منذ سنوات عديدة وأنا أتوق لزيارة الصين، وها قد جاءتني الفرصة لأكون في أكبر دول العالم، من حيث السكان، وأحد أكثر الدول ثراء في تاريخها وتقاليدها. ومع أننا نجد ناطحات السحاب، وملامح الصناعة، وتلك الشحنة الهائلة من الحركة والنشاط، فإن الصيني يدرك ذلك الموروث الذي يجعله دائماً صاحب شخصية فريدة. سأتذكر مقولة نابوليون بونابرت: الصين مارد دعوه يغط في نومه لأنه إذا صحا سوف يهز العالم. بلد هائل، وكلما مر الوقت صارت خطوات المارد أكثر دوياً. وكلما مر الزمن نزداد معرفة بأن الحركة الضخمة تزداد خفة. لكن لدى الصيني دائماً اعتزاز أنه الشعب الوحيد طوال تاريخهم الذي لم يعتد على شعب آخر. فالصين في تاريخها لم تقم باحتلال أي بلد، وتعرضت للاحتلال من اليابان في القرن العشرين، وهي ربما المرجعية التي تجعل دائماً العلاقة بين البلدين ملتبسة. وكما رأيت فالناس هنا وديعون ومسالمون. بل إنني لم أر شعب حتى اليوم بهذه الوداعة. وعندما تحدثت إلى دكتور عن أن الصين تضع نفسها دائماً كبلد المستقبل في قيادة العالم، اخبرني أنهم بلد لا يرغب سوى في تقديم السلام للعالم. وسواء كان ما أتحدث به يستبق الواقع أو لا. ولدي قناعة انهم اذا أرادوا ان يكونوا القوة الأولى في العالم، فنظراً لكثافة السكان هم يريدون أن يبلغ حجم اقتصادهم على الأقل مرة ونصف حجم الاقتصاد الامريكي. ومع أن الاقتصاد الصيني اليوم ثاني اقتصاد في العالم، فهم يدركون أنهم مازالوا في مرحلة بلدان العالم الثاني. فهناك مناطق واسعة في الصين مازالت لم تحصل على التنمية، حيث تركزت التنمية في المرحلة السابقة في الجزء الشرقي. وكانت السياسة الاقتصادية قسمت البلد إلى ثلاث مناطق اقتصادية، شرقية، وسطى وغربية. ونانشانج المدينة التي استضافتنا تنتمي إلى المنطقة الوسطى التي بدأت منذ سنوات الحكومة تدشين مرحلة التنمية فيها. كما أنه مؤخراً تم الإعلان عن بدء التنمية في المنطقة الغربية، وهي المنطقة الأكبر في الصين، والتي ستتحول فيما بعد إلى المنطقة التي ستقدم أكثر عمالة رخيصة في المستقبل. أي انه سيصبح تحول اقتصادي في الصين، بحيث إن بكين وشنغهاي وأكثر المدن تطوراً في الصين، بدأت تعاني من غلاء المعيشة، خصوصاً في العقارات. لذا فالصين مازالت تمتلك إلى فترة طويلة، تميزاً في تقديم عمالة رخيصة، حتى مع تطور اقتصادها وتقدمه لأنها مازالت تحتفظ بخيارات للمستقبل. مع ذلك حين يتحدث الصينيون بنوع من الفخر نحو بلادهم، يدركون أنهم مازالوا يواجهون تحديات هائلة، خصوصاً في التكنولوجيا. فمعظم التكنولوجيا، حتى للمنتجات التي تصنع في الصين، مازالت تصنع في أمريكاواليابان وأوروبا. أي ان الصين يحتاج الكثير لتمتلك تقنية التكنولوجيا العالية وتنافس الدول الأكثر تقدماً. كثير من البروفسورات يشيرون بزهو إلى مقولة “صنع في الصين”. إذ صارت الصين اليوم ورشة ضخمة للعالم، أو مصنع العالم كما يحلو للبعض تسميته. لكن أيضاً هناك مخاطر مستقبلية، فمع بلوغ الصين مرحلة متقدمة من النمو الاقتصادي، بالتأكيد سيكون هناك ضريبة عالية ستدفعها البيئة. الكثير هنا تحدث عن ذلك، فالحكومة تدرك ذلك، مع ذلك، هناك حركة هائلة ترى أنه لا وقت أمامهم لتأجيل خططهم. لكن أكثر ما يمكن ان نعرفه عن الصينيين هو تمتعهم بقدر هائل من الصبر، ونفس طويل ليبلغوا ما يخططوا له. إنه نوع من التقليد أو تاريخهم، شيء من الحكمة.. وأعتقد أنني سأكتب الكثير وبصورة تفصيلية عن بلد هائل ومتعدد.. رغم ما يبدو لنا من الوهلة الأولى صيغة واحدة. رابط المقال على الفيس بوك