لجماعة الاخوان المسلمين مكانة ليست بالسهلة أو الهينة في المشهد السياسي العربي عموما والمصري خصوصا -- ومهما كانت النتائج التي ستصل اليها الامور في مصر اليوم على ضوء الأحداث الأخيرة -- فإنه من الصعب جدا تجاوز هذه الحركة في المعادلة السياسية المستقبلية , أو تغييبها عن واقع المشهد السياسي المقبل , كونها تتمتع بقاعدة شعبية كبيرة ولها حضورها الجماهيري الواسع في أوساط القوى السياسية العربية والمصرية تحديدا . لذا من المهم جدا ان تتعاطى القوى السياسية الوطنية مع جماعة الاخوان المسلمين باعتبارها أحد مكونات واطراف الحياة السياسية القائمة على الساحة , وجزءاً من المنظومة المدنية الحزبية العربية الفاعلة , ومن باب تعزيز وترسيخ مبدأ الشراكة والمشاركة الوطنية بين مختلف القوى وليس من باب الاقصاء والتهميش والالغاء او التحريض والتخوين. أنا شخصيا كنت اتمنى ان تعطى جماعة الاخوان المسلمين فرصة اربع سنوات لتجسيد تجربتهم في الحكم على ارض الواقع , وبعدها يتم تقيم هذه التجربة والحكم عليها عقب انتهاء الفرصة , على الاقل كان هذا الامر سيكون بمثابة تأكيد حقيقي على ترسخ جذور ومفاهيم الديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة و في وعى الشارع العربي , كونها اول تجربة ديمقراطية تحدث في دول الربيع العربي وتعزز مفهوم انتقال السلطة عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع , وللأمانة والانصاف اقول انه لايمكن تقييم تجربة الاخوان أو الحكم بفشلهم من خلال فترة العام أو حتى العامين . غير انني وأمام هذه الحشود الجماهيرية المرابطة في ساحات وميادين وشوارع مصر الحبيبة لا استطيع القول سوى انه لابد من احترام الارادة الشعبية الغاضبة على حكم الاخوان والرافضة لتجربتهم , وانه ليس ثمة خيار أمام الاخوان سوى النزول عند رغبة الشعب المصري , والرضوخ لمطالب الجماهير في نقل السلطة واجراء انتخابات رئاسية عاجلة , تكون الجماعة طرفا فاعلا فيها - اما من خلال تقديم مرشح بديل – أو بدعم مرشح من فصيل اخر , او من خلال التوافق مع القوى السياسية الوطنية على مرشح واحد . لابد من تدارك الأمور وحلها بالشكل الذي يحفظ النسيج الاجتماعي المصري ويعزز من وحدة الشعب وتماسك القوى السياسية الوطنية وخصوصا قوى الثورة (القومية اليسارية الاسلامية) فجميعها قدمت التضحيات وتحملت الصعاب وتعرضت للمخاطر طوال السنوات الماضية , وليس في مصر وحدها بل في مختلف دول الوطن العربي . نحن اليوم امام مشهد سياسي مختلف ربما يفوق بكثير مشهد الفعل الثوري , الا انه يدعو للقلق والخوف من انهيار وتفكك قوى ثورة الربيع العربي , وهذا الامر قد يتيح المجال لعودة الانظمة القديمة او ربما لتسللها الى المشهد السياسي بأفكارها وثقافاتها ومشاريعها القديمة التي عانينا جميعا منها طوال العقود الماضية , وفي حال تحقق ذلك فإن الاهداف والمبادئ التي ناضلنا من أجلها وسعينا الى تحقيقها وتنفيذها على ارض الواقع من اجل الوصول الى مستقبل افضل واجمل لنا وللأجيال القادمة , كل ذلك سيذهب أدراج الرياح . مطلوب من جماعة الاخوان المسلمين تقديم تنازلات حقيقية ترتقي الى مستوى حجمهم ومكانتهم ودورهم على الساحة العربية , ولا اعتقد انهم غير قادرين على فعل ذلك , فهم يدركون جيدا خطورة الموقف ويرصدون بشكل دقيق حركة الشارع الذي هم بالاساس جزء منه , وهو الشارع الرافض لبقائهم في الحكم واستمرارهم في السلطة , وفي الاخير الشعب هو مالك السلطة ومصدرها , كما انني اعتقد ايضا ان الجماعة ليست بهذا المستوى من الغباء كي تغامر بمستقبلها السياسي وتقرر الوقوف امام هذا الطوفان البشري الهائج , ومواجهة الارادة الجماهيرية والشعبية مقابل بقائها في الحكم وتمسكها بالسلطة . مطلوب منهم ايضا مراجعة حساباتهم للفترة الماضية وتقييم تجربتهم في الحكم وتقدير حجم الاخطاء التي ارتكبوها خلال العام الماضي بقصد أو بغير قصد , والتي كان اهمها الاقصاء والتهميش للقوى الوطنية والثورية , وكذا محاولة الاستحواذ والسيطرة على مفاصل الدولة واجهزتها ومؤسساتها لتكون مفصلة على قياسهم فقط . رابط المقال على الفيس بوك