الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    فينيسيوس يتوج بجائزة الافضل    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    هبوط المعدن الأصفر بعد موجة جني الأرباح    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    إيفرتون يصعق ليفربول ويوجه ضربة قاتلة لسعيه للفوز بالبريميرليغ    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الثالثة خلال ساعات.. عملية عسكرية للحوثيين في البحر الأحمر وتدمير طائرة    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    الوجع كبير.. وزير يمني يكشف سبب تجاهل مليشيا الحوثي وفاة الشيخ الزنداني رغم تعزيتها في رحيل شخصيات أخرى    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات في الإسلام والعلمانية والدولة المدنية(1)..ناصر يحيى
نشر في الصحوة نت يوم 21 - 04 - 2012

[أثبتت الأحداث والتطورات في المنطقة أنه لا يمكن أن تتطور هذه المنطقة خارج إطار الفكر العربي الإسلامي] الأستاذ/ جار الله عمر –رحمه الله- متحدثا في ندوة (تواؤم الإسلام والديمقرطية) التي نظمها المعهد اليمني لتنمية الديمقراطية بالاشتراك مع مركز دراسات الإسلام والديمقراطية-أكتوبر2002.
تشهد بلدان الربيع العربي تجاذبات قوية بين مكونات ثوراتها السياسية والفكرية حول قضية مهمة ومحورية هي: الهوية الحضارية والانتماء الحضاري للأنظمة الجديدة، ودساتيرها وقوانينها، والموقف بشأن علاقة الدين (الإسلام) بالدولة والمجتمع. وكل هذه القضايا تندرج إعلاميا تحت عنوان كبير هو: الدولة المدنية الحديثة. وخلال العام الماضي تصادمت الآراء بقوة وبحدة حول ما سلف ذكره حتى كادت تصير مواجهة عاتية غطت بنيرانها على المواجهة الأصلية ضد الحكام المستبدين وبقايا أنظمتهم الذين ما يزالون يحكمون قبضتهم على جوانب عديدة ومهمة من البلاد.
وبداية نقول إن الخلافات حول الهوية الحضارية للدولة ليست أمرا جديدا في منطقتنا العربية والإسلامية؛ فمنذ وصلت جيوش الاستعمار الأوروبي إلى عالمنا الإسلامي وأحكمت قبضتها على معظم أجزائه برزت أزمة الهوية الحضارية لهذا العالم المترامي الأطراف؛ لسبب بسيط وهو أن الغزو الأوروبي جاء ومعه –بل وسبقه ومهد له- مشروع آخر للهوية الحضارية للمنطقة وشعوبها يتناقض مع الانتماء الإسلامي لها –بصرف النظر عن جوانب الضعف التي انتابته خلال قرون التخلف وعصر الانحطاط- وتجلى في السعي الحثيث لتجريد العالم الإسلامي من مقومات هويته الإسلامية؛ سواء في فرض منظومة قانونية غير إسلامية، ونشر التنصير، وإحلال ثقافة أخرى بدءا من اللغات والآداب والتعليم، والمفاهيم المجتمعية في أدق تجلياتها، قوانين الأحوال الشخصية، واللباس.. ومن قبل ومن بعد: علاقة الدين بالدولة، وموقع الدين باعتباره المرجعية الأساسية والأولى في المجتمع أو فصله عن حركة الدولة والمجتمع والفرد فيما يعرف بعلمانية الدولة.
معركة جديدة-قديمة!
سوف نتطرق –بإذن الله تعالى- خلال الأسابيع القادمة إلى مسائل عديدة عن الإسلام والدولة، والعلمانية، والدولة المدنية الحديثة، والدساتير وعلاقتها بالأديان، والمرجعيات الدينية للأحزاب السياسية، ومصادر التشريع في الدولة الحديثة وتقاطع ذلك مع الدين والعلمانية، وعلاقة الدولة بالعقائد والتشريعات المستمدة من الأديان... إلخ. وكما هو واضح فإن هذه المسائل ما تزال هي أساس الخلافات بين التيارات الفكرية والسياسية: الإسلامية والليبرالية واليسارية، ليس فقط منذ بدء ثورات الربيع العربي بل والفترة التي سبقتها، ولعل كثيرين ما يزالون يتذكرون كيف كان نظام الرئيس المخلوع/ حسني مبارك يخوض معركته مع الإسلاميين من منطلق أنه يمثل الدولة المدنية الحديثة في مقابل ما يزعمه أنه الدولة الدينية التي يدعو إليها المؤمنون بالمشروع الإسلامي.. وكذلك كان الحال في تونس، وكل ديكتاتور يواجه معارضة إسلامية يرفع في وجهها شعار: الدولة المدنية الحديثة بشعارات علمانية؛ مستغلا حالة الميوعة الفكرية التاريخية التي تعيشها الأمة منذ مائة عام تقريبا واختلط فيها الحابل بالنابل، وضاعت فيها الحدود والمعالم، وتشوهت فيها المبادئ والقيم النبيلة حتى صار يمكن في حياتنا اليومية أن تسمع أوصاف غريبة تطلق على طغاة ومستبدين بأنهم رموز للحرية والديمقراطية، والحداثة، ومؤخرا: بُناة الدولة المدنية الحديثة!
معركة الهوية الحضارية للمنطقة العربية بدأت وجيوش الاستعمار الأوروبي ما تزال جاثمة على الأنفاس، واستمرت في عهد الاستقلال الوطني والرحيل (العسكري) للاستعمار؛ لأن توابع الوجود الاستعماري العسكري ظلت موجودة: فكريا وثقافيا وتشريعيا واجتماعيا ومتجسدة في مشاريع سياسية وثقافية واجتماعية. والملحوظ هنا أن ديمومة الآثار السياسية للاستعمار الأوروبي واجهت مقاومة من قبل العديد من الأنظمة الوطنية ذات البعد اليساري (الماركسي والقومي) لكن الآثار الثقافية والاجتماعية والتشريعية ظلت في مجملها كما كانت في العهد الاستعماري، بل وحوفظ عليها وتحمس لها وفي أقل الحالات لم تكن في موقع الرفض؛ رغم أنها تجليات أصيلة للمشروع الاستعماري استخدمها طوال فترة وجوده لتمكين هيمنته وفرض هويته، وخلخلة الأسس الحضارية للمجتمع العربي المسلم؛ وحتى استطاع أن يكوِّن نخبة مؤثرة وقوية في مختلف جوانب المجتمع تؤمن بها، وتقاتل عنها.. وفي الوقت نفسه الذي كانت تدافع المشروع السياسي (الوجود الاستعماري العسكري) وتطالب بالاستقلال.
هذا الانفصام الذي كان مستوليا على عقول النخبة، (وجعلها تفرق بين الجانب السياسي للاستعمار والجوانب الثقافية والتشريعية والاجتماعية له.. فترفض الأول وتقبل الأخرى) ما يزال قائما حتى الآن للأسف الشديد، وما يزال الغرب الذي بذر ورعى هذا الانفصام يقوم بالدور نفسه ويتصدى لأي عملية استقلال حضاري عن مقوماته الحضارية إلى درجة التدخل في صياغة مناهج المراحل الدراسية الأولى. وسوف نلاحظ أن الإيجابيات السياسية في الأنظمة الديمقراطية الأوروبية لم تكن صالحة للتصدير –إن جاز التعبير- إلى منطقتنا العربية وإلى الأنظمة التابعة أو المرتبطة بالغرب الليبرالي الرأسمالي، ولم تجهد دولة ديمقراطية واحدة في أن تجعل (دمقرطة) الأنظمة العربية هدفا إستراتيجيا لها، ومحلا لتدخلاتها، وفرض رؤاها كما حدث في الجوانب الثقافية والاجتماعية والقانونية. وطوال سنوات ما بعد الاستقلال كان الغرب الليبرالي يثور ويعادي أنظمة في المنطقة إن تبنت مشروعا –ولو كان جزئيا- يخفف من تبعيتها للغرب اقتصاديا: (تأميم البترول الإيراني أيام مصدق) أو ثقافيا: (أسلمة نظام التعليم والمناهج) أو التشريعية (مثل الدعوة لتطبيق القوانين الإسلامية) أو الاجتماعية (مثل رفض المفاهيم الغربية عن المرأة والأسرة والأخلاق) .. وفي العديد من الحالات كان الأمر يصل إلى ممارسة ضغوط هائلة وحتى تحريض حركات تمرد عسكرية ضد النظام القائم.. وفي المقابل لم يحدث –حسب علمنا واستقرائنا- أن الغرب تدخل بأي صورة ضد الانقلاب على النظم الديمقراطية والدستورية ورفضا لإقامة ديكتاتوريات عسكرية، وظل أقوى حلفائه رمزا للقمع والاستبداد. ويسجل التاريخ العربي المعاصر أن الانقلابات العسكرية الأولى التي عرفتها المنطقة وأطاحت بالنظام الديمقراطي الوحيد فيها كانت هي الانقلابات العسكرية في سوريا.. وكلها نفذت بتخطيط وإشراف المخابرات الأمريكية والبريطانية وبالتناوب بينهما وضد بعضهما بعضا. ومن بعد سوريا انفتحت شهية العسكر للسيطرة على الحكم لأسباب شتى، والعديد من تلك الانقلابات وجهت إليها تهم الارتباط أو التنسيق مع المخابرات الأجنبية.. لكن ينفي الأصل: أن الانقلاب على الديمقراطية كان سنة غربية يتحملون وزرها ووزر من عمل بها. وبصورة مستدامة ارتبط الغرب الليبرالي بأوثق العلاقات الحميمية مع حكام وزعامات وأنظمة مستبدة، قمعية، غير شعبية، معادية للنظم الدستورية تعادي حكم الشعوب لنفسها وفق الأصول الديمقراطية المعروفة.
تحدي الإيمان بالخيار الديمقراطي!
يمكن أن نقول إن الزمان قد استدار كيوم خرج المستعمر الأجنبي من بلادنا العربية، وها نحن أولاء مع نجاح ثورات الربيع العربي نواجه المشكلة نفسها في اختيار طريق التطور. وهل يكون في إطار المرجعية الإسلامية أم المرجعيات الأخرى. الفارق المهم أننا اليوم –ونقصد جميع التيارات الإسلامية والليبرالية واليسارية والقومية والمستقلة- نتجنب أن يكون حل الخلاف بالعنف والاستقواء بالجيوش المحلية والأجنبية. فبعد تجربة قرابة ستين عاما من الصراع الدموي حول خلافات عديدة –من بينها الهوية الحضارية- صار الغالب أن الجميع يرتضون أن تكون الآليات الديمقراطية السليمة هي وسيلة حل هذه الخلافات من خلال الاحتكام إلى الشعوب وجعلها هي التي تقرر وتختار بمحض إرادتها الحرة المعبر عنها في الانتخابات الحرة والنزيهة، وجعل التنافس السياسي هو الإطار السلمي الذي يعمل فيه الجميع للحصول على ثقة الشعب ومن ثم تحقيق برامجهم في أرض الواقع دون إقصاء لأحد أو افتئات على أحد.. على أنه يظل الشعب هو صاحب الشرعية التي يهبها في الانتخابات الدورية لمن يقتنع ببرامجه!
ومع ذلك ينبغي الاعتراف بأن الأمر لن يمضي بهذه السهولة والسلامة، فلا يزال هناك عوائق خطيرة بعضها نابع من تاريخ مؤسف من عدم الثقة والعداء بين التيارات السياسية، وبعضها يعود إلى أن الطامعين بالسلطة أو الذين تعودوا أن يحكموا بالقوة العسكرية لن يستسلموا بسهولة، كما أن العامل الأجنبي المؤثر في بلداننا لن يقبل أن تفلت الأمور من هيمنته أو تأثيره.. ومن وراء كل ذلك هناك التجربة التاريخية الطويلة مع الاستبداد التي عشعشت وأفرطت في الذهنيات والعقل والنفوس، وصارت بحاجة إلى جهد خاص لتفكيكها وتخليص العقل العربي منها.
يمكن أن نلاحظ بعض هذه الآثار السلبية في الخلافات الأخيرة في مصر -وإلى حد ما في تونس وليبيا- حول كيفية إعداد الدساتير الجديدة ومضامينها.. وهي خلافات كان سببها الرئيسي هو حصول التيار الإسلامي على الأغلبية الكبيرة في الانتخابات النيابية مما يؤهله لأن يكون صاحب الكلمة المرجحة في كل شيء، وهو أمر لا غبار عليه، ويفترض أن يتقبله الآخرون طالما أن الأغلبية تعلن احترامها للأقلية ولا تسعى لحرمانها من حقوقها الديمقراطية وحقها في العمل الشعبي للحصول على الأغلبية والوصول إلى السلطة.
تمثل (تونس) حالة مختلفة عن مصر؛ فالإسلاميون فيها حصلوا على المركز الأول في الانتخابات لكنهم لا يمتلكون الأغلبية الكبيرة كما هو حادث في مصر، ولأسباب عديدة فضل الإسلاميون في تونس أن يقبلوا بممارسة ديمقراطية ليبرالية لها سقف محدد وخطوط حمراء لا يستطيعون تجاوزها ولو حصلوا على الأغلبية؛ وحالهم هذا بشبه حال الإسلاميين في تركيا؛ فللأسباب نفسها تقريبا، وبرغم حصولهم على أغلبية كبيرة؛ إلا أن الإسلاميين الأتراك مفروض عليهم ممارسة ديمقراطية ذات خطوط حمراء وسقف محدد خلافا للأصل المفهوم من النظام الديمقراطي الذي يجعل الحكم والقرار للأغلبية. وارتضوا لذلك أن يتجاوزا عددا مهما من خياراتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية؛ حفاظا على الحد الأدنى من المكاسب الديمقراطية التي تحققت في البلاد. لكن الثابت أن ذلك لا يتفق مع مفهوم حق الأغلبية في الحكم ببرنامجها التي وافقت عليه الأغلبية، ولعل ذلك يفسر إعجاب العلمانيين
في مصر يختلف الوضع كثيرا؛ فمشاريع التغريب والعلمنة السابقة لم يكن لها الآثار الخطيرة التي ظهرت في تركيا وتونس.. والإسلاميون بفصائلهم المتعددة حصلوا على أغلبية ساحقة تمكنهم إن أرادوا أن يصنعوا ما شاءوا في إطار المعايير الديمقراطية المعروفة؛ لكنهم مع ذلك تعاطوا بمرونة ووعي تاريخي بالمعطيات الوطنية والتاريخية والنفسية في بلادهم، وأعلنوا أكثر من مرة وبوضوح أن الدستور الجديد لابد أن يكون مستوعبا للجميع، وأن يشارك الجميع في صياغاته، والتوافق على مضامينه. وكان ملحوظا في قوائم ترشيح أعضاء الجمعية التأسيسية التي قدمها الإسلاميون أنها ضمت مسيحيين وعلمانيين ومستقلين ونساء ورجال من مختلف الأطياف الدينية والسياسية والاجتماعية. ومع كل ذلك فإن البعض لم يعجبه أن هناك أغلبية عددية ستكون للإسلاميين، مع أنه أمر منطقي فهم حازوا على الأغلبية الساحقة (قرابة 75%) وجاءوا للبرلمان بتفويض شعبي ساحق وواضح، ومن حقهم ديمقراطيا أن يكونوا لهم أغلبية في كل شيء.. المهم ألا يقصوا أحدا ولا يمنعوا أحدا من المشاركة في إعداد الدستور الجديد. ومن الطبيعي أيضا ألا يتفق الجميع على كل مادة من مواد الدستور باستثناء تلك التي تنظم قواعد الممارسة السياسية والحريات الرئيسية، وضمان المساواة للجميع أمام القانون ومن الطبيعي أيضا أنه عندما تحدث خلافات حول موضوع ما داخل لجنة كتابة الدستور أو البرلمان أن يتحكم الجميع للتصويت.. وليس ذنب الإسلاميين أنهم يمتلكون الأغلبية؛ فالآخرون أيضا لو كانوا كذلك لرفعوا شعار: الأغلبية تحكم والقرار لها!
وفي هذه الأيام أثارت الأقلية زوابع حادة عند انتخاب الجمعية التأسيسية التي ستقوم بكتابة الدستور المصري الجديد بحجة أن الإسلاميين لهم أغلبية فيها، وبدأت بعض الشخصيات والأحزاب تهدد بالانسحاب من الجمعية، وتشكك بشرعية الدستور الجديد، وتدعو إلى ثورة جديدة! المفاجأة أن نسبة الإسلاميين في اللجنة 48% رغم أنهم يملكون 76% في البرلمان، ونسبة غير الإسلاميين 52% رغم أن نسبتهم قرابة 24%! وحرص الإسلاميون على تمثيل كل أطياف المجتمع المصري الدينية والمهنية وأصحاب الكفاءات لكن المنزعجين يقدمون رؤية غير واقعية وعبثية بدعوى أن الدستور يعده الجميع على قدم المساواة! المفاجأة الثانية أن الحكومة الأمريكية لم تجد في هذه الاعتراضات وجاهة وخاصة أ لجنة الدستور منتخبة من برلمان منتخب ديمقراطيا ولا سبيل للتشكيك في شرعيتها. هذا الخلاف ليس حول الحريات العامة ولا الديمقراطية ولكنه في الحقيقة محاولة من الأقلية لمنع تضمين الدستور المصري ما يؤكد هوية مصر الإسلامية وإقرار أن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع مع ضمان حق النصارى في الاحتكام لشرائعهم في أحوالهم الشخصية.. وكل ذلك هو إعادة لمعركة الهوية من جديد.

بإذن الله.. في العدد القادم:
فخ الدولة المدنية الحديثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.