نقابة الصحفيين تدعو إلى سرعة إطلاق الصحفي المياحي وتحمل المليشيا مسؤولية حياته    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    تسجيل عشر هزات ارضية خلال الساعات الماضية من البحار المجاورة لليمن    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    نقابة موظفي الأرصاد بمطار عدن تعلن بدء الإضراب احتجاجًا على تجاهل مطالبها    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    البحرية الامريكية تعلن سقوط مقاتلة في البحر الأحمر وسنتكوم تؤكد استمرار الحملة العسكرية في اليمن    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    تسجيل 4 هزات أرضية جديدة من خليج عدن    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    افتحوا ملفات رياض الجهوري.. عميل القاعدة ورفيق الإخوان    السوبرمان اليهودي الذي ينقذ البشرية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدب بلامناهج...أدباء بلا أسلوب..
نشر في الجمهورية يوم 25 - 02 - 2007


- عبد الله علوان ..
عندما يرفض الأديب مثاله ،ويفقد أرضيته الثقافية، يختل توازنه الإبداعي،لأنه يفقد منهجه،وإذا فقد الأديب منهجه الجمالي،اضطرب الأسلوب وتفرقع المقياس،ذلك هو واقع الأدب الحديث وأدبائه من السياب ونازك،إلى البياتي ومحمود درويش ،ومن خليل حاوي حتى أحمد عبدالمعطي حجازي ولايشذ عن ذلك المقالح وعبدالرحمن فخري في اليمن، فأدباء الحداثة كلهم بدون استثناء رفضوا أدبهم العربي،وبذلك الرفض رفضوا المثال العربي المحكم،وراحوا يستبدلونه بمصطلحات الأدب البرجوازي وبمعانيه الطائشة ومصطلحاته الدخيلة على اللغة العربية التي يفكرون بها كما يدعون،وراحوا يفكرون في معان يجهلون مصادرها ومواردها، فاضطرب المقياس وضلت مناهجهم الأوروبية بهم، وضلوا بها، وأتى أسلوبهم الأدبي يخبط العشواء في وجه الثقافة العربية الإسلامية،ورجعوا من متاهاتهم بدون خفي حنين، جاءوا بأسلوب حافٍ وجاف، وضيعوا في الصيف اللبن،فلا هو أدب عربي محكم، ولا هو يوناني ينفع القبارصة،إنه أدب حديث مرقع من ذا وهذا «يهودي على فقه البوادي».
لابأس على الأديب أن يجمع بين الماء والنار،بين ماء الرياض العربية ونيران المجوس الرأسمالية فقد فعل مثل ذلك أبوالطيب المتنبي،منذ ألف عام عندما جمع بين فلسفة العرب الإسلامية وفلسفة اليونان الأرسططالية ،كما يقول:
وما الجمع بين الماء والنار في يدي
بأصعب من أن أجمع الجد ولفهما
كان أبوالطيب المتنبي يعتمد بلغته العربية على فلسفة أرسطو،ولكنه كان يقف على أرضية الثقافة العربية الإسلامية، وفي كلتا الحالتين كان يوظف الفلسفة والدين لمعاني الشعر فاستقام مثاله، وانصاع له المنهج الجمالي، وانسبك أسلوبه، وذلك هو معنى الجمع بين الماء والنار، أو الجمع بين الحرية والوعي السليم فالجد يعني المسئولية،والمسئولية تعني الحرية،أما الفهم فهو كما الوعي وجماله:
ذكي تظنيه طليعة عينه
يري قلبه في يومه ما ترى غدا
وصول إلى المستصعبات بخيله
فلو كان قرن الشمس ماء لأوردا
أما الأدب الحديث فهو يفتقر إلى هذه الطلعات الذكية،ويفقد الماء ويفقد الحرية، وإن ادعى الحرية إلا أنها حرية الرافضي المتمرد على مثاله ،ولكنه العبد المنصاع لمثال أوروبي حديث،لايفهمه ولايدرك واقعه،فيجيء رفضه عبودية تقيد حريته،وتشل وعيه،وتهد كيانه،وتجعله أطرش في الزفة.
