الفارس الجميل.. القائد مصعب بن الزبير لن يشفع له النصر المؤزر على خصمه “المختار بن أبي عبيد” كيما يمنع مذبحة بشعة تُقام لأنصار خصمه بالرغم من توفر المبررات المنطقية في كسب ود هؤلاء، فالمنهزمون من أنصار المختار بن أبي عبيد يعرضون على الأمير مصعب بن الزبير أن يكونوا من جنده، وفي الصفوف الأولى من الجيش الذي سيذهب إلى الشام لمقاتلة عبدالملك ابن مروان وجيشه، لكن نزعة الثأر المتأصلة في النفوس تجعل أنصار مصعب يصرون على قتل الأسرى، وهكذا يتم ذبح ثلاثة آلاف فارس في ليلة ليلاء!!، ويظل مصعباً يعيش هواجس الرعب والخوف مما جرى، فالانتقام كان من الخساسة والجبن إلى درجة التضحية بثلاثة آلاف رجل في ليلة واحدة، وما تمَّ كان إضعافاً مؤكداً لمكانة مصعب الذي حاول قدر جهده تلافي المصير المشؤوم للأسرى. وكان مصعب في ذلك الموقف أشبه بالحاكم الروماني الذي سلّم السيد المسيح لمصيره بعد أن عجز عن إقناع اليهود بالتخلّي عن فكرة الانتقام منه، وذلك بحسب المرويات المسيحية. فظهر الحاكم الروماني ضعيفاً، وكانت اللحظة التاريخية التي ترافقت مع رغبات اليهود موازية لفتنة تاريخية جرت بين اليهود والمسيحيين. مصعب بن الزبير الذي واجه محنة مشابهة إثر ذبح أنصار المختار سيواجه أُخرى أقسى وأمر، فحالما يذهب لزيارة الخليفة “عبدالله بن الزبير” المقيم في الديار المقدسة مكة، يعود خائباً، فإذا كان الأمير مصعب يسوس البلاد بالمرونة والكرم، فإن أخاه الخليفة يرفض التفريط في المال العام، ويوصف من قبل خصومه بالبخل الشديد. لا يقدم علي أحمد باكثير في روايته “الفارس الجميل” نصائح وعظات، بل يصور ما جرى بلغة روائية تمازج بين الوصف والحوار والشواهد، وبنزعة درامية تجعلك أمام مشاهد ملحمية سينمائية جاهزة، ولا ينقصها إلا لمسة مخرج حصيف، وهو فيما يقدم المشاهد الحوارية المنتقاة بعناية وسبكة جميلتين، يُظهر أيضاً البُعد الآخر لتجليات الحروب والتراجيديا الحياتية، كما أنه يستغور في نفوس أبطاله، سابحاً في فضاء الأنا المترعة بالأحزان والحنين.. الأنا غير القادرة على منع الدراما الوجودية الصعبة، المحاطة بالأجواء المخملية المترفة، وبالحالات الشجية لأيام الصفاء والهناء العابرة والمعجونة بالدماء والدموع!.. وللحديث صلة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك