لم احضر مأدبة عشاء الإصلاح قبل ايام، ولن احضر مأدبة عشاء الحوثيين بعد أيام.. احترامي لكل من دعاني من الأصدقاء والزملاء الأعزاء بنبلٍ غير ذي لؤم بالطبع.. والحاصل أنني لا استسيغ مآدب العشاءات السياسية نفسياً، تنطوي على تحشيدات وبروبجندات، وشيء من الدعاية الأيديولوجية التي تستغل جزءاً من حرية مواقفك وتلقائية قناعاتك وسيادتك على ذاتك، في ظل تجاذبات معتوهة حاصلة منذ فترة للأسف. إن صيغ الأحاسيس الممسرحة في مثل هكذا فعاليات لاتشعرني بالارتياح أصلاً، فضلاً عن قرفي الطبيعي مما يضمره سلوك المجاملة الاحراجي النابع غالباً من المسارات البروتوكولية الموجهة لمثل هذه التجمعات المبرمجة سلفاً، إضافة الى انه السلوك المليء بالكياسة الاستعراضية المفتعلة والمتكلفة على وجه التحديد. صحيح ان هناك من سيعتبرني أزايد وبصيغة تضخيمية هنا إزاء رؤيتي للمسألة، بينما لن استغرب على الإطلاق.. إلا أنني وبمنتهى الصراحة والوضوح أجدني اغبط كل سياسي وصحفي قادر على التكيف والتلون الفهلويين داخل بؤرة هكذا مناسبات ملتبسة بالتحمل الإرادي الساذج لثقل الولاءات المحيطة ، خصوصاً في ظل المحق الممنهج لخفة الذات غير الاصطفافية وهي تقاوم بإصرار عجيب كل هذا الخراب المتفاقم مايثير شفقة الانتهازيين بالمقام الأول. الشاهد انه وراء الستار يحدث ان تلتهب مرامي تحالفات كل طرف سياسي في هذه البلد والصحفيين المتعاطفين لترويض ذوي المزاج السيئ منهما.. وأما في ظل الأحوال السيئة فلا يمكن التصديق أن هناك من سينأى أو يتعالى مثلاً .على ان العالم ينقسم الى قسمين بحسب رؤيتي الغبية . من ينشغلون بتحرير أحلامهم المثالية من حصارات الواقع المدجج بتعقيدات الضغوطات المهيمنة والمسيطرة والاستلابية، سعياً لاتساق مبدأ غاياتهم بوسائل المبدأ.. ومن ينشغلون بتفضيل مصالحهم الأنانية ولو بالانتماء إلى آلية انتهاز الفرص والاضطرار الانقيادي الماثل رضوخاً لمزاج وسائل التيارات المتصارعة القائمة، والتبعية لها، ومن ثم الوصول الى تحقيق غايات ذاتية متهافتة بأجندات ليس لها صلة بالهموم الوطنية النزيهة والمثالية على الإطلاق. وبالنتيجة فإن رهق مثل هذه الدعوات التجريفية الملحاحة، أكثر من سيء بالضرورة، كما ليس للمرء بمواجهتها إلا الإصغاء لأعماقه المتجردة بصدق حقيقي مع النفس رغم انه اشد أنواع الصدق صعوبة وإنهاكاً، ما يؤمل معه بالمحصلة أن يفضي إلى قرار نأيه بغربته الشاسعة عن الولوج في المشهد التجييري المأزوم والأقسى والأهوج والأضيق الذي تصنعه مثل تلك الثنائيات وهي تظهر اقرب شبهاً بحالة الكماشة كما هو معلوم. غير ان كل من يستطيع التواطؤ مع الجانب السياسي في تلك المناسبات عموماً، يصيبني بالذهول، مابالكم وهو الجانب الزئبقي جداً الذي يعمل على تجيير الجوانب الإنسانية لقيمة العلاقات العامة، بدأب متقصد التكييف للوقائع أو يتعمد فبركتها أحياناً، كما يكاد يظهرها كوسيلة تكتيكية لصياغة هدف الاستقطاب السخيف إن أمكن، أو بصفته يتمظهر كوسيلة مثلى لمحاولة كبح تهور حمقى الرأي الوطني الذي لا يفرق بين الحوثي والاصلاح بشأن محمولاتهما المتصادمة وحلم الدولة المدنية والمواطنة المتساوية. ولئن قام كل من يعارض ثنائيات الخراب تلك بتلبية