«اتقوا النار ولو بشق تمرة» هذا التوجيه العظيم يستوقفني كثيراً، ففيه عظمة النبوّة التي تعظّم من جهد الإنسان، وتوجّه المجتمع نحو الإيجابية والبعد عن التلقّي, توجيه نحو العطاء يصنع من كل فرد محسناً؛ لنصبح أمام محسن كبير اسمه المجتمع والأمة. عملية رائعة لإنهاء الاحتكار، نعم إنهاء لاحتكار الإحسان والإقطاع والبرجوازية في الخير والصدقات، كل إنسان، كل فرد يستطيع أن يكون محسناً كبيراً ومجاهداً كبيراً وصاحب عطاء لو أراد. إن العطاء في النفس رغبة وحب وعشق للخير والتعاون والمساهمة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة؛ أعلاه لا إله إلا الله، وأدناه إماطة الأذى عن الطريق، وأن يعين الرجل على دابته صدقة». كلها أعمال تبدو صغيرة لكنها تعكس عظمة المجتمع وعشقه للتضامن والإعانة والتكافل، كل يعطي ما يستطيع، وهنا تبرز البركة والقوة، قوة الضعف والكثرة, كثرة القليل، فالسيل يبدأ بقطرة، والنار من مستصغر الشرر، والخير كله يبدأ ببسمة وخُلق حسن، و«أن تلقى أخاك بوجه طلق» فكله مترابط، فمن يبخل عن الناس برد السلام وإلقاء التحية؛ يبخل عليهم بما هو أكبر، ويكون مصدر شر وتوتر وضيق. إن الإحسان عشق وحب واحتراق وإحساس بالاخرين قبل أن يكون عطاء مادياً وريالات مكدسة ومتسخة بالأطماع. والمجتمع العاشق للخير وحده الذي يشعر بكرامة حب العطاء الذي يحوّل القليل إلى كثير، والضعف إلى قوة، ولا يعيش بإحساس التسوّل؛ لأن المجتمع كله يتصدّق، وكله يسهم في تنظيف المدينة، وكله يدلي بدلوه في حفظ الأمن ولو بكلمة حق يظن أنها لا تنفع وقد تنقذ المجتمع وترفع صاحبها في عليّين؛ بينما كلمة «سوء» أو تشجيع لباطل أو حتى سكوت عن حق تسهم في تدمير المجتمع وتهوي به في النار سبعين خريفا. إن القوة هي الفرد الذي يتصرّف في المجتمع بإيجابية كعضو حي ومتناسق؛ يحسُّ ويحب ويعشق الخير، ويسهم كل فرد بما يملك بكلمة, بإشارة, بشق تمرة, بحضور, بتضامن, بزيارة. لا يوجد حي يفقد العطاء إلا عندما لا يريد، ويموت فيه إحساس الشفقة ودافع المشاركة بالخير؛ فتنسد أمامه أبواب العطاء تماماً حتى لو امتلك أموال قارون فإنه يعيش تحت إحساس الفقر والبخل والجشع، فيكون ذاك الفقير الذي يتقاسم مع أخيه وجاره رغيف الخبز والإحساس بالمعاناة هو الغني والمُحسن الكبير؛ لا ذاك الذي يقتر ويكنز وينظر إلى المجتمع وكأنه جاثم على رأسه أو خزينة دراهمه الهالكة بالبخل والجشع والمن الرخيص. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك