القائد مصعب بن الزبير الذي واجه محنة ذبح أنصارخصمه ابن أبي عبيد المختار رغماً عنه، سيواجه محنة أخرى أقسي وأمر، فحالما يذهب لزيارة الخليفة " عبدالله بن الزبير " المقيم في الديار المقدسة " مكة " يعود خائباً، فإذا كان الأمير مصعب يسوس البلاد بالمرونة والكرم، فإن أخاه الخليفة يرفض التفريط في المال العام، ويوصف من قبل خصومه بالبُخل الشديد، بل إنه يتقمّص حالة طهرانية تذكرنا بحالة الإمامين علي والحسين رضي الله عنهما، دون أن يأخذ العبرة مما حاق بهما أمام دهاء معاوية وبراغماتية يزيد بن معاوية. تلك واقعة تاريخية أعاد انتاجها الروائي الكبير علي أحمد باكثير دون أن يقدم نصائح ومواعظ، بل صوّر ما جرى بلغة روائية تُمازج بين الوصف والحوار والشواهد، وبنزعة درامية تجعلك أمام مشاهد ملحمية سينمائية جاهزة، ولا ينقصها إلا لمسة مخرج حصيف، وهو فيما يقدم المشاهد الحوارية المنتقاة بعناية وحبكة جميلتين، يُظهر البُعد الآخر لتجليات الحروب والتراجيديا الحياتية، كما أنه يستغور في نفوس أبطاله، سابحاً في فضاء الأنا المُتْرعة بالأحزان والحنين. الأنا غير القادرة على تغطية الدراما الوجودية الصعبة، المحاطة بالأجواء الارستقراطية المترفة، وبالحالات الشجية لأيام الصفاء والهناء العابر. يتعمّد باكثير تركيز بؤرة الضوء على الأمير مصعب بن الزبير بوصفه برزخ التفاصل والتواصل بين خليفتين للمسلمين، الأول أخوه عبد الله بن الزبير الذي يعتبر عبدالملك بن مروان مارقاً خارجاً عن إرادة الدولة ونواميسها، والثاني صديقه الحميم عبد الملك بن مروان الذي يحاول مصعب تلافي مصادمته، تماماً كما هو الحال بالنسبة لعبدالملك أيضاً، والذي تمنّى دوماً عدم مقاتلة مصعب، غير أن المنطق الداخلي للقوة والغلبة أكبر من الصداقة والإخاء معاً. [email protected]