في الماضي كان أعداء الأمة العربية والإسلامية يستعينون ببعض أبنائها لإيذائها وإذلالها وهزيمتها, لكن اليوم تغيّر الحال وأصبح العدو الداخلي «الأخ في اللحم والدم» هو الذي يسعى إلى هزيمتها مستعينًا بالعدو الخارجي.. اليوم تجد القريب يتآمر عليك لإرضاء نزواته, وبدلاً من أن يساعدك في الوصول إلى دولة قوية وديمقراطية ينعم فيها الشعب بالأمن والاستقرار والتقدم؛ تراه يحيك المؤامرات من أجل تأليب فرقاء السياسة على بعضهم، والسعي الحثيث إلى إفشال بعضهم بكل ما أوتي من قوة, وكأننا لسنا مسلمين ولسنا أبناء أمة واحدة, وكأننا وحوش لا تعرف غير قانون الغاب والناب ولسنا أصحاب قيم وأخلاق ومبادئ حثّنا عليها دين الإسلام وعّلمنا إياها تاريخنا وتراثنا. من صاحب المصلحة في إفشال الديمقراطية الوليدة في مصر وإن شابها أخطاء، أين هي المصلحة من تقسيم المجتمع المصري وتفريقه إلى طرفين متناحرين تُزهق أرواحهم وتسيل دماؤهم، من ذا الذي أراد أن يدخل الأمة المصرية في هذا النفق المظلم لتنكسر شوكة المصريين وتضعف إرادة جيشهم وقد تتفكك قوته العسكرية لا سمح الله بعد أن ذهبت قوة العراق, وقوة السوريين في طريقها إلى ذلك..؟!. ظل الغرب يعلمنا أن الديمقراطية هي الحل وهي الضامن الحقيقي لاستقرار الشعوب العربية وتحقيق أمنها وتقدمها, وظل عقودًا يظهر تحامله على الأنظمة الديكتاتورية والشمولية؛ لأنها ضد إرادة الشعوب، هذا الغرب أرسل إلينا المعاهد والمنظمات التي تنمّي وعينا بالديمقراطية وترعاها إذا ما اقتنعنا بها لإدارة حياتنا السياسية, وعلى هذا الطريق سار الفكر الليبرالي والحداثي وهو يحلم بالزمن الذي تملك فيه الشعوب العربية إرادتها, وظل الأمر على هذه الحال حتى جاءت ثورة الربيع العربي ونهض الشعب التونسي والمصري – أولاً - بثورات ناجزة قضت على الديكتاتورية وأسّست عهدًا جديدًا يقوم على الاختيار الحر والشفافية والاحتكام إلى صندوق الانتخاب, فصمت الغرب قليلاً ثم قالوا: نحن مع هذه الشعوب, مع إرادتها وحريتها وكرامتها.. طبعًا الشعوب العربية هنا هي التي صنعت بنفسها هذا التحوّل.. ولم يملك الغرب إزاء ذلك إلا أن يختار الانحياز إليها والتخلّي عن الحلفاء الديكتاتوريين وإن كانوا يطمئنون إلى رعاية هؤلاء الحلفاء للمصالح الغربية, لكن أدركوا أن مسايرة التحوّل والتغيير أمر ضروري, فالشعوب العربية عزمت على خلع الديكتاتورية واللحاق بالركب الديمقراطي الذي يزداد توغلاً في حياة التقدم والتطور, وما على الغرب إلا أن يؤسس عهدًا جديدًا من العلاقات مع الأنظمة الجديدة والقبول بأي متغيرات قد تفرضها هذه الأنظمة الجديدة. إذن جاء الربيع العربي ليكون كعادة الربيع موسمًا واحدًا لكل شعب يريد التحرُّر من أجل أن تزهر حياته بعد يبس وقحط وجفاف.. لقد كانت مهمة هذه الشعوب الثائرة أن تقضي على الديكتاتورية والتخلف ثم تنطلق مباشرة إلى التأسيس للديمقراطية المنشودة وتعمل على تنميتها وتقويم اعوجاجها وإصلاح ما فيها من أخطاء, وهذا شيء طبيعي؛ لأنها ديمقراطية ناشئة, والمهم أن تحيا وتقوى وتتجذّر في واقع الحياة ويقف الشعب حارسها من أن ينقضّ عليها الأعداء والمستفيدون من الأنظمة الديكتاتورية المخلوعة, لكن نحن اليوم أمام نازلة دهمت مصر ومستقبل المصريين وأعادتهم من جديد إلى عهد ما قبل الثورة؛ وكأن لم تكن هناك ثورة في الخامس والعشرين من يناير 2011م, فبخطوة واحدة قضوا على الحريات واعتمدوا سياسة الصوت الواحد, وقضوا على الروح الديمقراطية التي سادت الحياة في قرابة خمس محطات انتخابية, وعادت السجون والمعتقلات، وعاد العسكر إلى هيمنتهم، وعادت البلطجية والعنف والقهر الذي تربّى عليه بعض أفراد الأمن في عهد الديكتاتور، ثم ماذا يا مصر يا أم الدنيا؟!. القضية اليوم ليست قضية فصيل سياسي هم الإخوان المسلمون؛ إنها كرامة الشعب المصري كله وانتكاسة للديمقراطية الوليدة التي ظللنا نحلم بها نحن العرب واستبشرنا خيرًا أن تكون مصر هي رائدتنا فيها. لا أشك في أن أغلب المصريين عرفوا الآن من هو عدوّهم, ومن هو صاحب المصلحة في القضاء على ديمقراطيتهم, المتخوف من تعملقها وقيادتها المجتمع المصري إلى النماء والتطور والمكانة اللائقة, فما حدث في مصر كشف الغطاء وأبان المستور, وكل يوم يمضي من عمر الانقلاب على الديمقراطية تنكشف فيه الحقائق ويتضح زيف الإعلام الكاذب واشتراكه في المؤامرة, ولا ينبغي أن نلقي باللائمة على الغرب, فهم لا يريدون الديمقراطية إلا لأنفسهم؛ وقيامها في الشعوب العربية يضعف شوكتهم وهيمنتهم على المنطقة العربية, لذلك فمن مصلحتهم اليوم أن يغضّوا الطرف عمّا جرى في مصر من انتكاسة للديمقراطية, وهذه الخطط وهذا التمويل وهذه الأيدي هي ما ينبغي أن يتوجّه اللوم إليه وإلزامه بالحق وإعادته إلى جادة الصواب. الآن يبدو الجو معتمًا والأزمة على أشدها, والسؤال: هل ينجح المصريون اليوم في استعادة الديمقراطية المسلوبة، هل تتغلّب الإرادة الشعبية على عدوّها وتصنع النصر من جديد مفشلةً كل صيغ التآمر؟!.. هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك