لا أحد يعرف متى يتخلص العربي بوجه أعم واليمني بشكل أخص وتربيته الاستبدادية التي تمر وسطاً في نطاق الأسرة والمدرسة والشارع، والعمل ومختلف الميادين، تجلت هذه التربية الاستبدادية في شتى التعابير والتفاهمات والممارسات.. ليس عند العامة قط، وإنما عند جل المثقفين العرب ،لاحظنا في معظم متابعاتنا للحوارات التي تجريها الجزيرة كيف أن المتحاورين يكادون يتحولون إلى ديوك لنقر بعضهم بعضاً، أو عجول منفلتة للنطح، وكلٌ لا يستطيع التخلي أبداً عما في رأسه من الأفكار والمواقف المحشوة سلفاً فيه، لا يطيق الإصغاء لمحاورة الآخر لافتراضه ذاتية الآخر وآرائه الضدية المحشوة المخالفة مسبقاً، لا علاقة لنا هنا بالانتهازية التي سيتبعها البعض لطغيان حيوته وغضبه على المحاور الآخر لإسماع السلطات التي تنتمي إليها، وإنما الطريقة التي يجأر بها لإسكات الآخر في حين يستطيع الإقناع إن أتبع أخلاقية وقواعد الحوار عند المتربي على الديمقراطية احترام الآخر، يتسع هذا الهراء الاستبدادي الذاتي لا ليشمل الأميين وأنصاف وأرباع المتعلمين فقط، وإنما أغلب المثقفين العرب الإعلاميين الرسميين وصحف وقنوات خاصة في أحداث مصر الأخيرة رأينا وسمعنا وقرأنا كيف أن المعارض، وأي معارض لأي جهة، ومناصر لأي جهة يستطيع بكل بساطة وأريحية أن يجمع الشعب كمناصر، أو معارض في سلة واحدة، بلا تواضع فيقول لك الشعب كله ضد الانقلابيين العسكريين.. مطززاً لملايين المصريين الذين خرجوا في 30 يونيو ،رفضاً لسلوك وممارسة الإخوان للحكم وإعلام آخر بنفس الطززه يقول إن الشعب كله رافض لمرسي والإخوان، وهلم جراً في مثل هذه المعمعة الثقافية الإعلامية والتربية الذاتية الاستبدادية الفاسدة لا يستطيع المتابع النادر من المثقفين العرب نظيف الرأس والتربية، ولا حق المتابع الأجنبي أن يتنبأ بسنوات ضوئية يتخلص فيها العربي من عصبيته وعصبويته وعشوائيته في الحكم والإفتئات على الآخرين، أو الشعب.. كل الشعب في اليمن بلادنا سطرت بعض الصحف الأهلية الخاصة عناوين ومنشيتات بأجندة خاصة “كيف أرضى الرئيس عبد ربه منصور دولاً بتهنئته لرئيس مصر المكلف المؤقت عدلي منصور بالرئاسة وأغضب الشعب” دون أن نعرف نحن المواطنين كيف فعلاً أرضى الرئيس وأغضب، يمكن أن نفهم الأولى، ونقدر ظروف الرجل والظروف الصعبة التي يحتاجها الوطن ما يفرض المرونة والذكاء في اتخاذ المواقف حتى بعيداً عن المبدئية في ظلال السياسة واحتمالاتها.. أما الثانية كيف نستطيع أن نفهم أنه أغضب الشعب، وكيف استطاعت بعض هذه الصحف أن تلملم الشعب.. كل الشعب في عتمة الليل وفي ليلة واحدة.. خاصة ونحن نعاني في يمننا من الانقطاعات المتكررة للكهرباء لا يقتصر الأمر والإفتئات في الصحف وبعض القنوات على المثقفين وأصحاب الأجندة الحزبية المتعصبة، وإنما يتعداه إلى المواطن الذاتي المستبد أو المغرر به في ظل الثقافة الكابوسية الاستبدادية، لأن يبعث بتنصيره الشخصي باسم الشعب كل الشعب فرحاً أو غضباً في استسهال مجاني أبله تتلقفه بعض الصحف أو القنوات المتعصبة الجاهزة.. كأنما تنتظر مثل هذا الإفتئات المجاني على حر من الجمر دون أن تميز ما يضر وما ينفع حتى بالنسبة لمهنتها الإعلامية الرزينة المفترضة، وما يلحق بها مثل هذا الاستسهال المتعجل من فقدان الاحترام والمتابعة، على أي حال.. هي الثقافة القسرية الجمعية التي تبشر بها العربي من صغره تعينه الأنظمة الأبدية على عدم التخلص منها في غدوه ورواحه حتى الممات، وينفرد اليمني منها بخصوصية لا تضاهي في بيئة من القبلية والبداوة والمشيخ والتفلت والأمية والأنانية “وكل إيده إله” على حد تعبير إخواننا السوريين وحدث ولا حرج. دعوة ندعوا الأخ وزير الداخلية اللواء عبدالقادر قحطان التكرم يوماً بزيارة أقسام الشرطة في صنعاء كنموذج للأقسام المنتشرة في محافظات ومديريات وقرى الجمهورية متنكراً في زي مواطن يمني عادي ليرى بعينيه ويسمع بأذنيه وبصيرة قلبه ما الذي يحدث للمواطنين في هذه الأقسام من نهب وخلس لا يخلو من السفه والوقاحة.. كأن يزور سجيناً له، ولا يكون في فؤاده غضاضة وهو يسمع الترحم على ثورة الناس وضحاياهم وشهدائهم ومقهوراً. رابط المقال على الفيس بوك