في روايته " الفارس الجميل " يفاجئنا الروائي الحصيف علي أحمد باكثير بقطع إشاري استثنائي، بل بمونتاج ذهني لاستشراف القادم دون كلام، فيختصر الحروب القادمة، والهزيمة المؤكدة لخلافة عبدالله بن الزبير، ومقتل مصعب بن الزبير في آخر لقاء للوداع بينه وعبد الملك بن مروان. ينهي الرواية وهي في حالة تواصل ضمني مع القادم الأفدح والأكبر!! في ذلك اللقاء الأخير وما سبقه من مشاهد وشواهد حوارية نغوص في أعماق الأبطال، ونتابع النزعة البطولية، والشهامة، وحالات التطيُّر المحفوفة بالماوراء. إن باكثير لا يقدم رواية تاريخية فحسب، بل سيكولوجية بامتياز، وهو إلى ذلك يُكاشف ذلك الاشتباك غير الحميد بين العرب والتاريخ، فالمجد موصول بالدماء، والسلطة موصولة بالمُلك .، كما انه يتقرّى عبقرية المكان ونواميسه في عديد الإشارات التي تومئ لأهل العراق بوصفهم" أهل شقاق ونفاق " وأهل الشام بوصفهم " أهل طاعة وولاء "، وبغض النظر عن تقييمنا لما جاء أصلاً على لسان الحجاج بن يوسف الثقفي، إلا أن العراق كانت ومازالت بؤرة اشتعال تاريخي تستدعي من القارئ لسيكولوجيا الجماهير العربية أن يبحث عن الأسباب العميقة وراء ذلك. ذهب بعض الذين قرأوا رواية " الفارس الجميل " لعلي أحمد باكثير إلى أنها إسقاط ونبوءة لمصائر نظام عبد الناصر، لكنني شخصياً لا أرى ما يجمع عبد الناصر بالخليفة عبدالله بن الزبير، ولا أود هنا أن استطرد في إجراء مقابلات ثنائية بين طبيعة الأحوال التي كانت في عهد عبد الله بن الزبير وكيف أنها اتسمت بعامل جوهري مداه الصراع الداخلي، فيما كان عبد الناصر يواجه صراعاً من نوع آخر. أيضاً كان عبد الله بن الزبير يسوس الدولة بفرمانه الشخصي، تماماً كحال الامبراطوريات والممالك القديمة، فيما كانت دولة عبدالناصر تتعامل مع مصالح البشر من خلال المؤسسة الحديثة مهما كانت مثالبها. لا أزعم أن باكثير كان يولي عناية كبيرة للإسقاط المباشر " من التاريخ إلى الحاضر "، بل كان يرى في عبرة التاريخ ما هو قمين بالتأمل، وكان يرى أن خرائب الماضي مازالت تنوء بكلكلها على الزمن العربي الذي عاشه الروائي والمسرحي والشاعر علي أحمد باكثير. [email protected]