لفت انتباهي تعزية حارة وصادقة ومؤثرة للدكتور القدير والإنسان المناضل واسع الأفق ياسين سعيد نعمان بوفاة ثلاثة من مناضلي الثورة اختارهم المولى العلي القدير إلى جواره خلال شهر رمضان المنصرم، وكان من بينهم واحداً جمعتني به رحلة في عام 1986م إلى روسيا عاصمة الاتحاد السوفيتي يومئذ، ومن خلال تلك الرحلة تعرفت عليه وعلى العديد من زملاء صاحبة الجلالة، لا من الشطر الجنوبي آنذاك وحسب، وإنما ضمت العديد من الصحفيين من كافة أقطار الوطن العربي، وأضيف إلى ذلك العدد عدداً آخر من أقاليم الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية. فلقد كانت تلك الرحلة الشيقة والممتعة والمفيدة بالوقت نفسه، لأي صحفي يبحث عن الاستزادة بالجديد والمفيد لمعارفه ومعلوماته. وإذا كان لي من إضافة لطبيعة تلك الرحلة، فقد كانت أشبه ما تكون بالكوكتيل المتنوع والممتع.. وكنا كمن ذهب للمشاركة في تشييع جنازة الاتحاد السوفيتي الصديق، حيث إننا كنا قد ذهبنا في أواخر أيام الاتحاد السوفيتي الذي كان فيه “جور باتشوف” على رأس الدولة، وكان الدكتور عبدالرزاق مسعد من بين صحفيي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكان من أعضاء البعثة الزملاء منصور هائل، وأحمد ثابت والمرحوم عبدالباسط السروري، وآخرين لا أتذكر من هم.. أما من الجمهورية العربية اليمنية فلم تكن سوى اثنين لا ثالث لهما وهما كاتب هذه السطور ومحمد السريحي، واحد من صحيفة الجمهورية، والآخر من صحيفة الثورة.. لقد كانت رحلة جمعت بين المتعة ومتناقضاتها من صراعات العرب الأجلاف، وكان ما يمر علينا يوم للاستمتاع بزيارة أحد المعالم التاريخية والأثرية لمدينة موسكو الشهيرة حتى يتوج ذلك اليوم بخلافات “بيزنطية” ونقاشات حادة تصل في بعض الأحيان إلى رفع الأيدي، ولا سيما عندما يكون النقاش بين عراقي أو عراقيين وسوري أو سوريين، أو بين مصري وليبي.. أما نحن أبناء اليمن فمن حظنا أولاً أننا قد كنا على قدر من التفاهم، وعدد أبناء الشمال محدود جداً. وإن كان يحدث في بعض الأحيان قدر من الشطط من زملائنا، إلا أن المرحوم عبدالباسط السروري كان يطفئ جذوته وأواره بعباراته الهادئة. وقد يستغرب القارئ العزيز لعباراتي الواردة آنفاً في مستهل الموضوع عندما أشرت إلى أننا بذهابنا إلى موسكو، كنا كمن ذهب لتشييع جنازة الاتحاد السوفيتي، وما دفعني لهذا القول ما كنت أراه وأشاهده من تصرفات بعض زملائنا العرب الذين كان همهم من تلك الزيارة فقط هو التجارة ليس إلا. فقد كنت الاحظ العديد منهم في أنهم قد جلبوا معهم من بلدانهم جملة من السلع الثمينة والخفيفة مثل آلات التسجيل والراديوهات، وخلاف ذلك ويقومون ببيعها في الأسواق السوداء، ومن ثم يذهبون عقب أخذ ثمنها إلى أي متجر من متاجر الأثاث، وغير ذلك من السلع ذات الأسعار متدنية القيمة، ثم يذهبون إلى وكالات السفريات البحرية وإرسال إلى بلدانهم.. بالرغم من أن السلع التي جلبوها زهيدة القيمة، عرفت كل ذلك عقب فترة من بقائي في موسكو خاوي اليدين، فقد أوهموني بصنعاء من أننا سنتسلم مصاريف من الجانب الروسي الذي دعانا لتلك الدورة.. وقد فوجئت عقب وصولي إلى هناك عندما عرفت أن المصروف المقرر لكل واحد عبارة عن ثلاثة روبيل، أي ما يساوي ثلاثة ريالات يمني، أما الطعام فقد كان بنفس الفندق وعلى حسابهم، والويل والحرمان لمن يتأخر عن المواعيد المحددة للطعام، وبعد أن ضجينا من تلك المواعيد العسكرية، أعادوا النظر في وضعنا فكانت معاملة خاصة بنا نحن القادمين من البلدان العربية وعقب معرفتي بمقلب المصروف اليومي الذي دبر ضدي من مسئولي مؤسسة (سبأ) ذهبت لأحد المعاريف بالسفارة اليمنيةبموسكو ليوصلني بأحد الأولاد بتعز وبسرعة إرسال ما يمكن إرساله من المصاريف وبعد أيام تسلمت 500 دولار فبدأت أنهي عزلتي عن الفندق والخروج أما قبل ذلك فقد كنا محكومين بالبرنامج المعد من قبل المعهد المسئول عن دورة الخمسين صحفياً القادمين من الوطن العربي، والحقيقة أنها قد كانت رحلة مفيدة رغم ما شابها من المنغصات جراء “الطباع العربي!؟” ويكفي أننا قد زرنا العديد من المدن الكبيرة والتاريخية للاتحاد السوفيتي فقد وزعنا على عدة مدن حتى لا تصبح الرحلات عبارة عن شجارات وصراعات. فكان حظي زيارة مدينة “لينجراد” التاريخية التي شهدت الشرارة الأولى لقيام الثورة الروسية عام 1917م بقيادة المناضل الكبير “لينين” كما زرت مدينة “باكو” تلك المدينة التي وصل إليها العرب عند فتوحاتهم فزرنا متحف المدينة الذي كان يحتوي على العديد من التحف العربية وعلى سبيل المثال لا الحصر بدلة شبه حديدية للقائد العربي (قتيبة ابن مسلم) كما شاهدنا العديد من المعالم التاريخية ذات الطابع العربي والإسلامي كالجوامع وخلاف ذلك أما مدينة “لينجراد” فإنها مدينة قمة في الجمال الأخاذ والروعة فهي تقع على شواطئ بحر البلطيق وأجمل ما بها طباع أهلها الودودين ودمث أخلاقهم وأذواقهم وتعاملهم مع زوار مدينتهم وإن نسيت فلا يمكن أن أنسى تلك الليلة الرائعة والممتعة التي أقيمت احتفاءً بوصولنا على نفس الفندق الذي نزلنا فيه، فأحيت فرقة الفندق الموسيقية ألحانها الشجية الراقصة وكان حظنا الفقيد عبدالرزاق سعد والزميل منصور هائل وآخرين لم تعد الذاكرة قادرة على إسعافي لذكرهم وكما سبق أن أشرت فإننا كنا قد توزعنا إلى عدة ولايات، فالبعض كان حظه إلى أوكرانيا والآخر إلى لينجراد وآخرون إلى (تبليسي) وهكذا... وعندما يأتي المرء للمقارنة بين مدينتي باكو ولينجراد فلا يجد فرصة للمقارنة بينهما وعلى وجه الخصوص بين سكان وأهالي المدينتين فأهالي مدينة باكو أشبه بالتجار الذين لا يهمهم سوى كسب المال على أي وجه كان. وخلاصة القول شتان بين هذه وتلك ومن بين مشاهداتي لمعالم مدينة لينجراد الكثيرة ذلك المتحف الواسع الكبير والذي عجزنا عن استكمال مشاهدة أجنحته ولوحاته ومقتنياته القيمة الثمينة إنه (الارمتاج) الذي يحتوي في أجنحته تاريخ الشعب الروسي الصديق وتاريخ أنظمة الحكم المختلفة وقياصرة روسيا الذين تعاقبوا على حكم البلاد حتى آخر أسرة لحكم البلاد، إنه مفخرة الشعب الروسي.. عود على بدء وإلى الموضوع الذي استهللت به هذا الموضوع والذي لفت انتباهي وكان ذلك في أواخر شهر رمضان المبارك حيث كانت تعزية الدكتور ياسين تعتبر هامة ولافتة خاصة عندما استهلها بالبيت الشعري التالي: فياموت زر إن الحياة دميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل رابط المقال على الفيس بوك