عندما خلفتها وراء ظهري كانت تعزالمدينة تضج في جنبات نفسي وتتأبى نفسي الملتاعة على مغادرتها؛ على الرغم من تواضعها الشكلي على الأقل ورداءة خدماتها ومغادرة الأمن والطمأنينة منها. وعندما وصلت الرياض راح خيال غريب يضرب بأطنابه عميقا في روحي المنكسرة وعلى غير شعور مني وجدتني أعقد مقارنة بين مدينة يمنية كتعز مثلاً تلك التي رماها نظام الحكم السابق في مكان قصي وناء بفعل بلادته المفرطة وبين هذه الغنجة المدلّلة؛ ووجدت ألا مجال للمقارنة بينهما فالمسافة بين المدينتين 33 سنة فقط أو أزيد وهي مسافة ذاهبة طويلا في البعد على أنه باستطاعتنا تجاوزها إن أخلصنا النوايا وعملنا في سبيل نهضة بلدنا بعيداً عن ذواتنا وأنانيتنا المفرطة. على أن الرياض أيضا ليست المثال بين عواصم كثيرة أكثر نماءً منها وازدهاراً الذي يجب أن يحتذى في ناحية العمران. في الطريق لشارع الملك فهد يحدثني أحد زملائي القدماء وهو بالمناسبة قريب لي طوّح البعد بيني وبينه لفترة طويلة, يحدثني هذا القريب الزميل أن رب عمله حكى له أثناء قيادة السيارة أنه عندما يذهب إلى أوروبا يصاب بالدهشة والحسرة, الدهشة من شوارع أوروبا المتطورة والحسرة على شوارع الرياض المتأخرة عن تلك, لا أخفيكم سرا أنني أيضا كنت أتوقع المدينة أكثر تطورا ونماء, فإذا كان لا يجوز لنا مقارنة تعز مثلا أو حتى صنعاءبالرياض أفيجوز لنا أن نقارنها بهاتيك العواصم الأوروبية!؟ إن مقارنة من هذا النوع تغدو نوعا من الجنون أو المغامرة غير محسومة النتائج! على أنني معجب أشد ما يكون العجب بحسن تعامل المواطنين هنا مع الوافدين، تسأل أحدهم سؤالاً مهماً كان بسيطاً فتلاقي منه الترحيب والحفاوة، سألني أحدهم إن كان يوجد موقف للسيارات عند إحدى بوابات الجامعة قلت له لا علم لي؛ فأنا طالب مستجد فقال بعد ابتسامة أحسست حرارتها وصدقها ياهلا يامرحبا, أهلا فيك شرفت, طالب آخر رآني منتظرا ًتاكسي (لمزين باستعمالهم) فقال لي: أين تبغى؟ قلت له البطحاء قال لي تفضل أوصلك لأقرب مكان لها صعدت للسيارة وكان برفقة أخيه ودار حديث بيننا لا يخلو من عبارات الترحيب والتحية ولما رأى الشارع غير مزدحم كما هي العادة أصر على إيصالي لمكاني الذي قصدته وأثناء مغادرتي السيارة عرضت له الإيجار فرفض أخذه وأمام إلحاحي الشديد وافق على أخذ عشرة ريالات فقط تطييبا للخاطر ..طبعا المسافة بين جامعة الملك سعود والبطحاء طويلة ويركب الراكب إلى هناك بثلاثين ريالاً.. والأمثلة على طيبة هؤلاء وأصالة معدنهم كثيرة.. حتى الأساتذة في الجامعة هناك رقي في التعامل شخصيا دهشت له. على أن هناك من نصحني من السعوديين وحتى اليمنيين بألا أتسرع في الحكم؛ فيوجد هنا أناس ليس كما ذكرت وأن من أتعامل معهم هم شريحة المثقفين والمتعلمين وذلك أيضا قد يكون صحيحاً على أنني لم أجد هذا الصنف حتى اللحظة وأتمنى ألا أرى ذلك. رابط المقال على الفيس بوك