دعواتها الاستثمارية موضع الحديث -ولو حتى من باب محاولته البريئة في ان يكون لطيفاً ومتفائلاً ومنفتحاً وسوي الاختلاف- إلا انه لابد يصطدم بإصرار كل طرف متصارع على فهم طبيعة جوهر مواقفه الناقدة تجاهه باعتبارها منحازة للطرف الآخر وعداوة رئيسية له – تماماً كما يرى كل طرف في هذه البلاد الآن-لا باعتبارها مواقف ذاتية حرة غير متحيزة إلا للمسألة الوطنية العليا ومحبة ليمن جديد منشود ،بينما لاتفرق بين طرف وآخر في نقد إعاقاته لتحقيق حلم اليمنيين الذي سيقودنا الى مجتمع عصري ودولة معاصرة وقبلهما الانسان اللازم للبناء. كذلك بالنسبة للذات المتسمة بنزوعها الإرادي الخاص وهي تواجه حيثيات هذا المشهد الاستقطابي الحاد والمتوتر، لابد أن يبقى صراعها القيمي مشدوداً إلى أهمية قدرتها في النجاة الحقيقية والعميقة من فخاخ سيطرة الإغراءات التي تناهض رهانها في التشبث بدوام استقلالها المكابد، ما يتطلب تفعيل احتفاظها بهمة النجاة من الولاءات المتنافسة منا بوعي المسافة الحمائية اللائقة التي تمثل مجالاً رائعاً لمفاهيم الحذر والأمان –على اعتبارها الذات الاكثر مكابرة وهي تعي جيداً معنى انها لاتملك غير تدعيم نزاهتها على الدوام رغم تفاقم سياقات التلوث السياسي - ثم حين تستوي بإقرارها لحال التأمل المعرفي المحايد كمسار ادراكي متمحص في الجدل والمناقدة والاختلاف ، ينبغي ان تتفوق بتثبتها على اللاتصنيف أيضاً، وذلك من خلال عدم المسايرة أو الارتهان لوظيفة قطيع الثنائيات المؤثر الذي يطالب بمزيد من الترسيخ لمبدأ قاعدته المفاهيمية المنتشرة: «إذا كنت مش معنا فأنت ضدنا.. إذا كنت مش معنا فأنت العدو المشتوم». والثابت ان الذين غايتهم الاستمرار في تعرية قبح مجمل سُلط أداءات الأطراف المتخاصمة المختلة التي تتوحد في انتهاج أسس وآفاق وولاءات و املاءات قيم اللا دولة و اللامواطنة أساساً، هم من يجعلونا نرى بوضوح كيفية توحد الأطراف المتنازعة بالرغم من اختلافها لتصبح أكثر امتزاجاً في توجيه ضرباتها على أصحاب الرأي غير الراضخ وغير المقيد، بينما يزداد مقدار تطرفها ناحيتهم كلما واصلوا انتقاداتهم لحماقات كل طرف على السواء، ولعل المنهجيه الحلمية لهؤلاء وهم يحاولون الانتصار من خلالها لروح الثورة المغدورة في الدولة المدنية والمواطنة المتساوية ،تمثل مسعى المغامرة المتهورة والرهان المجنون في واقع نفعي أكثر من قاهر كاليمن . الواقع الذي يزدهر باللادولة واللامواطنة وصراعات مراكز القوى بغرض تحقيق مصالحهما الداخلية والخارجية المعينة بحيث ان على الجميع الانصياع لهذا الابداع الاستثنائي الذي يغمرنا بالجمال ، إضافة إلى التحيز لأحد أطراف الصدام المحسودين عليه كمايبدو ، وبالتالي حتمية الابتهاج التام بحالة الوباء البدائي هذا فيما يكاد يسيطر ببلادة شاسعة على الحاضر والمستقبل، مع احترام المجهود المبذول من الطرفين لمراكمة الاحتقان المتخلف بالطبع، وعدم الإساءة لمشاريعهما التنويرية التقدمية المذهلة.! عجبي! ويالرداءة الخيارات.. يالبؤس من تستهويهم صراعات الجماجم الفارغة..وما اشنع التبريرات الضاجة في الضفتين. لكن الغلبة في النهاية للخيارات الوطنية حتماً. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك