يتعمّد باكثير تركيز بؤرة الضوء على الأمير مصعب بن الزبير بوصفه برزخ التفاصل والتواصل بين خليفتين للمسلمين، الأول أخوه عبد الله ابن الزبير الذي يعتبر عبد الملك بن مروان مارقاً خارجاً عن إرادة الدولة ونواميسها، والثاني صديقه الحميم عبد الملك بن مروان الذي يحاول مصعب تلافي مصادمته، تماماً كما هو الحال بالنسبة لعبد الملك أيضاً، والذي تمنى دوماً عدم مقاتلة مصعب، غير أن المنطق الداخلي للقوة والغلبة أكبر من الصداقة والإخاء معاً. يفاجئنا الروائي باكثير بقطع إشاري استثنائي، بل بمونتاج ذهني لاستشراف القادم دون كلام، فيختصر الحروب القادمة والهزيمة المؤكدة لخلافة عبدالله بن الزبير ومقتل مصعب بن الزبير في آخر لقاء للوداع بينه وعبد الملك بن مروان. ينهي الرواية وهي في حالة تواصل ضمني مع القادم الأفدح والأكبر!! في ذلك اللقاء الأخير وما سبقه من مشاهد وشواهد حوارية نغوص في أعماق الأبطال، ونتابع النزعة البطولية، والشهامة، وحالات التطيُّر المحفوفة بالماوراء. إن باكثير لا يقدم رواية تاريخية فحسب، بل سيكولوجية بامتياز، وهو إلى ذلك يكاشف ذلك الاشتباك غير الحميد بين العرب والتاريخ، فالمجد موصول بالدماء، والسلطة موصولة بالمُلك. كما أنه يتقرَّى عبقرية المكان ونواميسه في عديد الإشارات التي تومئ لأهل العراق بوصفهم “أهل شقاق ونفاق” وأهل الشام بوصفهم “أهل طاعة وولاء”، وبغض النظر عن تقييمنا لما جاء أصلاً على لسان الحجاج بن يوسف الثقفي، إلا أن العراق والشام كانتا ومازالتا بؤرة اشتعال تاريخي تستدعي من القارئ لسيكولوجيا الجماهير العربية أن يبحث عن الأسباب العميقة وراء ذلك. ذهب بعض الذين قرأوا رواية «الفارس الجميل» لعلي أحمد باكثير إلى أنها إسقاط ونبوءة لمصائر نظام عبد الناصر، لكنني شخصياً لا أرى ما يجمع عبد الناصر بالخليفة عبدالله بن الزبير، ولا أود هنا أن أستطرد في إجراء مقابلات ثنائية بين طبيعة الظروف التي كانت في عهد عبد الله بن الزبير وكيف أنها اتسمت بعامل جوهري مداه الصراع الداخلي، فيما كان عبد الناصر يواجه صراعاً من نوع آخر. أيضاً كان عبد الله بن الزبير يسوس الدولة بفرمانه الشخصي تماماً كحال الامبراطوريات والممالك القديمة، فيما كانت دولة عبد الناصر تتعامل مع مصالح البشر من خلال المؤسسة الحديثة مهما كانت مثالبها.. وللحديث صلة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك