ثلاثة مراكز درات عليها حقب من الأزمات والصراعات في التاريخ الإسلامي، فهي لم تفرز غير مزيد من التناحر والانقسامات المذهبية حتى أصبح كل مركز منها عقيدة لها تصوراتها ومقدساتها وخطوط دفاعاتها وفرق تقاتل في صفوف كل من ينتمي إلى جماعة منها، كل هذا يحدث في إطار الدين الذي قامت دعائمه على أسس التوحيد وعدم الفرقة. وفي الوقت الراهن من يقرأ خط سير التحركات السياسية في دول الربيع العربي، وكذلك غيرها سوف يشهد عودة هذا الثالوث إلى الواقع ولكن بصورة أعقد، وما جرى في مصر يدل على أن هناك تصادماً قادماً بين الديني والسياسي والسلطة، فالجماعات الإسلامية ترى في الوصول إلى السلطة حقاً تاريخياً يعود إليها والسند في هذا، استعادة دولة الخلافة التي ترى فيها السياسة والحكم، وفرق أخرى ترى بأن الدين والسياسة والسلطة في عالم اليوم قد أصبح لكل منها محاور وأفكار التي فصلت موضوعياً بين مفاهيم العقيدة والفكر والقيادة. كذلك هناك من يرى بأن جدلية الديني والسياسي هي أزمة تاريخية لم تحلها كل الاجتهادات العقائدية والفكرية عبر حقب التصارع فيها، وفي كل حقبة تدخل في إطار ما يخدم الحكم، وكلما تراكمت القضايا في هذا الجانب اتسعت حدة درجات الرفض عند كل طرف. وهنا تطرح علينا هذه الأزمة التاريخية أكثر من سؤال، ربما كان أهمها هل تصعب على الديني قيادة السياسي، وهل الحكم بما يحمل من صراع المصالح وغياب للأخلاق، قد يدخل المقدس في دوامة مراهناته الخاضعة لعقلية الإنسان، وعندها ربما تغيب حدود المقدس عند أغراض البشر؟ لقد قدم لنا الفكر الإسلامي عبر تاريخيه عدة اجتهادات لحقب كانت لها صراعاتها، غير أن تصارع هذه المراكز ظل الأزمة التي لم ترتكن عند اجتهاد محدد، لأن السلطة هي تقلبات مراحل وكل مرحلة منها تقرأ ما يخدم أغراضها من منظورها، وهنا تعلو قبضة الحكم على محاولات الفكر، فالسلطة هي من تصنع الاجتهاد وليس العكس. ومن هنا تبدأ علاقة القهر الفكري وبين الحكم والوعي، وما جرى في مصر يقدم لنا صورة عن استعادة ذلك التأزم في الصلة بين الدين والسياسة والحكم، فالقادم من خلفية الحزب الديني عند البعض لا يعني أنه يمتلك مقدرة الحكم، وهذا الانتماء كما ينظر إليه هو حالة السيطرة المطلقة على وضع يجب أن يصبح في الراهن في حالة تحول، سلطة خرجت من حكم الفرد عليها أن لا تدخل في حكم المطلق المقدس، لأن هذا يسقط منها حق المحاسبة والتغيير الذي تتصارع فيه العملية السياسية. فهل كانت هناك حالة قصور في الرؤية عندما لم يدرك رجل قادم من خلفية حزبية دينية، بأن الزمن السياسي مازال يتحرك في المساحات السابقة، وأن الانفراد بالحكم يقود إلى المصير السابق؟ وتساؤلات الأزمة تطرح نفسها في عدة دول عربية وإسلامية سعى فيها الديني للسيطرة على السياسي ولم تفرز هذه الواقعة غير انقسامات وتناحرات على الحكم مثل الصومال والعراق وأفغانستان وكذلك ليبيا وتونس وسوريا، كل هذه الدول تحول فيها التدمير والخراب من العمل السياسي والصدام الديني.. أما الحكم فيها فهو مشهد من الفراغ، عندما تبحث عن الدولة فلا تجد غير سلاح في الشوارع وجماعات تعلن عن استعدادها لفرض مشروعها بقوة العنف، وأطراف أخرى ترى بقمع الأحزاب الدينية هو الحل لعودة المجتمع لنظام الحكم المدني وغيرها من المشاريع التي لا تصنع غير تصاعد في درجات الاختناق عند كل طرف حتى يكون الانفجار، وعندما يحدث ذلك تصبح الساحة هي ملعب الكل للتسابق نحو مزيد من دمار الوطن وضياع الأمة. عندما يدعي كل طرف بأنه صاحب الحق المطلق في القيادة ندرك أن الأزمة ليست في تغيير نظام الحكم، بل في الوعي السياسي عند كل طرف، فالديمقراطية تعني أن أظل في الحكم، أما أن يأتي الآخر فهي تآمر على الديمقراطية، لأن مجتمعات القمع السياسي لم تتعلم ماذا يعني، أن الحكم هو فترة زمنية محددة وليس الأبد والخلود في الجلوس على كرسي الحكم، فهذا الانفراد سواء جاء تحت سقف المقدس أو السياسي يحول السلطة إلى أزمة ليست من طريقة لقلب رموزها غير التناحر، وطالما ظل مفهوم الحكم عند قادة العمل السياسي يقف عند هذا الحد، تصبح عملية التغيير حالة دوران في نفس الحلقة المفرغة، وكل طرف سياسي يسعى للتغيير لفرض الوصول إلى الحكم، ومن ثم الانفراد بالسلطة بعد أن رفع شعار حقوق المواطنة، وكان المتاجرة بأحلام الشعب من مقدسات الخداع السياسي. كما يظهر من حالة المنطقة العربية، أننا نسير نحو فترات من المواجهة بين الديني والسياسي والسلطة، وما هذا إلا بداية نزول القوى الدينية إلى ساحة السياسة بأكبر قدر من التحدي، فالمرحلة الراهنة يصبح فيها من الصعب إلغاء دور الجماعات الدينية مهما كانت درجات التنافر والاختلاف معها، كذلك على هذه الجماعات أن تدرك أن السياسة هي فن قيادة الشعوب وليست محو الغير، وأمام الجميع ملتقى واحد وهو الحوار. رابط المقال على الفيس بوك