فرضت أحداث مصر ظلّها على الجميع، فهي أحداث تاريخية وشديدة الألم خاصة في مذابحها المتتالية التي يتعرّض لها الشعب المصري في الشوارع والسجون وأخيراً الجنود الذين ذُبحوا عزّلاً وبطريقة مريبة، وهناك ذبح آخر يجري للحقيقة والضمير الإنساني لا يقل وحشية..!!. من الخطأ أن يُنظر إلى الصراع في مصر على أنه صراع بين حزب معيّن وجيش، الصراع موجود بين الشعب والاستبداد العربي؛ وصل ذروته وتفجّر في ثورة 25 يناير، واستمر خلال سنة في صراع عنيف بين الثورة الشعبية والثورة المضادة التي لم تُزح من مواقعها في الجيش والأمن والإعلام على غير عادة الثورات العالمية. لقد كان حُسن النية والإفراط في السلمية أحد مقاتل الثورة في مصر كما يرى البعض ومع هذا أخذت الحملة الرسمية تشيطن المعارضة "الاخوان المسلمين" تحديداً، وتصوّرها على أنها جماعة إرهابية تمتلك أسلحة ثقيلة وخفيفة وصواريخ ومدافع وخلافه؛ في كذب يلوّث البحر والهواء، ويقتل الحقيقة دون رحمة؛ لأن لا قرائن عليها، فكل القرائن والأدلة تقول إن الثورة المصرية وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين سلميون حتى النخاع، وكل أعمالهم تقول ذلك؛ بينما يصرُّ الإعلام على خلاف الواقع، ومن المروءة عدم مجاراته، فهذا اعتداء على الحقيقة واستخفاف بالناس. أين الصواريخ والأسلحة الثقيلة وحتى الخفيفة من معتصمي رابعة الذين واجهوا الدبابات بصدورهم وقُتلوا من كل جانب بمذبحة هي الأخطر في تاريخ مصر بحسب تقرير المنظمات الدولية بل هي أخطر وأبشع مذبحة جماعية في الشرق الأوسط؛ ومع ذلك لم نر أي أثر للأسلحة الثقيلة ولا الخفيفة فيها؛ والسبب أنها غير موجودة أصلاً، وأن هؤلاء عندهم إيمان عميق بالسلمية، ومن الظلم وصمهم ب«الإرهابية» في الوقت الذي يقدّمون فيه نماذج مبهرة للسلمية؛ مع أنهم يمتكلون الكوادر المنضبطة والقوية. صباح أمس اُعتقل الرجل الأول في جماعة الاخوان المسلمين المرشد محمد بديع وهو من العلماء المائة الأوئل في العالم بالمناسبة قبضوا عليه كما يقبضون على أي مواطن عادي في شقّته، لم نر حرّاساً ولا مسلّحين ولا حتى سكين، ولم تقع معركة، ولم يسقط قتلى؛ مسكوه وحده كأي مواطن يناضل في شوارع مصر عمّا يؤمن به في مواجهة طواغيت الداخل والخارج، هي رسالة حضارية وإنسانية يفهمها الأحرار جيداً، وتُخرس كل حملات الكذب، وتعطي رسالة أن «الاخوان» جماعة وطنية سلمية برهنت على ذلك في وقت لا يصبر فيها على السلمية إلا الأقوياء والحريصون على وطنهم. لم يكن اعتقال الرجل الأعزل منجزاً، كما لم يعد يمثّل اعتقاله حدثاً جديداً لا عند أتباعه ولا عند مناصريهم الثائرين، فالقيادات أكثرهم في السجن، والناس يُقتلون في الشوارع، والشعب يقود ثورته. الثورة كما «الجماعة» أصبحت لها قيادات ميدانية من الشارع ومن قاع المجتمع تتجددّ كل يوم، ولا يمثّل الأشخاص على أهميّتهم شيئاً ذا بال، فمصر ولادة، والثورة أوجدت «الشعب القائد» بدلاً عن «الزعيم الفرد» وواهم من يظنُّ أن الثورة ستنتهي باعتقال شخص أو قتل آخر بعد كل هذا القتل وكواكب الشهداء. ستنتصر الثورة في الوقت الذي يظن أعداؤها أنهم أعدموا كرامة وإرادة الشعب في أرصفة مصر وأزقّتها، سيسقطون أرضاً من الإعياء والدماء، وسنرى الثورة والشعب القائد في قمة النشاط والتوهُّج. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك