في مقابل “اللعنة الفرعونية” الخرافية الشهيرة، وردت “اللعنة السبئية” في القرآن الكريم، وتطل بدمامتها من فقرات التاريخ اليمني القديم والحديث، وتتجول جهاراً نهاراً في الواقع اليومي اليمني، كما هي حاضرة في برنامج الحوار المعول عليه في غسل أيادي سبأ من لعنة التمزق السرمدي، اللعنة السبئية هنا وفي سياقها العريق تعني التمزق والتناحر والصراعات الداخلية حتى لو كانت أيادي سبأ في كم واحد..!! لا علاقة للعنة هنا بخيار الانفصال السياسي، هذا الأخير لا يحمل بالضرورة المعاني السلبية للتشرذم، لقد كانت الوحدة اليمنية قبل السياسة أكثر عمقاً في الجوانب المختلفة الأخرى مما هي عليه الآن، أسوأ ما قد يحدث أن يكون الانفصال لا لشيء إلا لتعميق أخاديد اللعنة القديمة، سوى ذلك ليست الوحدة مقدسة ليكون الانفصال خطيئة، فالوحدة كالانفصال ظواهر وقضايا ثقافية ووطنية وقومية.. أكثر من كونها خيارات سياسية نفعية مطروحة للنقاش.. هذه الرؤية تفضي إلى تساؤلات شرعية متعلقة بهما، وبجدوى كل منهما في حل الإشكالات الحقيقية الجدلية: هل الواقع اليمني الراهن محكوم بالوحدة أم بالانفصال؟ هل كانت الوحدة هي المشكلة ليكون الانفصال حلاً؟ وهل الحالة اليمنية التي يجب الاعتراف بكونها مرضية بشكل حرج، تشبه حالة التوأم الملتصق، أم أنها بالأحرى تشبه حالات تمزق الأنسجة واختلال وظائف الأعضاء؟ وبالتالي هل هي بحاجة إلى الجبر والتضميد وتجميع الأشلاء، أكثر أو أقل من حاجتها لعمليات بتر واستئصال عضوي..؟! من المهم التمعن جيداً في حقيقة حاسمة، وهي أن المشاكل والإشكاليات التي حدثت بعد الوحدة، هي تجليات لظواهر مزمنة واحدة أقدم من الوحدة في الشطرين، وستظل حتى لو حدث الانفصال، اللعنة التي تسببت بسلسلة من الانقلابات والاغتيالات والحروب الضارية في كل من الشمال والجنوب قبل الوحدة، هي ذاتها التي تسببت بحروب ما بعد الوحدة، وإن دلت تجارب التاريخ القريب هذه على شيء، فهو بديهياً أن تلك الأزمات والمشاكل التي حدثت قبل الوحدة وبعدها لم تكن بسبب الوحدة، حتى تبرر للانفصال.. فالسبب الحقيقي لكل تلك الحروب القديمة والجديدة يكمن في مراكز القوى، وتناحرها على النفوذ والسلطة، بعيداً عن القيم والطرق الديمقراطية لإدارة السلطة وتداولها.. من جهة أخرى، تعاني اليمن من أزمة وحدة، لا أزمة انفصال، الانفصال لا الوحدة هو الفائض والترف والحاكم الفعلي في واقعنا الراهن، على مختلف الجوانب والمستويات: مناطق خارج نفوذ الدولة، شرائح مغيبة، كوادر مهمشة، فئات مغلقة على نفسها كأنها تعيش في كواكب منفصلة، فجوات مرعبة بين الطبقات والفئات والأشخاص، حروب باردة وساخنة بين الطوائف والمليشيات والأتباع.. وفوق كل ذلك هناك ألف حاكم وحاكم لهذه المنطقة الخارجة عن السيطرة، والمحكومة بالتفلت والانفلات والتشظي والفوضى.. !! صدقوني أيها الرفاق، ما نحتاجه هو المزيد من التقارب والتفاهم والمكاشفة والحوار، المزيد من الوحدة والحرية والعدالة والمساواة، لطرد تلك اللعنة الأزلية التي تتوارثها أيادي سبأ، ليست الوحدة هي المشكلة، ولن يكون الانفصال هو الحل، الحل المعقول هو دولة ديمقراطية مؤسسية مركزية قوية واحدة، تحتكر السلطة والعنف وتفرض سيطرتها وحضور مؤسساتها وخدماتها لكل مواطن، وفي كل شبر من الوطن.... [email protected] رابط المقال على الفيس بوك