سأضرب على ماأقول من الأدب الكلاسيكي مثالاً ومنهجاً وأسلوباً،ثم من الأدب الرومانسي مثالاً ومنهجاً وأسلوباً،ثم سأمر على الأدب الواقعي مرور الكرام.
الكلاسيكية
يقولون عن الشاعر أحمد شوقيإأنه كلاسيكي المذهب، أي إنه ينصاع لقواعد المثال الكلاسيكي الذي يقوم على معاني البطولي ويدور حول معاني الحرية والوطنية وفق الفلسفة المثالية وأصلها أرسطو وديكارت.
ويقولون وهو لا يعترض على مايقولون ....إن لغته الشعرية العربية تطابق تلك المعاني الإفرنجية مطابقة المربع لزواياه،أو طباق زوايا المثلث لنصف الدائرة...وإن شعره يقوم من حيث الشكل العمودي،على مبدأ التناسب بين عناصر البناء وشكله وتطابق عناصره البنيوية لمضمونه..هذه دعوى النقاد على أدب أحمد شوقي وأنصاره.
وبنظره سريعة إلى نماذج من شعر أحمد شوقي العمودية أو حتى التمثيلية سنجد أن روح أمير الشعراء ،مغتربة ومنقسمة في اتجاهين مصطرعين:
الاتجاه الأول هو الاتجاه الليبرالي وهو ما يقول به الليبراليون ،وهو موقفه من الحرية والوطنية والأخلاق والغزل العفيف كما في أبياته:
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
ثم قوله:
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
ثم قوله:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإنهم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال يصف مرقصا في قصر عابدين:
مال واحتجب
وادعى الغضب
ليت هاجري
يشرح السبب
فليست الحرية في البيت الأول سوى العنف الأحمر منغلقاً خلف أبواب الاستعمار وأعوانه،ومنغلقاً على كل حق،وليس له من مخرج غير القوة والعنف،والأيادي المضرجة بالدم كناية عن ذلك ،وهذه «الحرية الحمراء» كما في قصيدته بهذا العنوان،هذه الحرية عدوة العلم والمعرفة،وعدوة التحرر من الظلم والاستغلال والنهب،ولهذا رفضها البردوني من موقف رومانسي ثوري،كما يقول في قصيدته لاتسألي من ديوانه «في طريق الفجر»:
لا حر في الدنيا ولاحرية
إن التحرر خدعة الأقوال
والحرية هي العلم والمعرفة،عند الشاعر القروي كما في قصيدته «ياحياة الأنام» حيث يماثل الحرية بالنور والهواء:
أنت أجريت في القلوب حياة
وهي ماء بدونها ورغام
أما بيت شوقي الثانية أعلاه فهي تسعى إلى معنى لم تقدر عليه،فارتد عليها،فالبيت تحاول امتداح الليبرالي،ولكنها ارتدت عليه فراحت تدينه وتهجوه،فالليبرالي مدان للأوطان بدينين دين التكوين المنكر منه،ودين الولاء المفقود فيه،أي أن شوقي يتهم الليبرالي بنكران الجميل وقلة الوفاء فهو«يريد الحليب ويبطش بالضان» هكذا شعره دائماً.
أما البيت الثالث فهو اتهام شنيع للأمم الخانعة للكرباج العثماني فهو يتهمها بفساد الأخلاق لخروجها على الدولة العثمانية ،ومن هذه الأمم الأمة المصرية بزعامة الخديوي،وهي من الشواهد التي استخدمها الاستعمار لمهاجمة الشعوب المعارض لسياسته الاستغلالية، لأن البيت خطاب موجه بلغة العرب للعرب.
وفي البيت الرابع صفاقة جمالية وانحطاط أخلاقي شنيع كما يرى سيد قطب في كتابه.«النقد الأدبي» فأي قيمة نكسبها في معرفة السبب من معشوقة تدعي الغضب...؟فإذا كان الغضب ادعاء كاذباً فليس لمعرفة السبب أي قيمة بعد بيان الحقيقة،وهكذا تأتي كل التعليلات في غزله.
أما اتجاه شوقي الثاني فهو اغترابه في الدولة العثمانية التي تشكل كيانه البطولي وعبدالحميد العثماني هو مدار هذه البطولة كما في قصيدته«صدى الحرب»:
بسيفك يعلو الحق والحق أغلب
وينصر دين الله أيان تضرب
وماالسيف إلا أية الملك في الورى
ولا الأمر إلا للذي يتغلب
ومعلوم أن الإسلام قام على الهدى والفرقان،أي على العلم والإدراك،ولم يكن السيف مع الإسلام إلا دفاعاً عن السلام والإنسان،أما السيف مع شوقي فهو القوة الرعناء،فأينما تضرب تغلب،وأينما غلبت كان الحق،أما إذا انهزمت على يد الليبرالي كمال أتاتورك،فإنها الباطل،وهكذا عندما يكون الملك كرسياً يقف على العنف،فإنه يسقط بالعنف ذاته،أما إذا كان العدل أساس الملك فإن العدل يبقى وإن زال الملك.
فقد زالت دولة يثرب على يد معاوية،لكن عدل الدولة مازال قائماً في تاريخ محمد عليه الصلاة والسلام.وفي تاريخ أصحابه رضي الله عنهم،ولا داعي للمحاججة،فشوقي ليس إلا مشاعر زائفة، ومعاني مشقلبة على شكل العمود المسروق من المتنبي والبحتري وابن زيدون وسيد قطب وطه حسين والعقاد شهداء على شعره ومشاعره.
وقبل أن تغيب إمارة شوقي الشعرية،ظهرت عمادة طه حسين الكلاسيكية في الأدب العربي وتاريخه.
أتى طه حسين بالمنهج الكلاسيكي كأداة ليدرس بها المثال العربي «الأدب الجاهلي فالإسلامي».
ومع قصور طه حسين في امتلاكه المنهج كما يقول ذلك بحق الدكتور حسين مروة، وبسبب نزعته البرجماتية ومحاولته التجريب في تطبيق منهج ديكارت كما يدعي ،مع هذا القصور والادعاء المنهجي، فإننا نلاحظ ازدواجية الأديب طه حسين.
وهذه الازدواجية تتجلى أكثر في التلفيق بين المنهج والموضوع،أو في الزواج العسفي بين المنهج الإفرنجي المفصل تفصيلاً محكماً على دراسة الوجد بشقيه المادي والروحي لأوروبا الرأسمالية،والموضوع الأدبي السائر على مناهج البلاغة العربية كما أملاها الأزهر على طه حسين ،ولكنه أنكرها إنكاراً متعمداً ،وهذه المناهج البلاغية،الأزهرية،كانت سبباً ،لا في نكوصه،فقد فاز الأكاديمي بإثارته الشكوك،بل في نكوص منهج ديكارت الذي لم يجد الأمانة العلمية لا مع طه حسين الشكاك،ولا في الجامعات العربية طولاً وعرضا،وتشهد لي بذلك دراسة الشهيد حسين مروة في نزعاته المادية عن طه حسين.
لم يكن المنهج في رأس طه حسين سوى مفهوم أحادي مقتصر على مفهوم الشك والتشكيك وبعيداً عن قوام المنهج المركب من المفاهيم كالاستدلالات والتجريب والملاحظة والمقارنة والتحليل والتركيب ثم من المقولات الفلسفية كمقولات العام والخاص والجوهر والعرض والسبب والنتيجة..الخ.
ثم من قوانين النظر الفلسفي كالامتداد والانكماش والكمون والظهور وقوانين صراع الأضداد والكم والكيف ونفي النفي..وما إلى ذلك من ثنائيات تقبع في عصب المنهج الديكارتي وغيره من مناهج النظر الفلسفي كالهيجلية والماركسية...الخ.
اضطرب عمود الشعر مع شوقي، فانصاع الشكل لمضمون لا يعرف الشاعر كيف يجمع بينهما ولم يوفق الله شعراء الحداثة بعده في الجمع بينهما كما جمع المتنبي بين الماء والنار وبين الجد والفهم،أو كما يسر الله له،يغترف الماء من عين الشمس،ولا امتلكوا قلباً مثل قلب المتنبي الذي يرى ببصيرته الثاقبة ما سوف تراه عينه بعد أيام .
لذلك جاء الشعر الكلاسيكي ثوباً مرقعاً من ذا وهذا عروبياً بروح تركماني..أو قل ما قال طه حسين عن بيان الثقافة المصرية لمحمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس من أن بيانهم الثقافي «يوناني لا يقرأ».
وكذلك اضطرب الأدب العربي بتشكيكات طه حسين فجاء بحق«يوناني لايقرأ» كما ينعت طه حسين حفيديه عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم،فكل إناء بالذي فيه ينضح،فليست أحكام طه حسين إلا إقراراً بموقفه الأدبي من منهج ديكارت الملفق زوراً وبهتاناً على أدب العرب ،إنه يوناني لايقرأ.
وقد يبهرنا أحمد شوقي بالنسق العمودي لكن أسلوبه ليس إلا محاكاة خادعة لإشعار العرب وبالمقارنة بين تراكيبه الشعرية ومفرداته الجافة،مع تراكيب المتنبي وابن زيدون والبحتري ندرك تفاهة شوقي وزيف شعره،كما يقول عنه أصحابه الثلاثة: طه حسين وسيد قطب والعقاد.
كذلك أسلوب طه حسين البلاغي ليس إلا ثوباً ملطوشاً من ابن المقفع والجاحظ وأبي هلال العسكري،وأساليب البيان العربي لطشها طه حسين من الأزهر الشريف وأعاد صياغتها على مواضيعه المرقعة من ديكارت وتاريخ الأدب العربي،فجاء ملفقاً من ذا وهذا:« عروبياً بطربوش حميدي».
الرومانسية
وكما لطش الكلاسيكيون عمود الشعر ومناهج البلاغة العربية، وكفنوا بها أدبهم الأفرنجي البارد،جاء الرومانسيون ،فأحرقوا بنيرانهم ليس فقط الأدب الكلاسيكي.بل ودقوا جدران البيت العربي ، وشققوه بمعاول المنهج الرومانسي بعدما لطشوا أنساق الشعر الموشح،وكفنوا بها معانيهم الفاترة...ويمكن النظر إلى ذلك من جماعة الديوان بزعامة عباس محمود العقاد،وجماعة المهجر بزعامة ميخائيل نعيمة وجبران.. ومن جماعة «أبوللو» بزعامة أبي القاسم الشابي وسيد قطب،فمع هؤلاء يختل الأسلوب ويضطرب المقياس،ويضيع المنهج الذين هم يدعونه أو يدعون إليه.لأنهم يقفون على مثال رومانسي أكثر ضياعاً من الكلاسيكية.
فالعقاد يدخل في حقول الأدب العربي ،لا لكي يدرسه بأساليبه البلاغية،رغم علمه ودرايته بهذه الأساليب،وإنما لكي يمارس تجاربه الداتية عليه،بمنهج فرويد المرقع بالأدب العربي،وبصورة أشنع من تجربة طه حسين الديكارتية المرقعة على الأدب العربي.
وبقراءة سريعة للعبقريات الست،أو كتاباته عن بشار وأبي نواس وابن الرومي،وأشعاره الفاترة،بقراءة سريعة لذلك سنجد المثال العربي بمقاييسه ، من الرسول صلى الله عليه وسلم،إلى الخلفاء الراشدين ثم إلى خالد بن الوليد، سنجد أن هذا المثال العربي الإسلامي، قد وقف على خط فرويدي واحد لا نجد فيه ما يفصل بين الماء والنار وليس فيه برزخ يفصل بين أحكام الرسالة الإسلامية، كما نجدها مع الرسول عليه الصلاة والسلام ولا بين أحكام الخلفاء الراشدين.. وكل على حده،ولا الصحابي الوليد،فكلهم في سلة العقاد ظاهرة فرويدية واحدة اسمها العبقرية.
ولايختلف بشار بن برد المتكلم بعاهته البصرية،عن أبي نواس المتهتك،فكلاهما عيال العاهة الفرويدية الخرقاء،لكن هذا العباس محمود ،يضطرب مع منهجه الفرويدي البائس ويصطرع عندما يقف بين يدي ابن الرومي شاعر الشيعة،وليس شاعر البلاط العباسي ،وهو شاعر الخبازين وليس شاعر الحواري والغلمان،وهو أبوالوصف الغذائي اللذيذ،وليس شاعر البرك المتوكلية وقصور بني ساسان،هذا ابن الرومي هو كذلك ليس لأنه شاعر شيعي من أنصار العلويين،بل لأنه من أصل رومي فعاهته حميدة لأنها عاهة عرقية،يطرب لها فرويد قبل العقاد،وعليها يرقص العقاد وسيد قطب والدكتور محمد النويهي.
ونحن نعلم أن ابن الرومي،شاعر عربي ،وليس يونانياً لا يقرأ،ولاعيب فيه إلا الإسهاب كما يقول النقاد العرب،فالإسهاب كما يقول النقاد العرب هو عيب بلاغي مع إمكانية الإيجاز، والإيجاز عيب مع غموض المعنى، وذلك أحد قوانين البلاغة العربية التي لم يفطن لها العقاد فجاء كلامه يونانياً لايقرأ، كما يقول طه حسين عن عبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم.
كذلك ليس كل ذي عاهة هو مبدع فكم ياعميان، لم يقولوا بمقالات بشار ولا بأشعاره، وكم خلعاء عاجزين عن بيان خلاعاتهم كأبي نواس، وكم شعراء يمتازون بسلامة الحس والحواس، مثل البحتري وأبي تمام والمتنبي وايليا أبو ماضي والشاعر القروي، فليست العاهة معيار الإبداع وإنما للإبداع معاييره العقلية والجمالية والأخلاقية التي تجاهلها الفرويديون العرب فتجاهلهم التاريخ.
أما الشعر الرومانسي أو الأدب الرومانسي بشكل عام فهو ليس أكثر من ترجمة هزيلة للأشعار الإنجليزية، أنه شعر ملطوش من مختارات الكنز الذهبي بشهادة الدكتور محمد مندور في كتابه «الشعر المصري بعد شوقي» وكما فضحها عبدالرحمن شكري وسفهه المازني والعقاد على تعريته لهم.
أما جماعة أبولو فقد أتت كتلة متوحدة غرضها محاربة الشعر العربي، تحت ستار التحديث، فهم رغم النزعات النفسية المتنافرة، اتحدوا على الشعر العربي وضده، كما يقول محمد مندور في كتابه «الشعر المصري بعد شوقي» وقراءة سريعة لأشعار أبي القاسم الشابي وعلي محمود طه وإلياس أبي شبكة ولطفي جعفر أمان، قراءة سريعة لهؤلاء سنجد أن أشعار هؤلاء ومثالهم الجمالي يلتف ويدور حول مفهوم «القومية» وهو مفهوم افرنجي، دسته مدارس التبشير الأوروبية ومناهجها الليبرالية الحديثة دسته سماً قاتلاً في أواني الأدب العربي عبر هؤلاء الأدباء الذين كان لمدارس الاستعمار دور كبير في تكويناتهم الثقافية.
صحيح أن هذا الشعر الرومانسي يستخدم أنساق الموشحات اأندلسية، والأزجال، الحمينيات، لكنه وبسبب ذلك جاء منهجهم شعارات أحادية ملفقة، ليس له من الفلسفة المثالية الذاتية غير مصطلحات مرقعة من ذا وهذا «فرنجياً ونصفاً بهلواني» لقد جاءت الرومانسية بالمناهج التجريبية.. من فرويد النمساوي كماهو حال العقاد ومحمد النويهي، إلى «جون دوي» الأمريكي كما جاء به سيد قطب في كتابه «النقد الأدبي أصوله ومناهجه» ولم تكن هذه المنهجية سوى مصطلحات مسروقة من سياقها المنهجي، وهي لاتكاد تفصح عن مقومات المنهج، من مفاهيم ومقولات وقوانين نظرية بل هي ادعاءات منهجية خرساء لاتكاد تفصح عن ماهيتها، وبهذه المناهج الخرساء راح العقاد والنويهي وسيد قطب كلهم، يجربون مناهجهم على الأدب العربي، بأساليب همجية رعناء، وبلغة عنيفة تهدد وتتوعد، وترعد وتبرق في وجه كل من يخالفهم، أو حتى يعارضهم مع أنهم أكثر جهلاً بمناهجهم من فقيه المعلامة، أو شاعر الخديوي أحمد، هم أجهل الناس بمناهجهم لأنهم همشوا فقه المعلامة وهمشوا مناهج البلاغة العربية وأصولها لقد كان منهجهم يقوم على تجريب منهجي فاشل، وتجريب شعري أكثر فشلاً من مناهجهم على مثال رومانسي أصله الخرائب الرأسمالية ونعيقها المزعج والمفرغ من كل ذوق أو أدب، إنهم أدباء بلا أدب.
لم يفسر الرومانسيون العرب مقومات مناهجهم على غرار مايقدمها الأوروبيون لقرائهم، فلا أديب بلا منهج، ولا أدب بلا مثال، وإذا كانت الفلسفة هي مثال الأوروبي ومنهجه فإن البلاغة العربية وعلم الكلام هما فلسفة العربي إنها المثال والمنهج، كما نجدها عند الجاحظ والجرجاني وأبي هلال العسكري، وابن سنان الخفاجي، وأبي القاسم الأمدي.
إن الرومانسيين العرب وهم أصل الحداثة الناعقة، لايعرفون ماالمنهج من المثال، ولا الأسلوب من الموضوع ولايعرفون ماالمفهوم من المقولة ولايميزون قوانين النظر الفلسفي، من قوانين النظر الديني فهم يرون أن كل البساتين بصل، إنهم لايدركون أن الدين هو فلسفة العرب وإن الفلسفة هي دين أوروبا..وبسبب من جهلهم المنهجي، اضطرب الأدب العربي، وجاء أسلوبهم خطاً واحداً لايعرف ماالوصل من الفصل ولايعرف ماالعروض من البحور ولايعرف ماالعراق من الشام.
جاءت المناهج النظرية الأوروبية مع الرومانسيين العرب كمقدمات نظرية مالها أي علاقة بمواضيع الأدب العربي وأدواته اللغوية والعروضية وجاء منهجهم موضوعاً بدون مقدمات نعرف بها ذلك المنهج، فكانت مناهج عمياء ليس لها من عكاز تهتدي به سوى الهراوات السياسية وكيفما يدين المرء يدان، فكما انهدت الخيمة الكلاسيكية على يد العقاد وزمرته انهدت الرومانسية على يد السياب ونازك، وهاهي حداثة الحداثة تزول تحت غبار الدبابت والاباتشي.
الواقعية
وبعد الكلاسيكية والرومانسية جاءت الواقعية خصماً عنيفاً على الجميع على عمود الشعر وعلى الكلاسيكية وعلى الرومانسية فكلهم عدوان قومي على بعضهم، وعلى غيرهم، من الأعداء الطبقيين والوطنيين.
وكما ضاع المنهج في انشاءات طه حسين الأدبية، عجز محمود أمين العالم ورفاقه، عن تقديم لوحة بلاغية تفصح عن ماهية المنهج الماركسي، وعن مقوماته ومكوناته من مفاهيم ومقولات وقوانين نظر فنحن مع الواقعيين لانعرف ماالخاص من العام ولانعرف ماالسبب من النتيجة، ولانعرف ماالجوهر من العرض، وكل قرائهم لايعرفون معنى قانون نفي النفي، أو قانون صراع الأضداد كما تسفسط مقالتهم في الأدب ووظيفته، وتسقط في مذاهب الأدب الأوروبي ومواقفهم الطبقية، و..وشعارات براقة لانعرف رأسها من رجلها.. غير التناحرات الطبقية والصراعات القومية والمتاجرات بالشعوب وبالأوطان.
فالأستاذ محمود أمين العالم في دراسته أدب نجيب محفوظ..لا يتجاوز القول بالعلل الارسططالية الأربع، التي قرأناها عند الأمدى والشهرستاني، أما قوام المنهج الجدلي، فهو مفاهيم مبعثرة هنا وهناك، أو مقولات مشتتة، ليس لها أي رابط في أدبهم الواقعي، أو مجرد قوانين نظرية مطبقة على الأدب العربي، بشكل تجريبي مكرر وممل، وبأسلوب يرفضه المنهج قبل الموضوع..فجاءت كتاباتهم الماركسية مرقعة من ذا وهذا «فرنسي وروسي الدنان».
وحتى الشهيد حسين مروة كان كما تقول يمنى العيد، يمنع رفاقه عن بيان المنهج الماركسي ومقوماته فليس عندهم وقت لذلك، وإنما الوقت كما تقول يمني العيد في تطبيق المنهج..تطبيقه على الثقافة العربية وواقعها وذلك ضرب من التجريب الذي مارسه الدكتور حسين مروة على الثقافة العربية والإسلامية بنزعاتها المادية كما في كتابه الكبير ومثلها تجريبات مهدي عامل الواقعية كما نجدها في كتابيه «مقدمات نظرية» و« الحرب الطائفية في لبنان».
وحتى يمنى العيد، وهي تدرس الأدب الرومانسي، لاتعني بالمقدمات البلاغية القائمة على مناهج اللغة والعروض وعلم الكلام العربي وإنما تعتني بواقعية الأدب وفق مناهج ماركس وجارودي ولينين ولايختلف عنها محمد دكروب، فهم لايخرجون عن حقول التجريب الممل والمطفش وبصورة فجة، تراجعوا عنها قبل حكم التاريخ عليها، لكن ليس كل الماركسيين كذلك فهناك الدكتور عفيف دمشقية وكتابه «الانفعالية، والإبلاغية في بعض أقاصيص ميخائيل نعيمة» فهذا الكتاب يقوم على منهج مادي جدلي، تاريخي واجتماعي بالأصل ولكنه لايهمل قواعد البلاغة العربية بل هو يعتمد عليها في دراسة الأدب الحديث ومقارنته بالأدب العربي الأصيل وإن تأثر بمناهج البلاغة الفرنسية لكنها ترجع بأصولها إلى جذور البلاغة العربية، وسيقانها المخضلة، وأوراقها الوارفة، مجسدة في ثلاثة علوم، هي علم الدلالة ، وعلم النحو وعلم الأسلوب وعلى طريقة أبي بكر الجرجاني.
كل هذه المناهج الهمجية..كلها مناهج تجريبية، انهالت على الأدب العربي ضرباً ولطما وطعناً وتقتيلاً حتى أعمته، ومناهج لم تقل لنا بما تقوم عليه من مفاهيم ومقولات وقوانين نظر..ولو حتى على طريقة الإمام أبي حامد الغزالي في كتابه «معيار العلم» وتعريفاته الكريمة لمقولات أرسطو وحدوده وأشكال القياس الأربعة والعلل المادية الأربع وروابط الكلام الفلسفي..الخ.
الأدب العربي، لاتلائمه مناهج النظر الأوروبي، وإنما تنتجه وتنعشه مناهج البلاغة العربية، قد تساعدنا المناهج الأوروبية في المعارف النظرية الأخرى، كالمعارف السياسية والفلسفية والحقوقية والدينية والأخلاقية لكنها لاتخدم الأدب بمختلف أنواعه من شعر إلى قصة ومن مسرحية إلى مقالة ومن خطابة إلى محاضرة.. الخ بل تضره فهذه الآداب العربية، تقوم على أداة واحدة هي اللغة ولاتخضع لغير مقاييس البلاغة العربية ولغتها، وقواعدها ولمقاييس علم العروض وضوابطه ولأحوال البيئة العربية من مناخات فصلية متقاربة وأحوال نفسية واجتماعية متباينة تبايناً شاسعاً مع أحوال المجتمعات الأوروبية ومناخاتها القارصة.
معرفة المناهج الأوروبية ضرورية، وهي قد أقول قد تساعد السياسي والحقوقي والديني ولكن هؤلاء لايكونون إلا بالمعرفة الشاملة وبامتلاك الثقافة العربية امتلاكاً شاملاً وبالمناهج الأوروبية الملائمة لثقافتنا العربية، وهذه المناهج قد تساعد الأدباء ولكنها ليست البديلة عن مناهج البلاغة العربية وقواعدها اللغوية، فليس الأدب إلا ظاهرة لغوية..والله من وراء القصد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.