أكتب هذا المقال عطفاً على سؤال لمّاح وردني للتو، وكان جوابي: أن النقد الفني والأدبي قديماً، لم يكن يعتني بترابط الأنواع الفنية من حيث صدورها الأساس عن قوانين واحدة، ولم تكن الفلسفة وشواهد الحياة المختلفة ذات صلة وثيقة بالنقد الأدبي والفني، بل كان السائد القراءة الحصرية لكل نوع من أنواع الفن، وفق مقتضيات أدواته، وأساليب التعامل معها.. فقد كان نقد الشعر وأنواع الأدب الأُخرى قريناً باللغة، والتشكيل مقروناً باللون، والموسيقى بالغنائية المجردة، وهكذا . في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وتباشير التاسع عشر نشأت في أوروبا المدرسة الأولى لعلم الجمال، وكانت تلك المدرسة تستقي جُل مفرداتها من التأصيلات الجمالية التاريخية للأغارقة، لكنها كانت تضع بعين الاعتبار أيضاً بعض المفاهيم الجمالية التي ترافقت مع الفلسفة الوضعية الأوروبية . تالياً وتباعاً تبلورت فكرة علم الجمال أو«الاستيتيكا» بحسب المصطلح السائد في العالم، وقد حاول العرب تقديم ترجمة مُركّبة، فكان ( علم الجمال ) الذي اقترح أن يعاد النظر في تسميته، نظراً للالتباسات الدلالية التي كثيراً ما نعاني منها في هذا المصطلح المُركّب من كلمتين. وكيفما كان الأمر، فإن أهمية هذا العلم تكمن في أنه انزاح بالنقد الأدبي والفني إلى مستويات جديدة أكثر شمولاً واتساعاً.. ذلك أن علم الجمال يتصل جوهرياً بالفلسفة، حتى يمكن القول بأن الفلسفة تمد هذا العلم بأهم وأشمل مرئياته .. ثم تأتي دائرة الشواهد والظواهر الجمالية في الطبيعة، وهي ظاهرة تتّسع للتكوين الجمالي الإلهي المبثوث في الطبيعة ، وهو التكوين الذي كان ومازال يُلهمنا القوانين الجمالية في انبثاقاتها المتتالية، كما يسمح لنا بتأطير الفنون التطبيقية العامة في إطار النظرات الجمالية، بحيث تزال الحواجز الفعلية بين الفن المجرد وفنون التطبيق الشعبي والمهني، الفاعلة في تقاصيل حياتنا اليومية، وأخيراً وليس آخراً، يعتني علم الجمال في مباحثه الأكثر تخصصاً بالفنون المختلفة.. انطلاقاً من خصوصية كل فن، وقوانينه الناظمة, وأدواته التعبيرية وتوصيفاته العامة المقرونة بالتصنيف والتبويب المفاهيمي الذي يُبسط الكم الكبير من الإنتاج الفني في كل حقل من الحقول . هذا هو علم الجمال باختصار شديد ومبتسر. [email protected]