في المراحل الجيدة تنتصر العملة الجيدة، وبعفوية ناعمة تُزاح العملة المضروبة والرديئة، واقعياً ومجازياً، وانسياقاً وراء هذه المقولة، ففي مراحل الرداءة الاستثنائية، كالتي تمر بها اليمن حاليا ومنذ عقود، عليك أن تتوقع- إذا لم تكن حالما- أسوأ الاحتمالات، أن تُزاح البقية الباقية من الكوادر الجيدة والكفاءات الحقيقية في مجالات الفكر والفن والسياسة والإدارة، والمال والأعمال.. بخشونة وقحة، لصالح بقاء عملات المرحلة، تجار حروب، أغوال فساد، قراصنة، أراجوزات، دراويش، ثوار.. وعليك أنت قبل أن تُقذف “وديا” من النافذة، أن تهرب “طوعيا” من الباب، وتخلي مكانك لكائنات الزمن المنكوس، كائنات طفيلية دخيلة تعمل على إزاحة العناصر الطبيعية للحياة، وتحل محلها. مثل ذلك يحدث كثيرا في نظام الغابة، أنثى طائر الوقواق تدس بيضتها المموهة بين بيض طائر النورس، لتفقس بيضتها مبكرا عن فرخ طفيلي يبادر بمجرد أن يتنفس بإزاحة بيض أو فراخ النورس بعيدا، ليخلو له الجو على حساب الفراخ التي تساقطت عن عشها وتهشمت على الأرض. قليل من التأمل في الحالة اليمنية، يكفي لملاحظة كثير من الخلل، أبناء الجنوب، أبناء صعدة، أبناء الحديدة، أبناء المناطق الوسطي، أبناء المهرة.. الناصريون، الاشتراكيون، نجوم ثورة سبتمبر، أبطال ملحمة السبعين، طليعة الثورة الشبابية السلمية.. كل أفلاذ أكباد اليمن هؤلاء وغيرهم تعرضوا للإزاحة أو الاجتياح بشكل أو بآخر، بمناسبة أو بغير مناسبة، وسقطوا تباعا خارج العش.. ! نظرية “دارون” التي صمدت أمام أعتى التحديات والأعاصير، تحطمت أخيرا على صخرة الحالة اليمنية، فالبقاء هنا ليس للأصلح أو حتى للأقوى ماديا ومعرفيا وأخلاقيا..، بل للأكثر فسادا ولؤما وتربصا بالآخرين، البقاء ليس للأكثر نجاحا، بل للفشل الأكثر تشبثا بالوعي والسلوك، وبخلاف “مندليف” فالسائد هنا هي تلك الجينات والصفات التي كان من نصيبها التنحّي، لتتنحى أو تُنحّى العقول النيّرة والأيادي النظيفة والنوايا الحسنة.. ومع كل عملة جيدة تزاح، وفرخ جديد يسقط، هناك انتهازي طفيلي يضحك أخيرا وكثيرا، بعد الاستحواذ على كل شيء، والانتصاب على حطام الجميع. تتجلى المأساة كثيرا بسحنة ساخرة قد لا نجدها في السقوط المريع للرئيس الحمدي، من عشه الشاهق، لكن إطلالة “حميد الأحمر” من نافذة منزل “علي سالم البيض” في عدن فيها الكثير من الهزل، ويمكن توقع أن تتكرر ذات الإطلالة الساخرة مستقبلا، أن يطل صادق الأحمر من نافذة منزل “الرئيس هادي” في صنعاء، على حطام حلمنا بمستقبل مختلف، ولن تكون سابقة من نوعها، عناوين فصول ملهاتنا المريرة ضحكات نفاق تحولت إلى ضحكات شماتة، وكلما نمنا على مسلسل أحلام ومبادرات الوحدة والشراكة والمدنية والحداثة.. أصبحنا وأصبح الملك لرواسب الزمن الميت..!! رابط المقال على الفيس بوك