر عاما وهو صامت معطي بذلك فرصة لإصلاح مسار الوحدة وتحقيق السعادة والاستقرار للشعب اليمني.. لكن لأن الوحدة قد جيرت لخدمة مصالح شخصية واستغلت لتتحول إلى مفسدة مطلقة فقد أضطر علي البيض للخروج عن صمته وكفر حتى بيمنيته وصار يرفع شعارات مثل: فك الارتباط والجنوب العربي وهي شعارات لا نعتقد انه يقرها شخصيا في باطنه وإنما من باب العناد والضغط لأنه كان اكثر من يحاربها في عهد الاستعمار ولكن تصرفات شريكه علي عبدالله صالح ومن اعتمد عليهم من الحاشية الفاسدة التي حاولت تقديسه ورفعه إلى مصاف الأولياء والصالحين قد جعلت الشعب اليمني كله يثور عليه ويجبره للتخلي عن السلطة وليس كما يقول هو انه تخلى عنها طواعية بدليل انه مازال يربك بتصرفاته المشهد السياسي الحالي وهو الأمر الذي يؤكد عدم قناعته وتصديقه انه خرج من السلطة متخفيا وراء الحصانة التي ضمنت له وأركان حكمه عدم ملاحقة الشعب له لمحاسبته جراء ما ارتكبه نظامه من فساد وعبث بمصالح الشعب والوطن والتفريط في الكثير منها فجعل من اليمن الدولة الأخيرة في المنطقة وشعبها الأفقر رغم ما تكتنزه أرضه من خيرات وثروات هائلة لو وجدت أياد أمينة تديرها لما كان هذا حالنا اليوم حيث أصبحنا نمد أيدينا مجبرين لمن يقف إلى جانبنا.. بينما هو وأركان حكمه وأفراد عائلته أصبحوا من أثرياء العالم. بقي أن نقول إن احتفالنا بالعيد الوطني الثالث والعشرين للجمهورية اليمنية بغض النظر عن كون أبناء الشعب اليمني قد احتفوا به في جو رومانسي على ضوء الشموع نظرا لغياب الكهرباء بسبب ما تتعرض له من تخريب متواصل إلا انه احتفال بالحدث الوطني نفسه وليس احتفالاً بالقائد الرمز وبمنجزاته الذي كان يجعل من نفسه كل شيء في هذا الوطن.. وربما لأول مرة اطلع أبناء الشعب اليمني على حقائق من خلال الأعداد الخاصة والبرامج التي خصصتها الصحف والقنوات الفضائية لهذه المناسبة الوطنية المجيدة كان في السابق ممنوع نشرها أو الاطلاع عليها لأن ذلك كان يغضب القائد الرمز ويجعله يتحسس منها خاصة اذا ما كان الحديث متعلقا بمحقق الوحدة الأساسي علي سالم البيض والذي تصدرت صوره في هذه المناسبة كل الصحف والاعتراف بدوره الحقيقي في إنجاز الوحدة رغم انقلابه على نفسه وعلى المبادئ التي كان يؤمن بها وناضل من أجلها.. وبالنسبة لنا في صحيفة 26 سبتمبر فقد احتفلنا بالعيد الوطني الثالث والعشرين بعيدا عن تلقي أية توجيهات حتى من رئيس التحرير نفسه ونحن أعضاء هيئة التحرير الذين حددنا الكيفية والشخصيات التي تم التواصل معها للحديث عن هذه المناسبة الوطنية التي تم التركيز عليها كحدث وطني كبير.. ولم يكن للرئيس عبدربه منصور هادي أي نصيب من الصور يتم توزيعها هنا وهناك كما كان يحدث في الفترة السابقة ما عدا تلك التي نشرت في صفحات التهاني بالعيد كشرط أساسي من قبل المعلنين والا فإنهم لن يدفعوا قيمتها أو ما رافق الأخبار المتعلقة بالرئيس ونشاطاته وهذا شيء طبيعي كحق لأي مسؤول.. بل إن الرئيس هادي يحب أن يتفاخر بما يتخذه من قرارات جريئة وتنفيذها على ارض الواقع بحيث يلمسها الشعب وليس بصوره أو سيرته الشخصية المصطنعة التي يتفنن في إخراجها للحكام المتزلفون والمنافقون فيكونوا سبباً في ضياع الحاكم نفسه والإساءة إليه! وبالرغم من تحقيق هذا الإنجاز في حرية التعبير وكسر حاجز الخوف إلا أن مشكلتنا للأسف ستظل متمثلة في تصرفات بعض القوى السياسية المشاركة في حكومة الوفاق الوطني التي لا يواكبها سلوك حضاري موائم للتغيير حيث انصب اهتمامها بالكامل لخدمة مصالحها الخاصة على حساب قضايا الشعب والوطن فشوهت بذلك ثورة الشباب المباركة وجعلت أعداء التغيير يتحاملون عليها. رابط المقال على الفيس بوك