السجون هي الوجه الخفي لنظام الحكم، وهي من تحاكم تاريخ المتنفذين، وأصحاب القرار: الرئاسة، الحكومة، الداخلية، العدل، حقوق الإنسان، الصحة، النائب العام، مصلحة السجون، هيئات الرقابة والتشريع، جميع من مروا فوق تلك الكراسي، بالإضافة إلى شيوخ القبائل، لهم بصماتهم في جدران الزنازن. لم يلفت نظري اندهاش فريق الحقوق والحريات المنبثق عن مؤتمر الحوار لحالة السجن المركزي بصنعاء، ووضع النزلاء فيه، فقد عرفت أهول مما رأوا، من خلال قراءتي لتقريرين صدرا عن مجلس الشورى عن أوضاع السجون اليمنية في ست محافظات... تحدث التقرير عن السجن المركزي بتعز، وطاقته الاستيعابية 450 نزيل ويحشر فيه 1650 والماء يزورهم مرة كل شهر، والطبيب الذي يأتي عند الاستدعاء للجلوس في غرفة اسمنتية لا يتوفر فيها سرير واحد، أو حتى سماعة طبيب أو جهاز لقياس الضغط، وفوضى بيع القات داخل السجن، وحشر المنحرفين وكبار المجرمين مع الموقوفين احتياطياً. وتحدث التقرير عن مركزي لحج والفتاة التي سجنت بتهمة الحمل غير الشرعي، كيف وضعت وحملت مرة أخرى داخل السجن، والسجين الذي أفرج عنه عضو مجلس الشورى لأنه مسجون منذ ثلاث سنوات بدين قدره خمسة آلاف ريال فقط، وفي حضرموت السجناء يعانون من تقرحات جلدية خطيرة، ناتجة عن الحرارة المرتفعة، والرطوبة التي أكلت جدران السجن، والكهرباء المنقطعة، وأدوات التكييف المنعدمة، والماء النادر، والزيادة المهولة في عدد النزلاء داخل العنبر الواحد. وفي إب التي لا تعاني من الجفاف سجنها المركزي جاف تماماً، والسجينات ليس لهن عنبر خاص، وكل ما لديهن غرفتين منفصلتين وحمام واحد.. حين قرأت عن مركزي إب، تذكرت حكاية قديمة دارت فيه، تقول إن شاباً أفرط في مغازلة بائعة الخبز الجميلة، فأشتكته إلى أحد الضباط النافذين، وأخذه إلى السجن، وبعد خمس سنوات كانت بائعة الخبز تزور أحد أقاربها في السجن، ورأت الشاب، كان لا يزال يحتفظ ببعض ملامحه القديمة، اقتربت منه تسأله عن سبب سجنه، فرد عليها: أنت اشتكيتي بي للضابط.. انهارت المرأة من البكاء، وتحرك ضميرها الحي، وأخذت تراجع وتدفع الأموال حتى أخرجته، وظلت تطلب غفرانه لمرات عديدة... خمس سنوات سجن بنفوذ بائعة خبر، فكيف بنفوذ المشائخ والمسئولين. وفي مركزي صنعاء - وهو الأفضل حالاً – يتحدث التقرير عن حمامات في الدرك الأسفل للقذارة، وازدحام شديد، وغياب سجن مخصص للموقوفين احتياطياً، وأفارقة ونسائهم في السجون منذ سنوات طويلة، وأحياناً بدون تهمة لأنه لا أحد يراجع عنهم، وسجناء قد مر عليهم أربعة رؤساء جمهوريات، أحدهم من البيضاء منذ أكثر من 40 سنة وهو يطالب بتنفيذ حكم إعدامه، حتى يرتاح من رائحة السجن. أما الحديدة، فربما صدقتُ حين أصفها في كل مقال بأنها “غرب اليمن المنسي”... لم يتحدث التقرير عن سجنها المركزي لأنه أشبه بمستنقع، وفي الحديدة لا فرق بين السجن أو المستشفى الحكومي أو الحمامات العامة، كلها مصدر للأمراض ورائحة الفساد. وظل القاسم المشترك بين جميع السجون المركزية في اليمن هو غياب التأهيل، فهي حتى الآن مكان احتجاز وعقاب، وربما تدمير لإنسانية الإنسان، وليست إصلاحيات، ففي مركزي صنعاء يوجد معامل خياطة متوقفة، وورشة نجارة متكاملة عاطلة ومهملة!!. الآن وقد أذهل أعضاء فريق الحقوق والحريات في مؤتمر الحوار لحالة السجن المركزي بصنعاء، ووجود ستة سجناء منذ 28 سنة بتهمة الانتماء إلى “الجبهة الوطنية” هل ستكون هناك ثورة جادة ضد انتهاكات السجون المركزية، والأهم منها هل بعد ثورة تغيير وشهداء واسقاط نظام سيظل المشائخ محتفظون بسجونهم الخاصة؟!!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك