قلنا في الأمس إن المفكر والفيلسوف كارل ماركس اعتمد منهجاً تكاملياً في استقرائه الظاهرة الاقتصادية، منطلقاً من مهماتها التبادلية البسيطة التي نشأت في مجتمعات التقسيم الاجتماعي الأول للعمل، والتي أفضت تالياً إلى شكل من أشكال التخصّص في الإنتاج الزراعي والحرفي، فتحقق الفائض الأول في الإنتاج الذي أفضى بدوره إلى التبادل البسيط ضمن متوالية عادلة معيارها حاجة طرفين يتبادلان ما فاض منهما من إنتاج، ولم يكن هنالك معيار وسطي في ذلك التبادل البسيط حتى تفتقر الأذهان عن ضرورة وجود معيار وسطي بين سلعتين يتم تبادلهما، ومن هنا نشأ النقد كمعيار وسطي محايد بين سلعتين يتم تبادلهما عبر قانون التجارة، فالتجارة ما كان لها أن تستقيم وتتسع أفقياً إلا بوجود ذلك النقد الذي تحوّل في عُرف كارل ماركس إلى وثن يعبده اللاهثون وراءه. ذلك المنطلق وضع ماركس في مقاربته الشهيرة لمعادلة طبيعية سرعان ما انكسرت عبر احتكار امتلاك النقد من طرف البعض، وقد تابع في بحثه مصائر ذلك الوثن ليخرج بالنتيجة الحاسمة: يتحوّل المال من وسيلة للتبادل إلى غاية بذاتها، فتنشأ معادلة جديدة تخلُّ بالعدالة التبادلية أولاً، ثم تصل إلى نقطة التقديس للمال والصرف بوصفه مالً يتكاثر دون أدنى جهد، وقد حدد ماركس وحشية الرأسمالية الأولى من خلال هذا الاستئثار بفائض القيمة المنتج من قبل العاملين الكادحين، والتي ينعم بثمارها من حققوا التراكم المالي عبر المضاربات والأساليب الشيطانية. والسؤال الذي قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم هو: ما صلة هذه الاستعادة بما يجري في العالم المعاصر؟!. والإجابة غداً بإذن الله. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك