يستعيد الأوروبيون على نطاق واسع كتاب كارل ماركس الشهير «رأس المال» وذلك بقدر تزايد الأزمة المالية والنقدية ذات الصلة بالأداء الاقتصادي. والحقيقة أن المبحث الاقتصادي للفيلسوف كارل ماركس يعتبر من أكثر مباحثه جذرية وصفاء؛ ذلك أنه اعتمد المنهج التكاملي في استقراء الظاهرة الاقتصادية التي كانت قرينة أوروبا البرجوازية الصناعية في مطالع القرن العشرين المنصرم، وقد سبق كارل ماركس مجايليه في هذا الباب، حيث إنه لم يقرأ المُعطى الاقتصادي من الزاوية الوظيفية المجردة المعتدة بعواملها الابستمولوجية البرهانية؛ بل قرأها على نطاق أشمل، فلم يرَ التنمية بوصفها تراكماً مجرداً، ولم يقل بالإنتاج بوصفه مجرد إنجازات مادية، بل قرأه في أفق أشمل، حيث يؤول الإنتاج إلى فئة قليلة من المتسولين على المال العام، بمقابل تجويع وإفقار الملايين؛ لقد نظر إلى هذه المفاهيم وروافعها الدلالية بعدسات منفرجة تطال مختلف أوجه الحياة؛ بحيث اعتمد منهجين متوازيين؛ الأول يعنى بالجزئيات الدقيقة انطلاقاً من النقد ومفهومه، والثاني يُعنى بالكليات الاجتماعية ذات الآثار النفسية والثقافية على حياة جموع الناس. عندما اختار ماركس عنوان «رأس المال» فقد حدّد بصورة دقيقة تلك التميمة السحرية الضابطة والمتحكّمة في حياة الناس كما لو أنها رصاصة صغيرة تنطلق من بندقية، لكنها الرصاصة التي قد تصيب الهدف وقد تخطئه. ومما لا جدال فيه أن كل المنظومة المعقّدة للبندقية لا معنى لها إلا إذا أطلقت تلك الرصاصة القاتلة، سنقف غداً على ماهية تلك الرصاصة في مفهوم ماركس. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك